الفصل الثاني
بعد مرور الدقائق القليلة الأولى من تركه وحيدًا، وعلى الرغم من نيته المتعمَّدة للاستسلام للراحة التامة لمدة ساعة، أدركَ جوليان شعورٌ غريب ومتزايد بالقلق والتململ. وبمساعدة عصًا ذاتِ رأس مطاطيٍّ كانت مستندةً إلى كرسيه، سرعان ما نهض جوليان على قدمَيه وراح يجوب أرجاء الغرفة، كاشفًا عن عرجٍ بدا أنه دائم. في تلك الشقة ذات السقف الأبيض، صار طوله ملحوظًا أكثرَ من ذي قبل، وأيضًا شكل كتفَيه المربَّع وقامته النحيلة القوية. أمسك بمسدسه لحظةً ثم وضعه؛ ورمقَ البطاقة الملصَقة في المرآة الرخيصة، التي تعلن عن أن ديفيد جريس يقوم بتأجير منازل وإقامة حفلات صيد؛ ثم التفتَ بارتعاشةٍ سرَت في جسده إثر تأمُّل لوحتَين شنيعتَين مطبوعتَين بالألوان، وروزنامة كنيسة معلَّقة على الحائط، وخريطة بالية للمنطقة، ثم عادَ إلى الطاولة التي كان جالسًا إليها. تخيَّر سيجارة وأشعلها. وسرعان ما شرع يتحدَّث إلى نفسه، وهي عادةٌ اكتسبها خلال السنوات الأخيرة من حياة فرضت عليه سرِّيتُها أن يكون وحيدًا.
تمتم في نفسه قائلًا: «ربما أكون مريضًا نفسيًّا. لكنني مقتنعٌ بأن ثَمة شيئًا يحدث، وهو ليس ببعيد عن هنا.»
وقفَ جوليان برهةً يُرهف السمع بانتباه وكانت السيجارة تحترق بين أصابعه. ثم انحنى قليلًا وخرجَ إلى الردهة الضيقة وفتح الباب المؤدي إلى المطبخ الواقع في الخلف، الذي كانت المرأة التي قد أتَت لتعتني باحتياجاتهما قد غادرته منذ وقتٍ مضى. كان كل شيء هناك في مكانه ومرتبًا على أكمل وجه. صعد الدرَج الضيق ونظر إلى داخل حجرة فورلي وإلى داخل حجرته، وفي الشقة الثالثة التي كانت مجهزةً بحمَّام مؤقَّت. لم يخرج بأي شيء. فاستدار ونزل السُّلم.
تابعَ وقد عبَس وجهُه قليلًا: «إما أنني لست بمريض، أو أنَّ أيًّا ما يحدث، فإنه يحدث خارج هذه الأبواب.»
رفع جوليان مزلاج الباب وكان تحته بِركة صغيرة من الماء وأطلَّ برأسه. وبدا أنَّ هناك انقطاعًا غريبًا لكل الأصوات المحيطة. ومن مكانٍ ما أمامه مباشرة، وعلى الجانب الآخر من سِتار الظلام المخملي الداكن، سمع صوتَ هدير الرياح البعيد وهو يُمزِّق وجه الأهوار؛ ومن ورائه كان المدُّ والجزر في البحر يصطدم بالحصى بنغماتٍ موحَّدة في زئير إيقاعي كئيب. لكن على مقربةٍ منه، ولسببٍ ما، سادَ صمتٌ شبه مُطبَق. كانت الأمطار قد توقفَت، والعاصفة هدأت. أما الرطوبة المالحة القوية فكانت منعشةً بصورة مضاعَفة بعد أن أُغلقت الحجرة الصغيرة المضاءة بالمصباح. وراح جوليان يتلكَّأ هناك عدةَ لحظات.
تمتم في نفسه قائلًا: «لا شيءَ يُضاهي الهواءَ العليل لدرءِ خيالاتك.»
ثم تجمَّد في مكانه فجأة. وانحنى للأمام في الظلام وراح يسترق السمع. لم يكن ثَمة خطأ هذه المرة. فقد وصلت إلى مسامعه صيحةٌ واضحة رغم أنها كانت خافتة وهزيلة.
«جوليان! جوليان!»
فصاحَ قائلًا: «قادم إليك يا رفيقي القديم. انتظر حتى أحضر مِشعلًا.»
عادَ بسرعة إلى داخل حجرة الجلوس، وأخذ مِشعلًا كهربائيًّا من دُرج الخِزانة الصغيرة ذات الأدراج، وبغضِّ النظر عن القوانين، خرجَ إلى الظلام مرة أخرى وصار يخترقه بفعل ذلك الشعاع الوحيد المضيء. كان الباب يفتح على طريقٍ ريفي مليء بالبِرَك المتلألئة. وعلى الجانب الآخر من الطريق، كان هناك شريطٌ من العُشب ينحدر إلى الأسفل؛ ومن بعده حاجز صخري عريض معلَّق عبره أطلال جسر للمشاة. أتاه الصوت من الماء، وكان في هذه اللحظة أكثرَ خفوتًا لكنه كان لا يزال متلهفًا. هُرِع جوليان للأمام، وجثا على ركبتَيه عند أحد جوانب الحاجز، ومرَّر يدَه تحت كتفَي صديقه وجرَّه إلى خارج المياه السوداء الراكدة.
صاحَ جوليان قائلًا: «يا إلهي!» وأضافَ: «ماذا حدث يا مايلز؟ هل انزلقت؟»
ردَّ عليه متمتمًا بصوتٍ خفيض: «سقطَ الجسر حين كنت في منتصف الطريق عليه. أعتقد أن ساقي قد كُسِرت. لقد سقطتُ ولم أستطع أن أُخلِّص نفسي؛ تمكَّنتُ فقط من إخراج رأسي من الماء والتشبُّث بعارضة الحاجز الأفقية.»
فحثَّه جوليان قائلًا: «تماسَك. سأجرُّك عبر الطريق. هذا أفضل ما يُمكنني أن أفعله.»
ثم وصَلَا إلى عتبة باب حجرة الجلوس.
فقال فورلي متلعثمًا: «آسف يا صديقي القديم!» ثم فقدَ وعيه.
استعادَ فورلي وعيه أمام مِدفأة حجرة الجلوس، ووجدَ شفتَيه مبللتَين بالبراندي وكان منقِذُه ينحني فوقه. وكان أولُ ما فعل أن راحَ يتحسَّس ساقه.
فطمأنه جوليان قائلًا: «إنها على ما يُرام. لم تنكسر. لقد فحصتُها بدقة. إن كنت قد استرحت إلى حدٍّ كبير، فسأنزل إلى القرية وأُحضر الطبيب. إنها على بُعد ميلٍ واحد.»
فقال فورلي مستجديًا إياه: «لا تَشغل نفسك بإحضار الطبيب مثقالَ ذرة. أنصت إليَّ. خُذ مِشعلك، واخرج وافحص ذلك الجسر. ثم عُد لتُخبرني بما لحقَ به.»
صاحَ جوليان معترضًا: «ما أهمية ذلك بحق السماء؟ إنما نحن في حاجةٍ إلى الطبيب. لقد غُمر الحاجز بالماء وأعتقد أن الدعامات قد سقطت.»
قال فورلي في إصرار: «افعل كما طلبت منك. لديَّ سبب لذلك.»
نهضَ جوليان على قدمَيه، وسار بحذرٍ نحو حافة الحاجز، وأضاءَ نور مشعله، ونظر إلى الأسفل. لم يكن متبقيًا من الجسر سوى جزءٍ واحد؛ أما الآخر فكان عالقًا بين الأعشاب على بُعد بِضع ياردات إلى الأسفل، وكان اللوح الخشبي الوحيد الذي يُمثِّل أساسًا له مقطوعًا بالمنشار، وكان القطع مستقيمًا ومستويًا. حدَّق جوليان في القطع لحظةً في دهشة. ثم استدارَ عائدًا نحو الكوخ، وهناك تلقَّى صدمةً أخرى. فعلى مسافة أربعين ياردةً من الممر الضيق، كانت هناك سيارةٌ صغيرة تقف بالقرب من سِياج شجري عشوائي، تراءت له بفعل اهتزازةٍ لا إرادية للمِشعل. التفت نحوها التفاتةً حادة، مبقيًا مشعله مَخفيًّا قدر ما أمكنه. كانت السيارة فارغة، وكانت سيارة كوبيه بلون رماديٍّ لؤلؤي، وكانت سيارة قوية بمقعدَين، وكان مقعداها موسَّدَين وهيكلها فاخرًا. ثم سلَّط المشعل على اسم مُصنِّع السيارة وعادَ إلى صديقه وهو غارقٌ في التفكير.
قال جوليان معترفًا حين دخل إلى غرفة الجلوس: «هناك أشياء لن أسخر منها مرة أخرى أبدًا يا مايلز. هل لديك عدوٌّ شخصي هنا؟»
أجابه فورلي: «ولا عدو واحد. فالجنود، وهم جميعًا خَلوقون، والمزارع العجوز في الخلف، وأبوك وأمك هم كل مَن أتعامل معهم في هذه الأرجاء.»
فصرَّح جوليان بتجهُّم قائلًا: «لقد قُطِع الجسر بالمنشار عن عَمد.»
أومأ فورلي. وبدا وكأنه كان مستعدًّا لهذه الأخبار.
وتمتمَ قائلًا: «ثَمة شيءٌ يحدث في هذه الأرجاء إذن يا جوليان.» وأضافَ: «هلا حلَلتَ محَلِّي واستكملتَ المهمة؟»
فكان الردُّ الفوري: «من دون أي تردد. أخبرني، ماذا عليَّ أن أفعل بالتحديد؟»
فاعتدلَ فورلي في جلسته، وكان لا يزال يُطبِّب ساقه.
فقال له آمرًا: «ارتدِ حذاءَ البحر والمعطف المشمَّع على ملابسك. وخُذْ معك عصاك وذلك المسدس ومشعلًا كهربائيًّا. لن تتمكَّن من عبورِ ما تبقى من الجسر، لكن على بُعد نحوِ خمسين ياردة تقريبًا إلى اليسار، حين تُدير وجهك عن مدخله، ستجد أنَّ عمق الماء نحو قدم واحدة فقط. اعبر من هذه المنطقة سيرًا، وتسلَّق لتصل إلى الجهة الأخرى، ثم عُدْ سيرًا عبر حافة الحاجز حتى تصل إلى المكان الذي ينزل فيه المرءُ من الجسر المكسور. هل هذا واضح؟»
«واضحٌ تمامًا.»
«بعد ذلك، سِرْ مباشرةً عبر ما هو أشبه بطريقٍ للسيارات حتى تصل إلى بوابة. وبعد أن تعبرها، ستتسلَّق تَبَّة ستجدها على يسارك ثم سِر عبر قمتها. إنه طريقٌ مُوحِش، وثَمة حواجز صخرية على الجانبَين.»
صاحَ جوليان معترضًا: «أف! يبدو أنك نسيتَ أنني ابن هذه المنطقة من العالم.»
استطرد فورلي: «ستصل إلى ما يشبه مَرقًى درَجيًّا بعد نحو ثلاثمائة ياردة. عند عبوره ستجد التبَّة متشعبةً إلى طريقين. التزِم بالأيسر منهما، وسيؤدي بك مباشرة إلى المستنقع. أدِر وجهك نحو البحر. ستجد صعوبة في التسلق، لكنك لن تتسلقَ سوى نحو خمسين ياردة فقط. بعدها ستصل إلى أرض وعرةٍ بعضَ الشيء؛ وهي تَبَّة من الرمال التي تنمو فيها الأعشاب. تحت هذه الأرض ستجد الشاطئ الحصويَّ والبحر. هناك ستتخذ موقعك.»
سأله جوليان: «هل يمكنني أن أستخدم مشعلي، وماذا سأراقب هناك؟»
أجابَه فورلي: «لا أعلم، عدا أن ثَمة رأيًا عامًّا بوجود اتصالاتٍ بين شخصٍ على اليابسة وآخرَ قادمٍ عبر البحر. لا أجد غضاضةً في الاعتراف بأنني قد أديَّتَ هذه المهمة مِرارًا وتَكرارًا كلما كنت موجودًا هنا، على مدى سنتَين، ولم أرَ أو أسمع شيئًا قط مثيرًا للرِّيبة بعد. نحن لا نتلقى أيَّ معلوماتٍ في التعليمات التي تُوجَّه لنا، ولا نحصل على أي نصيحة أيضًا. لكن ما كان عليَّ فِعله أن أستلقيَ على قمة تلك التبَّة وأُرهِف السمع. فإن سمعتَ أيَّ شيء غريب، فلا بد أن تكون حذرًا في استخدامك للمشعل. تلك مهمة بغيضة عليك لتؤدِّيَها عن صديق لك يا جوليان، لكنني أعلم أنك تتحمس لأي شيء يبدو وكأنه يحمل مغامرةً في طيَّاته.»
فكان ردُّ جوليان جاهزًا: «أتحمسُ تمامًا.» وأردفَ قائلًا: «لكن ماذا عن تركك وحيدًا يا مايلز؟»
فأرشده فورلي قائلًا: «ضَع الويسكي والصودا في مكان يمكنني الوصولُ إليه وسأكون على خيرِ ما يُرام. إنني أشعر بأنني أستردُّ قوتي بمرور الوقت. أعتقدُ أنَّ حذاء البحر خاصتك في ملحق المطبخ. وأسرِع أيها الصديق العزيز. فنحن متأخِّرون عشرين دقيقة بالفعل.»
انطلَق جوليان في مغامرته من دون أي شعور خاص بالحماس. فوجدَ منطقة العبور، وعادَ سيرًا على طول التبَّة، وسارَ على طول مسار السيارات حتى وصل إلى البوابة، وتسلَّق الحاجز من دون أن يُصيبه أيُّ مكروه. ومن هناك شقَّ طريقه بمزيدٍ من الحذر، فكان ممسكًا بعصاه في يُمناه، وفي يُسراه المِشعل وإبهامه على الزِّر. كان سكونُ العاصفة يبدو وكأنه في نهايته. وكانت السحب الكثيفة على ارتفاعٍ منخفض منه. وعلى مَرمى البصر من جهة اليمين، حيث كان خط الأهوار مكتملًا ومتصلًا، كان هديرُ الرِّياح يرتفع. وكادت عَصْفة رياح قوية أنْ توقعه من فوق التبَّة. فاضطُرَّ إلى أن يتخذ من الجانب المحجوب عن الرياح من التبَّة مَلاذًا له لبرهة، بينما مرَّت به دَفقةٌ من الثلج والبرَد وكأنها دوامة جليدية. كان زئيرُ البحر يملأ أذنَيه في تلك اللحظة، وعلى الرغم من أنه كان لا يزال بعيدًا عن البحر مسافة مائتَي ياردة كاملة بالطبع، كانت زخاتٌ شديدةُ الصِّغر من الرذاذ الأبيض تتطايرُ في وجهه بين الحينِ والآخر. ومن هناك راح يشقُّ طريقَه بحذَرٍ بالغ، شِبه زاحف، حتى وصلَ إلى المرقى. وفي المستنقعات تجاوز الماء المالح ركبتَيه مرتَين، لكنه راحَ يتسلَّق خارجًا منه حتى وصل إلى التبَّة الرملية التي ينمو عليها العُشب التي أشار إليها فورلي. واتباعًا للتعليمات، استلقى وراحَ يتَسمَّع باهتمام بحثًا عن أي أصوات خافتة ممزوجة بضجيج الطبيعة. وكم كان مذهلًا، بعد دقائق معدودة، حين وجدَ عينَيه قادرتَين على اختراق الظلام الذي بدا في البداية كجدار أسود. فعلى مسافةٍ ما إلى اليمين، استطاعَ جوليان تحديدَ الهيكل العام لحظيرة مهجورة، كانت تُستخدَم فيما مضى كمنطقةِ تمركُز لخفَر السواحل، ولا تُستخدم الآن إلا كمستودعٍ لتخزين سُترات النجاة. وأمامه كان قادرًا على تتبُّع ضفة الشاطئ الحصوي وخط البحر، ثم لفَت انتباهَه هيئةُ شيءٍ قاتم يرقد بعيدًا عن الأمواج المتلاطمة. راح جوليان يُراقبه في ثبات. ولبعض الوقت ظلَّ ذلك الشيء يرقد بلا حَراك كأنه جِذع شجرة، حسَبما تصوَّر هذا الشيء. ومن دون سابق إنذار، احدودَب ذلك الشيءُ وانسحبَ إلى الخلف أكثر. لم يَعُد هناك أيُّ شك. كان ذلك الشيء بشرًا، يرقد على بطنه ورأسه متجه نحو البحر.
كان جوليان، الذي دخلَ مغامرته بالتشكُّك المتغطرس لملحد قويِّ الإلحاد دُعي إلى حضور جلسة لتحضير الأرواح، واعيًا للحظة بإحساس جديد كليًّا. ووجَد جوليان، الذي كان شخصًا ذا غرائزَ نفسية حادة، نفسه يُحلِّل ذلك الإحساس بمجرد أن أدركه.
قال جوليان في نفسه معترفًا: «لا شكَّ أنني خائف!»
كان قلبُ جوليان يخفق بقوةٍ غيرِ معتادة؛ وكان مدركًا لوخزٍ حادٍّ في كل حواسه. وبينما كان لا يزال راقدًا على بطنه ويكاد يكتم أنفاسه، رأى خطَّ ضوءٍ ضعيف آتيًا من مِشعل كهربائي يتسلَّل على سطح البحر، وكان واضحًا أن مصدر ذلك الضوء هو يدُ رفيقه في المراقبة. وفي تلك اللحظة نفسِها تقريبًا تبدَّد الارتباكُ غيرُ المحدَّد الذي هاجمه. فأطبَق جوليان بأسنانه بعضها على بعض، وراح يراقب خطَّ الضوء ذاك. كان الضوء يتحرك يَمنة ويَسرةً ببطءٍ على سطح البحر، كأنما يبحث عن شيءٍ ما. سحبَ جوليان نفَسه بحذر، بوصة تلو الأخرى، نحو طرَف الربوة الرملية. كان عقله يعمل بحالةٍ جديدة من الصفاء. ثم ومضَت في ذهنه فكرةٌ في غضون تلك الثواني المعدودة. كان جوليان يعرف جغرافية المكان جيدًا، زاوية الحظيرة، وبرج الكنيسة الكائن وراءه، وذلك المراقب الذي يرقد أمامه مباشرة. لقد حُلَّت شيفرته!
فكَّر جوليان، الذي كان هادئًا تمامًا الآن، بشيءٍ من الندم، في المسدس الذي كان يبغض فكرة إحضارِه معه. وفي غضون ثوانٍ من هذه المراقبة، شغَل نفسه بالتفكير بتريُّثٍ في الخطوة التالية التي عليه اتخاذُها. فإنه إن وَطِئ الشاطئ الحصوي بقدمَيه، فسينتبه إليه المراقبُ من تحته، وإن قام وجرى من فورِه، فلا أملَ من المطاردة. وقد كانت هيئة ذلك الشخص، بقدر ما استطاع أن يُميِّزه، أقربَ إلى صبيٍّ منه إلى رجل. وبدأ جوليان يُقدِّر في هدوء احتمالاتِ التدخل الفوري. ثم حدثت أشياء، وكتم أنفاسه لحظة.
أضاءَ خط الضوء مرةً أخرى، وبدا في هذه المرة وكأنه يكشف عن شيء؛ شيء برز من الماء بدا أشبه بشريط طويل من أنبوب الزِّنك. ثم ألقى المراقبُ الموجود عند حافة البحر مِشعلَه وأمسكَ بطرَف هذا الشيء، وفي خضم شعوره بالإثارة، استسلمَ جوليان إلى إغراءٍ لحظي قاهر. أضاءَ جوليان مِشعله وراحَ يُراقب بينما بدا ذاك الشخص المتلهف يفكُّ الجزء العلوي من الأنبوب بوسيلةٍ ما وسحبَ منه حزمةً داكنة ملفوفة. وحتى في تلك اللحظة الفارقة، بدا الشخصُ ذو القامة النحيلة الموجودُ على الشاطئ وقد صارَ واعيًا بالضوء الذي كان هو في مركزه. فالتفتَ الشخص؛ وكان هذا هو كلُّ ما حصل عليه جوليان أوردين في مغامرته. فبعد بُرهة من الوقت، بدا جوليان في غضونها وكأنه يعيش في دوامةٍ من الظلام، كان بها ألفُ رجل يطرقون على ألف سِنْدان، فيَملَئُون العالم بالشرر وصدى صوتِ كل ضربة من ضرباتهم يُدوي في أذنه، فتح جوليان عينَيه ليجد نفسه مستلقيًا على ظهره وإحدى ساقَيه في بِركة من الماء المالح تدفعها نحو وجهه يَدٌ مجهولة بكدٍّ. وبجواره كان واعيًا بوجود رجل قصير القامة سمين البِنْية يرتدي زيَّ صياد يتألف من معطف من المشمَّع وقبعة منسدلة على وجهه لكي تُخفي ملامحه، وكان من الواضح أنه هو الرجل الذي سدَّد إليه الضربة. ثم سمعَ من خلفه صوتًا في غاية الرقة والهدوء.
«سيَفي ذلك بالغرض. هيَّا.»
فنخرَ الرجل الذي كان إلى جواره.
وقال بنبرةٍ غليظة: «سأتحقَّق منه.» ثم سمع ذلك الصوت الواضح آتيًا من خلفه مرةً أخرى، وكان في هذه المرة مرتفعًا بعضَ الشيء. لم تستطع الكلماتُ أن تصل إلى ذهنه، لكن نبرة الحديث كانت تنمُّ عن معارضة باردةٍ وغاضبة، أعقبَها أمرٌ إلزامي. ثم بدأ وعيه يُفارقه مرةً أخرى. فانتقل إلى العالم الذي بدا أنه لا يتألف إلا منه والشابِّ الذي يرتدي معطف الصيَّاد المُشمَّع فقط، الذي كان في بعض الأحيان هو فورلي، وفي بعض الأحيان أخته، وفي أحيانٍ أخرى هيئة شخصٍ كان يُفكر فيه باستمرارٍ طَوال الساعات الأربع والعشرين المنصرمة، وقد بدا أنه يتعاطف معه في لحظةٍ ما، وفي الأخرى يلعب على وجهه بخرطوم الحديقة. ثم تلاشى كلُّ شيء، وتسلَّل إليه نوعٌ من الخَدر. كان يخوضُ صراعًا مستميتًا من أجل استعادة وعيه. كان ثَمة شيء باردٌ يرتكز على وجنته. فامتدَّت أصابعه تجاهه. كان ذلك الشيء هو قنينة أُخذت من جيبه ووُضعت في مكانها بواسطة يدٍ خفية، وكان غِطاؤها مفتوحًا بالفعل ورائحتها المنعشة تتسلَّل عبر منخارَيه. فأرشدها بأصابعه المرتعشةِ إلى شفتَيه. وتسلَّل إليه إحساسٌ لطيف بالدفء. وسقطَ رأسه للخلف.
حين فتحَ عينَيه مرةً أخرى، التفتَ حوله أولًا ليرى الشايَ بجوار سريره، ثم حدَّق أمامه متسائلًا إن كانت تلك الأشياء التي رآها قد تجلَّت بالفعل عبر ستارة مرفوعة. كان هناك المستنقع، الذي كان بمثابة لوحة تُجسِّد الحياة الهادئة، وسُترات البحر الملتفَّة تتسلَّل كالأفاعي مبتعدةً عنه نحو اليابسة، مع بِرَك واسعة تتخلَّلها ومضاتٌ خافتة من ضوء الشمس بين هنا وهناك. وكانت هناك أجماتُ الخُزامى البرِّي التي كان مفتونًا بها كثيرًا، والرقع المعشوشبة ذات اللون الأخضر الفاقع، فيما مرَّ فوق رأسه سِربٌ من البط يضرب الهواءَ بأجنحته أثناء مروره. كان جوليان يُعاني من تيبُّس ودُوار شديدَين، وأخذَ يترنَّح وهو ينهض على قدمَيه. كانت القرية على يمينه ببيوتها ذات القرميد الأحمر وكانت مألوفةً له، وبيوت المزارعين الدافئة بحقولها البنِّية وأحزمةُ الأشجار حولها، ومنحنى الطريق الأبيض.
ثم في ومضةٍ من ومضات الذاكرة، تذكَّر كلَّ شيء. تحسَّس أعلى رأسه، وكان لا يزال يؤلمه؛ فنظر أسفلَ منه على امتداد الشاطئ الحصوي، وخوى في تلك اللحظة من أيِّ ذكريات، وفي النهاية سار متثاقلًا عائدًا إلى الكوخ، مستندًا بثقل جسمه كلِّه على عصاه، ولاحظ وهو يقترب أكثرَ من الكوخ غيابَ السيارة من مكانها الذي كانت تأوي إليه. كان مايلز فورلي جالسًا في كرسيِّه ذي الذارعَين ممسكًا بفنجانٍ من الشاي في يده، وكانت السيدة ويست تعتني به على نحوٍ مبالَغ عندما رفع جوليان المزلاج وجرجرَ نفسه إلى داخل حجرة الجلوس. التفت كلاهما لدى دخوله. فأوقع فورلي ملعقةَ الشاي ورفعت السيدة ويست يدَيها فوق رأسها وأطلقَت صرخة. وغاصَ جوليان في أقرب كرسيٍّ له.
تمتمَ جوليان قائلًا: «لقد أتتني الميلودراما في الأخير. أعطيني بعض الشاي، بل إبريقًا كاملًا منه يا سيدة ويست، وجهِّزي لي حمامًا ساخنًا.»
ثم انتظر حتى غادرت مُدبِّرة المنزل المؤقتة الغرفة بهمةٍ ونشاط. ثم اختتم جملته.
قال جوليان بنبرةٍ مؤثِّرة: «لقد عُومِلت بقسوة!» ثم شرعَ يقصُّ مغامرة الليلة على مسامع مضيفه.
صرَّح جوليان قائلًا بعد نحو ساعتين بينما كان يُعد لنفسه بعض اللحم المقدَّد والبيض للمرة الثانية: «ذلك تقدير رائع لسلامة دساتيرنا. من الواضح يا مايلز أنني وأنت قد عشنا حياة سوية سليمة.»
فقال فورلي معلِّقًا: «يبدو أن المعاملة القاسية التي تلقيتها قد فتحَت شهيتك.»
ردَّ جوليان قائلًا: «ويبدو أن ساقك المصابة قد تسبَّبَت لك في المثل. هل سألك الطبيب كيف ألحقتَ هذه الإصابة بنفسك؟»
فأومأ فورلي.
«لم أقل سوى أنني انزلقتُ في الأهوار. فالمرءُ لا يتحدَّث عن مثل تلك المغامرات الصغيرة كالتي مررنا بها أنا وأنت ليلة أمس.»
سأله جوليان: «بالمناسبة، ماذا يفعل المرءُ حيال ذلك؟» وأردفَ: «أشعر بشيء من الارتباك والذهول بشأن الأمر برُمَّته، حتى في تلك اللحظة أشعر بأنني أعيش في عالَمٍ وهمي وما إلى ذلك كما تعلم. يبدو لي أننا كان ينبغي لنا أن نُخرج الكلاب البوليسية ونبحث عن شابٍّ جذاب ورجل متنمِّر بغيض، كلاهما يرتدي معطفًا مشمَّعًا بُني اللون و…»
فقاطعه فورلي قائلًا: «أوه، اصمت! إنَّ قسم الاستخبارات المسئول عن هذا الجزء من الساحل لا يقوم بأشياء كهذه. عليك أن تتذكَّر يا جوليان أن تُبقي فمَك مغلقًا. سيزورني شخصٌ هنا عصر اليوم وسأُقدِّم له تقريرًا.»
قال جوليان في إصرار: «الأمر سيَّان، إننا، أو بالأحرى أنا، كنتُ ومن دون شكٍّ شاهدًا على عمل من أعمال الخيانة. لقد رأيتُ اتصالًا يُقام مع العدو بوسيلة دقيقة متصلة بما بدا قطعةً من أنبوب غاز.»
قال فورلي مزمجرًا: «أنت لا تعرف أنَّ هذا كان العدو من الأساس.»
أجابَ جوليان: «توجد وسائلُ أخرى لنا، هناك مكتب البريد، ومكتب التلغراف، والهاتف. أرفضُ أن أُصدِّق أن أيَّ شخص عاقل سيذهب إلى البحر في طقسٍ كطقس ليلة أمسِ لمجرد إرسال خطاب إلى شخصٍ مُسالم يسكن هذه الأرجاء. لديَّ حَدْس يا فورلي. لقد عانيت — والحمد للرب أن جُمجمتي ليست هشَّة! — ولن أسمح بأن يحتالَ عليَّ في تعويضاتي.»
فقال فورلي متوسلًا: «حسنٌ، أبقِ فمَك مغلقًا يا صديقي العزيز؛ حتى أكون قد قدَّمت تقريري إلى ضابط الاستخبارات. سيكون هنا في غضون الرابعة. هل تُمانع في الحضور؟»
فوعَده جوليان قائلًا: «ليس لديَّ أيُّ مانع. وأهلي سيكونون سعداءَ ما دمتُ سأعود إلى المنزل من أجل تناول العشاء.»
قال فورلي: «لا أعرفُ كيف ستُرفِّه عن نفسك هذا الصباح، وأخشى أنني لن أستطيع الخروج للصيد هذا المساء.»
قال جوليان مناشدًا إياه: «لا تقلق بشأني. تذكَّر أنني عمَليًّا في وطني. فالمسافة من هنا إلى «ذا هول» ثلاثة أميال فقط؛ فلا تنظر إليَّ كزائرٍ عادي. وسأذهبُ في نزهة في غضون دقائق قليلة.»
فصرَّح فورلي في نبرةِ حسد قائلًا: «يا لحُسن حظِّك!» وأضافَ: «إن شروقًا كهذا يجعل المرءَ يشعر وكأنه على شواطئ الريفييرا لا في نورفولك. هل ستزور مسرحَ مغامرتك؟»
أجابه جوليان في تأمُّل: «ربما. فغريزة الكلب البوليسي بدأَت تستعرُ بداخلي. ولا أستطيع أن أجزم إلى أين قد تقودني.»
انطلقَ جوليان في نزهته بعد نحو نصف الساعة. فتوقَّف أولًا عند منحنًى في الطريق، على بُعد نحو خمسين ياردة، ومضى قُدمًا بالقرب من السياج.
ثم قال في نفسه: «لا بأسَ تمامًا بغريزة الكلب البوليسي، لكن لماذا لم أخبر فورلي بأمر السيارة بحق السماء؟»
توقَّف جوليان ليُفكِّر في الأمر، ولم يكن مدركًا إلا لحقيقة أنه في كلِّ مرة كان يفتح فمَه ليخبره، كان يشعر بميل ملحوظ وغير مبرَّر لعدم إخباره. وكان يُعزِّي نفسه في هذه اللحظة بالتفكير في أن تلك المعلومة لن تكون لها قيمة إلى حدٍّ ما حتى العصر، وبدأ من فوره في إجراء التحقيق الذي كان قد خطَّط للقيام به.
كان الطريق لا يزال موحلًا، وكانت آثار إطارات السيارات ظاهرةً بوضوح، وكانت ذات نمطٍ غريب. تتبَّعها جوليان عبر الطريق مسافةَ ميل ونصف الميل. ثم توقَّف أمام بوابة من خشب البلوط وتلقَّى صدمة استثنائية. فعلى القضيب العلوي للباب نُقِشَت عبارة بحروف مطليَّة باللون الأبيض.
مالتينبي هول
مَدْخَل التجَّار
وبفحصٍ سريع جدًّا تبيَّنَت له حقيقة أن العربة التي كان يتتبع أثرها دخلَت هنا. فرفعَ يده واستوقَّف عربة لحمل الأمتعة كانت قد انعطفَت لتوها على الطريق. فتوقَّف الرجل ولمسَ قبعته.
فسأله جوليان: «إلى أين يا صديقي؟»
أجابه الرجل: «أنا ذاهبٌ إلى محطة هولت يا سيدي، بعد إنزال بعض الأمتعة.»
سأله جوليان: «هل هناك أيُّ نزلاء في ذا هول جاءوا بسيارة إلى هنا، هل تعرف؟»
فأجابَ الرجل: «الآنسة الشابة فقط يا سيدي، الآنسة آبواي. جاءت في سيارة بانهارد كوبيه صغيرة.»
قطَّب جوليان جبينه وهو غارقٌ في التفكير.
ثم سأله: «هل خرجت بها هذا الصباح؟»
هزَّ الرجل رأسه نافيًا.
فأجابه الرجل: «لقد تعطَّلَت بها السيارة عصرَ أمسِ يا سيدي، عند حوالي منتصف الطريق من ذا هول إلى هنا.»
قال جوليان مكررًا: «تعطَّلت؟» وأضافَ: «أمن عطلٍ جسيم بها؟ ألم تستطع أن تُصلحها لها؟»
قال الرجل موضحًا: «لم تكن لتسمح لي بأن أمَسَّها يا سيدي. قالت إن لديها اثنتَين من شمعات الاحتراق معطوبتَين، وكانت تريد أن تستبدلهما بنفسها. لقد حصلت على بضع دروس، وأعتقد أنها أرادت بعض التدريب العمَلي.»
«فهمت. إذن السيارة على الطريق الآن؟»
«على بُعد نحو نصف ميلٍ على الجانب الأيسر من الطريق يا سيدي، عند شجرة الدردار الكبيرة مباشرة. لقد قالت الآنسة آبواي إنها ستعود عصر اليوم لتركيب الشمعتَين الجديدتَين.»
ألحَّ جوليان في السؤال: «إذن فالسيارة كانت موجودةً هناك طوال الوقت منذ عصر الأمس؟»
«كانت الآنسة الشابة ترغب في تركها هناك يا سيدي. كان بإمكاني أن أستبدلَ الشمعتَين بنفسي يا سيدي في غضون خمس دقائق وكنتُ لأحضرها لها عند المنزل، لكنها لم تُرِد أن تسمعني.»
«فهمتُ يا صديقي.»
فسأله الرجل: «هل حالفك الحظ مع الإوزِّ ليلة أمس يا سيدي؟» وأردفَ: «سمعتُ أنه كان يوجد سِربٌ كبير منهم على أهوار ستيفكي.»
فأجابه جوليان: «اصطدتُ واحدة. كان حظنا عاثرًا.»
ثم شقَّ طريقه عبر الطريق بين الأشجار. وعند النقطة التي حدَّدها السائقُ تمامًا كان هناك سيارة كوبيه صغيرةٌ متوقفة وقد سُحِبت إلى المنطقة المعشوشِبة على جانب الطريق. رمقَ اسمَ مُصنِّع السيارة بنظرة خاطفة، ونظرَ مرةً أخرى إلى الآثار الموجودة على الطريق. وفي الأخير، قرر أن تحرِّياته تؤدي به إلى وجهة غيرِ مرغوب فيها تمامًا.
فاستدار وسار عائدًا عبر الأهوار، حيث لم يجد شيئًا يُثير انزعاجه، وتناول الغداء مع فورلي، الذي كانت ساقه قد تحسَّنَت آنذاك كثيرًا حتى إنه كان قادرًا على وضعها على الأرض.
سأله جوليان حين جلسَا معًا ليُدخِّنا بعد الغداء: «ماذا عن زائرك ذاك؟» وأردفَ: «لا بد أن أعود إلى ذا هول في الوقت المناسب لتناولِ العَشاء الليلة، كما تعلم. فأهلي مُصرُّون على ذلك.»
أومأ فورلي.
وأجابه: «ستكون على ما يُرام. في الواقع، لن يأتيَ ذلك الزائر.»
فكرَّر جوليان: «لن يأتي؟» وأضافَ: «يا إلهي، حسبتُ أن دزينة من ضباط الاستخبارات سيتواجدون هنا!»
فأسرَّ إليه فورلي قائلًا: «لقد أُسند الأمر برُمته إلى السلطات العسكرية لسببٍ أو لآخَر. أتاني رجلٌ لزيارتي هذا الصباح، وأخذَ التفاصيل كاملة. لا أعرف إن كانت تلك التفاصيلُ ستُثير لديك القلقَ من الأساس … حتى وقتٍ لاحق على أي حال.»
«يا إلهي، يبدو هذا غريبًا!»
تابع فورلي قائلًا: «إنَّ ما حدث ليلة أمسِ كان غريبًا حقًّا. أعتقد أن فرصتهم الوحيدة للوصول إلى لبِّ الأمر هو أن يختبئوا ويُراقبوا قدر ما يُمكنهم. الأمر ليس كالقضايا التي تتعامل معها الشرطة كما ترى. فهم لا يريدون شهودًا ولا محاكم. كلمةٌ من رجل واحد وفوهةُ بندقية ستَفيان بالغرض.»
تنهَّد جوليان.
وقال: «أعتقدُ أنني إن قمتُ بواجبي كمواطن مخلص، فسأُسدِل الستار على أحداث الليلة الماضية. يبدو مؤسفًا أن أحظى بمغامرةٍ كهذه من دون أن أكون قادرًا على أن أفتح فمي بالحديث عنها.»
زمجَّر فورلي.
وقال: «لن ترغب في أن تنضمَّ إلى جيشِ حقائب الغاز النبيل. فمن الأفضل إذن أن تُقرر أنها كانت حُلمًا.»
فأسرَّ إليه جوليان قائلًا: «ثَمة أوقاتٌ لا أكون فيها واثقًا من أنه لم يكن حُلمًا.»