الكوكب الدري
وبعد؛ فإني لما رزقني الله تعالى سعادة الدارين، تشرفت مدة عشر سنين بخدمة سلطان الحرمين الشريفين، خان الأعظم، وخاقان المعظم، مولى ملوك الترك والعرب والعجم، حافظ بلاد الله، ناصر عباد الله، وارث ملك يوسف الصديق، إمام الأعظم بالحق والتحقيق، مظهر الآيات الربانية، مظهر الأسرار الروحانية، أمير المؤمنين، وخليفة المسلمين، الملك الأشرف ذو الفيض النوري، أبي النصر قانصوه الغوري، اللهم أدِم سبحات فيضانه على أغصان بستان الإمكان، وعمم إنعامه وإحسانه على أزاهر أشجار الأكوان؛ ليجتني من إرم كرمه، وروضة نعمه، قاص ودان، إلى آخر الزمان.
اللهم أمِّن بلده، واحفظ ولده، اللهم انصره نصرًا عزيزًا، وافتح له فتحًا مبينًا، وكن له حافظًا وناصرًا ومعينًا.
ويرحم الله عبدًا قال: آمينا.
قصدت أن أجمع درر فوائد مجلسه في سمط العبارة والكتابة، وأنظم جواهر زواهره في سلك الاستعارة والكناية؛ لأنه ورد عن بعض الأنام: كلام الملوك ملوك الكلام. سيَّما إذا كان المبحوث عنه تفسير كلام الملك العلام، ونكات أحاديث سيد الأنام، عليه الصلاة والسلام، ومباحث سلطان الإسلام، لو يقول البشر في حق هذا المظهر: إنه سلطان العلماء العاملين، ما هو قليل في حقه، أو يقول في وصفه: إنه سلطان العارفين، ما أفرط في وصفه.
قال أنوشروان: إذا أراد الله بقوم خيرًا جعل العلم في ملوكها والملك في علمائها.
وجمعت شيئًا يسيرًا وفات مني شيء كثير؛ لأن جنابه العالي مرجع للأفاضل، وبابه العظيم مجمع الفضائل والفواضل.
هذا مع ما خصه الله تعالى من الفضائل النفيسة، والمناقب الشريفة اللطيفة؛ أعطاه من العلم أشرفه، ومن الحلم أوفره، ومن الرتب أعلاه، ومن الملك أقواه، ولهذا ارتقى سلطاننا إلى المقام العالي، الذي كان نهاية درجات الأفاضل والأهالي.
وفضل هذا السلطان على سلاطين الدنيا كفضل السلاطين على الرعايا.
فجمعت من بحار فوائده قطرة، ومن شموس محاسنه ذرة، لم أقدر أن أجمع إلا واحدًا من ألف، بل من مائة ألف؛ لأني كنت فقير الحال، متزلزل الأحوال، مكسور الخاطر، من الأول إلى الآخر، وقد انضم مع هذا ضعف الجسد، وكثرة أهل الحسد، وقلة ما في اليد.
فجمعت بقدر طاقتي، وبحسب فقري وفاقتي، من مشكلات تفسير كلام الله، ومعضلات أحاديث رسول الله، وألغاز المسائل الفقهية، وأسرار العلوم العربية.
فجمعت من المسائل المشكلة، ألفي مسألة، وسميته: بالكوكب الدري، في مسائل الغوري.
ونرجو من مكارم الأخلاق والشيم، ونلتمس من علماء العالم، أنهم إن يطلعوا على سهو أو خطأ أو نسيان، الذي هو لازم لبني نوع الإنسان، أن يغمضوا العين، ويستروه من البين، وأن يكونوا ساترًا للمعايب، لا مظهرًا للمثالب؛ لأن أشرف الكلام بعد كلام الملك العلام، الحديث الشريف، ومع هذا لم يسلم من الموضوع والضعيف، مع وجود الصحابة الكرام.
قال ابن ملك الروم أمير قُرقُد: لأي حكمة قال: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ، ولم يقل: بنبيه أو برسوله؟
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: لأنهم لم يسلموا نبوته، ولم يصدقوا رسالته، وكان في أول الأمر وبداية نبوته، والعرب منكرة لرسالته ونبوته، لو يقول: بنبيه أو برسوله، فيقول الكفار نبيه موسى أو عيسى، وليس لك في هذا دخل، فعبر بعبارة لم يشك العرب فيها.
قال أعظم سلاطين الدنيا: ضمير إنه، راجع لماذا؟ قيل: إلى الله تعالى.
قال شيخ الإسلام نقلًا من تفسير الإمام: قال صاحب التفسير: يجوز إرجاع الضمير إلى الملك القدير، ويجوز أن يرجع إلى البشير النذير، وهو أقرب.
أول هذه الآية الشريفة يدل على أن الصدقة في الظاهر أولى، ويؤيده ما ذكره الفقهاء أن إظهار الزكاة أولى من إخفائها؛ لأن الإظهار مزيل لشك المشككين في حقه، وأيضًا الغير لما ينظر ذلك يميل إلى الخير، فما معنى قوله: وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ؟ لأنه يدل على أن الإخفاء خير من الإظهار، فما وجه التوفيق بينهما؟
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: لا شك أن إظهار الزكاة أولى إن لم يكن هناك مانع، كالحكام والظلمة الطامعين في أموال الناس، فإخفاء الزكاة أولى؛ لأن الإظهار يحصل منه الضرر، وهو تبيين وجود المال وإظهار عدده.
الجواب: قلت: لو حصل للمصلي حدث، فراح حتى يتوضأ، فإذا قرأ في رواحه وهو محدث بطلت صلاته.
درة
قال السلطان المرحوم تغمده الله برحمته في الجواب: نحن متمسكون بالسنة بقوله عليه الصلاة والسلام: كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر. فلأي سبب لا تكتبون أنتم في أول مراسيمكم: بسم الله الرحمن الرحيم؟
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: متمم المتمم هو نفسه ولا يحتاج إلى غيره.
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: لا يرد هذا السؤال إلا على من هو قائل بفرضية الفاتحة في الصلاة، أما عند الحنفية فلا إشكال.
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: قول النبي ﷺ: لا صلاة إلا بالفاتحة.
الجواب: قال شيخ الإسلام: إن القرآن لا ينسخ بالحديث، ولا يخصص أيضًا؛ لأن الحديث ما ثبت إلا بخبر الواحد، وخبر الواحد لا ينسخ النص القطعي، فلا يرد هذا الحديث علينا.
الجواب: من قرأ بالفارسية في الصلاة يجزيه عند أبي حنيفة، أما عند صاحبيه فلا يجوز له إلا عند العجز؛ موافقًا لمالك رحمه الله والشافعي وأحمد.
الجواب: قال شيخ الإسلام: القياس يقتضي الجواز بأي لغة كان، ولكن خصص أبو حنيفة لسان الفارسي من بين الألسنة؛ لأنه لغة مقررة مضبوطة، بخلاف اللغات الأخرى؛ فإنها لا ضبط لها.
الجواب: قال شيخ الإسلام: إذا كان ترجمة آية من الآيات القرآنية يجزيهما في الصلاة، وإلا فلا.
قال حضرة مولانا السلطان: لا شك أن الويل واد في جهنم أو جُبٌّ فيها على اختلاف الروايات، فكيف الذين سهوا في الصلاة يستحقون الويل، مع أن الشارع أمَر لجبر السهو بسجدتي السهو؟
وأيضًا ورد في الحديث الشريف عن سيد الأنبياء: رُفع عن أمتي السهو والخطأ.
الجواب: قال المفسرون: المراد بالساهون أي التاركون.
قال حضرة مولانا السلطان: حَمل (الساهون) على (التاركون) خلاف الظاهر؛ لأن الترك من باب العمد لا من باب السهو.
قال صاحب الكشاف: المراد من الساهون أي المنافقون.
قال حضرة مولانا السلطان: هذا الجواب أيضًا ليس بسديد؛ لأن المنافقين لا يصلون؛ لأن الصلاة لا تجوز إلا بالنية، والمنافق لا ينوي الصلاة.
قال حضرة مولانا السلطان: اللهم إلا أن يقال: عمل المنافق شبيه بالصلاة.
وأما السهو عن الصلاة وهو الغفلة عن الصلاة والتأخير عن وقتها فهو من عمل المنافقين.
قال ابن عباس: الحمد لله الذي قال: عن صلاتهم. ولم يقل: في صلاتهم.
قال الإمام الجليل أعني الشيخ كمال الدين الطويل: سؤال حضرة مولانا السلطان في غاية القوة، وجوابنا في غاية الضعف.
قال شيخ الإسلام، وكهف الأنام، الرئيس ابن الرئيس إلى آدم الصفي، أقضى القضاة الحنفي، عامله الله بلطفه الخفي: نحن معترفون بعجزنا أنه لا يمكن الخروج عن عهدة هذا السؤال إلا بالتأويل، ولا يمكن أن يقال جوابه بوجه التفسير.
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: إن الله تعالى خلق العينين فجعلهما شحمتين وخلق الملوحة فيها؛ لحفظ العين، ولولا ذلك لذابتا فذهبتا، وجعل المرارة في الأذنين؛ لأنه لو لم يكن كذلك لهجمت الدواب وأكلت الدماغ، وجعل الماء في المنخرين ليصعد منه النفَس وينزل ويجد منه الروائح الطيبة من الروائح الكريهة، وجعل العذوبة في الشفتين؛ ليجد ابن آدم لذة المطعم والمشرب.
قلت: إذا انقلب الخمر خلًّا في الإناء فيطهر بغير غسل.
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: لأن لبس فرعون أحمر، ولبس النمرود كان أصفر، وهما اللذان ادَّعيا الألوهية، ولهذا صار الأحمر والأصفر مكروهين في شرعنا.
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: مقصود سيدنا علي والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين من لبس الأحمر المهابة في قلوب الكفار، والمهابة بأي وجه تحصل يجوز للمسلمين القيام به.
الجواب: ثبت في الصحيح أنه فعل ذلك بالحنَّاء والكَتم، وأمر مشايخ الصحابة بالخضاب؛ حتى يهابهم الكفار.
حكاية
لما بعث حضرة مولانا السلطان المماليك والجواري إلى قرقد بك فلم يقبلهم، وبعث كتابًا إلى حضرة مولانا المقام الشريف، والمكتوب في كتابه هو هذا:
وأيضًا لا يجب علينا التفتيش، ويجب علينا في حق المسلمين ظن الخير.
وأيضًا يَرِد عليكم في كل ما يطلع من الأرض: هل وزنوا خراج بيت المال بالتمام والكمال، ولم يكن مزروعًا في الأرض المغصوبة، وما ظلموا الفلاحين؟
فجوابنا في المماليك والجوار مثل جوابكم في هذا.
فبعث الجواب مولانا السلطان إلى قرقد بك، فأفحم عن الجواب، وغلب بعد هذا، فجابوا من فتاوى السبكي نقلًا؛ وهو هذا:
قال الجويني من كتاب التبصرة في الوسوسة باب الإيضاح والاحتياط فيها:
أصول الكتاب والسنة والإجماع متطابقة على تحريم وطء السراري اللاتي يجلين من الروم والهند والترك إلا أن ينصب في الغنائم من جهة الإمام من يحسن قسمتها من غير حيف وظلم.
ثم بسط الكلام في الدليل على ذلك.
فما حكم هذه الجواري التي تجلب اليوم من تلك البلاد إذا قلنا بما جعل الرافعي المذهب من أن الجماعة اليسيرة إذا دخلوا دار الحرب متلصصين وأخذوا شيئًا كان غنيمة مخمَّسة؛ فإن الغالب أن ما يجلب اليوم إنما يوجد على هذا النحو. نعم الإمام رحمه الله وجماعة جعلوا المذهب أن ذلك يختص به السارق ولا يخمس، فعلى هذا لا إشكال فيما أخذ سرقة، والمسئول بيان ذلك، وما الراجح دليلًا في أن ذلك غنيمة مخمسة أم لا؟ مع أن ترجيح الإمام الرافعي بأنه غنيمة يخالف قوله، فإن الغنيمة مال حصل بالقتال؛ إذ الفرض أن ذلك أخذ خفية على وجه السرقة.
- أحدها: من تحقق إسلامها في بلادها وأنه لم يجر عليها رق قبل ذلك، فهذه لا تحل بوجه من الوجوه إلا بالزواج بشرطه.
- الثاني: كافرة ممن لهم ذمة وعهد فكذلك.
- الثالث: كافرة من أهل الحرب مملوكة لكافر حربي أو غيره، فباعها فهي حلال لمشتريها.
- الرابع: كافرة من أهل الحرب قهرها أو قهر سيدها كافر آخر، فإنه يملكها
كلها ويبيعها لمن يشاء، وتحل لمشتريها.
وهذا النوعان الحل فيهما قطعي، وليس محل الورع، كما أن النوعين اللذين قبلهما الحرمة فيهما قطعية.
- النوع الخامس: كافرة من أهل الحرب لم يجر عليها رق، وأخذها مسلم، فهذا على
أقسام:
- أحدها: أن يأخذها جيش من جيوش المسلمين بإيجاف خيل أو ركاب
فهي غنيمة أربعة أخماسها للغانمين، وخمسها لأهل الخمس
المذكورين في الأنفال، وهذا لا خلاف فيه.
وغلط الشيخ تاج الدين الفزاري فقال: إن حكم الفيء والغنيمة راجع إلى رأي الإمام، يفعل فيه ما يراه مصلحة وصنف في ذلك كراسة وسماها: (الرخصة العميمة في أحكام الغنيمة).
وانتدب له الشيخ النواوي فرد عليه في كراسة أجاد فيها. والصواب معه، وقد بين غزوات النبي ﷺ وسراياه كلها مما حصل فيه غنيمة أو فيء قسم وخمس على ما دل عليه كتاب الله.
وكذلك غنائم بدر وإن كانت قد جعلها لله ولرسوله بقوله: قُلِ الْأَنفَالُ لِلهِ وَالرَّسُولِ وقسمها ﷺ وأعطى منه سبعة أو ثمانية لم يحضروا الواقعة؛ لأنها كانت له.قيل: إنما أعطاهم من نصيبه.
وقال الشافعي: إن الأول هو الرواية الظاهرة عنده، ونزل بعد ذلك قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم الآية، فما أعطى النبي ﷺ بعد ذلك أحدًا لم يشهد الوقعة بينهم من أربعة أخماس الغنائم، ولا أخرج الخمس عن أهله، ومن تتبع السير وجد ذلك فيها مفصلًا.ولو قال الإمام: من أخذ شيئًا فهو له، لم يصح القسم.
- الثاني: أن ينجلي الكفار عنها من غير إيجاف من المسلمين أو
يموت عنها من لا وارث له من أهل الذمة وما أشبه ذلك،
فهذه يصرف لأهله الذين ذكرهم الله في سورة الحشر،
والخمس منه لأهل الخمس، والأربعة الأخماس للشافعي فيها
اليوم قولان، أصحهما أنهما للمقاتلة والثاني أنها
للمصالح.
فالجارية التي توجد من الفيء على هذا الحكم؛ فكل جارية علم أنها من الغنيمة، أو من الفيء، أو من المتولي عليهم، أو الوكيل عنهم، أو ممن انتقل الملك إليه من جهتهم، ولو بقي فيها قيراط لا يحل تملكه ممن هو له.
- والقسم الثالث: أن يروح واحد أو اثنان بإذن الإمام، فما حصل لهما من
الغنيمة يختصان بأربعة أخماسه، ويأخذ أهل الخمس
الباقي.
هذا مذهبنا ومذهب جمهور العلماء، فلا فرق بين أن تكون السرية قليلة أو كثيرة؛ لأن النبي ﷺ بعث ابن أنيس سرية وحده، وبعث عمرو بن أمية الضَّمري مع أنصاري سرية وحدهما.
وبوب الشافعي على ذلك في الأم: «الرجل يغنم وحده».
وذكره الأصحاب الشيخ أبو حامد والمحاملي والماوردي والجرجاني والروياني وغيرهم.
- القسم الرابع: أن يغزو واحد أو اثنان أو أكثر بغير إذن الإمام، فالحكم كذلك عندنا وعند الجمهور فيما يتعلق بالغنيمة وإن كان الغزو بغير إذن الإمام مكروهًا.
- الخامس: (أن يدخل الواحد) أو الاثنان أو نحوهما ليسوا على
صورة الغزاة بل المتلصصين. وقد ذكر الأصحاب إذا دخلوا
يخمس ما أخذوه على الصحيح وعللوه بأنهم غرروا بأنفسهم
وكان كالقتال.
وهذا التعليل يقتضي أنه لم يقطع في الجملة عن الغزو؛ والإمام في موضع حكى هذا وضعفه وقال: إن المشهور عدم التخميس. وفي موضع ادعى إجماع الأصحاب على أنه يختص به ولا يخمس، وجعل مال الكفار على ثلاثة أقسام: غنيمة وفيء وغيرهما كالسرقة فيملكه من أخذه؛ قياسًا على المباحات، فوافقه الغزالي على ذلك وهو مذهب أبي حنيفة.
وقال البغوي: إن الواحد إذا أخذ من حربي شيئًا على جهة السوم فجحده أو هرب به اختص به.
- أحدها: أن يأخذها جيش من جيوش المسلمين بإيجاف خيل أو ركاب
فهي غنيمة أربعة أخماسها للغانمين، وخمسها لأهل الخمس
المذكورين في الأنفال، وهذا لا خلاف فيه.
فيما قاله نظر: يحتمل أن يقال: يجب رده؛ لأنه كان ائتمنه، فإن صح ما قاله البغوي وافق الغزالي بطريق.
قال أبو إسحاق: إن المأخوذ على جهة الاختلاس فيء.
وقال الماوردي: إنه غنيمة، وما قاله الماوردي موافق لكلام الأكثرين، وما قال أبو إسحاق: إن أراد بالفيء الغنيمة حصل الوفاق وإلا فلا، وإن زعم أنه تبرع من المختلس ويعطي خمسه لغيره من المقاتلة وأهل الخمس فبعيد.
ورأيت في كتب المالكية من العتيقة عن ابن القاسم في عبد لمسلم أبق من سيده، فدخل بلاد العدو وخرج طائعًا بأموال أنها كلها له ولسيده ولا يخمس، وفي عبد دخل قرية من قرى العدو متلصصًا فأخذ مالًا يُخَمَّس.
فقيل له: ما الفرق؟ فقال: إن الذي أبق لم يدخل ليصيب مالًا ولا خرج ليقاتل، فلذلك لم أخمس ما أخذه بخلاف المتلصص، وهذا فرق حسن لو قيل بأن من لم يكن على صورة الغزو ولا قصده إليه يختص بما أخذه، ومن كان كذلك يخمس ما أخذه كان له وجه، ولكن قوة كلام الشافعي وجمهور أصحابنا يأباه، ويجعلون مال الكفار كله قسمين: إما فيئًا وإما غنيمة، ولا ثالث لهما إلا على ما قاله الإمام الغزالي، وهو وجه لبعض أصحابنا.
وقال سحنون من المالكية: إن ما أخذه العبد لا يخمس مطلقًا؛ لأن المخاطب بقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم الأحرار. وعلى قياسه يكون ما أخذه النساء والصبيان كذلك، فهذا القسم الخامس من النوع الخامس قد اشتمل على صور ولم يفردها الأصحاب؛ بل ذكروها مندرجة مع القسم الرابع، فالجارية المأخوذة على هذه الصورة فيها هذا الخلاف، واجتنابها محل الورع.
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: إن ظهر القاتل وأُثبت عليه أنه قتله بآلة الجرح قتلناه، وإن ظهر أن بعضهم ضربوه بآلة الجرح، وبعضهم بغير آلة الجرح نأخذ الدية؛ لأن الحدود تسقط بالشُّبَه، وإن ظهر أن الكل ضربوه بآلة الجرح فنقتل الكل. أما دية المسلم الحر البالغ فألف دينار، ودية المرأة نصف دية الرجل، ودية الذمي ثُلُث دية المسلم، ودية الذمية نصف الثُّلُث، ودية المجوسي خمس الثُّلُث.
قال أبو بكر الرازي في كتابه وكان معاصرًا للبخاري: إن عمر وعليًّا وعمر بن عبد العزيز قتلوا المسلم بالكافر.
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: نخصص الآية الشريفة ولا نقتل الوالد بالولد لأجل حرمة الأبوة، ونظيره لا يجوز قتل السيد بعبده.
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: نقتله وندفنه في مقابر المسلمين؛ لأن الإسلام يرفع حق الله لا حق الناس.
الجواب: قال صاحب الكنز: نحن نقيس هذه المسألة بمسألة شخص مقطوع الرجلين من الكعبين أو مقطوع اليدين من المرفقين، فلا شك أنه لا يجب عليهما غسل اليدين ولا غسل الرجلين، فلا يجب على أهل بُلغار أيضًا صلاة العشاء؛ لفقد الوقت عندهم!
وقيل: يقاس على خروج يوم الدجال؛ لأنه قال ﷺ: يومٌ كسنة، ويوم كشهر، اقدُروا له. حين سأله الصحابة عن الصلاة والصوم في يوم الدجال.
فنقول: نعتبر صلاتهم وصومهم بأقرب البلاد إليهم.
وقيل: نعتبر صلاتهم وصومهم بمكة.
فنقول في الجواب: نعتبر صومهم وصلاتهم، ونقدر بأقرب البلاد إليهم أو بمكة.
الجواب: قالوا: لا يرث.
الجواب: قيل: إن ابن شريح عمل بهذا، ويجوز للملك أن يقوي قولًا ضعيفًا.
الجواب: لا يجوز الفطر للمؤذن ولا من كان حاضرًا مع المؤذن على المنار، ويفطر أهل البلد بأذانه. ذكره في الخلاصة.
الجواب: قال شيخ الإسلام: هذا من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى.
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: بل الصواب في الجواب أن يوسف عليه السلام رأى في المنام على هذا الترتيب، يعني رأى أولًا الكواكب، ثم رأى الشمس، ثم رأى القمر.
الجواب: لأن الرؤية الأولى بمعنى رؤية المنام، والرؤية الثانية بمعنى رؤية العين.
الجواب: قيل: لأن سورة يوسف متضمنة التشبيب بالنساء، وورد الحديث في النهي عن تعليمهن سورة يوسف!
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: بل الحق أن يقال: إن يوسف الصديق نبي ابن نبي ابن نبي، كما ورد في حقه: الكريم ابن الكريم ابن الكريم، وهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وما وقع التشاجر له مع أحد إلا مع إخوته، وكانت مهابة إبراهيم الخليل في قلوب الناس بخلاف نوح عليه السلام فإنه كان ابن أخنوخ، ولم يكن أبوه نبيًّا، وكان فقير الحال في الصورة الظاهرة، فوقع له مع قومه تشاجر كثير بسبب الدعوة، فذكر الله تعالى كل واقعة في موضع من القرآن.
وأما حكمة تكرار قصة موسى فهي أنه لما نشأ موسى في بيت فرعون عليه لعنة الله، فأنكر فرعون وقومه غاية الإنكار عليه وابتلي بنو إسرائيل بذبح الأولاد واستحياء النساء بسببه قبل ولادته مع أن موسى معه تسع آيات بينات كالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والثعبان واليد البيضاء، وقال قوم فرعون في كل منها لما ابتلوا: لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فلما كشف عنهم العذاب ردوا إلى كفرهم وقالوا: مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ فوقع لموسى مع بني إسرائيل وقائع.
وقالوا له: فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، فذكر الله تعالى كل واقعة في موضع، وهذا سبب ذكره في تسعين موضعًا في القرآن.
قال شيخ الإسلام: والله ما في الدنيا مثل ذهن مولانا السلطان، ولا مثل استحضاره وفهمه، وقام على قدميه وقبَّل الأرض بين يديه، وقال: لولا دهشة السلطنة وحرمة المملكة لرقصت من الفرح في هذا المجلس بسبب سماع هذه الأجوبة الدقيقة، واستماع هذه الفوائد العجيبة.
الجواب: ورد أن أبا هريرة وعلي بن حسين زين العابدين وسعيد بن المسيب وإبراهيم بن سعد وإبراهيم بن طلحة كانوا يلعبون الشطرنج.
وأيضًا الشطرنج فيه تدبير الحروب فأشبه اللعب بالحراب، فلم يثبت عن النبي ﷺ نهي صحيح عن اللعب به، وأما إذا ضُمَّ إليه اشتغال عن الصلاة أو غيرها من العبادات فهو حرام إذ ذاك ليس للشطرنج نفس الحرمة، وإن لم يواظب فهو مكروه، وإن واظب صار صغيرة، ذكره الدميري.
الجواب: في هذه المسألة خلاف، قيل: ليس يجوز له أن يُدخل نفسه مع الفقراء؛ لأنه حين وقف وقفه ما كان في نيته أن يُدخل نفسه.
وقيل: يجوز له أن يدخل نفسه في ذلك.
وهذه المسألة مذكورة في كتب الأصول في بحث الاستثناء.
كتب شيخ الإسلام (يعني) الإمام الأعظم قدوة الأنام في العالم (أعني) برهان الدين بن أبي شريف، وقد تصدى لهذا، الجواب الشريف، وهو هذا.
الجواب: الحمد لله على ما ألهم، من كشف ما أوهم، وبيان ما أشكل وأبهم، ووفَّق للدقائق وفهَّم، وفاوت بين الأفهام فبعضٌ من بعضٍ أفهم.
أحمده على ما منح من معارفَ بها الكريم فَتح، ووسع لها الصدر وفسح، ففي رياضها الطرف سرح، ومن حياضها نهل طرف الأسرار ومرح، خاض المُعاني لجج بحر المعاني لما لمشكلها شرح، كم نشأة أدام مدامها وللقلب شرح.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي أنزلنا منازل الأمان، بالتحلي بجواهر الإيمان، فإقرارنا بألفاظنا، وتصديقنا بجَناننا من جملة أفعالنا، وصفات من أقررنا له بالتوحيد والتقديس والتمجيد لها وصف القدم، فمن حقق لم تزلَّ منه القدم.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الذي جلى الظُّلَم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا من بالشرك ظَلَم.
وبعد؛ فقد طرق المسامع، ما لا يرضاه السامع، من حمل كلام الأئمة، على ما لا يرضى إطلاقَه علماء الأمة، بما لا يورد في كل الأمكنة، إلا ذوو الأفهام المتمكنة، فبعض من قصد إدراكه ربما أخطأ في فهم المراد، فخاض بحار الحيرة ولم يجد له من راد، فإنه نقل عن بعض مشايخ الحنفية مقالة ذكرها، وغفل أن كلًّا من محققيهم أنكرها، من أن الإيمان غير مخلوق بل قديم، وأن من قال بحدوثه فهمه غير مستقيم، وأنه يخشى عليه الكفر، وإطلاق هذا القول من أشد النكر.
وقد قال أبو حنيفة رضي الله عنه حين سألوه في وصية يذكرها في مرض الموت ويسمعونها منه: نقر بأن العبد مع جميع أعماله وإقراره ومعرفته مخلوق، فأشعر أنه مسبوق بالعدم غير موصوف بالقدم.
وفي آخر كلام أبي الليث السمرقندي آخر مقدمته كلامًا لنفي الخلاف يؤدي.
قلت: ومن حقق وأورد الكلام موارده، جعل المسألة على حالين واردة، فالإيمان الذي هو قول باللسان، وتصديق بالجَنان، وعمل بالأركان، كل ذلك أفعال العباد، ولا ينكر حدوثه إلا مكابر ذو عناد.
وليس الخلاف في أصل المسألة مختصًّا بالحنفية، بل حكى الأشعري الخلاف لغيرهم في مقالة مفردة، هي لنا بالإجازة مروية.
وممن ذهب إلى القول بخلق الإيمان من أهل النظر حارث المحاسبي، وجعفر بن حرب، وعبد الله بن كلاب وطوائف أخر.
وذكر القول بقدمه الإمام أحمد بن حنبل وجماعة من أهل الحديث معتبرة، ومال إليه الإمام الأشعري، وكل قال بحسب ما فسره.
فمن ظن أن بين هذه الأمة تكفيرًا ضل ضلالًا بعيدًا، ولا يجد له على مقالته معينًا.
معاذ الله أن يكون مَن المرجعُ في الدين إليهم يكفر بعضهم بعضًا، ذلك اجتراء وافتراء عليهم.
فالأئمة منحهم الله علم الباطن والظاهر معًا، ولسهولة الظاهر كان الكل فيه لهم تبعًا.
وإنما سهَّل عندهم أمره ما في القضاء والإفتاء من محبة الأمرة، هلا قلدوا أبا حنيفة في ورعه وهجره وسنه، وفي إحياء الليل كان يصلي الصبح بوضوء العشاء أربعين سنة.
علت هممهم فنالوا الولاية الأخروية، فهم أبعد الناس من ملاحظة ولاية دنيوية، وهذا شأن بقية الأئمة في المراقبة، والتدقيق في قمع النفس والمحاسبة.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآله وصحبه أجمعين.
وبعد؛ فهذه مسألة لطيفة، ذكرت في الحضرة الشريفة، حضرة مولانا الإمام الأعظم، والهمام المعظم، من فاق ملوك الزمان بعلمه، وفضَلهم بجودة فكره ودقة فهمه، إن ذُكرت لديه المشكلات بادر إلى حلها، وإن عرضت عليه المعضلات أوضحها لأهلها، كم من فائدة جليلة يُفيدها، ونكتة بديعة يبديها ويعيدها، مجالسه بأرباب الفضائل مشحونة، ومُجَالِسُه لا يرضى أحدًا دونه.
اللهم زده من لدنك علمًا، وتوفيقًا وحلمًا، وأدِم به نفع العباد، وأصلِح بوجوده فساد البلاد، آمين يا رب العالمين.
الإيمان عند بعض المشايخ كسبي يثبت باختيار المصدق؛ ولهذا يثاب عليه، وإلى ذلك ذهب بعض المحققين، واستُشكل بأن التصديق أحد قسمي العلم، والعلم من جملة الكيفيات النفسانية دون الأفعال الاختيارية، فلا يصح تفسيره بالفعل الاختياري في قولهم: التصديق أن تنسب باختيارك الصدق إلى المخبر. وقول بعض المشايخ: التصديق عبارة عن ربط القلب على ما علم من إخبار المخبر أنها تعم تحصيل تلك الكيفية، يكون بالاختيار في مباشرة الأسباب في صرف النظر، ورفع الموانع ونحو ذلك.
وبهذا الاعتبار يقع التكليف بالإيمان؛ إذ التكليف إنما يكون بالأمر الاختياري، والكيفيات النفسية ليست أمورًا اختيارية، فالتكليف بها معناه التكليف بمباشرة أسباب حصولها، وكان هذا المراد بكونه كسبيًّا اختياريًّا، ولو كان الإيمان من الأفعال لما صح الاتصاف به حقيقة إلا آن المباشرة والتحصيل؛ لأن هذا النوع من العرَض لا يبقى عند الحكماء بخلاف الكيف.
ولا يخفى أنه لا يشترط أن تكون تلك الكيفية حاصلة دائمًا بالفعل، بل الشرع اعتبر وجودها دائمًا ما لم يحصل ما ينافيها سواء حصلت الغفلة بنوم أو غيره، على أن شارح المقاصد يميل إلى بقاء العَرض من القطع بأن إيماننا الآن هو إيماننا من قبل بعينه.
فإن قيل: أطفال المؤمنين مؤمنون مع عدم التصديق؟
الجواب: قال أقضى القضاة أعني العالم الرباني الشافعي الثاني: نحمدك على كل حال يا شديد المِحال، ونشكرك يا ذا الإفضال على عدم تكليفنا بالمُحال، ونصلي على نبيك محمد الهادي من الضلال، وعلى آله وصحبه خير صحب وآل.
وبعد؛ فإن خير المجالس ما جُليت فيه عرائس النفائس، وتُليت فيه آيات القرآن العظيم، ورويت فيه أخبار النبي الكريم، وذكرت فيه المعارف الدينية، والعوارف اليقينية، والرقائق الأدبية، والدقائق العربية، ومما هو مختص بذلك، وشاع ذكره في الممالك، مجلس يفخر على سائر المجالس، ويزهو بأجلى حلل الملابس، مجلس سلطان الإسلام، وزمام الأنام، وحامي الزمام، مجلس قد سما وتشرف، حين حله الملك الأشرف.
كم فيه من مسائلَ لطيفةٍ، وأبحاثٍ شريفةٍ، يطرحها الإمام على الأقوام؛ ليختبر ما عندهم من الأحكام؛ اقتداءً بخير الأنام. كم فاضل ناظره وجادله، وسائل أفاده وجاد له، ملك فاق ملوك الآفاق، وحاز في حلبة الفضائل قصب السباق، غواص على استخراج المعاني الدقيقة، فحَّاص عن معرفة المجاز من الحقيقة، قريب من رعيته، ناظر إليهم ببصره وبصيرته، كثير السؤال عن أخبارهم؛ لينظر في مصالح كبارهم وصغارهم، قائم في عمارة البلاد، عازم على نصرة الدين وآمر بالجهاد.
بلغه الله آماله، وختم بالصالحات أعماله.
هذا؛ ومما صدر بين يديه، وكان هو المعوَّل فيه عليه، حين ذكر لفظ المحال، ما وقع عنه حينئذ السؤال: هل له أصل في كلام العرب منقول، أو هو مما اصطلح عليه أهل الأصول؟
اللهم زد سلطاننا علمًا وفهمًا وتواضعًا وحلمًا وإيمانًا وتصديقًا وتوفيقًا وتحقيقًا، واجعل أعلام عزه مرفوعة، ورايات أعدائه مخفوضة وموضوعة، ومتِّع المسلمين بدوامه، وبارك اللهم في لياليه وأيامه، وأسبغ عليه نعمك الوافرة، واجعله من سعداء الدار الآخرة.
جوهرة
قال حضرة مولانا السلطان: جماعة من العلماء جاءوا إلى خدمتي ومعهم قصة وفي عنوانها مكتوب: وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ، فقلت في جوابهم: فإذا عرفتم ذلك فلماذا تركتم الغني وطلبتم من الفقير، بل المناسب أن تكتبوا على قصتكم: «إن أعطيتم فالإعطاء من الله، والأمر مسوق إليك، وإن منعت فالمنع من الله والعتب عليك.» قال عز نصره: رأيت هذه العبارة مكتوبة على حائط فحفظتها.
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: هذا المصحف إمام لمصاحف الدنيا، ورسم الخط العثماني سند على العلماء والفقهاء والقراء، ولو غسلناه لفات هذا المقصود، فارتكبنا أمرًا يسيرًا حتى لا يفوتنا هذا الخير الكثير، والحال أن القليل من الدم معفوٌّ عنه، وفي بعض المذاهب جواز أكثر من الدرهم.
جوهرة
لما تشرف الشيخ إبراهيم الأواه بالوصول إلى خدمة مولانا السلطان، خلد الله ملكه فقال: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.
قال حضرة مولانا السلطان في الجواب: أما سمعت قوله تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ؟ ثم قال: ويمكن أن يقال: خوف الأولياء جائز؛ لأن الأولياء على ثلاثة أقسام: قسم يعرفون أنفسهم بالولاية، وقسم لا يعرفون أنفسهم ولا يعرف الخلق أنهم أولياء ولا يعرفهم إلا الله تعالى، وقسم يعرفهم الخلق والحق تعالى وأنفسهم بأنهم أولياء، فالولي الذي لا يعرف نفسه بالولاية يمكن أن يكون له خوف من الله تعالى.
أو نقول: هذه الآية الشريفة وإن دلت على عدم خوفهم وحزنهم، ولكن لا يليق بمرتبة العبودية إلا الخوف والحزن والعجز.
الجواب: ذكرت العلماء أن المراد بالمعرفة ههنا المجازاة، أي روحي فداك سواء تجازيني أو لم تجازِني.
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: قيل لما سافر الشافعي إلى نحو المدينة حتى يقرأ على إمام دار الهجرة فدخل ذلك الوقت عند الإمام مالك ولازم مجلسه، فإذن جاء عند الإمام مالك شخص وقال: يا إمام ماتت زوجتي، وكان قريب وضع حمل الولادة فما حكمه؟ فأمر بالدفن مع الأم، لما خرجوا من عنده وكان الشافعي في دهليزه فسألوا منه وقال لهم الشافعي: امضوا إليها وشقوا عن بطنها وأخرجوا الولد. وقيل: أمرهم بدفنها، وأن يدفنوا معها قصبة طويلة، وفي كل يوم امضوا لنحو القبر واسمعوا من جوف القصبة؛ فإن سمعتم حِسَّ الولد فانبشوا عن قبرها وأخرجوا الولد، فعند ذلك فعلوا ما قال لهم الإمام الشافعي فسمعوا حس الولد فأخرجوه؛ فبعد مدة دخل صبي صغير على الإمام مالك، وكان من أجمل أولاد ذلك الزمان وقرأ عنده القرآن فتعجب الإمام من قراءته وحسن لفظه وعبارته، فقال له: من أنت؟ قال: أنا الذي أمرت بدفني بالحياة! فارتعد بدن الإمام من ذلك، وذكر الصبي حكاية محمد بن إدريس الشافعي وتعليمه لهذا، وكان هو في المجلس فقال: أنت شافعي.
قال حضرة مولانا السلطان: لأي حكمة ما ذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة تفسير الروح، مع أن تفسيره من أهون الأشياء؛ لأن المتكلمين قالوا: إن النفس والروح واحد، وهو جسم لطيف سار في البدن لا يتبدل ولا يتحلل. وعند الحكماء: جوهر مجرد متصرف في البدن كتصرف الملك في المملكة؟
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: إن اليهود لما جاءوا إلى النبي ﷺ وسألوه عن الروح، أضمروا في أنفسهم أن كل ما يقوله محمد في ذلك نقول: عندنا تفسير الروح بخلاف ما تقول. فذكر الله تعالى ذلك بوجه لم يقدروا على رده، فعند ذلك دخلوا في الإسلام.
أو نقول: لأن النبي ﷺ ما بُعث إلا لأجل تبليغ الأحكام الشرعية، وحقيقة الروح لا يتعلق بها الأحكام الشرعية.
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: يُنظر في ذلك؛ فإذا كان قيمة اللؤلؤة أكثر من قيمة النعامة تذبح، وإن كانت قيمة النعامة أكثر من اللؤلؤة تترك.
جوهرة
قال حضرة مولانا السلطان: إن كان نسوة المدينة قطَّعن أيديهن فزليخا قطَّعت قلبها.
قلت: لا أدري.
الجواب: قال شيخ الإسلام: «منزل السيد علي أعلى من منازلهم؛ لأنه متزوج بفاطمة ابنة النبي ﷺ التي ورد في حقها أنها بضعة منِّي. ولا يلزم من علو المنزل في الجنة الأفضلية مع أن المحدثين يكتبون لفاطمة: صلى الله عليها وسلم.»
الجواب: قال شيخ الإسلام: لم يصل أحد من أولاد النبي ﷺ إلى درجة فاطمة رضي الله عنها؛ لأنه ورد في حقها أنها سيدة النساء.
الجواب: ذكر الشيخ جلال الدين في تاريخ مصر: بنيت الأهرام قبل الطوفان؛ لأنها لو بنيت بعده لكان علمها عند الناس.
قيل: بناه شداد بن عاد. وقال جماعة من أهل التاريخ: الذي بنى الأهرام سوريد بن سلهوق، وكان ملك مصر، وكان قبل الطوفان بثلاثمائة سنة، وكان ذلك أنه رأى في منامه كأن الأرض انقلبت بأهلها، وكأن الناس هاربون على وجوههم، وكأن الكواكب تساقطت ويصدم بعضها بعضًا بأصوات هائلة، فأهمَّه ذلك وكتمه، ثم رأى بعد ذلك كأن الكواكب الثابتة نزلت إلى الأرض في صور طيور بيض، وكأنها تخطف الناس وتلقيهم بين جبلين عظيمين، وكأن الجبلين انطبقا عليهم، وكأن الكواكب النيرة مظلمة، فانتبه مذعورًا، فجمع رؤساء الكهنة من جميع أعمال مصر، وكانوا مائة وثلاثين كاهنًا، وكبيرهم يقال له: إقليمون. فقص عليهم فأخذوا ارتفاع الكواكب وتأنقوا في استقصاء ذلك، فأخبروا بأمر الطوفان. قال: أويلحق بلادنا؟ قالوا: نعم، ويخربها. فأمر عند ذلك بعمل الأهرام وملأه طلسماتٍ، وعجائبَ، وأموالًا وغير ذلك، وزبر فيها جميع ما قالته الحكماء في جميع العلوم الغامضة كعلم العقاقير ومنافعها ومضارها، وعلم الطلسم والحساب والهندسة والطب، وكل ذلك مفسر لمن يعرف كتابتهم ولغاتهم، وجعل أبوابها تحت الأرض بأربعين ذراعًا، وجعل ارتفاع كل منها مائتي ذراع بالذراع الملكي وهي خمسمائة ذراع بذراعنا الآن، وكان ابتداء بنائها في طالع سعيد، فلما فرغ من بناء الأهرامات كساها ديباجًا ملونًا من فوق إلى أسفل وعمل لها عيدًا حضره أهل مملكته كلهم، ثم عمل في الهرم الغربي ثلاثين مخزنًا مملوءة بالأموال الجمة والآلات والتماثيل المعمولة من الجواهر النفيسة والسلاح من الحديد الذي لا يصدأ والزجاج الذي ينطوي ولا ينكسر، وأصناف العقاقير المفردة والمركبة، والسموم القاتلة وغير ذلك.
وعمل في الهرم الشرقي أصناف القباب الفلكية والكواكب، وما عمل أجداده من التماثيل والدخن التي يتقرب بها إليها ومصاحفها، وجعل في الهرم الملون أجساد الكهنة في توابيت من صوَّان أسود مع كل كاهن مصحفه، وفيها عجائب صنعته وعمله وسيرته، وما عمل في وقته وما كان وما يكون من أول الزمان إلى آخره، وجعل لكل هرم خازنًا؛ فخازن الهرم الغربي صنم من الحجر الصوان واقف ومعه شبه حربة وعلى رأسه حية مطوقة من قرب منه وثبت إليه من ناحية قصده وطوقت على عنقه وقتلته، ثم تعود إلى مكانها، وجعل خازن الهرم الشرقي صنمًا من جزع أسود وله عينان مفتوحتان وهو جالس على كرسي ومعه شبه حربة إذا نظر إليه ناظر سمع من جهته صوتًا يفزع قلبه ولا يبرح حتى يموت، وجعل خازن الهرم الملون صنمًا من حجر اليشم من نظر إليه اجتذبه الصنم والتصق به، ولا يفارقه حتى يموت.
وذكر القبط في كتبهم أن عليها — أي الأهرام — كتابة منقوشة تفسيرها بالعربية: أنا سوريد الملك بنيت الأهرام في وقت كذا وكذا، وأتممت بناءها في ست سنين؛ فمن أتى بعدي وزعم أنه مثلي فليهدمها في ستين سنة، وكسوناه حريرًا فاكسوه حصرًا.
قيل: لما دخل المأمون إلى مصر، قصد فتح الأهرام، فقيل له: إنك لا تقدر على ذلك. قال: لا بد من فتح شيء منها. فاجتهد في ذلك بعد أن جمع فعلاء المدينة ومهندسيهم وحداديهم وجمع أرباب الصنائع اللائقة بذلك في مملكته، وصرف مالًا كبيرًا بسببه، وأقاموا على ذلك أشهرًا؛ ففتح لهم بذلك ثلمة صغيرة، وهي المفتوحة الآن، ووجدوا خلف النقب مطهرة من زبرجد أخضر، وفيها ألف دينار زنة كل دينار أوقية من الذهب الخالص الذي لا يوجد على وجه الأرض منه شيء؛ فلم يعرفوا معناه، فقال المأمون رحمه الله: ارفعوا إليَّ حساب ما أنفقت في ذلك. فضبطوا ذلك وحسبوه، فإذا هو قدر الذي وجدوه، ووجدوا إذ ذاك في داخله بئرًا مربعة في تربيعها أبواب يفتح كل باب منها إلى بيت فيه أموات بأكفانهم ووجدوا في رأس الهرم بيتًا فيه حوض من الصخر، وفيه صنم كالآدمي من الدهنج، وفي وسطه إنسان عليه درع من ذهب مرصع بالجواهر، وعلى صدره سيف لا قيمة له، وعند رأسه حجر ياقوت كالبيضة، ضوءُه كضوء النهار، وعليه كتابة بقلم الطير لم يعلم أحد في الدنيا ما هو، فلما فتحه المأمون رحمه الله أقام فيه الناس مدة سنين يدخلونه وينزلون فيه من الزلاقة؛ فمنهم من يسلم، ومنهم من يموت.
وقيل: إنهم حسبوا خراج الدنيا مرارًا فلم يفِ بهدمها. قال صاحب المرآة: هذا وهم؛ فإن صلاح الدين بن أيوب أمر بأن تؤخذ منها حجارة لأجل القناطر والجسور فهدموا منه شيئًا كثيرًا، والظاهر أنها قبور الملوك الأوائل وعليها أسماؤهم وأسرار الفلك والسحر وغير ذلك.
واختلفوا فيمن بنى الأهرام، فقيل: يوسف الصديق عليه السلام. وقيل: نمرود. وقيل: دلوكة الملكة.
حكى بعض شيوخ مصر أن بعض من يعرف لسان اليونان حل بعض الأقلام التي عليها، فإذا المكتوب: بُني هذان الهرمان والنسر الواقع في السرطان.
ومن ذلك الوقت إلى زمن نبينا ﷺ ستة وثلاثون ألف سنة، وقيل: اثنان وسبعون ألف سنة. وقيل: إن القلم الذي عليها تاريخه قبل بناء مصر بأربعة آلاف سنة. قيل: في زمن أحمد بن طولون وجدوا في باب الأهرام قطعة مرجان مكتوبًا عليها أسطر باليوناني؛ فأحضر من يعرف ذلك القلم ففسره بهذا الشعر:
فجمع ابن طولون الحكماء وأمرهم بحساب هذه المدة؛ فلم يقدروا على تحقيق ذلك فأيسوا من فتحها.
وقيل: إن بانيها جعل لها أبوابًا على أدراج مبنية بالحجارة في الأرض طول كل حجر منها عشرون ذراعًا، وكل باب من حجر واحد يدور بلولب، إذا أطبق لم يعلم أنه باب، يُدخل من كل باب منها إلى سبعة بيوت كل بيت منها على اسم كوكب من الكواكب السبعة، وكلها مقفلة بأقفال، ولكل بيت صنم من ذهب مجوف إحدى يديه على فيه، وفي جبهته كتابة بالسندية إذا قرئت انفتح فوه فيوجد مفتاح ذلك القفل فيفتح به.
والقبط تزعم أنها قبور؛ فالشرقي قبر سوريد، والغربي قبر أخيه هوجيب، والهرم الملون فيه أفريبون بن هوجيب.
والصابئة تزعم أن أحدهما قبر شيث، والآخر قبر هرمس (أي إدريس) والملون قبر صاب بن هرمس، وإليه تنسب الصابئة، وهم يحجون إليها ويذبحون عندها الديكة والعجول السود ويبخرون بدخن.
وأما أبو الهول فهو صنم بقرب الهرم الكبير يقال: إنه طلسم يمنع الرمل عن المزارع، وسجن يوسف عليه السلام شمالي الأهرام على بعد منه في ذيل خرجة من جبل في طرف الحاجر، وبدهشور من أعمال الجيزة أهرام بناها شداد بن عديم بن نودشير بن قفطيم بن مصرايم باني مصر.
وقيل: الأهرام بناها شداد وقومه، وكانوا يقولون بالرجعة. وعدد الأهرامات ثمانية عشر هرمًا: منها ثلاثة بالجيزة، وعند مدينة فرعون يوسف عليه السلام هرم دوره ثلاثة آلاف ذراع وعلوه سبعمائة ذراع، وعند مدينة فرعون موسى هرم آخر، وآخرها هرم يعرف بهرم ميدوم كأنه جبل، وهو خمس طبقات؛ الطبقة العليا كأنها قلعة على الجبل.
أما الهرم الذي بذيل أبي هرميس؛ فإنه قبر شخص كان فارس أهل مصر وكان من الشجعان، وكان يعد بألف فارس؛ فمات، فجزع عليه الملك جزعًا، فدفنوه بذيل أبي هرميس، وبنوا عليه الهرم مدرجًا.
وأما قبر ملكه؛ فإنه الهرم الكبير بذيل هرميس، وعلى بابه لوح مكتوب عليه باللازَوَرد طوله ذراعين في ذراع، مملوء من الكتابة بخط البرابي.
وفي أيام أحمد بن طولون وجدوا في الهرم الكبير في أحد بيوته جامًا من الزجاج غريب اللون والتكوين؛ فلما خرجوا به فقدوا منهم واحدًا، فدخلوا في طلبه فخرج إليهم عريان وهو يضحك ويقول: لا تتعبوا في طلبي. ودخل إلى داخله، فعرفوا أن الجن قد استهوته، فبلغ ابن طولون فمنع الناس من الدخول فملأ الجام ماءً ووزنه، فإذا وزنه فارغًا كزنته ملآن.
وكانت مصر قديمًا موضع الحكماء وأصحاب الطلاسم والحيل، قيل: دخل شخص في آخر أيام بني أمية إلى بربا فرأى سراجًا مركبًا على رأس غزال، فكسره وأخذه ليجعله سراجًا، فلما وضع فيه فتيلة وصب فيه دهنًا أضاء أيامًا، ففي بعض الأيام وقع له غلط بين قارورة الزيت وقارورة الخمر، فصب من الخمر فيه فاشتعل كما يشتعل بالزيت، وقصد أن يقدِّمه لبعض أكابر مصر وأخبره أنه يضيء بالخمر، فجرَّبه الأمير فإذا هو يضيء بكل الرطوبات، فطلب بيعه فقال: ما أبيعه إلا بثمن كثير. قال: قبلت بالميعاد. قال: ما أبيع إلا بالنقد. فغضب الأمير وأمر بإخراجه، فضربه الغلمان فمات، فارتفع الخبر إلى ملك ذلك الوقت فأنكر على الأمير وأخذ السراج منه، فغضب الأمير ودخل إلى البربا وكسر كثيرًا من هذه الصور، وقلع بعضها وهشم الباقي.
الجواب: ذكر المسعودي في مروج الذهب أن أفريدون الملك دخل خوارزم فرأى جماعة يعبدون النار ويعتكفون حولها فسأل عن سبب تعظيمهم، فذكروا أدلة، فأمر أهل مملكته بتعظيم النار؛ ليتقربوا بها إلى الله.
قال في الملل والنحل: سبب تعظيم النار أنه لما وُضع إبراهيم عليه السلام في النار لم تحرقه فمن ثَمَّ عظموها، وكان ذلك أول عبادتهم لها.
قال بليناس في سر الخليقة: سأل كسرى جماعة خاقان: ما تعبدون؟ فقالوا الثلج؛ لأنه يهلك الحرث والنسل! فطلب كسرى عند ذلك النار وذوب بها الثلج فصار الجماعة قسمين: قسم يعبدون النار، وقسم يعبدون الثلج. وقيل: كان سبب عبادة النار أنه تكلم مع جمشيد الملك شخص النار وهو إبليس وقال: اعبدني وعظمني حتى أوصلك إلى الله تعالى.
الجواب: قال ابن الحاجب: اسم الحدث الجاري على الفعل، وهو من الثلاثي سماع، وفي غيره قياس، تقول: أخرج إخراجًا واستخرج استخراجًا. ويعمل عمل فعله ماضيًا إذا لم يكن مفعولًا مطلقًا، فلا يتقدم معموله ولا يضمر فيه ولا يلزم ذكر الفاعل.
فأخبر مولانا السلطان أن كثيرًا من أكابر مصر من العلماء وغيرهم في تلك المواضع.
فقال مولانا السلطان في جواب ذلك: هذا من عدم مروءتهم.
الجواب: سئل الشيخ عمر البلقيني رحمه الله وغفر له عن ذلك؛ وهو أنه قد تظاهر أهل الفساد في البركة المعروفة ببركة الرطلي بأنواع من المنكرات، وتجاهروا بذلك بحيث أدى ذلك إلى افتتان كثير من النساء والرجال والشبان والصبيان، وإضاعة المال، ووقوع القيل والقال، واختلاط النساء بالرجال، ومنكرات كثيرة من شرب خمر وأكل الشهدانج المسكر، وتظاهر بذلك مقالات منكرة.
ومما يحصل من الفساد المنكر أن يستأذنوا لِفَرح البركة المذكورة ويزوجوها بالخليج الناصري، ويخطبوا خطبة ويعقدوا عقد التزويج، ويرموا الحلوى والحناء وغير ذلك في البركة المذكورة، ويجتمع عند ذلك من الأوباش وغيرهم خلق كثيرة؛ بحيث ينشأ عن ذلك فساد كثير، والنساء يخرجن مكشفات الوجوه، والنساء اللواتي في الطاقات أو في الزربيات كلهن بارزات بما عليهن من الحلي وفيهن فاسدات وغير فاسدات، وقد يحصل لغير الفاسدات فساد أيضًا؛ وذلك مشهور عند الجمهور.
ومما يُفعل أنهم يعلقون قناديل كثيرة ويوقدونها في الليل ويخرجون خِرَقًا فيها دم يشبِّهون ذلك بدم البكر، ويلبسون الخاطب خلعة، ويحصل فساد عريض، فماذا يجب على ولي الأمر إذا اتصلت به هذه المفاسد القبيحة؟ وماذا يجب على من يُعين على هذا الفساد وبقاء هذه المنكرات وتعارض أهل الخيرات؟
وإذا لم تندفع هذه المفاسد إلا بردم البركة المذكورة ومنع الساكنين الوصول إليها، فهل يفعل ولي الأمر ذلك أم لا؟
وإذا كان هناك بيوت معدة للفساد فهل يزال ما فيها من الفساد وإن أدى ذلك إلى هدمها إذا تعين ذلك طريقًا لدفع المفاسد المنكرة الظاهرة؟
وهل يثاب ولي الأمر على إزالة ما ذكر من المنكرات ومساعدة أهل الخيرات؟
وكذلك هل يثاب الساعي في إزالة هذه المنكرات؟ وهل يأثم من يعارضهم؟
ويجب على من يعين على هذا الفساد وبقاء هذه المنكرات التعزير الشديد الزاجر له ولأمثاله عن الإقدام على ذلك، وهو شريك في هذه المعاصي بتقريره إياها ورضاه بها.
ويجب على من فعل هذه المناكر وساعد على تقريرها ورضي بها المبادرة إلى التوبة إلى الله سبحانه وتعالى من هذه الذنوب.
وأما المواضع المعدة للفساد فيزال ما فيها من المنكرات بالطريق الشرعي، فإذا ظهر ما فيها من الفساد ولم يمكن زوال تلك المفاسد المنكرة إلا بهدم تلك الأبنية هدمها ولي الأمر.
الجواب: قال جد قاضي القضاة الحنفي ابن الشحنة: أنا مجيب بما أجاب به نبينا ﷺ.
الجواب: قال القاضي علم الدين القفسي: إن الكل مجتهدون. فغضب لذلك غضبًا شديدًا وقال: قل علي رضي الله عنه على الحق، ومعاوية ظالم، ويزيد فاسق، وأنتم حلبيون تبع لأهل دمشق، وهم يزيديُّون قتلوا الحسين. فأخذت في ملاطفته والاعتذار عن المالكي.
فأعاد السؤال عن علي رضي الله عنه ومعاوية، فقلت له: لا شك أن الحق مع علي في نوبته، وليس معاوية من الخلفاء؛ لأنه ورد: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة.» وقد تمت الخلافة بعلي رضي الله عنه.
فقال تمرلنك: قل علي على الحق ومعاوية ظالم.
قلت: قال صاحب الهداية: يجوز تقلد القضاء من ولاة الجور، فإن كثيرًا من الصحابة والتابعين تقلدوا القضاء من معاوية وكان الحق مع علي في نوبته.
فلما سمع هذا الجواب حصل بشاش كبير.
جوهرة١٧
لما خرج تمرلنك من حلب توجه إلى نحو الشام فطلب أكابر العلماء وقال: أريد الفتوى منكم في قتل نائب دمشق الذي قتل رسولي. وأحضروا عدة رءوس القتلى حتى يبعثوا بها إلى نائب دمشق، فقلت هذه رءوس المسلمين تقطع وتحضر إليك بغير استفتاء مع أنك حلفت أنك لا تقتل أحدًا صبرًا؟ فقال: هذه رءوس القتلى، ولا قطعنا رءوس المسلمين.
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: عند الشافعي يزيد وينقص، وأنكره أبو حنيفة وأصحابه وكثير من العلماء كإمام الحرمين؛ لأنه اسم للتصديق البالغ حد الجزم والإذعان، ولا يتصور فيه الزيادة والنقصان، وإنما يتفاوت إذا دخل فيه الطاعات، ولهذا قال الإمام الرازي: إن الخلاف فرع لتفسير الإيمان.
قال صاحب المواقف: والحق أن التصديق يقبل الزيادة والنقصان بحسب القوة والضعف. قولكم: الواجب اليقين، والتفاوت لا يكون إلا لاحتمال النقيض. قلنا: لا نسلم أن التفاوت لذلك الاحتمال فقط. والظاهر أن الظن الغالب الذي لا يخطر معه احتمال النقيض بالبال حكمه حكم اليقين في كونه إيمانًا حقيقيًّا.
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: أن يملأ الذي يسع الثلاث ويسكب في الوعاء الذي يسع الخمس؛ ثم يملأ ويسكب فوقه فيفضل رطل في الوعاء الصغير فيسكب في الوعاء الكبير ثم يملأ الثلاثة ويسكب عليه.
وسبب هذا السؤال أنه بعث الصوفي١٩ تاريخ التتر إلى حضرة مولانا السلطان، وكان في ترجمة شاهين بك خان «خليفة الرحمن».
الجواب: قال صاحب الأنوار: يجوز أن يقال للملك: أمير المؤمنين، وخليفة الرسول؛ ولا يجوز أن يقال خليفة الله، أو خليفة الرحمن.
فائدة
قال الشريف نور الله لطف الله تعالى به: لما أحضر الأربعة من الطير دقهم السيد إبراهيم في الهاون.
نكتة
قال حضرة مولانا السلطان: ما سمعنا بهذه الدَّقة بل قطَّعهم، فلما أحضر الكشاف كان كلامه موافقًا لكلام السلطان أيده الله تعالى.
الجواب: قال الشيخ جلال الدين السيوطي والشيخ عثمان الديمي: من يصوم يومًا من شعبان فله أجر تسعمائة سنة.
قال حضرة مولانا السلطان: هذا ضعيف، بل المناسب أن يقال: من صام يومًا من شعبان فكأنما صام جميعه. فجاء شيخ الإسلام بنقل موافق لهذا.
الجواب: قال في الكشاف: قيل: فسرها بالصلاة.
قال بعضهم: المراد بها العبادة، بدليل قوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.
قال حضرة مولانا السلطان: فعلى هذا المناسب أن يقال: فحملها الإنس والجن والملائكة؛ لأنهم مأمورون بالعبادة بدليل قوله: لَّا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وقوله: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ.
قال في المطول: صدق الخبر مطابقة حكمه للواقع، وكذبه عدم مطابقته للواقع، هذا عند أهل الحق.
الجواب: قال في شرح الإشارات: العلم حصول صورة الشيء في العقل. وقيل: الصورة الحاصلة عند العقل.
وقال في شرح المقاصد: الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع؛ قال في شرح العضد: صفة توجب تمييزًا لا يحتمل النقيض.
وقال في شرح المواقف: صفة يتجلى بها المذكور لمن قامت به. وقيل: إدراك المركب والمفرد.
قال في شرح المطالع: عبارة عن المسائل. وقيل: عبارة عن المحمولات المنتسبة؛ إن حصل صورة في الذهن فلا يخلو إن كانت خالية عن الحكم أم لا. الأول هو التصور، والثاني هو التصديق، إن كان طرفاه متساويين فهو شك، فهو من باب التصور، وإن غلب أحد طرفيه على الآخر فالراجح يسمى ظنًّا والمرجوح يسمى وهمًا، وإن لم يبق احتمال للغير فهو اليقين؛ وهو ينقسم إلى ستة أقسام: الأوليات، والمشاهدات، والتجريبيات، والحدسيات، والمتواترات، والنظريات.
الجواب: روي عن النبي ﷺ أنه قال: شموا النرجس فما منكم من أحد إلا وله بين الصدر والفؤاد شعبة من جذام أو برص أو جنون لا يذهبها إلا شم النرجس.
وقال علي رضي الله عنه: شموا النرجس ولو في السنة مرة؛ لأن في القلب داءً لا يبرئه إلا شم النرجس.
وقال أبقراط الحكيم: كل شيء يغذو الجسم إلا النرجس فإنه يغذو العقل.
وقال جالينوس الحكيم: من كان له رغيفان فليجعل أحدهما في ثمن النرجس فإنه راعي الدماغ والدماغ راعي القلب، والخبز غذاء البدن والنرجس غذاء الروح.
وقال الحسن بن سهل: من أدمن شم النرجس في الشتاء أمن من البرسام في الصيف.
والنرجس صنفان: بري وبستاني، والبستاني هو العبهر.
قال صاحب كتاب الفلاحة: إذا أردت غرس النرجس فاقطع بصلة قطعًا صليبيًّا وأدخل فيه شوكتين دخولًا صليبيًّا ثم ازرعه فإنه ينبت نرجسًا مضاعفًا، ومن أخذ مسلة من ذهب ثم غرس بصلة كبيرة في رأس المسلة باليد اليسرى ثم يمسكها ويدور في الموضع خمس دورات وهو يضحك ثم يغرسها في متوسط الدورة الخامسة فإنها تنبت نرجسًا أحمر مثل الشقيق، له رائحة زكية، ومن شق البصلة وجعل فيها حبة ثوم غير مقشورة حملت نرجسًا مضاعفًا، وإن كانت الثومة خضراء حملت نرجسًا، ومن حرق السذاب وقشور الجوز على منابت بصلة أخرج النرجس في غير أوانه.
وقال كسرى: النرجس ياقوت أصفر، بين در أبيض، على زبرجد أخضر.
وقال: إني لأستحي أن أجامع في مجلس فيه النرجس؛ لأنه أشبه شيء بالعيون الناظرة.
والنرجس حار يابس، وقيل: معتدل في الحر واليبس.
الخواص: يفتح سدد الدماغ وينفع من الصداع عن سوداء أو رطوبة، ويصدع الرءوس الحارة ويجلو الكلف وينفع من داء الثعلب ويفجر الدماميل وأكله يهيج القيء، إذا شربت المرأة أربعة دراهم مع العسل أخدر الجنين الميت.
ويوافق هذا كلام النواوي رحمه الله في الروضة وزاد: والصبر أولى.
الجواب: قال في التوراة: إن من بدء الدنيا خمسة آلاف وسبعة وسبعين سنة.
وأما النصارى فيحكون عن التوراة التي عندهم: أن من ابتداء التناسل إلى هذه السنة سبعة آلاف وعشر سنين.
وأما عند المجوس خمسة آلاف وسبعة وستون سنة.
قال حضرة مولانا السلطان: لمَّا لم يكن في الكتاب والسنة نقل شاف وبرهان واف لم نحكم بشيء من هذه الأعداد، بل يمكن أن يكون من ابتداء التناسل إلى يومنا هذا مائة ألف سنة أو مائتا ألف أو أكثر من ذلك، كما أن المنجمين يزعمون أن من أول الدنيا منذ سارت الكواكب من أول الحمَل إلى يومنا هذا أربعة آلاف ألف ألف وثلاثمائة وعشرين ألفًا وستمائة وثماني سنين.
قال شيخ الإسلام: ما رأيت نقلًا صريحًا من الكتاب والسنة يدل على ذلك أو أقل أو أكثر، والقدرة صالحة لذلك.
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: إظهارًا لقدرته، وإفشاءً لعظمته، وإجراء حكمه في ملكه كيف يشاء، لا راد لقضائه ولا مانع لعطائه.
قال الشريف نور الله: المراد بذلك إخراج الدجاجة من البيضة، وإخراج البيضة من الدجاجة.
فقال مولانا المقام الشريف: يا شريف نور! بالحق نورت لنا البيت، فالله تعالى يبيِّض وجهك في الدنيا والآخرة.
فقال الشريف نور الله: يا مولانا السلطان رأيت ذلك في التفسير.
فجاءوا بتفاسيرَ كثيرةٍ ولم يجدوا فيها شيئًا مما ذكره الشريف، فضحك السلطان لذلك — شرح الله خاطره — فقمت وقبلت الأرض وقلت لمولانا المقام الشريف: نريد أن نستفيد ذلك من فوائد مولانا خلَّد الله ملكه.
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: المراد بهذه الآية الشريفة يعني يخرج الولد الصالح من الأب الجاهل، ويخرج الولد الجاهل من الأب الصالح.
الجواب: قال حضرة مولانا السلطان: يحكم القاضي أو السلطان بعلمهما.
الجواب: لا يجوز أن يحكم القاضي بعلمه في مسألة إلا في الجرح والتعديل، وأما عند أبي حنيفة وأحمد والشافعي رحمهم الله لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه في حق الناس، دون حق الله.
الجواب: إنما جعلها خضراء؛ ليكون أوفق للبصر؛ لأن الأطباء يأمرون بإدمان النظر إلى الخضرة؛ ليكون فيه قوة للبصر.
وقيل: خضرتها من جبل قاف؛ لأنه من زمرد أخضر.
وقيل: من خضرة أشجار الجبل المذكور.
قلت: يُشكل بقطاع الطريق ومفسد السكة السلطانية؛ ليسا من الأخصام الثلاثة ويجوز قتلهما؟
الجواب: قال شيخ الإسلام: أما قطع يد مفسد السكة عند الحنابلة فيرجع إلى السرقة؛ وهو أخذ المال خفية.
الجواب: قال شيخ الإسلام: الجماعة الذين نافقوا بين عسكر وبين ملك.
الجواب: اختلفت العلماء في هذه المسألة؛ قيل: كان قبل الطوفان اختبأ في غار. وقيل: من ذرية نوح. كذا ذكره في كتاب شاه نامه، وباتفاق المؤرخين لم يكن ملك قبله.
نادرة
حكى حضرة مولانا السلطان أنه يومًا من الأيام طلع الخطيب على المنبر يوم الجمعة فتكلم شخص مع آخر فقال الخطيب لهما: اسكتا يا هذان أما سمعتما: «إذا صعد الخطيب على المنبر فلا يتحدث أحدكم، ومن تحدث فقد لغا.» فلما قضيت الصلاة قال حضرة مولانا السلطان: أنتم الثلاثة لغوتم! ونظير ذلك ورد في يوم فتح مكة أن النبي ﷺ أقام بها خمسة عشر يومًا يقصر الصلاة ويقول بعد السلام: يا أهل مكة أتموا صلاتكم. فقال بعض أهل مكة من الصف الأول، وهو محرم في الصلاة: لسنا نجهل ما قلت يا رسول الله. قيل له: يا ابن أخي لو كنت فقيهًا لما تكلمت في الصلاة.
حكاية مباحثاتي مع الشيخ صارو كرز
وكان أعلم علماء الروم وكان معه ابن كرز.
درة
قلت: فما تقولون في التيمم؛ لأنه أيضًا وسيلة للعمل وليست طاعة مقصودة بالذات مع أن النية في التيمم فرض عندكم؟
فأجاب بأن قال: إن التيمم طهارة ضعيفة بخلاف الوضوء.
قلت: فعلى هذا أنتم تفرضون الأشياء لا الشرع؛ لأن الفرض عندكم ما ثبت بدليل قطعي، فلا بد لكم لنية التيمم دليل قطعي من الكتاب والسنة؟
فأجاب وقال: لفظ تيمموا، يدل على النية.
جوابه: فقال: تعالَ عندي واحضر إلى بيتي؛ حتى أكتب لك جواب هذا الكلام.
فقلت: أنا أباحث مع الحيوان الناطق لا مع الحيوان الكاتب.
لما دخل مصر الأمير علاء الدين والأمير سليمان وهما ولدا ملك الروم ابن عثمان حضر واحد منهما إلى المدرسة السلطانية لأجل صلاة الجمعة فسأل من الخطيب سؤالين:
فلما وصل هذا الخبر إلى المقام الشريف أجابه؛ قال حضرة مولانا السلطان: لأنه ثبت عندنا أن منبر النبي ﷺ كان درجتين ومجلسًا، فعلى ذلك يلزم فعل أهل بلادكم على هذا الذي ذكرتم، بدعة.
ونقول في جواب السؤال الثاني: هل ثبت عندكم أن النبي ﷺ دخل بيت الخطابة وقت الخطبة أم لا؟ فعليكم بالبيان، مع أنه ورد: من أحدث في ديننا ما ليس فيه فهو رد.
والله أعلم بالصواب.
تم الجزء الأول من الكوكب الدري في مسائل الغوري بحمد الله تعالى وعونه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
وكان الفراغ منه في مستهل شهر ربيع الآخر سنة تسع عشر وتسعمائة.