الروضة السادسة في مجالس ربيع الأول
(١) المجلس الأول
طلعت يوم السبت ثاني ربيع الأول وقعدوا في المقعد عشرين درجة، ووقع فيه لغز ومسائل:
قال: هو النار.
الجواب: قال الشيخ برهان الدين بن أبي شريف: اليهود قصدوا تعجيز النبي وتغليطه؛ فسألوا عن مشترك بين المعاني، وقصدوا أنه مهما يقل لهم النبي يقولوا في الجواب: ما قصدنا هذا المعنى. وأما اشتراك الروح فإنه قد يطلق ويراد به جبرائيل وقد يطلق ويراد به عيسى أو الملَك، وقد يطلق ويراد به قوة في الحيوانات وهي مبدأ الحس والحركة، فقال الله تعالى في جوابهم شيئًا يصلح لجميع هذه المعاني.
(٢) من المجلس الثاني
طلعت يوم الثلاثاء خامس شهر ربيع الأول وهذه الليلة كانت ليلة كسر النيل، وفي تلك السنة أوفى البحر عشرين ذراعًا وعشرة أصابع، ووقع في تلك الليلة ألغاز، والمماليك الصغار في تلك الليلة قرءوا قدام مولانا السلطان.
قال ابن النحاس: كنت في خدمة قاضي كاتب السر فقال لي: تعال إليَّ تفرج كسر النيل، وأنا ما رضيت؛ لأن مولانا السلطان هو البحر الكبير، وبحر النيل بحر الكسر في هذه الليلة، وهذا البحر له جبر الخواطر.
قال مولانا السلطان:
قال: هو النحل.
المناسب لهذا المجلس
قيل لإسكندر: إن في عسكر داراب الملك ثلاثمائة ألف رجل. فقال إسكندر في الجواب: بكثرة الغنم لا تخوِّفوا القصَّاب.
قيل لأنوشروان: إن في عسكر سلطان الحبوش والسودان أربعمائة ألف رجل. فقال أنوشروان لهم: لا تخافوا؛ لأن النار القليل تفني الحطب الكثير.
المناسب لهذا المجلس
أنه سئل أفلاطون: ما علة ملوحة البحر؟
فقال لهم: بينوا لي فائدة العلم بهذا حتى أبين لكم علته.
وتوقيعه من كلام سيد الأنام عليه السلام أنه قال: من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه.
الخاتمة
قال إسكندر: ينبغي للعاقل أن يكون مع سلطانه كراكب سفينة البحر؛ إن سلم جسمه من الغرق لم يسلم قلبه من الخوف.
(٣) من المجلس الثالث
طلعت نهار الخميس سابع شهر ربيع الأول، وقعدوا في المقعد ثلاثين درجة، ووقع فيه المسائل ولغز:
الجواب: قال مولانا السلطان: وعد موسى أربعين وهو بحساب الجمل ميم، وأصل الطبايع أربعة وهي دال، وبيت الشطرنج ثمانية وهي الحاء، والمجموع هو اسم محمد، وهو حبيب قلوب من في الخافقين.
المناسب لهذا المجلس
أنه قال الشيخ الرباني علاء الدولة السمناني قدس الله روحه، وكتب في وصيته: إذا دخل الكافر أيضًا في زاويتي فأطعموه؛ لأن كل من يستحق عند الله التشريف بجوهر الروح اللطيف، فهو يستحق عندنا أيضًا قرص الرغيف.
وتوقيع هذا: أكرموا الضيف ولو كان كافرًا.
الخاتمة
قال المأمون لأمرائه: عليكم بأهل السخاوة والشجاعة، فإنهم من أهل حسن الظن بالله تعالى، ومنع الجود سوء الظن بالمعبود.
إنعام حضرة السلطان
نزَّلني في المدرسة الغورية وأعطاني وظيفة التصوف فيها، اللهم كما سلمت بيده زمام الدين، وجعلته من أفضل الملوك والسلاطين، شرِّف مسامع مجامع المسلمين، بصيت فتحه المبين، يا رب العالمين، آمين.
واقعة
في يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الأول دخل في القاهرة مفخر الأمراء والأكابر، صاحب المناقب والمآثر، الواثق بالملك الحي، أمير سيباي، وشرف بتقبيل العتبة العلية، الغورية، شيد الله أركان قواعدها.
(٤) من المجلس الرابع
طلعت يوم السبت تاسع ربيع الأول وقعدوا في الأشرفية عشر درجات، ووقع فيها المسائل والألغاز.
قال: هو القمر.
قال: هو القمر.
مولد السيد الأعظم ﷺ
ثم سلطان الحرمين الشريفين، في يوم الاثنين، عمل مولد سيد الكونين، ورسول الثقلين، وسلطان قاب قوسين.
وكان هذا اليوم موكب عظيم، لا فيه لغو ولا تأثيم، وفي هذا اليوم اكتسبت السماء من الأرض استفاضة النور، وهذا الخبر عند أهل الأثر معروف ومشهور.
وكان مولانا السلطان في الخيمة كالشمس في وسط سماء الدولة، أو بدر كامل في فلك أطلس السعادة، في طرفيه اثنا عشر منزلًا، وفي كل منزل مقام مقدَّم ألف، وهو كقمر كامل بلا نقصان، أو بدر لامع بلا خسران، فأمر حضرة مولانا السلطان بإحضار السادات العظام، والعلماء الأعلام، وقضاة الإسلام، والأمراء الكرام، ووزراء الأنام، ووجوه الناس من المباشرين والحكام، والصلحاء والفقراء والمشايخ والزهاد، والعباد من جميع البلاد، والفقهاء والفضلاء والمدرسين، وأجواق القراء والحفاظ والمؤذنين، من العرب والعجم، والترك والديلم.
ومد سُمُطًا عجيبة كبيرة، مع أطعمة غريبة كثيرة، بحيث لا يقدر لسان الإنسان على ذكر بيانه، أو كأن: وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا نازل في شأنه، أو نزلت مائدة من السما، على جميع من في الدنيا.
وفي تلك الليلة، كان وجه الأرض أنور من السما، من كثرة الشموع والثريا؛ لأن شمس فلك السعادة من برج الإقبال كانت فيها طالعة، وكواكب عساكره المنصورة من مدارج الجاه والجلال لامعة.
ثم قام مقدمو الألف، وجاءوا كالملَك صفًّا على صف، بالطول والعرض، كلهم باسوا الأرض، فقدم عليهم أكبر أولاد قريش، ووارث المملكة والجيش، ابن عم النبي العربي، الهاشمي المطَّلبي، أمير المؤمنين يعقوب المستمسك بالله، خليفة مصر، باس الأرض، كفرض العين وعين الفرض، وقال الخليفة:
فميزه مولانا السلطان بجبر الخاطر، وفضله على جميع الأفاضل والأكابر.
قال حضرة مولانا السلطان: الحمد لله الذي جعل شكره سببًا للمزيد، وأجرى من ينابيع القلوب إلى مجاري الألسنة زُلال الشكر والتحميد.
ثم جبر خاطره بتحسينات وافرة؛ وتعريفات متكاثرة، بحيث تنفس أمير قُرقماش شمائم روائح جبر الخاطر، ونسيم امتيازه على البادي والحاضر.
ثم جاء خلاصة الأمراء والأخيار، وحاكم البلدان والأمصار، الواثق برحمة الملك الحي، الأمير سيباي، باس الأرض وقال هذا النظم:
ثم حضرة مولانا السلطان جبر خاطره، فزين باطنه وظاهره، ثم جاء الأمير عالي القدر، أمين الملوك والسلاطين، مقبول الخلائق أجمعين، حافظ الأسلحة والأرماح، محب أهل الصلاح أمير السلاح، باس الأرض وقال هذا الشعر:
فامتازه مولانا السلطان، بجبر الخاطر بين الأعيان.
ثم جاء الأمير رفيع المقدار، مغيث المظلوم عند الاضطرار، مهندس قواعد المملكة والمؤسس، وأمير المجلس، باس الأرض وفتح اللسان، بثناء مولانا السلطان وقال:
فجبر خاطره، وزين ظاهره.
ثم جاء الأمير الأعظم الأكرم عماد الدولة، وناظر أمور المملكة، الواثق بالملك القدير، أمير آخور الكبير، باس الأرض وقال هذا النظم:
فجبر مولانا السلطان خاطره.
وبسبب هذا انشرح صدره، وازداد قدره.
ثم جاء الأمير الأشجع، الأرفع، حامي شرع أحمد المختار، المؤيَّد بتأييد الملك الغفار، أمير دوادار، باس الأرض وقال هذا الشعر:
فامتازه حضرة مولانا السلطان، من بين الأقران، بتحسينات لائقة، وتمديحات شائقة.
فجبر خاطره حضرة مولانا السلطان، فامتازه من بين الأقران.
فامتازه بتحسينات لطيفة، وتمديحات شريفة.
قال حضرة مولانا السلطان: الحمد لله الذي فضلنا على عباده، وخصصنا بتشبث أهل وداده، فجاء له جبر الخاطر من سلطان السلاطين، ما لم يؤتَ أحدٌ من العالمين.
فباسوا الأرض، ثم حضرة مولانا السلطان كان كالصبح الصادق على وجوه الوجوه متبسِّمًا، وهم برياح أنفاسه الشريفة متنسِّمًا.
فامتازه بجبر الخاطر بين الأعيان، حضرة مولانا السلطان.
فامتاز حضرة السلطان القاضي ناظر الخاص، من بين الخواص.
لما فرغوا من السماع، قُرب طلوع الشمس والارتفاع، اجتمعت المشايخ والعلماء والفقهاء، والزهاد والعباد والفقراء، وقالوا: اللهم أيد دولة هذا السلطان الأعظم، وشيد أركان معدلة الخاقان المعظم، واجعل راياته مرفوعة فوق خيمة الفلك الزرقاء، وأحكامه نافذة إلى أصقاع بقاع الغبراء، بحق محمد عين أعيان الإنسان، وآله وصحبه أصحاب الشهود والعيان.
(٥) من المجلس الخامس
طلعت نهار الثلاثاء ثاني عشر شهر ربيع الأول وقعدوا في صُفَّة الدُّهَيشة خمسًا وعشرين درجة، ووقع فيه المسائل والألغاز.
قال: هو الموز.
(٦) من المجلس السادس
طلعت يوم الخميس رابع عشر شهر ربيع الأول، وقعدوا في الأشرفية ثلاثين درجة، وخسف القمر، ووقع فيه مسائل:
الجواب: قلت: هما آيتان من آيات الله، كما ورد في السنة.
الجواب: قال مولانا السلطان: الضوء هو النور الغالب القاهر المحرق بخلاف النور، فإنه يطلق على غير المحسوس أيضًا كنور القلب ونور الإيمان، دون الضياء.
الجواب: قلت: لأن المنجمين حكموا بخسوف القمر في ليلة معينة عند هُلاكو خان، وكان الخان منتظرًا لتفرُّجه، ولما انخسف القمر كان هلاكو خان نائمًا، فعمل المنجمون حيلة لأجل استنباهه ودقوا الكاسات وقالوا: دق الكاسات عند الخسوف واجب. ثم بعد ذلك صار هذا بدعة في الدنيا.
(٧) من المجلس التاسع
طلعت يوم السبت سلخ ربيع الأول، وقعدوا في الأشرفية ثلاثين درجة، وكان الإمام الشيخ عبد الرزاق، ووقع فيه المسائل والألغاز:
قال: هو النسر.
قال: هو الأسنان.
قال: هو الإبرة.
درة
قرأ مولانا السلطان لروح صاحب العقائق سورة الفاتحة ثلاث مرات.
خاتمة
قال إسكندر: أفضل الملوك من بقي بالعدل ذكره، واستملى من بعده فضائله.
والحمد لله والمنة أن هاتين الصفتين موجودتان في السلطان الأعظم، مالك رقاب الأمم، حاكم بسيط الأرض، بالطول والعرض، أمير المؤمنين، وخليفة المسلمين، عزيز مصر، الملك الأشرف أبي النصر، قانصوه الغوري، اللهم اجعل شجرة رجائه مثمرة المراد، وأظهر صورة عدله في مرايا قلوب العباد.