الروضة الثامنة في مجالس جمادى الأولى
(١) من المجلس الأول
طلعت يوم الثلاثاء ثاني شهر جمادى الأولى وقعدوا ثلاثين درجة في الأشرفية، والإمام كان الشيخ شمس الدين السمديسي، وعرض ابن خواص المؤذن كتابين، الأول منهما المختار في مذهب أبي حنيفة، وابن مالك في النحو.
قال حضرة مولانا السلطان: يا خواص أخذت مذهبين: ابنك حنفي وأنت شافعي؛ يا خواص أنت طماع.
ووقع في تلك الليلة مسائل إلخ.
لطيفة
قال أيضًا ناصر الدين: يا فلان، لإيش ما دقيت طبل بازك ذلك الوقت حتى يمد الوز المشوي رجله الملتم.
حكاية
لما خطبوا بنت ناصر الدين فقال للمخاطبين: لا آخذ منكم لأجل مهرها أقل من خمسين دينارًا. فقالوا له: هذا كثير! فقال: كيف كثير وبنتي حبلى؟! فقالوا: يا ناصر الدين، كلامك رديء وأتْلَفت المجلس. فقال لهم: كلامي في غاية الحسن؛ لأن الأمس باعوا فرسًا بعشرة دنانير ذهبًا فلما ظهر عليها الحمل زادوا في الثمن أشرفيين، فبنتي أقل من الفرس؟! فضحكوا من كلامه فوزنوا خمسين دينارًا.
خاتمة
قال بعض الحكماء: الهزل في الكلام كالملح في الطعام.
(٢) من المجلس الثاني
طلعت يوم الخميس رابع شهر جمادى الأولى وقعدوا في الأشرفية خمسًا وثلاثين درجة، والإمام كان الشيخ محب الدين المكي، ووقع فيه لغز ومسائل إلخ.
محمدة
- الأول: أن قلبه كقلب المسلم أبيض.
-
والثاني: أن هذا الخبز خبز أعظم المسلمين في هذا الزمان؛ لأن أشرف الخلق
الملك، وأشرف ملوك الأرض وأعظمهم سلطان الحرمين الشريفين، وسلطان
مصر، ويمكن أن يراد به مثل:
أنا أبو النجم وشعري شعري٥
- والثالث: أن هذا الخبز يفرق على المسلمين الصالحين القائمين بوظائفهم.
ثم حضرة مولانا السلطان بعد أن ذاق الخبز أمر بزيادة الملح حتى يأكله الفقراء مع السعتر بالهيِّن.
المناسب لهذا المجلس
أنه قيل: ملك الهند ذهب سمعه وصار أطروشًا، فاشتد حزنه لما دخل عليه أهل مملكته لتعزيته عن سمعه، قال: حزني ما هو من فوت هذه الجارحة، بل حزني بسبب أني ما أقدر على سماع استغاثة المظلوم، ولكن إذا ذهب سمعي ما ذهب بصري، فأمرت لكل مظلوم أن يلبس الأحمر حتى إذا رأيته عرفت أنه مظلوم فأقربه فأُنصفه فينتصف.
(٣) من المجلس الرابع
طلعت يوم الثلاثاء تاسع جمادى الأولى وقعدوا في الأشرفية ثمانيًا وعشرين درجة، والإمام كان الشيخ محب الدين المكي ووقع فيه مسائل.
الجواب: قيل: شاتان. فضحك السلطان وقال: هذه مسألة تعبدية لا قياسية حتى يبلغ مائة وإحدى وعشرين فشاتان.
المناسب لهذا المجلس
الخاتمة
سئل أنوشروان، أنت شيخ وتجمع المال؟! فقال: الإنسان إذا مات ويخلف لأعدائه، خير من أن يحتاج في حياته إلى أصدقائه.
(٤) المجلس الخامس
طلعت يوم الخميس حادي عشر جمادى الأولى وقعدوا ستة عشر درجة في الأشرفية، والإمام كان الشيخ كمال الدين البرقوقي.
قال حضرة مولانا السلطان: إيش الخبر في المدينة؟ قال المؤذنون يدعو لكم جميع من في البلد.
قال مولانا السلطان: وما سبب الدعاء؟ فخافوا إظهار سببه لئلا يغتاظ السلطان.
قال سيدي إسماعيل: لأجل رواح الحج. قال: السلطان كل سنة يروح الحج.
ثم ذكر مولانا السلطان: أريد أن أبعث هذه المراكب مع العسكر إلى مكة وأبني قلعة في جدة وقلعة في ينبع.
قلت: أهل البلد يدعون لمولانا السلطان لأجل هذا.
ثم سأل مولانا السلطان: هل بطل الحج في الزمان القديم أم لا؟
المناسب لهذا المجلس
أنه قال كسرى: إذا أراد الملك أن يستخدم عاملًا في شيء فالواجب أن يحقق أخلاقه وصبره وتدبيره لنفسه ومنزله، فإن كان حسن الخلق شديد السياسة صابرًا على المشاق فليستخدمه، وإن كان ضد ذلك فليحذر منه.
الخاتمة
قال النبي ﷺ: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
(٥) من المجلس السابع
طلعت يوم الثلاثاء سادس عشر جمادى الأولى، وقعدوا في الأشرفية خمسًا وعشرين درجة، والإمام كان الشيخ محب الدين المكي، ووقع فيه لغزان ومسائل إلخ:
المناسب لهذا المجلس
أنه سئل إسكندر: أي سلطان أطهر السلاطين؟ فقال: الذي أمن في ظل عدله الطاهرون، وخاف منه المذنبون.
الخاتمة
قال النبي ﷺ: إذا دخل أحد في بلد ليس فيها سلطان فلا تقعدوا فيه جزافًا.
قال مولانا السلطان: أي ملك موكل بالبطن؟
حادثة
جاء خبرُ ضَعْفِ الشيخ جلال الدين السيوطي، فقرأ مولانا السلطان سورة الفاتحة ثلاث مرات لأجله، وتوفي في الجمعة.
(٦) من المجلس الثامن
طلعت يوم الخميس ثامن عشر جمادى الأولى، وقعدوا في الأشرفية خمسًا وخمسين درجة، والإمام كان الشيخ عبد الرزاق، وحضرة مولانا السلطان مدح السعتر في تلك الليلة كثيرًا ووقع فيه مسائل إلخ.
المناسب لهذا المجلس
قيل: لما قرب موت إسكندر كتب إلى أمه من بلاد الططر: أما بعد؛ يا أمي، اتركي سنة النساء من البكاء والجزع، كما تركتُ سنة الرجال من القبائح والبدع. والمقصود من هذا الكتاب ألا تحزني ولا تبكي لأجلي ولا تخالفي قولي، وقد علمت أن الموضع الذي أروح إليه خير من الموضع الذي أنا فيه، يا أمي اطهري واستعدي لاتباعي؛ فقد انقطع بالموت من الدنيا ذكري بالرأي والتدبير، فتحيي ذكري بأن تصبري وترضي بالتقدير، فلا تعملي بي إلا ما أحبه؛ لأن علامة المحب أن يعمل بما يحب حبيبه، ويدع ما يكرهه. يا أمي، بعض الناس يدلك إلى المصيبة؛ ليعرف طاعتك من المعصية، ويجرب قبولك قولي من الخلاف، يا أمي، في وقت هذه البلايا كان فكري مشغولًا بأحوال الرعايا، واعلمي أن الخلائق تحت الكون والفساد من الابتداء إلى الانتهاء، والإنسان بعد انتهائه لا بد أن يرجع إلى مقامه الأصلي، فاعتبري يا أم بمن مضى من القرون الماضية والأمم السالفة، فانظري إلى أبنيتهم العالية، ومساكنهم الخالية، واعلمي يا أمي أن ابنك ما رضي أن يكون مثل الملوك الصغار، فالواجب أن تكون أعمالك مثل أمهات الملوك الكبار، وليكن صبرك بقدر قدرك، واعلمي أن كل شيء أوله صغير ثم يكبر، إلا المصيبة فإن أولها كبير ثم تصغر، يا أم، ارضي بالتقدير، وخليني للعليم القدير.
الخاتمة
قال رسول الله ﷺ: الموت هدية المؤمن.
(٧) من المجلس التاسع
طلعت يوم السبت عشرين جمادى الأولى، وقعدوا في الأشرفية أربعين درجة، والإمام كان الشيخ محب الدين الحلبي.
قال صاحب العقائق: إن هارون الرشيد جمع الحكماء، وطلب منهم مدح قلة الكلام.
قال الأول: الكلام جوهر إذا تكلمت به بقي مثل الخرز.
وقال الآخر: الكلام سيف إذا تكلمت به خليته في يد الغريم.
قال الآخر: الكلام فرس فإذا تكلمته أركبت عليه غيرك.
درة
قال مولانا السلطان: كثرة الكلام مطلقًا ما هو مذموم؛ لأن كثرة بحث العلم وكثرة النصح محمودة.
المناسب لهذا المجلس
- قال كسرى: ما ندمت أبدًا من كلام ما تكلمته، وندمت من الكلام الذي تكلمت به.
- قال قيصر الروم: الكلام الذي تكلمت به خرج من تحت حكمي وتصرفي، والذي ما تكلمت به هو تحت تصرفي.
- قال خاقان الصين: كثرة الكلام لا يخلو من الغلط والأسقام.
الخاتمة
قيل: جمع ملك الهند أربعين حملًا من الكتب فأمر بتلخيصه؛ لخصوه بأربع كلمات:
- الأولى: دلالة السلاطين بالعدالة.
- الثانية: وصية الرعايا بالإطاعة.
- الثالثة: التكلم بقدر الحاجة.
- الرابعة: الأكل بقدر قوة البدن والطاقة.
(٨) من المجلس العاشر
طلعت يوم الثلاثاء ثالث عشرين جمادى الأولى وقعدوا في الأشرفية اثنتين وثلاثين درجة، والإمام كان الشيخ كمال الدين البرقوقي، ووقع فيها الألغاز ومنام الشيخ شهاب الدين المحلي:
المنام
رأى الشيخ شهاب الدين المحلي في المنام أنه جاءت جماعة لابسين الحديد بهيئة التركمان وقصدوا ملك مصر، ثم جاء النبي ﷺ مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وقال: أنا ضامن سلطان مصر، ارجعوا. وقال لي: رُحْ وكلم السلطان وقل له ليذكر ليالي العادة في الدهيشة مع الشيخ تمرتاش والشيخ صانتباي والشيخ شاهين.
بعد عرض المنام قال حضرة مولانا السلطان: الحديد هو القوة بدليل أني يومًا من الأيام رحت إلى بيت الأمير يشبك الدوادار ورأيت فيها أميرًا وقال لي: يا أمير قانصوه، رأيتك البارحة في المنام وأنت في طوق كبير من الحديد ثم في النوم عرضت هذه الواقعة على الأمير يشبك الدوادار فقال لي في الجواب: الحديد هو القوة يحصل له دولة عظيمة وقوة كبيرة بدليل: وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ لا بد أن تحصل لك السلطنة، وهذه الحكاية كانت قبل هذا التاريخ بثلاثين سنة.
المناسب لهذا المجلس
قال الفقير في جوابه: احمد لله واشكر له؛ لو رأيته بقدر قبة الصخرة في أذنك إيش عملت به؟!
الخاتمة
قال النبي ﷺ: نوم الأنبياء على ظهورهم، ونوم المؤمنين على أيمانهم، ونوم الكفار والمنافقين على شمائلهم، ونوم أهل النار على وجوههم.
(٩) المجلس الحادي عشر
قلت: من عجائب دولة مولانا السلطان إتمام هذا الكتاب باسمه الشريف بالتركي.
حكاية
حكاية
قال مولانا السلطان: اشتكوا عند السلطان محمود أن إياسًا يروح كل يوم إلى بيت خلوة وفي هذا البيت جوار بيض، فجاء السلطان إلى بيت إياس ودار جميع بيوته ثم قصد الدخول في البيت المعهد، فامتنع إياس فبالغ السلطان فقال: أنا أستحي أن تدخلوا إلى هذا البيت. قال السلطان: لا بد أن أدخل. قال إياس: إذا كان كذلك فادخل أنت وحدك؛ ففتح باب المخزن ودخل مع السلطان فرأى خرقة مقطعة في البيت، قال السلطان: ما هذا؟ فقال: هذه الخرقة كانت لباسي قبل خدمتكم آجي كل يوم وأنظر إليها حتى لا أنسى فقري أولًا، وأعرف قدر خدمتك ونعمتك ثانيًا.
حكاية
قال مولانا السلطان: طلب السلطان محمود المماليك فجابوهم فقال إياس الخاص: يا سلطان، اشترني لله تعالى، وعندي معرفة بالأحجار والدواب والإنسان، فاشتراه وخلاه في الطبقة، فوقع عند السلطان لؤلؤ كبير كثير الثمن فوقع الاختلاف في ثمنه، فقال السلطان: هاتوا إياسًا؛ فلما نظر إياس إلى اللؤلؤ قال: في جوفه دود. فأمر السلطان بكسر اللؤلؤ، الأمراء امتنعوا، وأمر إياسًا فأخذه وكسره فخرج الدود من جوفه، ثم قال الأمراء حسدًا عليه: يا قليل العقل، بأي سبب كسرت هذا الجوهر؟ فقال: أنا ما كسرت الجوهر؛ بل كسرت الحجر، وأنتم كسرتم الجوهر الحقيقي؛ وهو كلام الملك. فتعجب محمود من قوله وزاد في رزقه كل يوم رغيفين، ثم جاء فرس هدية، قال السلطان: هاتوا إياسًا لينظر الفرس أيضًا. لما نظر إليه قال: هذا الفرس شرب لبن البقر، فسألوا صاحبه قال: نعم، ماتت أمه وهو صغير، فربيناه بلبن البقر. قال الملك: يا إياس، بأي شيء عرفته؟! قال: بأن رواحه مثل رواح البقر. فزاد في رزقه كل يوم رغيفين، ثم طلبه بعد هذا وقال: يا إياس أنت قلت: أنا أعرف الإنسان، فاكشف حالي. قال: أخاف أن أقول. قال: لا تخف. قال: العفو يا مولانا السلطان، ما أنت إلا ابن الخباز لا ابن سبكتكين! فانغاظ السلطان، فراح عند أمه وسألها: ابن مَن؟ وقال: إن صدقت خلصت من يدي وإلا أقتلك في الساعة. قالت: أنا كنت زوجة بسبكتكين وكان عقيمًا، وكان يريد ألا يرث ملكه أحد من غير بيته، وعملت حيلة وقلت: أنا حامل. بعد تسعة أشهر أخذت ابنًا من خباز وقلت: ولدته. ثم قال الملك لإياس: بأي شيء عرفت أني ابن خباز؟! قال بزيادة الخبز في وظيفتي. فرباه تربية عظيمة فوق الحد والوصف.
المناسب لهذا المجلس
قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: شرف الشخص بالعلم والأدب، لا بالأصل والنسب.
الخاتمة
قال عمر بن عبد العزيز: لو كان في الدنيا جوهر أعلى من الكلام، لأنزل من السماء على الأنبياء عليهم السلام.
(١٠) من المجلس الثاني عشر
طلعت يوم السبت سابع عشرين جمادى الأولى، وقعدوا في الأشرفية سبعًا وثلاثين درجة، ووقع فيه مسائل، والإمام كان الشيخ محب الدين المكي.
الجواب: قال مولانا السلطان: أصل الجركس هو صاركس؛ جاء ببني غسان في خلافة عمر الفاروق رضي الله عنه وأسلموا وحجوا، وكان سلطانهم في الطواف وقدم فقير عليه فدفعه فوقع ومات الفقير؛ فجاء جماعة الفقير وطلبوا من القاتل الدم فحكم عمر بقتل القاتل أو يرضيهم وما رضوا منه إلا بقتله.
المناسب لهذا المجلس
أنه قيل: كان رجل طويل الأنف ومدح نفسه عند جماعة بأنه رجل متحمل المكاره، قيل له: لو ما كنت صابرًا على المكاره لما قدرت أن تحمل هذا الأنف ستين سنة.
الخاتمة
قال النبي عليه السلام: أوصيكم بالسمع والطاعة وإن كان سلطانكم عبدًا حبشيًّا.
(١١) من المجلس الثالث عشر
طلعت يوم الثلاثاء سلخ جمادى الأولى، وقعدوا في الأشرفية ستًّا وثلاثين درجة، والإمام كان الشيخ شمس الدين السمديسي، ووقع فيه مسألة إلخ.
الخاتمة
قال الغزالي: اطلبوا العلم والعمل والمال حتى تجدوا رياسة العام والخاص وعند الله.
الحمد لله والمنة؛ هذه الصفات موجودة في سلطان العالم، خليفة العرب والعجم، يوسف مصر، شمس الخلافة، فلك الدولة والسعادة، أمير المؤمنين، وإمام المسلمين، الملك الأشرف، عزيز مصر، أبي النصر، قانصوه الغوري عز نصره.
رب كما جعلت أغصان اللسان في بساتين أفواه الإنسان مثمرة لذكر خيره الذي هو خارج عن الوصف؛ اجعل مدى خلافته أكثر من ألف ألف، والملائكة نظَّارة بمواكبه الشريفة صفًّا بعد صف.
الواقعة
وفي يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة انتقل القاضي شهاب الدين ابن فرفور، من دار الغرور إلى جوار رحمة الرب الغفور، خفف الله حسابه يوم النشور.