الروضة العاشرة في مجالس شهر رجب
(١) المجلس الأول
طلعت يوم السبت ثالث شهر رجب المرجَّب، وقعدوا في الدهيشة أربعين درجة، وكان الإمام الشيخ محب الدين المكي، وسأل حضرة مولانا السلطان جواب مسألة الخلافة؟
قمت وبست الأرض وقعدت في وسط المجلس وأخرجت الفتاوى، وكان المكتوب فيها:
الجواب: كتب الشيخ برهان الدين بن أبي شريف في الجواب: الحمد لله الهادي للصواب؛ ليس الأمر كما قال هذا القائل، ومن عاند في ذلك وأصر على المعاندة يعزر، والله أعلم.
وفي آخره: كتب إبراهيم بن أبي شريف الشافعي.
وصححه أيضًا الشيخ برهان الدين الدميري قاضي قضاة المالكي.
وصححه قاضي قضاة الحنبلي.
هذيان
ثم قال أم أبي الحسن: فخر سلطان مصر على سلاطين الدنيا بأنه هو نائب الخليفة.
الجواب: قلت: لأجل جبر خاطرهم لأنهم كانوا أولاد الخلفاء العباسية وكانوا مكسوري الخاطر؛ فقصد الملك الظاهر تعظيمهم ولبس منهم خلعة، وفخر الخليفة أنه لبس منه سلطان مصر، ولا يفتخر سلطان مصر بخلعته.
هذيان
قال أم أبي الحسن: لو تكلم الشريف هذا الكلام في زمن السلطان قايتباي لضرب رقبته!
درة
وفائدة كلامك أن قايتباي كان ظالمًا بهذه المرتبة؛ متى رأيت السلطان قايتباي ومتى دخلت مجلسه؟ أنت تحسب أنا ما أعرفك؟
درة
وقال له: أنت تقعد في وسط المجلس بسبب إيش، وتتكلم كثيرًا؟ قم.
درة
ثم التفت حضرت مولانا السلطان إلى اليمين وإلى اليسار وقال: ما أنتم شاهدون على أنه قال رأس أسود: لا تصح أنكحة المسلمين في بلاد ما لبس سلطانهم خلعة الخليفة وكلهم أولاد الزنا، ولا يصح أيضًا تولية سلطانهم، روحوا بكرة مع الشريف واشهدوا عند القضاة الأربعة، ومهما يجئ عليه بالشرع اعملوا به.
هذيان
قال: أنا قلت: لا تصح أنكحة المسلمين في مصر إلا باستخلاف الخليفة.
فغضب عليه مولانا السلطان ثانيًا وقال: بلاد مصر ليست ببلاد المسلمين! أو سلطانها أقل من سلاطين الدنيا؟
فحضَّار المجلس قالوا له: قم من مقابلة السلطان. فصار كالميت.
جوهرة
قال حضرة مولانا السلطان: يا شريف، أنت وأولاد الروم والمغرب والعجم واليمن كلكم روحوا معه عند القضاة وعزروه.
عجز
وفي آخر المجلس راح أم أبي الحسن وباس رجل الشيخ محب الدين الإمام فشفعوا فيه.
فطلبني حضرة مولانا السلطان وقال: اصطلحوا ولا تذكروا من هذا الكلام.
المناسب لهذا المجلس
الجواب: قال أنوشروان في الجواب: لأن حمل الثقيل تساعده فيه جميع الجوارح، ومجالسة الثقيل تنفرد فيها الروح.
الخاتمة
قال إسكندر: أضيق الحبوس مجالسة الثقيل.
(٢) من المجلس الثالث
طلعت يوم الخميس ثامن شهر رجب، وقعدوا في الدهيشة سبعًا وعشرين درجة، والإمام كان الشيخ محب الدين الحلبي، ووقع فيه مسائل.
من داراب ملك ملوك الدنيا الذي أنور من السماء إلى ذي القرنين اللص، أما بعد؛ اعلم أن ملك السماء جعلني ملك ملوك الأرض، وقد بلغني أنك جمعت لصوصًا لتفسد في أرضنا، واعتقدت أن تغلب على بلادنا، فارجع إذا نظرت إلى كتابنا من غير مؤاخذة بسفك الدماء، فإنك غلام حقير ليس مثلي مقابلك، أبقِ على نفسك وبلادك وإلا كنت أول مشئوم على ديارك.
جواب الكتاب
من ذي القرنين بن الفيلفوس الملك إلى الذي زعم أنه ملك الملوك وأن جند السماء له، وأن جنود الدنيا منه.
وبعد؛ فقد كتبت أن إضاءتي كإضاءة الشمس؛ فكيف يجوز أن يهابك إنسان صغير مثل ذي القرنين؟! فلا تظنن نفسك ملك الملوك أن نور الدنيا منك، وإنما ملك الملوك هو الله الذي خلق المُلك والمَلك، يؤتي الحكمة من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، وإنما أنت إنسان مترف أظهر لك جهلك، سميت نفسك باسم الإله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، ويجب عليه الغضب ممن تسمى باسمه، وكيف يكون ملك الملوك من يموت ويذهب سلطانه ويترك دنياه بغيره، وما أنت إلا ضعيف من الضعفاء، ولا تطيق مساواة ذوي القوة والبأس.
والآن أنا متوجه لقتالك؛ لأذيقك مثل ما يذيق الميت ملك الموت، وأرجو النصرة من الإله الذي خلقني وإياه أعبد وبه أستعين.
واعلم أنك غلوت في نفسك، وسطوت في سلطانك.
وأرجو أن يساعدني الله بقدر ما رفعت نفسك حتى يسمع أهل الأرض، وعليه توكلت وإليه أنيب.
المناسب لهذا المجلس
أنه قيل لبزرجمهر: هل تعرف نعمة لا يحسد عليها صاحبها، وبلاء لا يرحم عليه صاحبه؟ قال: نعم، أما النعمة فهي التواضع، وأما البلاء فهو الكبر.
الخاتمة
قال جمشيد الملك: هلاك المرء في العجب والكبر.
(٣) من المجلس الرابع
طلعت يوم السبت عاشر شهر رجب، وقعدوا في الدهيشة عشرين درجة، وكان الإمام سيدي علي الأخميمي، وفي تلك الليلة ما غير حضرة مولانا السلطان قماشه، وقعدوا في الدهيشة من أول طارئ إلى آخر المجلس، ووقع فيه مسائل، وجابوا مماليك الصغار وقرءوا في المجلس، وكان كثير من الأمراء واقفين في خدمته، وأم أبي الحسن أيضًا كان واقفًا بينهم.
•••
فراح حضرة مولانا السلطان إلى المبيت فطلب قاضي غزة، فدخل أم أبي الحسن مع القاضي بلا سؤال.
قال حضرة مولانا السلطان: من طلبك يا شيخ أحمد؟ فقام على حيله، وبعد ساعة تكلم وقال: في يوم بنى الجامع عمرو بن العاص عمل فيه ثمانمائة زوج من البساط أقل طول كل واحد منه عشرون ذراعًا في عرض عشرة، فتعجب الحضَّار.
جوهرة
قال حضرة مولانا السلطان: هذا الكذب قطرة من نهر كلامه. قلت: أولًا قد ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم ما صلوا على البساط.
درة
قال حضرة مولانا السلطان: على تقدير الوجود هذا يملأ عشرة مثل هذا الجامع فما حكمة الإسراف في البسط؟
المناسب لهذا المجلس
قيل: خرج ضرير في ليل مظلم وفي يده لحم على الساج وفي يده الأخرى السراج، قيل له: حمل سراج الضرير من صقاعة الذقن وسوء التدبير؛ لأن الليل والنهار متساويان عند الضرير، فضحك الأعمى وقال: اسمع؛ فائدة حمل هذا النور لأجل مثلك أعمى القلب المغرور، حتى لا يدفعوني ويكبوا طعامي لا لأجل نفسي.
الخاتمة
قال الخليفة لابنه: إذا أردت المهابة فلا تكذب؛ لأن الكاذب لا يُهاب ولو كان معه مائة ألف سيف.
(٤) المجلس الخامس
طلعت يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر رجب، وقعدوا في الدهيشة ثمانيًا وثلاثين درجة، وما خرج حضرة مولانا السلطان بعد المغرب من الدهيشة، وكان الإمام في تلك الليلة الشيخ شمس الدين السمديسي، ووقع فيه مسائل.
الجواب: قال أم أبي الحسن: إن في القيامة يمطر أربعين يومًا مني الآدمي! الرد: قلت: لا دخل لهذا الكلام في جواب سؤال مولانا السلطان.
تحقيق
قال مولانا السلطان: يا شيخ أحمد، تريد أن تتوه كلامي وسؤالي؟!
الجواب: قلت: المراد من السماء هو العلو. أو نقول: المراد من الشجرة النخل. أو نقول: يمكن أن يفرض شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وشبهت الكلمة الطيبة بها مثل قول القائل:
ولا يلزم أن يكون المشبه به موجودًا.
الجواب: فيه اختلاف بين المفسرين؛ قيل: المراد من الحين ستة أشهر. وقيل: شهران.
التحقيق
قلت: هذه المعاني الثلاث التي ذكرها الإمام في اصطلاح الفقهاء، وأما عند أهل التفسير فاستعمالات لفظ الحين كثيرة.
واقعة
وفي هذه الأيام خرج ثيران السلطان إلى برسيم، ونهب خدام الثيران بعض الدكاكين، وكانت هذه عادة مستمرة، وبدعة مستقرة، في زمن السلاطين السالفة مثل بيبرس وقلاوون.
لما سمع حضرة مولانا السلطان أنهم نهبوا أمر بالنداء برفع هذه البدعة القبيحة والعادة السيئة.
وأمر أيضًا بالنداء: من ضاع منه شيء بسبب هذه الجماعات لا بد أن يجيء ويأخذ من حاجي بركات المحتسب، وخلى عنده ألف دينار.
ثم كتب أصحاب الدكاكين فكان كل ما ضاع منهم ثلاثمائة دينار، فأخذوها من المحتسب.
العدل
قال حضرة مولانا السلطان: لو ضاع منهم والله عشرة آلاف لأعطيتهم.
سياسة
وقال للجماعة الذين اشتكوا: لأي شيء ما قتلتم هذه الجماعة البقَّارة؟!
مرحمة
وقال حضرة مولانا السلطان: ولو كان ابني يظلم الناس ما لي حاجة به.
الإنصاف
ثم أمر حضرة مولانا السلطان بصلبهم، فشنقوا أربعًا منهم وجرَّسوا البواقي.
المناسب لهذا المجلس
أنه قيل: خرج ليلًا السلطان محمود بزي فقير، فرأى عجوزًا مهمومة فقال: ما سبب همك؟ قالت: يجيء جندي ويزني ببنتي. قال: ما لباسه، وما زيه؟ قالت: كذا وكذا. قال الملك: مهما يجيء أخبري فلانًا الطواشي.
لما أخبرته خرج السلطان بهيئته الأولى وفي يده سيف، فجاء إلى بيت العجوز وقال: يا عجوز، أطفئي السراج. فقتل الجندي، ثم قال السلطان: هل عرفت من هو؟ قالت: لا. قال: هذا ابني، وأنا السلطان محمود، وأنا أمرتك بإطفاء السراج حتى لا أنظر وجهه فأرحمه.
الخاتمة
قال أنوشروان: إصلاح الرعية أحسن من كثرة الجنود والمملكة.
(٥) المجلس السادس
طلعت يوم الخميس خامس عشر شهر رجب، وكان الإمام الشيخ محب الدين المكي، وعمل حضرة السلطان مولدًا جمع فيه السادات والعلماء والقضاة والمشايخ والأمراء، وحضره المخدوم تاج الأكابر القاضي كاتب السر، والقاضي عبد القادر القصروي، ولبس الأمير الكبير بعد العشاء خلعة بدن مولانا السلطان، وقعدوا في الدهيشة خمسًا وسبعين درجة.
المناسب لهذا المجلس
قيل: لما قصد إسكندر تسخير مُلك الصين جاء رسول من الخاقان إلى إسكندر وقال: أمرني الخاقان أن أتكلم في الخلوة، فربطوا يديه وطلعوا به إليه، قال إسكندر: ما رسالتك؟ فقال: أنا ملك الصين جئت إليك، مهما تحكم أطاوع، ومهما تأمر أسمع. قال له إسكندر: ما خفتَ من هذه الجرأة؟! فقال الخاقان: قد عرفت أنك ملك صاحب دولة، وما بيني وبينك نفاق، ولا بين آبائي وآبائك خناق، ولو تقتلني قتلت شخصًا واحدًا من عسكري، فيولُّون شخصًا آخر في موضعي.
لما سمع إسكندر عظمه تعظيمًا عظيمًا، ثم قال إسكندر لخاقان الصين: نطلب منك أن تبوس الأرض، وخراجَ ثلاث سنين، فقبلها بالسرعة.
ثم قال إسكندر: فكيف حالك بعد هذا؟ قال: في غاية المذلة؛ أخرب أنا والرعية.
ثم قال: لو نقنع بخراج سنتين فما حالك؟ قال: أحسن من الأول.
ثم قال: لو نأخذ خراج سنة فما حالك؟
قال الخاقان: تفرغ ذخيرتي ولكن ما تُستأصل مملكتي ورعيَّتي. لما رأى إسكندر منه هذا الرأي والتدبُّر رضي منه بخراج ستة أشهر.
فحمده ملك الصين وقال لإسكندر: إذا قُرِّر هذا الأمر مقصودُنا أن نأكل معكم لُقَيمة، ونقعد في خدمتكم لحَيظة، فعملوا ميعادًا لأجل الضيافة، فباس الأرض، وخرج في الساعة.
الخاتمة
قال الضحاك الملك: إذا أرسلت رسولًا إلى حاجة فابعث حكيمًا؛ فإن لم تجده فاذهب أنت بنفسك. كذبك على نفسك أحسن من كذب الغير عليك.
(٦) المجلس الثامن
طلعت يوم الثلاثاء عشرين رجب، وقعدوا في الدهيشة أربعين درجة، وكان الإمام الشيخ محب الدين الحلبي، وأهل المجلس مدحوا عمارات حضرة مولانا السلطان.
قال مولانا السلطان: لو كانت الدهيشة في زمن السلطان قايتباي بهذه الهيئة لما خرج من القلعة، وما راح إلى القبة.
تنبيه
قلت: ومن جملة عجائب عمارات السلطان عمارة الميدان، الذي تحير فيه عقل الإنسان، ومنها تجديد البيسرية، ومنها الدهيشة الأشرفية، وتجديد القصر الأبلق، الذي في البلاد مثله ما خلق.
ومنها جامع الغورية، ومنها المدرسة الأشرفية مع القبة الزرقاء، الذي ليس مثلها في القبة الإسلام تحت قبة الزرقاء.
ومنها عمارات الأشرفية والطبقات التي حولها، وهي كجبل شامخ في مصر جامع، وعمارات القلعة الشريفة وأطرافها التي هي كبناء مصر جامع في الجبل.
ومن عجائب دولته عمارات كثيرة، في مدة يسيرة، عمل في ست سنين، الذي لا يمكن مثله في ستين.
والمشهور بين الجمهور أن شداد بن عاد بنى الأهرام التي لم يخلق مثلها في البلاد في مدة ست سنين؛ لا شك لو جمع هذه العمارات يجيء بقدر الأهرام مع بعد عماراته الشريفة عن الجبل، وتعب الحمل بالجمل، وكان بناء الأهرام في وسط الجبل.
المناسب لهذا المجلس
قيل: الملك كالجبل الشامخ فيه الثمار والمياه، وفيه الوحوش والطيور، وفيه الانخفاض والارتفاع.
الخاتمة
قال إسكندر: زائر السلطان يُرْفَع قدره، ويعلو ذكره، ويبلغ إلى حصول مقصوده إذا كانت الزيادة على السنة المرضية.
(٧) من المجلس التاسع
طلعت يوم الخميس ثاني عشرين شهر رجب، وقعدوا في الدهيشة أربعين درجة، وكان الإمام سيدي علي الأخميمي، وقرءوا في تلك الليلة تواريخَ عجيبةً.
درة
غريبة
قال في التاريخ: دخل الفارابي في مجلس سيف الدولة؛ قال له الملك: اقعد. فقال: أقعد في مكاني أو مكانك؟! قال: اقعد في مكانك. فقعد فوق الكل بحيث يخرج سيف الدولة من السرير.
تأديب
قال حضرة مولانا السلطان: ما عمل الفارابي مليحًا؛ لأنه مستلزم لقلة الأدب مع ظل الله.
فقصد مماليك سيف الدولة قتل الفارابي وتكلموا باللسان العجمي، أن هذا رجل قليل الأدب خفيف العقل، قال لهم الفارابي باللسان العجمي: اصبروا إنما الأعمال بالخواتيم. فبحث مع علماء المجلس وغلب على الكل، وتعجب سيف الدولة من هيئته وهيبته، قال له: تأكل لقمة؟ فقال: لا. قال: أتسمع نغمة؟ قال: نعم. فأحضروا المغنيات، فما أعجب الفارابي شغلهم وقال: لو كان مرسومكم لنضرب قليلًا. قالوا: لا بأس، فأخرج قطعة من الخشب وركب عليه الأوتار وضرب، فضحك جميع من في المجلس، ثم ضرب فبكوا، فأمر له سيف الدولة بدينارين في كل يوم.
ومات الفارابي في الشام.
الحكمة
قال حضرة السلطان: ما خلَّص الفارابي من القتل عند سيف الدولة إلا اللسان العجمي، ولهذا قيل: اللسان مع الإنسان شخص ثان.
حكاية
قال في التاريخ: إن المأمون رأى جارية فصيحة على ظهرها قربة، قالت: يا أبتي أدرك فاها، غلبني فوها ولا طاقة لي بفيها. قال المأمون: أنت تريدين عشرة آلاف معجلة أو مائة ألف مؤجلة، قالت: يا أمير المؤمنين بقي قسم آخر؛ وهي مائة ألف معجلة، فتعجب المأمون من كلامها.
نادرة
قيل في التاريخ: كان اسم أم خليفة شَرارًا، واسم امرأته قطرًا.
درة
قال حضرة مولانا السلطان: الشرار اسم موحش، وأعجبه اسم القطر، قال: تسمية الحبيب بالأشياء اللطيفة لطيف.
موقف
قرءوا التاريخ إلى أن ذُكر أن اسم أم الخليفة كان زمردًا.
درة
قال مولانا السلطان: الزمرد مناسب لختم المجلس والخاتم.
قلت: بالوده.
(٨) من المجلس العاشر
طلعت يوم السبت رابع عشرين شهر رجب، وقعدوا أربعين درجة في الدهيشة، والإمام كان الشيخ عبد الرزاق، ووقع فيه أشياء.
نكتة
قلت: يشكل بقوله عليه السلام: أنا أملح؟
الجواب: قال مولانا السلطان: المراد أن حسن يوسف تسعة أعشار حسن الدنيا التي في زمانه، ونبينا كان الأحسن الحقيقي ويوسف الأحسن الإضافي.
عجيبة
قال في التاريخ: ولد ولدان ملتصقان بالظهر، وكانا متخانقين في كل يوم.
وذكر أيضًا أن في تلك السنة وقعت مخانقات كثيرة.
درة
قال مولانا السلطان: إذا كان أخوان ملتصقان يتخانقان فالمخانقة بين الناس بطريق الأولى.
درة
قال مولانا السلطان للقاضي شمس الدين الغزي: عقلك عقل العامي.
ومعنى هذا الكلام أنه لما قصد دولَتْبَايْ العصيان على مولانا السلطان قال له القاضي: العصيان مع هذه الدولة مثمر للندامة، وموجب البعد عن طريق السلامة، قال له: اسكت، عقلك عقل العامي. فغضب عليه، فهرب القاضي منه، فسمع مولانا السلطان هذا الخبر، وقال له إذ حضر: عقلك عقل العامي.
ثم قال مولانا السلطان: أنا أعرف كثيرًا من الألسن. فتكلم في كل لسان مثل فصحائهم، الأول العربي، والثاني اللسان العجمي، والثالث التركي، والرابع الكردي، والخامس الأرمني، والسادس الجركسي، والسابع أوَزَه وَأخُوخْ واسى.
اتفاقية
قال في التاريخ: إن المتنبي وقع عليه الحرامي في طريقه ليلًا من الليالي فقصد الهرب، قال له العبد: أنت ما أنشدت في قصيدة وما قلت:
درة
قال حضرة مولانا السلطان: العبد قصد التفرج.
حكمة
قال مولانا السلطان: دخل جَانِبَك الحبيب إلى الروم وكان قاصدًا، قيل له: من أنتم حتى تحكموا بيت الله الحرام يا أولاد الكفرة، وهذا الملك يليق بسلطاننا وهو السلطان ابن السلطان ابن السلطان؟ قال جانبك في جوابهم: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ من كان أبا سيدنا إبراهيم، ومن كان أبا محمد عليه وعليهم السلام؟
وأيضًا ورد أن شرف الشخص بالعلم والأدب لا بالأصل والنسب.
قال الشيخ كوراني: لا تتكلموا في حق سلاطين مصر؛ فإنكم تفضحون أنفسكم، فتعجب السلطان بايزيد من كلامه فأنعم عليه إنعامات كثيرة دقيقة.
قلت: والعجب أن إسكندر باشا لما أمسكه السلطان قايتباي خلاه في الطبقة بسبب عدم معرفته بواجبات الشريعة.
المناسب لهذا المجلس
أن ملوك الفرس يتكلمون في يوم الحرب بالتركي، وفي الأمر والنهي بالفهلوي، وفي المنادمة والمجالسة بالفارسي.
الخاتمة
قال عبد الملك بن مَرْوان: ثلاثة أشياء تدل على مقدار أربابها: الكتابة تدل على مقدار كاتبها، والهدية تدل على عقل مهديها، والرسول يدل على مقدار عقل مرسله.
(٩) من المجلس الحادي عشر
طلعت يوم الثلاثاء سابع عشرين شهر رجب، وقعدوا في الدهيشة زمنًا قليلًا، وكان الإمام الشيخ محب الدين المكي، ووقع فيه المسائل.
حكاية
قال صاحب العقائق: إخوة يوسف لما وصلوا إلى الجب لكموا ولطموا يوسف وقصدوا قتله فمنعهم يهوذا من القتل، ويوسف يبكي ويبوس أيدي وأرجل الكل.
الجواب: قلت: يا مولانا السلطان، ما ثبتت نبوتهم.
جدل
قلت: أنت قرأت شيئًا من العلوم؟! وفي أي كتاب رأيت؟! فليس للعامي أن يتعرض للعلماء، ويتكلم مثل هذه الأشياء. قال القاضي محمود الخليلي: لا بد أن يكون إخوته أنبياء؛ لأن ولد النبي نبي!
تربية
قال مولانا السلطان: يا شريف؛ خلاف الجماعة ما هو مليح.
المناسب لهذا المجلس
قال السلطان بابر: هذا يدل على بخل حاتم، لا على كرمه؛ لأنه لو كان كريمًا لأغناه في الباب الأول بحيث لا يحتاج الرواح إلى الباب الثاني.
الخاتمة
قال إسكندر: لا تلوموا المرء على بخله ولوموه على بذله؛ لأنه لا خير في المرء لو لم يكن حافظًا لما يحفظه.
(١٠) من المجلس الثاني عشر
قال صاحب الكشاف: استغفرَ يعقوب ذنبهم في الآخر فصاروا أنبياء.
ترغيب
قال مولانا السلطان: ما تقول يا شريف في جوابه؟ قلت: كنت مريضًا يومين ولكن أقول: إن هذا النقل موقوف على شيئين:
- أما الأول: هل بيننا وبين المعتزلة موافقة في عصمة الأنبياء أم لا؟
- والثاني: كلام صاحب الكشاف ما يعارض القرآن؛ مع أن ذنبهم ثابت في كتاب الله من عقوق الوالد، والكذب، وبيع المسلم في بلاد الكفر، وترقيق المسلم، ونسبة صدِّيق الله إلى السرقة في قولهم: فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ؛ كل هذه الأشياء كبيرة، ولا تليق بمرتبة النبوة!
قال حضرة مولانا السلطان: ما تقول يا قاضي في الجواب؟ وقول الشريف إن في الكشاف مذهب الاعتزال هل صحيح أم لا؟ قال في الجواب: نعم.
قال القاضي محمود: صاحب الكشاف كان معتزلي المذهب في الأول، ثم تاب في الآخر من الاعتزال.
نصيحة
قال لي حضرة مولانا السلطان في الخلوة: لو ما جبت النقل وفتوى العلماء على عدم إثبات نبوة إخوة يوسف لأحلق ذقنك! قلت: لو أجيب الفتوى؟ فقال: أنت تكون من الخواص.
المناسب لهذا المجلس
قيل: صاحب الكشاف مسك حلقة باب الكعبة، وقال: أنا الشويخ المعتزلي من يجادلني؟ قال إمام الحرمين في جوابه: فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ.
خاتمة
قال بعض الأفاضل:
(١١) من المجلس الثالث عشر
قال قاضي القضاة الحنفي: من هو عدو صاحب الكشاف؟ فتبسم حضرة السلطان وقال: الشريف. ثم قال: جبت الفتوى؟ قمت وبست الأرض وقلت: نعم.
صورة الفتوى
ما قول علماء الدين، رضوان الله عليهم أجمعين، في شخص يقول: لم تثبت نبوة إخوة يوسف الصديق عليه السلام، هل يقع في محذور مع أن القاضي عياضًا قال في الشفا: وأما إخوة يوسف فلم تثبت نبوتهم، ومال إليه القرطبي والإمام الفخر الرازي، وابن كثير قال: لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف؟
ثم قال في الجواب أعلم العلماء المحققين، وبرهان الفقهاء المدققين، أستاذي أستاذ العالم، شيخ إسلام العرب والعجم، برهان الملة والشريعة والحقيقة، والتقوى والفتوى والدين، إبراهيم بن أبي شريف:
وصححه أعلم علماء الحنفية، ومحب الحضرة الأشرفية، المحقق المدقق الذكي، الشيخ برهان الدين الكرَكي.
وصححه شيخ الإسلام السالك، وأعلم علماء مذهب الإمام مالك، الشيخ برهان الدين الدميري.
وصححه شيخ الإسلام، أستاذي وأستاذ البشر، العالم العامل الولي، قاضي القضاة الحنبلي.
وصححه مجتهد العصر، وشافعي الدهر، صاحب الوصف الجميل، الشيخ كمال الدين الطويل.
المناسب لهذا المجلس
أنه قيل: في آخر دولة أنوشروان ظهر خارجي ذو شوكة في بعض البلدان واجتمع عليه عيَّاق كثير، فصار صاحب عسكر كبير، فطلب خطبة ابنة أنوشروان، وكان أنوشروان خائفًا من شوكته، وكان من رسوم كسرى أن يزوج البنات بالأقرباء لا بالغرباء، فشاور أركان دولته وأعيان مملكته فاتفق رأيهم على أن للملك بنتًا صغيرة فيأخذ الملك بنتًا بقدرها وفي الحريم يربيها، وحين تكبر يزوجها به، ففرح أنوشروان من هذا البيان فأخذوا بنتًا من الأكراد، وكان لبزرجمهر بنت من الجياد، وفي بعض الأوقات تجتمع مع الكردية، فقالت لأبيها من سوء خلقها، فانغاظ بزرجمهر وقال ما هي بنت الملك، بل من الكرد جابوها. ولما ظهرت الأفعال القبيحة ثانيًا من الكردية، قالت بنت بزرجمهر: يا ابنة الكرد كم تؤذيني؟ فبكت الكردية واشتكت عند أنوشروان، فعرف الملك أن بزرجمهر أظهر بنته على هذا السر، فأمر بإحضار موبذ موبذان (يعني أعلم علماء ذلك الزمان)، فقال أفتوني فيمن أفشى سر السلطان، فقالوا: جزاؤه القتل عند أهل العقل والنقل. فأخذوا من رأس بزرجمهر تاج الوزارة، وحلوا من وسطه منطقة الإمارة، فشنقوه وعروا بنته ودوروها حوله، وكانت البنت حين تمر تحت المشنقة تغطي عورتها بيديها وتغمض عينيها، لما ذكروا ذلك عند الملك طلبها وسأل منها حكمة ستر العورة تحت المشنقة، فقالت: لأن الإنسان الكامل في عسكرك كان أبي، لو كان إنسان آخر لشفع عند الملك، وخلص أبي من الهَلَك. فأعجب أنوشروان كلامها فتزوج بها. لما نزلوا بزرجمهر رأوا تعويذًا مربوطًا على يده وكان المكتوب فيه: لو كان القضاء والقدر حقًّا فالحذر باطل، ولو كان الموت حقًّا فربط القلب بالدنيا عين الحماقة. لما رأى أنوشروان هذا بكى بين الجمع، بحيث خرج من عينيه الدمع، فندم كثيرًا.