عن التاريخ والمرأة
ما هو السبب التاريخي الأول الذي جعل الرجل مسيطرًا على المرأة؟ وهل عرَف التاريخ البشري عصرًا لم يسيطر فيه الرجل على المرأة؟ بعبارة أخرى: هل سيطرة الرجل على المرأة حقيقة قديمة منذ الأزل؟ أم حادث عارض له سبب اجتماعي أو بيولوجي؟
- (١) «القسم المثالي»: وينقسم إلى فريقين:
- (أ)
Ml-فريق يرى أن خضوع المرأة قديم وأزلي. أصحاب الفكر الديني يعتبرون خضوع المرأة قانونًا إلهيًّا أزليًّا وثابتًا لا يتغير أبدًا؛ لأنَّ قوانين الإله نصوص ثابتة مكتوبة، واضحة المعنى، وإذا كان هناك من النصوص ما هو غامض، فالتفسير وظيفة رجال الدين (ليس هناك شيء اسمه نساء الدين)، والاجتهاد في التفسير يقوم به رجال الدين من العلماء والفقهاء.
- (ب)
فريق يرى أن خضوع المرأة قديم وأزلي. أصحاب الفكر الفلسفي المثالي الذين يفصلون بين المادة والفكر، ويضعون العقل في تناقض مع الجسد، ويجعلون العقل أسمى من الجسد، أو الفكر هو الأصل وهو الحقيقة، والوجود المادي هو الفرع أو اللاحقيقة. والرجل في نظرهم هو العقل والفكر والأصل، والمرأة هي النقيض، هي الجسد والمادة والفرع.
- (أ)
- (٢)
«القسم المثالي المادي»: هذا الفريق يرى أن خضوع المرأة قديمٌ وأزليٌّ، ولكنهم لا يفسرون هذا الخضوع تفسيرًا دينيًّا أو تفسيرًا ميتافيزيقيًّا، ولكنهم يُرجِعون الخضوع إلى أزلية أخرى هي الأزلية البيولوجية، معتقدين أن طبيعة المرأة البيولوجية هي التي تُحتِّم هذا الخضوع.
- (٣)
«القسم المادي الجدلي»: يُرجِع هذا الفريق خضوع المرأة لأسباب اجتماعية وتاريخية، لكنه رغم هذه الرؤية التاريخية المادية الجدلية يعجز عن قراءة تاريخ المرأة أو تاريخ الصراع بين الجنسين، ولا يرى إلا الصراع بين الطبقات.
هل كان الصراع الاجتماعي في التاريخ البشري هو الصراع الطبقي فحسب؟ الصراع بين العبيد والأسياد؟ الصراع بين الفلاحين وأصحاب الأرض والإقطاع؟ الصراع بين العمال وطبقة الرأسماليين؟
ألم يكن هناك أيضًا صراع بين الرجل والمرأة؟
من المعروف علميًّا أن الإنسان إذا استُعبد يقاوم، فهل قاومت المرأة الاستعباد؟ وهل هي استُعبدت؟ أم هي في الأصل عبد؟
التاريخ يقول إنَّ المرأة لم تكن في الأصل «عبدًا».
ويتطور علم التاريخ — كغيره من العلوم — من تطور المجتمع بفئاته وطبقاته المختلفة. ومن المعروف أنَّ الفئة الأقوى نفوذًا أو الطبقة الحاكمة هي التي تبرز في التاريخ، ويهتم المؤرخون بها وبأفكارها وأعمالها. ومع بروز فئات وطبقات أخرى واكتسابها لمزيد من القوة السياسية والاقتصادية والثقافية فإنها تكتسب في الوقت نفسه اهتمام المؤرخين، أو تُنتج من بين أفرادها مؤرخيها. وقد شهدنا في عصرنا هذا صعود طبقة العمال سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا بسبب تزايد قوة الأحزاب والمنظمات والاتحادات والنقابات العمالية في هذا القرن، وازداد معها عدد المؤرخين الذين أعادوا دراسة التاريخ بوعي أكبر يدرك حركة العمال لمقاومة الظلم والاضطهاد الذي وقع عليهم من طبقة الرأسماليين. وحدث هذا بالنسبة لحركة الزنوج وحركة الشباب وحركات الشعوب المقاومة للاستعمار القديم والجديد في بلادنا وبلاد العالم الذي يُطلق عليه اليوم العالم الثالث.
ويَشهد عصرُنا أيضًا تصاعُدَ قوة النساء في مختلِف بلاد العالم غربًا وشرقًا، وازديادَ قُدرة المرأة على تنظيم صفوفها واكتسابها نوعًا من القوة السياسية والاقتصادية والثقافية، تزيد أو تنقص حسب درجةِ المجتمع من التقدُّم، وقد تكون بارزة، وقد تكون كامنةً في دَور التكوُّن، إلا أنها موجودة وتزداد قُدرةً مع تزايُد الوعي والتنظيم، وتكتسب بذلك قُدرةً أكثر على إعادةِ دراسة التاريخ برؤيةٍ جديدة، تَشمل حركةَ النساء لمقاوَمة الظلم والاضطهاد اللذين وقَعا عليهن من الرجال والطبقة الحاكمة.
وقد بدأ في النصف الأخير من هذا القرن ظهور عدد من المؤرخات النساء والمؤرخين الرجال الذين أدركوا أهمية إعادة قراءة التاريخ بأفق أوسع، أقل تحيزًا ضد المرأة، أو أكثر فهمًا للظروف الاجتماعية التي طردت النساء من التاريخ، ومن مجالات الفكر بصفة عامة.
ومما لا شك فيه أن ما نُطلق عليه اليوم اسم الحضارة الحديثة (في الغرب أو في الشرق) اقترنت بأسماء المفكرين والمبدعين الرجال أكثر مما اقترنت بأسماء النساء. وحاول الكثيرون من العلماء والمؤرخين الحكم على المرأة بأنها، بالطبيعة، أقل عقلًا من الرجل. لكن إعادة قراءة التاريخ وخاصة التاريخ المصري القديم تُثبت أن المرأة المصرية ساهمت بقدر كبير في الفكر الخلَّاق وفي مجالات الحياة العلمية والفنية والسياسية والدينية والفلسفية، وأن مهمتها كانت تزيد عن مهمة الرجال في بعض المراحل التاريخية من الحضارات القديمة السابقة على نشوء النظام العبودي.
وعلى هذا فإن القول بأن طبيعة المرأة هي السبب وراء ضعف مساهمة النساء في الفكر والخلق الفكري في عصرنا الحديث لا يستند إلى حقائق علمية أو تاريخية، وبالتالي لا يمكن لنا أن نقول إن الفكر أو الخلق الفكري وظيفة ذكورية تتناقض مع طبيعة المرأة أو ما يطلق عليها اسم «الأنوثة».
وإلا فلا بد لنا أن نقول إن النساء المصريات القديمات الخلَّاقات فكريًّا إلى حد الوصول إلى مكانة الملكات والحاكمات والإلهات المعبودات، إنهن جميعًا نساء غير طبيعيات وبلا أنوثة!
وليس الموضوع هنا الحضارة المصرية القديمة ودور المرأة فيها، فهذه ستكون دراسة أخرى أكثر تفصيلًا، لكن المهم الآن هو الكشف عن بعض الحقائق التاريخية الجديدة التي ترفع الغبار والتجاهل الذي حدث للحضارات الإنسانية القديمة ودور النساء فيها.
وقد كان لمصر بالذات أكبر حضارة في شرق البحر المتوسط قبل ظهور الحضارة اليونانية.
وكتب اليونانيون القدامى أنهم أخذوا الكثير من العلوم والفنون من مصر، وللمصريين الفضل في تعريفهم بالثقافة والفلسفة والدين والهندسة وغيرها من العلوم.
بسبب الغزو الأجنبي والاستعمار والحركات العنصرية فقد اختفى في التاريخ الكثير من الحضارات القديمة، وخاصة الحضارة المصرية القديمة، ولم يهتم بدراستها أو إعادة الكشف عنها إلا أقل القليل من العلماء في الشرق أو في الغرب.
كما أن معظم المتخصصين في شئون الحضارات القديمة والتاريخ قد نقلوا عن علماء أوروبا خلال القرنين الماضيين. وقد تجاهل معظم هؤلاء الكثير من الحقائق التاريخية لمجرد إنكار دور الشرق في الحضارة الحديثة.
ويؤكد بعض العلماء أن الإلهة الأنثى عُبدت منذ ٧٠٠٠ق.م. في العصر الحجري الحديث، وترجع بعض ديانات المرأة إلى العصر الحجري القديم منذ ٢٥٠٠٠ سنة ق.م.
وما زلنا نجهل الكثير عن تلك الحضارات القديمة، ولدينا الكثير من الآثار القديمة في مصر والتي تحتاج إلى مزيد من الدراسة والفحص لكشف الحقائق عن تلك الفترات البعيدة في التاريخ، وكشف التزوير الذي حدث من قِبل مؤرخي الفراعنة والملوك والحكام والغزاة الأجانب.
والقوانين المصرية كانت أكثر تقدُّمًا من القوانين الإغريقية.
وأخذت المسيحية بعض أفكارها من ديانة إيزيس، وصورة العذراء مريم تحمل يسوع المسيح ما هي إلا نسخة مكررة من صورة إيزيس تحمل الطفل حورس.
وقرأت تا أوست سيرة جَدتها الملكة حتشبسوت جيدًا، وخرجت على عادة الفراعنة، وجعلت مقبرتها في وادي الملوك وليس وادي الملكات.
ونقرأ في تاريخ مصر القديم كثيرًا من الحكايات والأحداث التي تكشف عن الصراع الطويل بين الملوك والملكات، ولا نكاد نعرف الحقيقة إلا من وجهة نظر المؤرخين الرجال.
قالوا إن المرأة «تي» طعنَت رمسيس الثالث، واستخدمت كتب السحر، وحاولت أن تنشر الأمراض في القصر، وحوكمت هي وزميلاتها الثائرات على رمسيس الثالث.
كان للمرأة المصرية القديمة مكانة عالية في جميع نواحي الحياة بما فيها الطب والعلاج والدين والسياسة والحكم والتاج.
ويعتقد بعض الباحثين أن «إخناتون» هو اسم تم تحويره عن «أخت آتون» وأنه كان امرأة وليس رجلًا، وقد تم تغيير رسمه ضمن الأسماء الأخرى التي غُيِّرت بعد هزيمة المرأة.
إن التاريخ يدل على أن ديانة إيزيس لم تنهزم بسهولة وظلَّت تقاوم عشرات القرون، حتى منتصف القرن السادس الميلادي.
لكن المرأة المصرية القديمة فقدت مكانتها وتحوَّلت من إنسانة حرة كاملة الأهلية تساهم بعقلها في جميع مظاهر الحضارة إلى عبد داخل البيت وأجيرة بدون أجر تعمل في الأرض لحساب زوجها وتُتهم بنقص العقل وبالجهل والشعوذة.
في عهد الدولة الوسطى انتشرت عبادة أوزوريس بدل عبادة إيزيس، وأصبحت عبادة إيزيس هي الديانة الشعبية للفلاحين والفلاحات، أما عبادة رع الملكية فلم تكن تخصُّ إلا الطبقة الحاكمة العليا.
وظهرت خرافات عن الحياة بعد الموت من أجل استمرار حكم الملوك في الدنيا والآخرة، واشتملت الخرافات على ثعابين وتماسيح وقرَدة وشياطين، ورمزت المرأة إلى الشيطان والشر، ورمَز الرجل إلى الخير والألوهية.
وقيل إن الشيطان أو الشيطانة تعترض طريق المتوفى في العالم الآخر ولا بُدَّ من قهرها قبل الموت، وبدأت الصلوات والتعاويذ والأحجية التي تقي الرجل الميت من شرور الطريق في الحياة الأخرى. وصارت هذه الخزعبلات مصدر رزق كثير للرجال الكهنة الذين تفنَّنوا في خداع الفلاحين والفلاحات.
ووضع هؤلاء الكهنة كتابًا اسمه «الدليل» وآخر اسمه «دليل الطريقين» يشتملان على الوصايا لتفادي الشرور، وأصبح هذان الكتابان التافهان هما ثقافة المصريين والمصريات، وتم إهمال الثقافة القديمة العلمية الإنسانية.
هذا الانهيار كان سببه الملكية والإقطاع كنظام اقتصادي وسياسي، وانهيار النظام الإنساني التعاوني في الدولة القديمة.
بوادر الإقطاع ظهرت في مصر القديمة، ولكنه لم يُعرف كنظام اقتصادي سياسي شامل إلا خلال الفترة المتوسطة الأولى والدولة الوسطى، وظل موجودًا إلى نهاية العصور الفِرعَونية، إلى أن أصبحت مصر كلها إحدى ضِياع روما.
وظل مركز المرأة المصرية والفلاح المصري يتدهور ثقافيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا ودينيًّا برسوخ الإقطاع والعبودية والسخرة.
وانهارت قيمة المرأة المصرية والفلاحين الفقراء مع فُقدان مصر استقلالَها الاقتصادي والسياسي، وخضعت للغزوات المتعاقبة.
وحاول الغزاة امتصاص خيرات مصر ونهبها، عن طريق العائد الاستعماري، وحلَّ نظام المبادلات والتجارة مكان الزراعة، وانخفضت قيمة الزراعة والأرض. وازدهرت أهمية التجارة والسفن والنقل والقوافل والحروب والغزوات، التي كانت أسرع من الزراعة في جلب الأموال والثروات. وظهرت طبقات التجار وسكان المدن والطبقات العليا والمتوسطة التي تعيش على استغلال الفلاحين والفلاحات.
وفي التراث السامي القديم أن إبراهيم، الذي عاصر الدولة الوسطى، زار مصر هو وزوجته «سارة» لمحاجاة كهنة مصر في شئون العقيدة، وتزوج إبراهيم «هاجر» المصرية وأنجب منها ابنه الأكبر إسماعيل، أبو العرب العدنانيين وجَدُّ الرسول محمد، أي أن الجَدَّة الكبرى لنبي الإسلام امرأة مصرية.
وعانت النساء المصريات والفلاحون المصريون مختلفَ أنواع القهر والاستغلال. كانوا يقاومون ولا يستسلمون إلا كرهًا، وقد عبَّرت بعض الأغاني المصرية عن قهر النساء والفلاحين الأجراء، ومنها تلك الأغنية:
ولم تكن التقاليد المصرية تمنع المصرية من العمل خارج البيت، واحترفت الزراعة والصيد، ولم يكن يخجلها أن تعترف بالحب إذا أحبت، ولم تكن تنتظر حتى يأتيها الرجل، كانت إيجابية في سلوكها، تمارس حقها في الحركة والاختيار، ومن كلمات فتاة مصرية إلى رجل تحبه:
وكان للمرأة الأم مكانة رفيعة، ومن وصايا الحكيم المصري القديم آني يقول:
إن عمر الإنسانية على ظهر الأرض في نصوص التوراة الثلاثة (عبرية وسامرية وسبعونية) لا يزيد على ٣٣٨٩ سنة.
إلا أن انتصار الكنيسة لم يدُمْ بعد أن اكتشف «شامبليون» الخطوط المصرية القديمة «الديموتيقي والهيراتيقي» عام ١٨٢٩م، وتم التأكد أن حضارة مصر أقدم من التاريخ الذي حدَّدته التوراة لخلق الإنسان ولنوح وإبراهيم.
وتدل الدراسات التاريخية أن الشعب المصري القديم قاوم النظام العبودي من نشأته، وحين انتشر الظلم في عصر الدولة الوسطى ثارت النساء المصريات والعبيد، واستطاعوا أن يستردوا بعض الحقوق الضائعة إبَّان عصر الدولة الحديثة، وظهرت نساء قويات مثل نفرتيتي وحتشبسوت، التي حكمت مصر ٢٢ عامًا (١٥٠٤–١٤٨٣ق.م.) ثم خلفها تحتمس الثالث، وأمر بتدمير تماثيلها وتشويه رسومها.
وقد اعتمد النظام العبودي الأبوي الجديد — كي ينهض ويستقر — على عمليات مستمرة من الإبادة والتشويه والتزوير لثقافة المرأة القديمة ولغتها. وسلب منها قدراتها الإبداعية الفكرية، بل والبيولوجية أيضًا، وانعكست الحقائق رأسًا على عقب، وبدلًا من أن تكون المرأة هي الأم وهي التي تلد، أصبح الرجل هو الذي يلد («زيوس» ولد «أتينا» من رأسه، آدم ولد «حواء» من ضلعه). واستشرت عبادة الحيوان بدل الإنسان، وسُلبت من النساء أطفالهن، بل وأسماؤهن أيضًا.
قسمت العبودية المجتمع الإنساني إلى أسياد وعبيد، واندرجت المرأة تحت طبقة العبيد، وانعكس هذا الانقسام على العلوم الطبيعية ثم العلوم الإنسانية والاجتماعية حتى يومنا هذا.
وقد أدى هذا التقسيم إلى ثنائية وازدواجية وتناقضات.
«لقد خُلق الرجل للأنشطة النبيلة والمعرفة الفكرية، أما المرأة فقد خُلقت من أجل الولادة لحفظ النوع.» هذه هي عبارة أرسطو الشهيرة والتي ردَّدها الفلاسفة من بعده حتى عصرنا هذا.
- (١)
الأشخاص: وهم الأسياد «الرجال الملاك».
- (٢)
الأشياء: وهم العبيد والنساء والحيوانات.
وقد تصوَّر أرسطو أن النظام العبودي أمر عادل تتطلبه طبيعة العبد وطبيعة المرأة.
وتعرض ديموقريطس وتلاميذه للحرب والعداء من الفلاسفة الآخرين، وعلى رأسهم أفلاطون، الذي لم يحارب تلاميذ ديموقريطس فكريًّا فحسب، لكنه اتهمهم بجرائم تستوجب القتل، وكان يهدد بحرق كل مخطوطات ديموقريطس.
ولم تشتهر في التاريخ مدرسة «ديموقريطس» بسبب هذه الحرب التي أُعلنت ضده من الفلاسفة الآخرين الذين دعمهم النظام الحاكم — ومن هذه المدارس الفلسفية الرواقية والأبيقورية — وكانت الحكمة عندهم ليست مثلًا أعلى للمعرفة بقدر ما هي طريقة حياة تخلص الفرد من الآلام.
وكان السفسطائيون أيضًا ضمن هؤلاء الفلاسفة الذين تجاهلهم التاريخ الرسمي. وقد تبنَّى السفسطائيون الحكمة النسبية الإنسانية، ووحدوا بين الحكمة والمعرفة، وبينها وبين القدرة على البرهنة على ما يعتبره الإنسان ضروريًّا وصحيحًا وعادلًا.
ولم يشتهر في التاريخ إلا الفلاسفة أمثال أفلاطون وأرسطو، الذي أعلن أن المرأة لا تُساهم في صنع الجنين إلا بالتجويف الداخلي، أي الرحم، أو بمادة خام غير حية، وأن الرجل وحده هو الذي يمنح الحياة للطفل.
عجز أرسطو، وغيره من الفلاسفة — الذين اشتهروا في الحضارة الحديثة — عن إدراك ماهية المرأة كإنسان وإدراجها مع العبيد ضمن الحيوانات. عجز أيضًا عن إدراك أن العبد إنسان، كالرجل السيد تمامًا. وكان أرسطو (كغيره من الفلاسفة) ينظمون الكون والحياة بطريقتهم المجردة، وحسب أغراضهم ومصالحهم في المجتمع. فهؤلاء الفلاسفة أعادوا ترتيب الأشياء والحقائق وفقًا لتقسيمات العبودية التي لم يعرفوا غيرها في حياتهم، وفي كل قسم وضعوا الأفكار التي تخدم أغراضًا متشابهة، وأصبحت أغراض الرجل (الفيلسوف السيد) ورغباته واستجابته لهذه الرغبات هي التي تحدد شكل اللغة ونوع الأشياء.
وتصور كثير من العلماء أن اللغة التي بدأت في الحضارة الإنسانية القديمة هي لغة الرجل، وسُمِّيت بحضارة «الصيد الأولى»، التي استخدمها الرجال البُدائيون الصيادون.
لكن علماء الأنثروبولوجي الجدد ناقضوا هذه الفكرة، وأثبتوا عن طريق الآثار القديمة أن الحضارة الإنسانية الأولى هي حضارة الزراعة، وأن المرأة هي التي بدأتها، وأن الإنسان الأول حين نطق كانت أصواته هي نداء الأم لطفلها، ولذلك سُميت الحضارة الأمومية، وسُميت اللغة ﺑ «لغة الأم»، وهذا الاصطلاح «لغة الأم» ما زال يُستخدم حتى الآن تعبيرًا عن اللغة الأصلية للفرد أو للشعب.
وقد كشفت الحفريات الحديثة عن خطأ الفكرة التي قالت بأن المجتمع البشري لم يعرف إلا السلطة الذكورية، وأنه لم يكن هناك في التاريخ مرحلة سادت فيها النساء أو تفوَّقت في مجال الحياة العامة، أو مما يسمى بالمجتمع الأمومي.
ويتفق الجميع اليوم على أن النظام الأمومي كان موجودًا، بمعنى أن النسب والوراثة يرجعان إلى الأم، لكن هل كانت النساء في مثل هذا النظام الأمومي تتمتع بسلطة سياسية وفكرية تفوق سلطة الرجال؟!
هناك فريق من العلماء الرجال والنساء يقول بأن النساء كمجموعة لم يكن لهن سلطة سياسية، وإنه حتى في المجتمعات الأمومية التي كان الأطفال يُنسبون فيها إلى الأم، كان أقارب الأم الرجال (الأخوال وأقارب الأم) هم الذين يسيطرون سياسيًّا، بمعنى أنهم هم الذين يتحكمون في توزيع الطعام على أفراد القبيلة، رغم أن النساء هن اللائي كُنَّ يجمعن الطعام إلى جانب رعايتهن للأطفال.
وهناك فريق آخر يقول إن النساء كانت لهن سلطة سياسية في فترة «الصيد»، حيث كان الرجال يذهبون إلى صيد الحيوانات، أما النساء فكُنَّ يعملن جاهداتٍ لجمع الطعام وزراعة بعض النباتات من أجل تغذية أطفالهن.
وكان النساء يتعاونَّ في العمل وجمع الثمار والصيد أحيانًا، وهن اللائي أيضًا يوزعن الطعام على أفراد القبيلة.
ويؤيد هذا الفريق الرأي القائل بأن المرأة هي التي بدأت المعرفة (وهي الزراعة) في التاريخ البشري، وكان لها وضع ومكانة مرتفعة اجتماعيًّا وسياسيًّا ودينيًّا، وانعكست مكانة المرأة القديمة على الأديان القديمة، وكانت الإلهة الأنثى القديمة لا ترمز إلى الخصوبة أو الولادة فحسب، ولكن كانت هناك أيضًا إلهة المعرفة والحكمة والعدل (إيزيس ومعات).
وتثبت الحفريات الجديدة أن النساء (وأبناءهن وبناتهن) كن يمارسن الصيد أيضًا، وأن الأدوات الأولى في الزراعة والصيد كانت من اكتشاف النساء، ثم طورها الرجال فيما بعدُ إلى أدواتٍ ثقيلة حربية.
إن هذه الأدوات الثقيلة الحربية هي التي ساعدت الرجال الصيادين البُدائيين على العودة إلى القبيلة الأمومية وسلب السلطة السياسية من النساء.
أي إن الرجال استولَوا على العائد (الناتج) من أعمال النساء وأبنائهن وبناتهن، وبدءوا هم يتحكمون في توزيع هذا الإنتاج على أفراد القبيلة.
وبهذه الفكرة الجديدة الذي أصبح يطورها اليوم عديد من العلماء الرجال والنساء هُزمت الفكرة السابقة التي قالت إن الحمل والولادة هما السبب الرئيسي وراء هزيمة النساء وخضوعهن للرجال.
لأن الواضح من الحفريات أن الحمل والولادة لم يؤخر النساء البُدائيات عن جلب الطعام وتغذية أطفالهن وتنظيم وتوزيع الطعام على أفراد القبيلة أثناء غياب الرجال في الصيد.
كان الرجال يغيبون في الصيد فترات طويلة تصل إلى الشهور، ولم تكن النساء يجلسن في بيوتهن واضعات أيديهن على خدهن في انتظار عودة الرجال بالطعام، وإلا قتلهن الجوع هن وأولادهن.
ومن الأخطاء التي سادت في علم تاريخ الإنسان القديم أن التحريم الجنسي الأول في تاريخ البشرية كان تحريم عَلاقة الأب ببناته، لكن الأبحاث الجديدة دلَّت على أن التحريم الأول كان هو تحريم عَلاقة الابن بأمه، وكانت النساء هن اللائي وضعن هذا التحريم.
ويقولون أيضًا إن المرأة هي التي بدأت اللغة لهذا السبب نفسه، ويعتمد هؤلاء العلماء أيضًا أن الإلهة الأنثى القديمة قد اختفت من تاريخ البشرية بعد أن استطاع الرجل الصيَّاد البُدائي أن يعود بأدواته الحربية ليتحكم في اقتصاد القبيلة وفي العائد من جهود النساء والأولاد والبنات.
وبذلك انتهت سلطة النساء السياسية والاجتماعية وثقافتهن القديمة التي قامت على التحكم في الغرائز والحب والحنان والإنسانية وإطعام الأطفال قبل أن يطعمن أنفسهن، وبدأت سلطة الرجال السياسية التي قامت أساسًا على الأدوات الحربية والحرب والقتل واغتصاب حقوق النساء والأطفال في الطعام.
كان الرجال يستأثرون بأكبر نصيب من الطعام لهم، ويأكلون حتى يشبعوا ثم يتركوا الفتات للنساء والأطفال، على عكس ما كانت تفعله النساء الأمهات، ويرجع ذلك إلى أن الرجل البُدائي لم يعرف مفهوم «الأبوة» بعد، ولم يكن يدرك دَوره في إخصاب المرأة، وكان يتوهم أن المرأة تحمل وتنجب بقوة مجهولة أو أرواح تهبط من السماء.
ثم بدأ الرجال بحكم سيطرتهم على استعباد النساء والأطفال، والاستعباد هنا معناه أن يعمل الإنسان ويُنتج لكنه لا يشترك في توزيع العائد من عمله، بل الآخرون الذين يوزعون، والتوزيع لا يتم على أساس المساواة، أو على أساس أن الذي عمل أكثر يأخذ أكثر، ولكن على أُسسٍ أخرى ظالمة تحرم النساء والأطفال وغيرهم من العبيد والحاكمين.
وبحكم السيطرة السياسية والظلم في توزيع العائد من العمل، استطاع الذكور أن يركزوا فائض العمل في أيديهم، وتجمَّعت لديهم ثروة متزايدة، وبدأت نوازع الملكية والأنانية تزداد قوة، وانقسم المجتمع البشري إلى الأسياد الذين يملكون، وإلى العبيد الذين لا يملكون.
ثم أراد الأسياد بالطبع أن يورثوا أموالهم، ومن هنا بدأ الرجل البُدائي يبحث عن أبوَّته التي كانت مجهولة في القبيلة الأمومية، وانتقل المجتمع البشري من النظام الأموي إلى النظام الأبوي، الذي عرف فيه الأب أطفاله، وبدأ ينسب أطفاله إليه وليس إلى الأم.
وكان النظام الأبوي القائم على الملكية والتوريث عن طريق الأب هو حجر الأساس الأول الذي نشأ عنه النظام الطبقي.
ولهذا ارتكز النظام الأبوي الطبقي منذ نشوئه بهذه الازدواجية الأخلاقية والقانونية والتي أنشأت معها مهنة البغاء أو «المومسات»، وإلا فكيف يمارس الرجل حقه في تعدُّد العَلاقات الجنسية خارج الزواج دون أن تكون هناك مومسات أو عشيقات أو خليلات وسراري وجوارٍ لا يلزمه القانون بتحمُّل أي مسئولية اجتماعية أو أخلاقية تجاههن، أو تجاه أطفاله منهن؟
لقد أطلق على هؤلاء الأطفال اسم «الأطفال غير الشرعيين»، وحُكم عليهم بالعار منذ الولادة وحتى الموت دون ذنب.
وقد أصبح هذا النظام الطبقي الأبوي هو الأساس الذي قام عليه ما يُسمى بالحضارة الحديثة في الغرب والشرق، وهو الذي أنتج الأنظمة التي عُرفت في التاريخ ابتداءً من النظام العبودي ومرورًا بالنظام الزراعي، وحتى النظام الرأسمالي الصناعي الحديث، وأساسها كلها واحد، وهو الازدواجية في القوانين والقيم وتقنين العنف والحرب من أجل مزيد من الامتلاك والتوريث.
- (١)
أن الإنسان بطبيعته شرير، أو أن الخصائص الأولى للطبيعة البشرية هي حب التملك والميل إلى العدوان والتنافس من أجل الامتلاك.
- (٢)
أن هذه الطبيعة البشرية ثابتة لا تتغير.
- (٣)
أن الطبيعة لا تُساوي بين البشر، فهناك الجنس الأقوى والأسمى، وهو الذي يحارب الأضعف ويستولي عليه وعلى أملاكه.
- (٤)
أن البقاء دائمًا للأقوى، وأن عملية الاختيار الطبيعي تتم على مستوى الشعوب والدول أيضًا.
وقد اتضح خطأ هذه الأفكار الأربعة رغم أن كثيرًا من العلماء حتى اليوم ما زالوا يتمسكون بها من أجل تبرير عدوان الدولة الأقوى سلاحًا على الدولة الأضعف، ومن أجل تبرير سيطرة الذكور على النساء.
إلا أن الدراسات الجديدة أوضحت أنه ليس هناك شيء اسمه الطبيعة البشرية الثابتة، وأن ما يسمى طبائع البشر رجالًا أو نساءً تتغير على الدوام مع تغير الظروف والبيئة التي يعيشون فيها، بل إن طبيعة الحيوانات تتغير أيضًا بتغير الظروف والبيئة، وأن الطبائع الجديدة تنتج عن تأثير عاملَين معًا، هما البيولوجيا والبيئة.
إن الأسد الذي يعيش داخل السيرك مثلًا ليس هو الأسد الذي يعيش داخل الغابة. وطبيعة الرجل الصياد ليست هي طبيعة الموظف أو المفكر أو الأديب، وطبيعة المرأة البُدائية الصيَّادة ليست هي طبيعة زوجة محكومة بقانون الطاعة في نهاية القرن العشرين.
إن معظم العلماء الذين أكدوا على أن الإنسان عدواني بالطبيعة، قاتل بالطبيعة، أو متنافس بالطبيعة، اعتمدوا في نظريتهم على معلومات ناقصة عن أصل الحضارة، فالحضارة في رأي هؤلاء بدأت بمرحلة «الصيد»، وأن الرجل الصياد والقناص هو الذي شكَّل الحضارة وبدأ اللغة، وهو الذي أسَّس المجتمع البشري على القتل والحروب من أجل الامتلاك، وكلها في نظر هؤلاء غرائز طبيعية بشرية.
إلا أن الدراسات الأخيرة أوضحت أن مرحلة الصيد ليست أول مرحلة في الحضارة، وأن الرجل الصياد أو القاتل ليس هو الملهم الأول للحضارة واللغة. إن الملهم الأول للحضارة واللغة هو الأم أو الإنسانة البُدائية التي بدأت روح التعاون والتضحية من أجل أطفالها الجياع وكانت توزِّع عليهم الطعام بالتساوي، إن هذه الأم البُدائية هي التي جمعت الثمار، وبدأت الزراعة وبدأت فكرة توزيع الإنتاج بالتساوي، وحسب حاجة كل طفل أو فرد. إن هذه الإنسانة الأم هي التي علمت الرجل البُدائي التحكُّم في غرائزه وبدأت قوانين التحريم، وأحدها ألا يغتصب الذكور بناتهم، وألا يأكل الرجال نصيب غيرهم.
إن أصل الحضارة هو التحكم في الغرائز، والعمل على احترام حقوق الغير وليس اغتصابها بالقوة.
ولا يزال بعض العلماء يتصوَّرون أن الحرب هي بمثابة الحكم النهائي الذي يقبل الجميع حكمه كشيء ضروري وطبيعي، وأن فترات السلم مؤقتة وغير طبيعية؛ لأن الدول مثل الإنسان تتنافس، وعملية الاختيار الطبيعي تجعل الدولة الأقوى هي التي تعيش، والدولة الأضعف تنتهي.
لكن هذا المفهوم لم يعد علميًّا ولم يعد العلماء الجدد يقبلون هذا التفسير البيولوجي للحرب، لأنه يُعمي العيون والعقول عن الأسباب السياسية والاقتصادية للحروب.
وهل يمكن أن نقول إن الحروب الدائرة في عصرنا هذا في بلادنا وبلاد العالم الثالث في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وأن العدوان الإسرائيلي على الشعب الفِلَسطيني ليس إلا أمرًا بيولوجيًّا طبيعيًّا؟! وهل هذا السبب هو الذي أدَّى إلى ظهور الاستعمار القديم ثم الجديد؟!
وإذا كانت الحروب نتيجة البيولوجيا فهل الثورات الشعبية ضد الغزاة نتيجة البيولوجيا أيضًا؟ إن الإنسان بطبيعته يكره الظلم والقهر، ورغم كل شيء يمتلئ التاريخ بتلك الثورات الإنسانية الفردية والجماعية ضد الحروب والقتل والجشع، وقد انتصر الإنسان ذو الإنسانية وذو المشاعر الإنسانية، وليس الرجل القاتل، وإلا كان من الممكن أن تُباد البشرية. إن المحصلة النهائية للتاريخ هي انتصار الثورة على الحرب وانتصار الإنسان على الحيوان.
إن مفهوم «الأقوى» أو «الأسمى» أو «الأصلح» لا يعني القوة على القتل والاغتصاب ولا يعني التفوق في تكنولوجيا السلاح والحرب، ولا يعني الثراء وتراكم رأس المال.
كما أن الأقوى بين الأفراد لا يعني الذي يمسك مالًا أو سلطة أكبر. إن معظم الأذكياء من الأدباء والعلماء ليسوا من الأثرياء أو أصحاب الأملاك، بل إن معظم المفكرين قد يموتون فقراء بلا إرث، فهل هم «الأضعف» بذلك المنطق؟
إن أقوى الدول سلاحًا وأغناها في عصرنا هذا — وهي الولايات المتحدة الأمريكية — ليست أكثرها ثراءً في الفكر أو التقدم الإنساني. وهناك شعوب فقيرة اقتصاديًّا وسلاحها الحربي أقل تطورًا كالهند ومصر وفلسطين، لكنها ثرية في تاريخها وثقافتها ومن أعرق بلاد العالم فكرًا وحضارة.
إن النجاح في الحرب واغتصاب حقوق الغير عن طريق السلاح المتطور لا يمكن أن يكون حضارة أو نجاحًا أو ذكاءً أو قوة بالمعنى الإنساني الصحيح، وإنما هو نوع من الهمجية وعودة الإنسان إلى الحيوانية، بل إن الحيوانات لا تعتدي على غيرها إلا في حالة الجوع، أما حروب الاعتداء فهي من أجل الغزو وتوسيع الأملاك.
إلا أن مثل هذه الأفكار لا تزال سائدة، يُروِّج لها علماء الاستعمار بشتَّى أشكاله، الذين يصرون على أن البيولوجيا أو الطبيعة هي التي تشكل المجتمع، وأن طبيعة الرجل من حيث التملك والعدوان والتنافس هي التي شكلت الحضارة، إلا أنهم ينقضون هذا المفهوم تمامًا ويقولون إن المجتمع هو الذي شكَّل طبيعة المرأة وفرض عليها قوانينَ تُضعف من غرائزها البُدائية من أجل بناء الأسرة.
ومن هنا يأتي السؤال: ولماذا لم يفرض المجتمع على الرجل القوانين التي تُغيِّر طبيعته البيولوجية من أجل مجتمع إنساني بلا حروب ولا عدوان؟!
ولماذا لم يشكل المجتمع طبيعة الرجل كما شكَّل طبيعة المرأة؟ ولماذا لم يفرض عليه قوانين تُضعف من غرائزه البُدائية من أجل بناء الأسرة؟!
لكن الأسرة التي تكوَّنت منذ نشوء الرق حتى عصرنا هذا هي أسرة أبوية تخضع للنظام الطبقي الأبوي، وتخضع بالتالي للازدواجية القانونية والأخلاقية.
وكم من محاولات لإصلاح قانون الأسرة في الغرب والشرق من أجل القضاء على هذه الازدواجية، ومن أجل أن يتحمل الزوج مثل الزوجة مسئولية الحفاظ على الأسرة ومستقبل الأطفال، ومن أجل وضع القيود القانونية والأخلاقية على السلطة المطلقة الممنوحة للرجل فيما يخص الطلاق وتعدد الزوجات (وتعدد العَلاقات خارج الزواج)، إلا أن معظم هذه المحاولات لم تنجح؛ لأن النظام الطبقي الأبوي ما زال هو الأساس الذي تقوم عليه الأنظمة في عصرنا الحديث.