قصر حفيد الباشا
قال عيسى بن هشام: ودخلنا — لا أدخل الله عليك طوارق النقم، ولا أخرجك من طرائق النعم
—
في دَور الإنذار يتبعه الإنذار، والإعذار يتلوه الإعذار، ومندوب المحكمة يعود إلينا
بالخيبة، في كل أوبة، زاعمًا أن خدم الخصم لا يقابلونه إلا بالازدراء، كغيرهم من خَوَل
أبناء الأمراء، حتى وصلنا إلى حد الإعذار الأخير، ورَمينا المندوب بالإهمال والتقصير،
فرأينا أن نخبُر خبره، ونقتفي أثره، ونتحقق بأنفسنا كيف يتسع الذرع، للاستخفاف برسول
الشرع،
فسرنا وراء المندوب ومعه الشاهدان، يشهدان بأنه أعذر فلان بن فلان بن فلان، وقد أمسك
الواحد
منهم بكتف الآخر، على هيئة تستفز كلَّ هازئٍ وساخر، وكلٌّ منهم يخد الأرض بحذائه، ثم
يعفي
الأثر بفضل ردائه.
وهم ينتقلون في المشي من الذَّميل إلى الرسيم إلى الوخيد،
١ كأنهم مسرعون إلى جفنة ثريد، ونحن من خلفهم نخب ونهرول، ونُحسبل ونحوقل، إلى أن
كادوا يغيبون عن البصر، وكدنا نفقد منهم الأثر لولا أن عثر أحدهم بقضبان مركبات الكهرباء،
فطاحت العمامة وانفلت الحذاء، فانفتل يلتمسها ويلتمسه، فلم يَرُعه إلَّا السائق وجرسه،
فما
تحرك ولا انتقل، حتى أدركته العَجل، وكاد يداس ويُقضى عليه، لولا أن جذبه رفيقه إليه،
فحيل
بين الرجل وبين عمامتِه ونعله، ووقف مخبولًا لا برأسه ولا برجله، وهو يستنجد لهما ويستغيث
فلا يغاث، حتى مرت عليهما المركبات الثلاث، فأدركناه وهو ممتقع اللون من اليأس والوجل،
فبشرناه بسلامتهما فاعتمَّ بهما وانتعل، وحمد الله على هذا اللطف في القضاء، وحمدناه
على ما
أتيح من التعويق والإبطاء؛ إذ تمكنا من اللحاق بهم، وقدرنا على استئناف السير في
عَقبهم.
وقد انتهى السير بنا إلى قصر في سُرّة بستان، يُزري في الحسن بقصور بغداد وغمدان،
وقد
ترصع البستان بأنواع الأزاهر، كأنه محلّى بصنوف اليواقيت والجواهر، والقصرُ في وسطها
كأنه
الدرة البيضاء، أو البدر بين نجوم السماء:
كأنه جيدٌ وبستانُهُ
من حوله عقدٌ بديع النظام
وما عساي أقول في وصف روض قد نسجته يد الأرض؛ لتزدان به يوم عيدها ويوم زينتها، ونمنمته
رداءً لها تختال به في حسن رونقها وبهجتها:
مُؤَزّرة من صنعة الوبل والنَّدى
بوشيٍ ولا وشيٌ وعصبٍ ولا عَصب
٢
قد أغنى الغواني نسيمُهُ العليل، عن المسك الأذفر، وكفاها ريحُهُ البليل، تعطُّرها
بالطيب
والعنبر:
بغرسٍ كأبكار الجواري وتُربة
كأن ثَرَاها ماء وردٍ على مسك
ومُنَى العرائس أن لو اتخذت من نوار الأزهار فصوصًا للخواتم، ومن أكمام الأشجار معاقد
للتمائم، وودُّها أن لو تأزرت من سندس أرضه بأبهى إزارٍ ومرط،
٣ وتحلت من جوهر نباته بأزهى شنف وقُرط:
إذا ما النَّدى وافاه صبحًا تمايلت
أعاليه من درٍّ نثير وجوهر
إذا قابلته الشمس ردَّ ضياءها
عليها صقال الأقحوان المنوَّر
وقامت فيه مثمراتُ الأغصان قيام الكواعب الأتراب، ساقياتٍ بالأباريق والأكواب، ساكباتٍ
سؤر الطل من تلك الأقداح، مائساتٍ من رحيق الندى ومداعبة الرياح:
شقائقُ يحملن النَّدى فكأنه
دموعُ التصابي في خدود الخرائد
فما تخيلنا في هذا الروض مذ رأيناه إلا أننا في حفلة عُرس، جمعت أسباب اللهو وأطراف
الأنس، قد نصب الغيم عليها سُرادقه، ومدَّ مُلتفُّ النبات فيها نمارقه،
٤ وأشرقت الأغصان الأنوار، إشراق المصابيح بالأنوار، وقامت الأطيار على الأعواد،
تتسابق في الترنم والإنشاد، فهي تغرد بألحانٍ يقطع السامع لها حبل النفس، ويأنس إليها
مستنفرُ الوحش المفترس:
رأت زهرًا غضًّا فهاجت بمزهَر
٥
مثانيه أحشاءٌ لطفن وأوصال
وللنسيم بين الشجر نغماتٌ بالهفيف والحفيف، من ثقيل في الضرب أو خفيف، تصفق لها أكفُّ
الأوراق، وتقوم الأفنان للرقص على ساق، مترنحة الأعطاف من خمر الندَى، مهتزة القدود بغمز
الصَّبا، تبسم عن أقاحٍ نضيد، يزرِي بثنايا الغيد، ثم تميل برشيق القوام فتلتقط ما ينقطها
به الغمام، والجدول يجري تحت أذيالها ويتعثر، وينساب الماء في ظلالها ويتكسر، كأن حصباءه
اللؤلؤ والمرجان، في نحور الحسان، أو قلائدُ العقيان، في أجياد القيان:
ترُوع حصاهُ حالية العذَارى
فتلمس جانب العقد النَّظيم
ولمَّا مُلئنا من هذه الجنة طربًا، وقضينا عجبًا، قلنا: ما شاء الله لا قوة إلا بالله،
ما
أعجز الخلق عن شكر نعماه، وإذا بقومٍ عند باب القصر، كأنهم أفراخ في مخلب صقر، تعلو وجوههُم
قَتَرة، ترهقها غَبرة، وهم بين باكٍ ومنتحب، وصارخٍ ومصطخب، فتفرست في هيئاتهم، وهم يذكرون
حاجاتهم، فإذا هم جميعًا في يأس وقنوط، وخيبةٍ وحبوطٍ، وإذا الصيرفيُّ يقول: بصوت المقهور
المخذول:
الصيرفيّ
:
تعسًا لي لقد ضاع مالي، وذهبت آمالي.
التاجر
:
وبؤسًا لي لو كنت أعلم بهذه المآل، لم أقع في تلك الحبال.
البائع
:
يا ويح نفسي اغتررتُ بالمقام العالي، فخسرت رزق عيالي.
الجوهري
:
ويلٌ لمن خدعتهُ الظواهر، فضاعت عليه الجواهر.
الصيدلانيّ
:
أقسمتُ لا يضيع عنده ثمن الدواء، ولو تعلق بأطراف السماء.
الخمار
:
تبًّا له من محتالٍ مال على دَنِّي، ثم اختفى عن عيني.
القصّاب
:
أنا لا يضيع عنده حقي، ولو وضعوا السكين على حلقي.
الخياط
:
وأنا لا أترك هذا الباب، حتى أمزق ما عليه من الثياب.
الإسكاف
:
ورأس أبِيه وجدّه، لآخذن ثمن الأحذية من جلده.
الحلاق
:
أنا ابن جَلَا وطلَّاع الثنايا، وكم لصنعتي من منافع ومزايا، وليتني كنت شوهت
خلقته، ومسخت سحنته، فنتفتُ شاربه، وحلقت حاجبه، تالله لآخذنَّ بناصيَتي هذا الثقيل
البارد، ولأسدَّن عليه المصادر والموارد ولألزمنَّه صباح مساء، ولو حلّق في
الهواء.
كل هذا والخدم يكتمون وجود صاحب الدار، ويُقسمون أنه لم يبق لديه درهمٌ ولا دينار،
وإذا
هم أحدُ الغُرماء بالدخول منعوه، أو دافَعهم أحدهم دفعوه، وبينما نحن نتأمل ونتعجب، ونتقلى
على الجمر ونتقلب، ونقابل بين سعد المكان، ونحس السكان، إذا برجل إفرنجيّ قد خرج من بيت
الحرم، وهو يلتهب غيظًا ويضطرم، ويقول للبواب برطانته، وسوء عبارته: لقد طالبتُه فأبان
الإفلاس والعجز، فلم يبق إلا توقيع الحجز، وإليك قائمة البيان، وحذار من التلف والنقصان،
وما كاد «مُحضَر المختلطة» ينتهي ويذهب، حتى حضر «مُحضر الأهلية» يلهث من التعب، فسلم
البواب ورقة إنذار، فأخذها وهو يدعو بالثبور والدَّمار، وبعقب ذلك انصرف المحضر، وتبعه
جميعُ من حضر لاشتداد حر الظهيرة وأُوارها،
٦ ولفح الشمس للوجوه بنارها، فانتهزنا هذه الفرصة فتحرك مندوبُنا وتقدم، وخاطب
البواب وهو يتلعثم، فقال له: أنا مندوب المحكمة الشرعية، فقال له: لم يكن ينقصنا إلا
هذه
البلية، ثم دفعه في صدره، فردَّه إلينا بظهره، بعد أن أخرجنا من الجنان، وأغلق باب البستان،
فأخذ المندوب بيد الشاهدين وهو يتظلم ويتضرر، ووقف بينهما ينادي في الهواء بالنداء
المقرَّر: «يا فلان بن فلان بن فلان إن مولانا قاضي مصر يأمرك بأن تحضر إلى المحكمة في
يوم
الخميس الآتي للنظر في دعوى اغتصاب الوقف الموجهة عليك من قبل فلان بن فلان، وإن لم تحضر
في
اليوم المذكور يَنصب عنك وكيلًا، ويسمع الدعوى في وجهه ويحكم عليك غيابيًّا.»
ثم ودَّعنا المندوب والشاهدين وانصرفوا إلى سبيلهم، وبقيت أنا والباشا في دهشة وذهول
وحزن
وأسف مما رأينا وسمعنا، ثم استند الباشا إلى سور البستان، وشَرَع يقول لي وهو في تأمله
وتفكره:
الباشا
:
ما زالت بواطن الأمور وحقائق الأشياء تتجلى لي على وجهها منذ غمرني الدهر في هذه
المشكلات والخطوب، حتى تحققتُ اليوم بأن أمور هذه الدنيا إنما تجري كلها على
التضليل والبهتان، وتدور على التمويه والبطلان، وتنطوي على الغش والتدليس، فبالله
عليك مَنْ ذا الذي يرى هذا القصر بزينته وبهجته وخدمه وحشمه ولا يتولاه الحسدُ
لساكنيه، والتطلع إلى حسن حظهم وسعادة عيشهم، ثم يرجع إلى نفسه فيسخط على حظه من
الدنيا ويندب نصيبَه من الحياة وسوء قسمته في العالم!
عيسى بن هشام
:
لا زلت ترى الحق وتقول الصدق بما يتسع لك من سبيل الهداية والحكمة، نعم إن جُلَّ
من نراهم من المنعَّمين المترفين والأغنياء الموسرين لو كشفت عن باطن أمرهم وحقيقة
أحوالهم وخبايا معيشتهم من وراء الجداران لوقفتَ على ما يوجب الأسى والأسف، ويدعو
إلى الرحمة والشفقة لا ما يدفع إلى الحسد والغبطة، ولأيقنت أن الرجل الأجير الذي
يستخرج قوت يومه منغمسًا بعرق جبينه هو أسعد منهم حالًا وأنعم بالًا، والغالب أنهُ
كلما كان مظهر العيش زاهيًا زاهرًا كان باطنُه مُقتمًا مظلمًا، وأشد ما يكون من
البلاء على أهل هذه الطبقة أنهم يقضون أوقات حياتهم في الظهور بين الناس على أغرب
حالات التصنع، فيكون الواحد منهم غريقًا في بحور الهموم والأكدار، وتراه يقسر نفسه
بين الملأ على التظاهر بالسرور والانشراح، وأكثر ما يكون في الضيق والإفلاس تراه
يتعرض للتبذير والإنفاق، فهو على الدوام يتقلب بين الضيقين ضيق العيش وضيق النفس،
وإن كان عظيم الثروة كثير الغنى، فإنه لا غنى مع ازدياد الحاجات، ولا مال يكفي مع
تجدد الرغبات.
الباشا
:
قد كانت الحال في أيامنا على العكس، إن كان لا يسرك من الرجل ظاهر حاله فإنه
يرضيك باطن أمره، وربما كان يجتهد في التظاهر بلباس الفقر إذا بلغ حدَّ الغنى،
ويُبدي الشكوى إذا أسرَّ الرضى.
قال عيسى بن هشام: وقضينا مدة في مثل هذا الحديث وأنا متهلل مستبشر بما أراه ينمو
ويثمر
في نفس الباشا من التعلق بالمباحث العقلية، والتعمق في معرفة الأخلاق النفسانية حتى صار
من
دَيْدَنه أن يستنبط من كل حادثة يشاهدها ما يرتقي به إلى عالم الفضيلة والحكمة، وازددتُ
يقينًا بأن الرجل المرتفع القدر لا يزال غِرًّا بالأمور غافلًا عن حقائق الأشياء، فإذا
وقع
في أشراك الخطوب استنارت بصيرته واستضاءت قريحته، وعلم بطلان ما كان فيه بحقيقة ما وصل
إليه.
ثم حانت منا التفاتة إلى ما وراء السور، فرأينا خدم البيت وحشمَه قد اجتمعوا حلقةً
وهم
يتحاورون ويتجادلون فسمعنا البواب يبتدئ فيقول:
البواب
:
ليت أمي لم تلدني وليت أبي لم يعلمني رسم الخط، فقد كلَّت يدي وحفيَ قلمي من طول
التوقيع بالاستلام على الإنذارات والمحاضر، فقلما يمضي يوم إلَّا ولي فيه من
التوقيعات ما ليس لرئيس قلم في ديوان، فبئست المعيشة معيشتي وبئس الحظ حظي، وليتني
كنت قادرًا على الانضمام إلى صف هؤلاء المطالبين والغُرماء، فأخلص بجزء من أجرة
الشهور المتراكمة، ومن لي بالتباعد عن هذا البيت الذي انتشر فيه جراد الحجز، وأزعجت
مَن فيه أصوات الغرماءُ، وأزعجني ترددُ المحضرين على صندوق ثيابي.
الكاتب
:
لست أدري والله ما يصنع صاحب البيت، وماذا تحتال لحالته وكيف لنا بالمعيشة معه
ولم يبق عنده كثير ولا قليل، وإن صَدَق ظني كانت عاقبته من أقبح ما تتصورونه في سوء
العواقب، فقد أحسست من كثرة حركته واضطرابه في هذه الأيام أنه يدبر لنفسه أسوأ
تدبير للخلاص من ضيقه ليختتم أمرَه بأقبح الخواتم، ويعلم الله أنه لولا ما ألتقطه
في أشغاله من هنا ومن هناك لما تيسر لي القيام بقوت عيالي بعد أن انقطعت عنا أجور
الشهور، وقد دعاني هذا الأمير أمس وأعطاني خاتمًا من الياقوت لأبيعه فذهبت به إلى
الجوهري الذي كنا اشتريناه منهُ بأكثر من مائة جنيه فلم يدفع لي فيه إلا خمسة
وعشرين، فبعتُهُ إياه وعُدت للأمير بالدراهم فكأنما فككت الأسيرَ من القيد وأنقذت
الغريق من اللُّج.
الوصيف
:
الآن انحلَّ ما كان مشكلًا وانكشف لي ما كان غامضًا، فإني رأيت معه أمس ذهبًا
كثيرًا لم أهتد إلى مورده أعطاني منه عشرة جنيهات، وأمرني أن أبتاع من أخيه هذا
الكلب الذي ترونه مولعًا بملاعبته منذ الصباح.
الفرّاش
:
وأنا اشتريت له من صهره تلك الببّغاء بخمسة جنيهات، وأخذت له غرفة في «تياترو
الأوبرا» بثلاثة، وزجاجة عطر باثنين.
الكاتب
:
فعلى هذا لم يبق معه إلا خمسة جنيهات ولا بد أن أبادر في الحال لمطالبته بإنجاز
الوعد الذي وعدته لصاحب الجريدة المعلومة حتى يسكت عنه، ويكف عن التعرض لهُ.
السائق
:
وأنا أذهب إليه أيضًا لآخذ منه ثمن الريش والإسفنج الذين وعدني به ما دام معه من
الدراهم بقية.
الخصي
:
إنكم لفي نعمة وغبطة بما تنالونه من وراء هذا البيع، وهذا الشراء من الربح، ولكن
غيركم من الخدم في الحرم قد اقتنعوا من العيش بيسير الأكل والشرب من غير أجر،
وصبرنا على هذه الحال وفاء بالعهد لأهل البيت، ويا ليت هذه النعمة تدوم فقد سمعتم
اليوم وَعيد حضرة البك الجزار، كما سمعتم أمس بإنذار البك الخباز.
السقّاء
:
ما أظن أن لنا حيلة نلجأ إليها في آخر الأمر إلا أن نطلب منه إحالة أرزاقنا على
ريع الوقف الذي سَلِم وحده من الحجز.
البواب
:
لقد خاب ظنك وضاع أملك، فإن هذا الوقف الذي كنا نرتكن عليه قد دخل في دور القضايا
والدعاوى، وجاء اليوم مندوب المحكمة الشرعية بالإعذار الأخير، ومن يعلم ماذا يكون
من أمره.
(وسمعنا الجرس يدق من جانب الحرم، فتشتت الجمع نحو المطبخ لحلول وقت
الغداء، فانصرفنا من موقفنا واكتفينا بما شهدنا.)
قال عيسى بن هشام: وحل اليوم الموعود لجلستنا في المحكمة الشرعية فتوجهنا إليها ولم
يحضر
المدعى عليه كعادته، ولما فُتحت الجلسة تقدمنا إليها وشهد أمامها شهود المعرفة، ثم اطلع
الأعضاء على الإعذارات الثلاثة، فوجدوها جامعة للشروط المقررة، فأمروا بأن يُنصب للمدعى
عليه وكيل يكون موثوقًا بأمانته معروفًا بالمحافظة على حقوق الغائبين، فاختاروا من اختاروه
وكلفوه شرح دعواه مكان المدعى عليه، ثم أخذ محامينا ينظر في صورة الوقفية التي استخرجناها
من الدفترخانة ليعدد الأعيان، فلم يجد فيها جميع ما عددناه لهُ، بل وجد منها جزءًا قليلًا
لا يقوم بالتعب في إقامة القضية وخشيَ أن المحكمة لا تحكم لنا بغير المبيَّن في «الصورة»
من
العقار فتضيع علينا بقية الحقوق، فطلب من الجلسة تأجيل سماع الدعوى زمنًا يتمكن فيه من
البحث عن بقية تلك الأعيان الموقوفة، فوافقَهُ الوكيل المنصوب للغائب، فتأجلت القضية
إلى ما
بعد الفسحة القضائية من العام.
وخرجنا من الجلسة مع المحامي وقد فُتح له ولغلامه باب احتيال جديد، ولما سألناه عن
المظان
التي تنبئنا عن بقية أعيان الوقف تلكأ في الجواب، ثم أحالنا على الغلام وتركنا معهُ وانصرف،
فقال لنا الغلام: لا مظنة عندنا غير ديوان الأوقاف؛ لأنه يوجد بهذا الديوان سجلات تسجل
فيها
مثل هذه الأعيان، وطلب منا أن نتفق معه على أجر معلوم للسعي وراء هذا الغرض، فوافقنا
على
هذا المطلب الجديد والله يفعل بنا ما يريد.