العمدة في الأهرام
قال عيسى بن هشام: ولما وقفت بنا الركاب في ساحة الأهرام، وقفنا هناك موقف الإجلال
والإعظام، قُبَالة ذلك العلم الذي يطاول الروابي والأعلام، والهضبة التي تعلو الهضاب
والآكام، والبنيَّة التي تشرف على رضْوَى وشمام،
١ وتُبلي ببقائها جدة الليالي والأيام، وتطوي تحت ظلالها أقوامًا بعد أقوام،
وتفني بدوامها أعمار السنين والأعوام، خلقت ثياب الدهر وهي لا تزال في ثوبها القشيب،
وشابت
القرون وأخطأ قرنها وخط المشيب، ما برحت ثابتة تناطح مواقع النجوم، وتسخر بثواقب الشُّهب
والرجوم، وتحدِّث حديث المشاهدة والعيان، ما تعاقب الفتيان،
٢ وتناوب المَلَوَان عن قدرة هذا الإنسان، في بدائع الصنع والإتقان، وتنبئ عن قوة
هذا الضعيف الضئيل، في إقامة هذا الأثر الجليل، وكيف جاز لهذا الفاني البائد، أن يصدر
عنه
مثل هذا الباقي الخالد، وجل صنع القدير الخالق، في تصوير هذا الحيوان الناطق، حيث جعله
مصدرًا للأعمال المتناقضة، والأفعال المتغايرة المتعارضة، فبينا تراه يصعد إلى أجرام
السماء
وعوالمها، ويبحث بفكره في رسومها ومعالمها، ويسير بعلمه في أنحائها ومناكبها، ويهتدي
لحساب
أقمارها وكواكبها؛ إذ تراه يعثر عثرة برجله، فيكون فيها منتهى أجله، أو يكبو في طريقه،
فيغص
بريقه، ويهوي بإذن الله إلى مكامن الخُلد،
٣ وهو طامع في شجرة الخلد، فهو ذاك الذي كبُر وصغُر وعظم وحقر، وعزَّ وذل، وكثر
وقل، وصعد وهبط، وعلا وسقط، وصلح وفسد، وعرف وجحد، وسعد وشقِي، وفني وبقي، وسبحان القاهر
فوق عباده.
ثم انتقلنا من التفكير إلى التفسير، وانبرى الباشا يكشف عن ضميره ويقول لنا في
تعبيره:
الباشا
:
كنت أعتقد وأنا في سالف الأوان، أن هذه البنية لمصر تاجُها الذي تفاخر به
التيجان، وأعجوبتها التي تباهي بها الأقطار والبلدان، وشاهدها الذي يشهد لها
بالمدنية والعمران، ولكني أراها اليوم بعد أن استضاءت بنور العلم واهتديت بهُدى
العقل، وبحثت في حقائق الأمور، أن لا مزية فيها ولا خير منها، سوى أنها أحجار
مرصوفة، وجنادل مصفوفة، لا تمتاز عن جبل من الجبال، أو تلٍّ من التلال، فهل تعلمان
لها من معنى غامض التوى عليَّ فهمه، أو سرٍّ خفي عزَّ عليَّ علمه؟
الصديق
:
ليس لها على الحقيقة من سر خفي ولا من فائدة بادية سوى أن بعض القدماء من أغبياء
الملوك وطغاة الولاة كانوا يعتقدون بالرجعة في هذه الدنيا بعد الممات، وأن أرواحهم
تعود ثانية إلى أجسادهم بعد أن تتنقل مدة من الدهر في أجسام أخرى، فكان همهم في
حياتهم مصروفًا إلى حفظ أجسادهم من البِلَى بعد موتهم في قبور مشيدة قائمة على
الدهر؛ لتعود إليها الأرواح بعد طول التنقل والتطور مثل هذه الأهرام وخلافها،
والناظر في الآثار المصرية يحكم حكمًا قاطعًا أن التقدم والتفنن في البنيان
والتصوير عند المصريين ينتهي أغلبه إلى المعابد والمقابر، وكانت قصورهم وبيوت ملكهم
مبنية بلبن الطين كأدنى الأكواخ، قانعين بذلك في جانب تسخير الأمة بأسرها في نقل
الصخور ورفع الأثقال لابتناء مثل هذا البنيان، واتخاذه قبرًا لهم تحفظ في جوفه
أجسادهم بعد تحنيطها سالمة من البِلَى إلى الرجعة — ولكن إلى المتحف متحف الجيزة —
فتسخير الأمة المصرية وتعطيل أعمالها وتمزيق أبدانها وإهراق دمائها وإزهاق أرواحها
في بناء هذه الصخور إنما كان لفكر ساقط، واعتقاد سخيف من ملك جاهل لفائدة له
موهومة، أو من عمل كاهن ماكر لمنفعة له معلومة، ومثل هذا لا يكون فيه من فخر
لمفتخر، ولا من عزة لمعتزٍّ، وما هو إلا الظلم والغشم والضلال والجهل، وما لهذين
الهرمين من معنى اليوم غير أنهما قائمان على الدهر شاهدَي عدل على سابق الشقاء في
الأمة المصرية، وما كانت تقاسيه من فظاعة الظلم والهوان ومرارة الاسترقاق
والاستعباد، ولو كان لأولئك الملوك أدنى لمحة في ارتقاء المدنية والعمران لكانت هذه
الأحجار والصخور مرتفعة في بناء القناطر والجسور، وتالله لباني القناطر الخيرية
مثلًا في نظر الباحث المدقق أحقُّ بالعزة والفخر من أولئك الملوك عباد الأوهام،
ومستعبدي الأنام، وما أعلم لهذا الهرم من معني آخر يُذكر سوى أنه صار يومًا من
الأيام منبرًا من المنابر اعتلاه جبَّارٌ آخر فرنسي اسمه نابليون، فخطب من فوقه على
جنوده بكلام يهز فيهم أريحية التفاخر والتباهي، ويخدعهم به ليظلوا على العمى في
طاعته يمارسون الحروب ويعانون أهوال الوقائع، ويصبرون على الموت والقتل في هواه،
وما لهذا البنيان اليوم من فائدة حاضرة إلا كونه صار مورد رزق لجماعة من العربان
التهوا به عن ابتغاء الرزق من قطع الطريق على السابلة، ومما يحضرني الآن من كلام
بعض المؤرخين في شأنه: أن الملك الذي شيده أمر أن يكتب على جدرانه عقب الفراغ منه
هذه العبارة عن لسانه على جهة التحدِّي: «إني ابتنيت هذا البناء في ثلاثين عامًا،
فإن جاء بعدي من الملوك من يدَّعي القوة والقدرة فليهدمه في ثلاثمائة عام.» ولو عقل
المسكين أنه سيأتي عصر من العصور يمكن فيه لأحقر صعلوك أن ينسف هذا البناء في لمحة
واحدة، فيجعله كالعهن المنفوش والهباء المنثور بمقدار قبضة اليد من بعض الأجزاء
الكيميائية لما اغتر بسعة القوة والسلطان، ولما تحدَّى بشيء سلَّمه ليد الحدثان،
وليس للحدثان من أمان، اللَّهم إنك تعلم أنه عمل ضائع، من جهل شائع، لا ينبغي
للمصري أن يراه إلا بدمع منهمر، وقلب منفطر؛ لأنه الشاهد الأكبر على كبرياء
كُبرائه، وهوان أجداده وآبائه.
قال عيسى بن هشام: وهنا رأينا أصحابنا قد أقبلوا وبينهم تلك العاهرة الفاجرة، فأشارت
عليهم بالجلوس، فاتخذوا لهم مجلسًا في ظل من ظلال الأهرام، وانبسطوا على بساط الشرب والنقل،
فقطعنا من بيننا حديثنا وانتهينا إلى جوارهم لنسمع ونرى من أخبارهم وأحوالهم، فإذا العمدة
يقول للتاجر متظاهرًا أمام المرأة بمظهر الباحث المدقق والعالم المحقق:
العمدة
:
هل لك علم أيها الصاحب بشيء عن أصل الأهرام، وسبب وضعها وتاريخ تشييدها؟
التاجر
:
كيف لا يكون لي علم بذلك، وقد وقفت على قصتها تمامًا، وقرأتها مرارًا في كتاب
«قصص الأنبياء» عند الكلام عن سيدنا نوح — عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام — بحيث
يمكنني أن أقصها عليك حرفًا بحرف: «ذلك أن الملك «سودون» كان ملكًا على مصر قبل
الطوفان، فرأى في منامه رؤيا أفزعته فاستدعى السحرة والكهنة والمنجمين، وقص عليهم
أنه رأى النجوم تناثرت والقمر هاويًا إلى الأرض، فقالوا له: إن هذه الرؤيا تدل على
حدوث طوفان عظيم يغمر الأرض قريبًا، ولا يُبقي على شيء فيها، فارتاع الملك
واستشارهم ماذا يفعل للنجاة من هذا الحادث العظيم، فأشاروا عليه بابتناء هذه
الأهرام حتى إذا حل الخطب انتقل إليها، واستعصم بها مع أهله وحاشيته وذخائره
وكنوزه، فحشد الملك الألوف المؤلفة من الخلق وسخرهم لهذا العمل، فأتموا له هذا
البناء في مائتين وخمسين عامًا، ثم كساها بالديباج وفرشها بالحرير، ونقل إليها من
نفائس الجواهر وذخائر الكنوز ما تعب الناس في حمله ونقله شهورًا كثيرة، ثم إنه جمع
السحرة فحصنوها له بالأرصاد والطلاسم، ولما قرب وقت الطوفان لجأ إليها بأهله
وحاشيته وطَغَى الطوفان فلم ينج منه إلا أهل السفينة وعُوج بن عنق وهذه الأهرام،
وعوج بن عنق هذا هو حفيد آدم — عليه السلام — ولد في زمن جدِّه وأدرك موسى — صلوات
الله عليه — وذكروا أن ذلك الطوفان الذي علا الهضاب والجبال لم يبلغ حدّ ركبتيه،
فكان يخوض فيه مع السفينة فإذا أحسّ بالجوع مدّ يده إلى قاع البحر، فأخذ الواحدة من
السمك فيُدنيها من عين الشمس ويأكلها مشوية، ولما انقضى الطوفان وعاد العمران إلى
الدنيا أخذ يعيث في الأرض فسادًا دهرًا طويلًا، حتى بعث الله موسى — عليه الصلاة —
فشكا الناس إليه ما يفعله عوج بن عنق، فدعا الله أن يكفيهم شرَّه، وكان عوج بن عنق
قد حمل صخرة فوق رأسه؛ ليلقيها على أهل بلدة حلَّ بهم غضبُهُ، فأرسل الله تعالى
طيرًا له منقار من الفولاذ فما زال ينقر الصخرة من وسطها حتى ثقبها فسقطت في رقبة
حاملها، وصارت غلًّا له يمنعه عن الحركة والانتقال، فجاء موسى بعصاه وكان طوله —
عليه السلام — أربعين ذراعًا وطول العصا أربعين ذراعًا، ثم إنه وثب في الهواء
أربعين ذراعًا، وضرب عوج بن عنق ضربة فلم تتجاوز كعبيه، ولكن قوة سيدنا موسى ألقته
إلى الأرض؛ لأنه من أُولي العزم، فوقع عوج بن عنق في النيل فحسره عن أرض مصر سنة
كاملة ووقعت الوحوش الضارية تنهش من رجليه، فكان إذا مرّ عليه مار عند رأسه قال له:
«إذا وصلت بسلامة الله إلى قدمي فامنع عني ما يؤلمني من هذا الذباب.» يعني الوحوش
المفترسة، وبقي على هذه الحال إلى أن مات فاتخذوا من أضلاعه قناطر للنيل، واتخذت
الوحوش من عينيه وأذنيه ومنخريه كهوفًا ومغائر تسكنها، وكفى الله العباد شره
وفساده».
العمدة
:
سبحان الخلاق العظيم، أرجوك بالله يا أخي أن تشتري لي نسخة من هذا الكتاب أحملها
معي إلى البلد؛ ليقرأها لنا إمام المسجد أو مأذون الناحية عند خلونا من
الأشغال.
قال عيسى بن هشام: وكان الخليع في هذه الأثناء مشتغلًا بمحادثة المرأة متفرغًا لها،
يضاحكها وتضاحكه ويشاربها وتشاربه، فلما انتهى التاجر من قصته أقبل الخليع على العمدة
يلاطفه ويؤانسه ويقول له:
الخليع
:
هل رأيتَ بالله عليك يومًا أعظم أنسًا وأتم سرورًا، وأجمع لأسباب الهناء والصفاء
من يومنا هذا؟
العمدة
:
حقًّا إنه يوم سعدٍ وأنس غير أني كنت أود أن يكون هذا المجلس في البيت لا في
الخلاء، وتحت السقف لا تحت السماء، فإنك ترى كثرة السُّياح والعربان من حولنا، وفي
ذلك من التضييق على حريتنا ما لا يخفى عليك.
الخليع
:
لا تخش الناس ولا تشغل نفسك بالخلق، واغتنم اللذات بكل جسارة وإقدام، وليس
للإنسان سوى ساعة الصفو إن لم يغتنمها ترك الدنيا بصفقة المغبون، وأنا أقترح عليك
الآن أن نعمل مثل عمل السياح في الصعود إلى الأهرام حتى لا يفوتنا شيء من أسباب
التنزه.
التاجر
:
دعنا من هذا الاقتراح فليس هو من شأننا، وأية لذة بالله عندك في صعود الجبل،
واحتمال المشقة والتعب مع التعرض للخطر في كل خطوة؟
الخليع
:
هذا أمر سهل جدًّا وقل من يزور الأهرام إلا ويصعد فيها مسافة على قدر جهده، وانظر
إلى هذه النسوة الأمريكيات الصاعدات النازلات في أيدي العربان أمام عينك، هل تراها
تخشى خطرًا أو ترهب تعبًا، وهل يليق بنا معشر الفحول من الرجال أن نكون أدنى من
النساء جرأةً وإقدامًا، وعلى كل حال فلا بدَّ لنا من الصعود قليلًا ليعلم من حولنا
أننا جئنا مثلهم لزيارة الآثار لا للَّهو والخلاعة، والسيدة توافقني على هذا
الرأي.
العمدة
:
وأنا أوافق عليه أيضًا، أرجو الله أن نعثر في صعودنا على فص من الفصوص العتيقة
التي طالما عثرتُ على مثلها في التل الكُفري بناحية بلدتنا، ولكن كيف نترك سيدتنا
وحدها؟
التاجر
:
أنا أنتظركما معها.
الخليع
:
لا بل تصعد هي معنا أيضًا اقتداءً بهذه السيدات.
قال عيسى بن هشام: ويقومون للصعود ويتلكأ التاجر في أخرياتهم ويحاول التخلف عنهم فيدفعه
العمدة بكل قواه ممازحًا له وساخرًا منه لشدة تخوفه وحذره، والخليع والمرأة يُغريانه
به
ويضحكان لضحكه وما كادوا يصعدون قليلًا حتى حانت من العمدة التفاتة إلى الأرض، فهاله
ما
بينه وبينها من الفضاء فامتُقِعَ لونه وارتعدت فرائصُه، ومال على الدليل البدويِّ مستغيثًا
به أن يُنزله إلى الأرض معتذرًا أن الصفراء لعبت برأسه فلا يقوى على متابعة الصعود، فيدركه
الخليع فيسنده مع البدوي فيسقط من أيديهما فيحمله البدويُّ على ظهره وينزل به، فما يبلغ
الأرض إلا ونسمع من المرأة صياحًا وعويلًا من فوق الهرم وهي تناديهم جميعًا أن يبحثوا
لها
عن فَصِّ الخاتم الذي وقع من إصبعها، فيلحق بها الخليع فيبحث فلا يَجِدُ شيئًا فينزل
معها
فيتلقاها العمدة بالتخفيض والتهوين عندما تتلقَّاه بالبكاء والعويل، ويغلب على ظن التاجر
أن
الفَصَّ ربما لم يسقط في حال الصعود بل في حال الجلوس، ويطلب من العربان أن يدركوه بغربال
يغربل به الرمل عساه يجده فيه، هذا والمرأة لا ينخفض لها صوت، ولا يرقأ لها دمع ولا تنتهي
لها شكوى، والخليع يُطيِّب من خاطرها تارة، ويميل على العمدة طورًا يظهر له الأسف من
الحادث
الذي كَدَّر عليهم الصفو وأبدلهم بالأنس حزنًا، وأن هذه شيمة الدهر قلَّما يتم فيه صفاء
أو
يكمل فيه سرور، وما من لذة إلا وهي مشوبة بالألم:
فسد الزمانُ فما لذيذٌ خالصٌ
مما يشُوبُ ولا سرورٌ كامل
على أن المصيبة هينة ما دامت في المال دون النفس، ومن ذا الذي يدري بما هو مخبَّأ
له في
الغيب، والحمد لله على اللُّطف في القضاء، ولا يزال الخليع بالعمدة حتى يتقدم إلى المرأة،
ويقسم لها أنها لا تبيت الليلة إلا ولديها فصٌّ مثل الفص الضائع، فتشكره وتقول له: أنَّى
لها بمثل ذلك الفص وهو من الياقوت النادر المثال في لونه وصفائه، فيعيد عليها القَسَم
بأنه
سيأتيها في الغد بفص أثمن منه وأجمل، ثم إنه يشدُّ على يدها توثيقًا للوعد فتشدُّ على
يده
للتقبيل فيعز عليه حينئذ أن يرى إصبعها بخاتم من غير فص، فيخلع خاتمه الذي استخلصه من
الرهن
ويلبسها إياه حتى يأتيها بغيره، ويعودون إلى مجالسهم ويأخذون فيما كانوا عليه من المسامرة
والأنس، ويقول العمدة بعد استقرار المجلس بهم:
العمدة
:
ما أحسن المجلس وما أضيق الوقت وحبذا لو واصلنا الليل بالنهار!
التاجر
:
لعلك تريد أن نقضي ليلتنا مثل تلك الليلة الماضية في ذلك الحان المنحوس.
الخليع
:
وهل تظن أنه يمكن لنا التمتع بصاحبتنا في الحان مثل ما نتمتع بها الآن، وقد
شاهدنا بأعيننا ما حولها هناك من المزاحمة والمخاصمة؟
العمدة
:
وما العمل حينئذ.
الخليع
:
العمل أنني أكلفها أن تتمارض هذه الليلة، وترسل إلى صاحب الحان بتعذُّر حضورها
عنده.
العمدة
:
نعم الرأي ما ترى.
قال عيسى بن هشام: ويأخذ الخليع في استعطاف المرأة لقبول هذا الطلب، فتمتنع أولًا
معتذرة
بما بينها وبين صاحب الحان من الشروط التي تقضي عليها بدفع عشرة جنيهات إليه تعويضًا
عن كل
ليلة تتأخر عن الحضور فيها، فيلتفت الخليع إلى العمدة ينتظر رأيه، فيميل العمدة على المرأة
متعهدًا لها بدفع هذا التعويض، ثم يتساءلون فيما بينهم كيف يقضون ليلتهم في الأنس والسرور،
فيرى العمدة قضاءها في البيت، ويرى التاجر قضاءها في التنقل بالمرأة في «البارات» ويرى
الخليع قضاء جانبٍ منها أولًا في مشاهدة الرواية البديعة الجديدة التي تُمثل في «التياترو»
العربي، فيقع اتفاقهم على هذا الرأي الأخير فيسرعون بالقيام ليدركوا فسحة الجزيرة أولًا،
وينصرفون على هذا العزم المؤكد، والميعاد المحدَّد، ويعنُّ «للصديق» أن نتخلف عنهم، ريثما
تنقضي فسحة الجزيرة بهم، وأن نقضي هذه المدة الوجيزة، في زيارة قصر الجيزة، ثم نلحق بهم
عند
المساء في دار التمثيل والتشخيص، وديوان الروايات والأقاصيص.