المرأة والعصر الحديث
حينما نقول: المرأة الحديثة أو المرأة العصرية، نتصور على الفور تلك المرأة التي ترتدي أحدث الأزياء وآخر الموضات، تلك المشغولة ليل نهار بشعرها وجسمها وجلدها وأظافرها، وبمعنًى آخر تلك المرأة المشغولة بنفسها أو العاشقة لنفسها، أو المرأة النرجسية.
والنرجسية إحدى الصفات التي أُلصقت زورًا بطبيعة المرأة، فالنرجسية معناها حب النفس، وقد أُشيع أن المرأة نرجسية بسبب اهتمامها الشديد بملابسها وشكلها، لكن الذي يتعمق قليلًا إلى أبعد من السطح الخارجي للمرأة يدرك أن العكس هو الصحيح، وأن حب النفس في النساء نادر جدًّا، وأنه في تلك الحالات النادرة التي تحب فيها المرأة نفسها فإن المجتمع الذكوري لا يسمح ولا يتحمل مثل هذا الحب.
وقد اتضح لعلماء النفس أخيرًا أن اهتمام المرأة بشكلها وملابسها ليس إلا رغبةً في التعويض عن حب النفس المفقود، أو محاولة من المرأة للتعويض عن عضو الذكر الضائع منها إلى الأبد كما قال فرويد.
إن التضحية بالنفس، وليس حب النفس، هي صفة المرأة، وهي أيضًا صفة غير طبيعية في المرأة. إن المجتمع هو الذي يفرض على المرأة أن تضحيَ بنفسها من أجل زوجها، إن الثقافة والقوانين الذكورية ترغم المرأة أن تضحيَ بنفسها من أجل زوجها، إن الثقافة والقوانين الذكورية ترغم المرأة أن تكون مضحية، وتجعل الرجل نرجسيًّا وأنانيًّا. إن المرأة تضحي بطموحها الفكري ومستقبلها الثقافي الخلاق من أجل أن تغذيَ طموح زوجها؛ فيتفوق هو في العلم أو الفن أو الأدب، وتظل هي راكدة في البيت تغسل جواربه.
وقد لاحظ فرويد وزملاؤه من العلماء أن نسبة قليلة جدًّا من النساء يُظهرن عبقرية أو نبوغًا في الفن أو الأدب أو العلم، ولم يُرجعوا ذلك إلى الظروف الاجتماعية التي تفرض على المرأة الانغلاق داخل جدران البيت، وتضييع الوقت في خدمة الآخرين والغسل والطبخ، وإنما أرجعوا ذلك إلى الفروق التشريحية بين المرأة والرجل، وبعضهم أخرج نظرية تقول إن قدرة المرأة على الخلق تمتصها بيولوجيًّا وظيفتها كأنثى تحمل وتلد. واستطاع هؤلاء بطريقة ملتوية معقدة أن يقولوا إن المرأة تخلق الأطفال بولادتهم؛ ولذا فهي لا تشعر بحاجة إلى الخلق في مجال آخر كمجال الفن أو الأدب أو العلم، وحيث إن الرجل لا يلد الأطفال فإنه يستطيع أن يخلق في المجالات الأخرى. وبهذا أغلقوا حالات الخلق الثقافية والفكرية أمام المرأة، ولم يتركوا لها إلا الوظيفة البيولوجية، وهي ولادة الأطفال كسائر الحيوانات.
وقد أنصف المرأةَ ونظر إليها نظرةً علمية محايدة عددٌ من العلماء والنساء، وكان لهم فضل تنبيه الأذهان إلى الأسباب الاجتماعية التي عطلت قدرات المرأة الفكرية والفنية، وبالذات في مجال الأدب والكتابة.
وتكتب مادلين سابسال تقول: «إن الكتابة عملية فردية عالية المستوى، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالظروف الاجتماعية؛ أي إنها تعتمد على درجة حرية الفرد في المجتمع … وقد حُرمت المرأة من هذه الحرية قرونًا، وبالذات في القرن التاسع عشر، فإن الشيء الوحيد الذي حُرِّمَ بشدة على البنات والنساء المتزوجات هو حرية الكلام؛ لأن المجتمع كان يشك (وهذا الشك في موضعه) أن حرية الكلام ستقود إلى حرية التفكير، ثُمَّ إلى حرية الفعل.»
إن هذه القيود على «لسان» المرأة، ثُمَّ على عقلها، ثُمَّ على «أفعالها» كانت ضرورية لعملية القمع الجنسية؛ لتخضع المرأة رغم الطبيعة (وليس بسبب الطبيعة) لنظم الأسرة الأبوية والزواج بالرجل الواحد «الأب للأطفال».
وهذا يدل على أن عملية القمع الجنسي تقتضي بالضرورة عملية قمع فكري، ومن أجل أن تنصرف المرأة تمامًا عن المجالات الفكرية والخلق الفني أوهموها أن الولادة نوع من الخلق الفكري وليس البيولوجي، وأوهموها أن الولادة سعادة لها تفوق سعادة الرجل الفكرية والفنية.
إن عملية إقناع المرأة بهذه الفكرة غير المنطقية لم تكن سهلة على الرجل؛ فالمرأة إنسان لها عقل، وعقلها يدلها على أن ولادة الأطفال وظيفة بيولوجية لا تزيد عن أي وظيفة بيولوجية أخرى، وأنها إذا اكتفت بحياتها على ولادة الأطفال فلن تكون أفضل من القطة التي تلد أيضًا.
ولهذا السبب تشعر النساء بالاكتئاب بعد انقطاع الطمث، وقد فُسِّرَ هذا الاكتئاب الذي سموه «اكتئاب سن اليأس» تفسيرًا خاطئًا، وأرجعوه إلى أسباب بيولوجية وهرمونية، والحقيقة أن هذا الاكتئاب سببه أن المرأة تكتشف بعد فوات الأوان أنها ضيَّعت عمرها هباءً في الحمل والولادة والغسل والكنس والطبخ، وأنها قتلت طموحها الفكري، أو أنها أُجبرت على قتله.
وقد استخدم الرجل في قمعه للمرأة جميع الوسائل المادية والثقافية، ونجحت الثقافة الذكورية على مدى القرون في إقناع النساء عامة بأن طموحهن الفكري ليس إلا انحرافًا عن طبيعتهن، أو نشاطًا ذكوريًّا نبت خطأً في طبيعة الأنثى، ويجب أن يُستأصَل كما يُستأصَل البظر.
وجاء وقت أصبحت فيه النساء عقيمات الفكر، وفقدن اهتمامهن بالنواحي الفكرية في المجتمع والحياة، ولم يشعرن بأي نقص؛ لأنهن تصورن أن عقم المرأة ليس إلا عجزها عن ولادة الأطفال.
وفي العصر الحديث لم يستخدم الرجل المتحضر حزام العفة الحديدي ليقمع المرأة جنسيًّا وفكريًّا، ولكنه استخدم وسيلة عصرية أخرى، هي النظريات النفسية العلمية الخاطئة، التي تصنع للمرأة طبيعة مشوهة لا تقل في تشوهها عن فعل الحزام الحديدي بجسم المرأة، أو استئصال بعض أعضائها الجنسية.
إن إخصاء المرأة جنسيًّا كان يقتضي بالضرورة إخصاءها فكريًّا أيضًا؛ فالحرية في الإنسان لا تتجزأ، وإذا مُنحت المرأة الحرية لتتكلم، فسوف تقود حرية الكلام إلى حرية التفكير إلى حرية الفعل. وهنا الخطر كل الخطر؛ لأن المرأة التي تصبح حرة في أفعالها قد تفعل أي شيء، ومعنى ذلك أنها قد تذهب إلى رجل آخر غير الرجل المفروض عليها بالزواج، وهنا الخطر كل الخطر الذي يتهدد المؤسسة الأبوية الذكرية.
والواضح أنه بعد كل تلك السنين من القمع أصبحت المرأة الحديثة حرة إلى حد ما، ولم يعُد هناك حزام عفة حديدي، لكن أثر الحزام لا زال موجودًا، بل إن المرأة نفسها تصنع الحزام خوفًا من تلك الحرية الجسدية التي لن تتعود عليها. وهي في الحال أشبه بالسجين الذي قُيِّدت قدماه بالسلاسل الحديدية سنين طويلة، وحين رُفعت السلاسل أصبح خائفًا من مجرد السير على قدميه، وقد يفضِّل القيود مرة أخرى على تلك الحركة الجديدة التي لم يألفها.
والمرأة أيضًا أصبحت تحب قيودها، وليس ذلك للفروق التشريحية بينها وبين الرجل، ولكن بسبب القهر الاجتماعي الطويل، وخوفها الدفين الآن من أية حركة أو حرية.
وهذا هو السبب في ذلك الذعر الشديد الذي تُبديه الأمهات (أثر من الأدباء) حين يلمحن في بناتهن أية حركة نحو أية حرية؛ وهذا هو سبب تلك الكراهية التي تشعر بها البنت نحو أمها.
إن العلاقة بين الأم وابنتها علاقة مريضة، بُنيت على القهر والخوف، وفي مثل هذا القهر والخوف تفسد العلاقات بين أعضاء الجنس المقهور. إن أشد أنواع الكراهية تنبت بين المقهور والمقهور، أو بين العبد وزميله العبد، هذا شيء غير طبيعي، ولكن الأشياء غير الطبيعية تنمو في المناخ غير الطبيعي، وفي ظل القهر غير الطبيعي يكره العبد زميله بدلًا من أن يحبه، وينافسه متوهِّمًا أنه عدوه بدلًا من أن يتآزرَ معه ضد العدو الحقيقي.
وهذا ما يحدث للنساء، إن المرأة تنافس المرأة وتكرهها، والأم تحب ابنها الذكر أكثر مما تحب ابنتها، وتتصور أن ابنها يعوضها عن الإحباط الذي حدث في حياتها كأنثى، أمَّا ابنتها فليست إلا مثلها أنثى، أي أنها تنتمي إلى ذلك الجنس الأدنى.
وهذا الشعور من الأم ينعكس على ابنتها، فتشعر البنت بالأسى والخزن وخيبة الأمل في أمها، التي كانت تظن أنها ستقف في صفها لأنها مثلها.
ويتصور فرويد وزملاؤه أن كراهية البنت لأمها هذه ليست إلا بسبب الفروق التشريحية بين الرجل والمرأة، وغياب عضو الذكر من جسم الأنثى، وتلك الصدمة التي تشعر بها البنت بسبب هذا النقص التشريحي، واتجاهها نحو الأب ليمنحها الطفل الذي يعوضها عن هذا النقص، لكن الأب يخذلها بسبب وجود امرأة أخرى معه هي أمها، وهكذا تكره البنت أمها؛ لأنها تنافسها في حب أبيها. وقد سَمَّى فرويد هذه التركيبة كلها عقدة أوديب أو إلكترا، واعتبرها مرحلة نفسية تمر بها جميع البنات، غير أنه بالإضافة إلى كل هذا فهناك شيء آخر سماه فرويد عقدة الإخصاء، وهذه العقدة هي أن البنت الصغيرة تتخيل أن أمها هي التي أخذت منها عضو الذكر وهي طفلة صغيرة، أي أن أمها هي التي سببت لها ذلك الإخصاء، وهذا أيضًا يزيد من كراهية البنت لأمها.
وقد هوجم فرويد وزملاؤه بشدة من هؤلاء الرجال الذين يذعرهم أي شيء يتهدد كيان الأسرة الأبوية، وأنكروا بشدة وجود عقدة أوديب سواء عند الولد أو البنت، وأنه لا شيء اسمه كراهية داخل هذه الأسرة الأبوية القائمة على الحب، وأنه ليس هناك ما يشوب ذلك الحب.
لكن فرويد كان صادقًا في ملاحظته، وكانت ملاحظته حقيقية عن وجود ذلك الشعور بالإخصاء عند البنت الصغيرة، لكن السبب في هذا الشعور ليس هو عزل عضو الذكر عن جسدها، وإنما هو عزلها عن الحياة وإخصاؤها الفكري والإنساني، وحبسها في البيت أو حبسها النفسي عن طريق التحذيرات والتحريمات المفروضة عليها هي فقط، وليس على أخيها الولد.
والبنت لا تكره أمها لأنها أخذت منها عضو الذكر، ولكنها تكرهها لأنها تحاول أن تشدها إلى دنيا النساء المحدودة القبيحة، التي تفوح منها رائحة البصل والثوم وغسل الصحون والانغلاق عن الحياة الفكرية والثقافية في المجتمع الكبير. وتكره البنت أباها بالمثل حين يفرض عليها مثل هذه القيود، لكن الأب عادةً يترك مهمة تقييد البنت لأمها، إنه يلعب في هذه الحال لعبة مدير السجن، فهو الذي يُصدر قرار الحبس أو قرار الإعدام، لكنه لا يلوث يديه بالدم أو بتراب السلاسل الحديدية، وإنه يترك عملية تنفيذ الحكم لذلك الجنس الأدنى من الفقراء، الذين يعملون كسجانين أو جلادين.
وكم يبالغ الجلاد أو السجان في قسوته، ليس لأنه قاسٍ بالطبيعة، وليس لأنه يكره المسجون، وإنما هو يبالغ في قسوته ليُرضيَ مدير السجن أكثر ويتملقه؛ ليحصل على علاوة.
والأم لا تقسو على ابنتها، ولا تبالغ في فرض القيود عليها، إلا من أجل إرضاء الأب أو الزوج من بعد، ومن أجل هذا الإرضاء تفعل الأم المستحيل لتحول ابنتها إلى دمية أو عروسة في انتظار الزوج. إن عملية التحويل هذه أشبه ما تكون بالإخصاء فعلًا؛ لأن البنت تتعلم أن تهتم بكرانيش فساتينها أكثر مما تهتم بتنمية عقلها وقراءتها وثقافتها.
تتعلم البنت كيف تبدو جميلة تجذب عين الرجل؛ أي تتعلم أن تكون جذابة جنسيًّا، ولكنها في نفس الوقت وفي النفس اللحظة تتعلم أن تكبت رغبتها الجنسية؛ أي إنها تتعلم أن تكون جنسية ولا جنسية في الوقت نفسه. وهذه الحالة تدفع البنت الطبيعية إلى الجنون أو الهستيريا.
إن القانون الذكَري الصارم المتناقض يدفع بالمرأة الطبيعية إلى أن تُصاب بالهستيريا؛ ولهذا اشتُقَّت من كلمة الهستيريا من «هيستر»، ومعناه باللاتينية «رحم» المرأة. وحين لاحظ فرويد أن معظم حالات الهستيريا من النساء، تصور أن الفروق التشريحية والهرمونات المؤنثة تجعل المرأة أكثر قابليةً للإصابة بالهستيريا.
ولم يكن علاج الهستيريا في العصر الحديث أكثر نجاحًا من علاج الهستيريا في العصور الوسطى، وكما كانت تُساق الساحرات إلى كرسيِّ الحرق، ثُمَّ إلى الكرسيِّ الكهربي، ثُمَّ إلى الكرسيِّ المهدئ، سِيقت نساء العصر الحديث إلى الجلسات الكهربية، وإلى الأقراص المهدئة والمنومة، وإلى «شازلونج» الطبيب النفسي المؤمن بفرويد ونظرية التحليل النفسي، فيقنعها بأن الهستيريا ليس سببها ذلك القهر الواقع عليها، وإنما سببها رفضها لأنوثتها، ورفضها لحقيقة كونها ذكرًا مخصيًّا ناقصًا.
وينجح التحليل النفسي في إقناع المرأة بنقصها، وأنها الجنس الأدنى، وتستحق ما هي فيه من قهر وذل، وعليها أن تحب هذا الذل وتعشقه؛ لأنه يتفق مع طبيعتها الماسوشية.
وتعود المرأة إلى بيتها مستسلمة هادئة، بل أكثر هدوءًا، ذلك الهدوء الذي يشبه الموت، وتحاول بالجزء الباقي من نفسها وجسمها أن تتكيف مع الواقع المفروض عليها، وأن تقبلَه وتحبَّه. وتبدأ المرأة في محاولة تعويضية كبيرة، تعوض بها عما أُخذ منها عَنْوَة، ولا تجد سبيلًا للتعويض إلا أطفالها الذكور (بناتها تكرهن لأنهن أيضًا سيكونن ضعيفات مثلها)، إنها تحب أولادها الذكور؛ لأنها تجد في قوتهم الاجتماعية تعويضًا عن ضعفها وقهرها. وتتعلق الأم بابنها الذكر تعلُّقًا مريضًا، فتفسد طفولته، وتفسد شبابه، وتفسد كهولته بسبب هذا الحب غير الطبيعي.
وحين يلاحظ «فرويد» أن الطفل الذكر يحب أمه ويكره أباه يتصور أن ذلك بسبب ما سماه عقدة أوديب، وسبب عقدة أوديب في الطفل الذكر أيضًا هو تلك الفروق التشريحية بين الولد والبنت، وأن الولد يخشى أن يُصاب بالإخصاء كالبنت، ويُقطَع عضوه الذكري ويصبح أنثى مثل أخته، وهو يشعر بالرعب من عملية تحويله إلى أنثى (لأنه بالطبع سيفقد الحرية والمميزات الاجتماعية التي يتمتع بها الذكور فقط)، ويكره أباه ويخاف منه؛ لأنه يتصور أن هذا الأب ينافسه في حبه لأمه وأنه يخصيه كنوع من العقاب.
إن ملاحظات فرويد في معظمها صحيح، لكن تفسيراته هي الخاطئة، ومن أجل أن نحميَ الأطفال ذكورًا وإناثًا من عقدة الإخصاء وغيرها لا بدَّ أن تكون الأم إنسانة طبيعية، ولا بدَّ أن تكون العلاقة بين الرجل والمرأة أو الأب والأم علاقة طبيعية إنسانية قائمة على الحب والمساواة، وليس على الفرض والقهر. ومعنى أن نرفع القهر عن المرأة هو أن نرفع عنها ذلك الفرض بأن دورها في الحياة هو دورها كزوجة وأم فقط، وأن الرجل لا يُفرض عليه أن يكون زوجًا وأبًا فقط، ولكنه مهندس أو طبيب أو كاتب أو محاسب، وهو أيضًا إلى جانب ذلك يكون أبًا وزوجًا، وأن أبوة الرجل أو كونه زوجًا لا يحرمه من الأدوار الأخرى التي يقوم بها في الحياة، لكن المجتمع يفرض على المرأة أن تلعب دورًا واحدًا محدودًا، وهو أن تكون زوجةً وأمًّا فقط.
وحين يسمح المجتمع للمرأة أن تعمل فهو بشرط ألا يتعارضَ عملها مع واجبها الأول في الحياة (زوجة وأم)، وإذا تعارض فلا بدَّ لها أن تعود فورًا إلى البيت ودورها الأول (زوجة وأم)، بل إن خروج المرأة للعمل ليس (في منطق المجتمع) من أجل أن تنمي قدرتها الفكرية وترضي طموحها الإنساني والفكري، وإنما من أجل أن ترفع المستوى الاقتصادي للأسرة الأبوية، وأن تساعد الأب في النفقات، وتساهم في دفع مصاريف المدارس؛ ولهذا يسمح المجتمع للمرأة العاملة بحريات معينة ويحرمها من حريات أخرى، إنه يمنعها من التطور الفكري المستمر أو الوعي المتزايد، وإلا اكتشفت الظلم الواقع عليها. ومن هنا ذعر المجتمع وقسوته على أية امرأة تظهر مزيدًا من الوعي ومزيدًا من الذكاء أو التطور الفكري.
إن الزوج يسمح لزوجته أن تتأخر عن البيت بسبب الأوفرتايم (العمل الإضافي الذي تأخذ عليه أجرًا إضافيًّا)، لكنه لا يسمح لها أن تتأخر في حفل أو سينما أو زيارة؛ ولهذا تزيد نسبة الأمراض النفسية في النساء العاملات عن النساء ربات البيوت؛ فالمرأة العاملة تقوم بجميع واجباتها تجاه العمل كزوجة، لكنها لا تحصل على الحريات والحقوق الاجتماعية والفكرية أو الجنسية التي يتمتع بها زوجها، وبالإضافة إلى ذلك فهي تعود إلى البيت وعليها أيضًا أن تخدم هذا الزوج وتخدم أطفالها وإلا اتُّهِمَت بالتقصير، ونالها العقاب الذي يتفاوت من مجرد اللوم والتأنيب إلى الضرب، أو الطلاق أو الزواج بأخرى، أو التشهير بأنها لا تعرف واجباتها كأنثى، وأنها ناقصة الأنوثة أو منحرفة أو مريضة نفسيًّا … وتذهب إلى الطبيب النفسي، الذي لا يفكر إلا في الفروق التشريحية بين الذكر والأنثى … وهكذا تدور الدائرة من جديد، وتلف المرأة في الدوامة.
وهنا قد يتساءل بعض الناس: أليست المرأة العاملة أسعد حالًا من المرأة غير العاملة؟ ألا يعالج العمل كثيرًا من مشاكل المرأة النفسية؟ … وللإجابة على هذا السؤال لا بدَّ لنا من التعمُّق قليلًا في موضوع عمل المرأة.
إن العمل بصفة عامة، وكما قال علماء النفس، أهم وسيلة تربط الإنسان بواقع الحياة وحقيقتها؛ لأن الإنسان عن طريق العمل يحتك بجزء من هذه الحقيقة وهو المجتمع الإنساني.
لكن العمل في حياة المرأة لا يأخذ هذا الشكل، والمناخ العام الذي يقهر المرأة وفي ظل القانون الذي لا يساوي بين المرأة والرجل لا يمكن أن يكون مجرد «عمل المرأة» هو العلاج لتعاستها وأمراضها النفسية، إن المرأة أو أي إنسان لا يمكن أن يعمل عملًا إلا إذا تم إعداده لهذا العمل إعداد سليمًا مبنيًّا على تربية سليمة ودوافع للعمل صادقة.
إن هذه الدوافع هي التي تشكل المثل الأعلى في حياة الإنسان، وأهدافه من حياته، والقيم التي يقيس بها نفسه، والرغبة في بلوغ القيمة التي رسمها لنفسه بكل جهده وإمكانياته. إن كل هذه القيم والمثل تترسب في أعماق الإنسان عن طريق التربية منذ الطفولة والمناخ العام الذي يعيش فيه وتتمثل فيه هذه القيم، وتصبح مؤثرات تدفعه نحو الطريق الذي يساعده على تحقيق أهدافه.
إن المثل العليا والقيم التي تتمثلها المرأة منذ طفولتها حتى مماتها، في الأسرة والمدرسة، والشارع والصحافة والإذاعة والأفلام والصور والكتب، كلها لا تدفع بها إلى طريق العمل، وإنما إلى اصطياد رجل بأي شكل، والزواج منه بأي شكل، وإلا فقد فاتها القطار، وفاتتها جنة الله على الأرض.
ولهذا تنظر المرأة إلى العمل كأنه محطة انتظار ليس إلا، إذا جاءها عريس غني فهي تترك العمل فورًا، وإذا جاءها عريس فقير فهذا حظها، وعليها أن تعمل حتى يصبح أقل فقرًا، ثُمَّ تترك العمل إذا ما سمحت الحالة الاقتصادية بذلك، وإذا لم تسمح الحالة الاقتصادية بأن تترك العمل أبدًا فهذا حظها، وعليها أن تعمل خارج البيت وداخله، وفي أعماقها تحسد زوجة الرجل الذي يمنعه ثراؤه (ورجولته أيضًا في مفهومها) من تشغيل زوجته مثلما هي تشتغل.
قليل جدًّا من النساء العاملات من يعتبرن أن العمل أهم من الزواج، أو أن تحقيق ذاتها كإنسانة مفكرة في المجتمع أهم من الزواج وإنجاب الأطفال. من النادر جدًّا للمرأة أن ترسم لنفسها قيمة فكرية عالية في المجتمع، وإلا اتُّهِمَت بالذكورة، فهذا الطموح الفكري صفة الرجال فحسب، وتخفي المرأة ذكاءها من أجل أن تكون مكتملة الأنوثة، وهذا كله ناتج من المناخ العام والثقافة الذكورية التي تتعرض لها المرأة منذ ولادتها حتى مماتها، والدور الذي يفرض عليها (دور الزوجة والأم) بكافة الوسائل التي توهمها بأن هذه هي أنوثتها وهذا هو جمالها، وهذا هو سحرها وجمالها، كيف يمكن أن تحارب الطبيعة؟ وعلى هذا النحو ترضى المرأة بدورها المفروض، وتحبه وتسعى إليه وتتفاخر به، وكم من نساء يتفاخرن بأنهن لسن إلا زوجات وأمهات، وكم من نساء يتفاخرن بأنهن لا زلن أطفالًا ولا زلن ساذجات، وكم من نساء يتفاخرن بتصرفاتهن البلهاء، وكم يتفاخرن بالغباء، وكم يشعرن بالسعادة الأنثوية الكاملة.
إن استعباد الرجل للمرأة استمر آلاف السنوات، وقد صارعت المرأة ضد هذا الاستعباد آلاف السنوات أيضًا. والصراع بين الجنسين حقيقة تاريخية وأنثروبولجية ونفسية، قد يظهر الصراع إلى السطح أحيانًا، وقد يختفي في القاع أحيانًا أخرى، وقد يصبح صراعًا واعيًا وملموسًا، وقد يكون صراعًا خفيًّا مدفونًا في العقل الباطن واللاوعي.
ويتميز النصف الأخير من القرن العشرين بأن صراع المرأة من أجل تمزيق قيودها وإنهاء عبوديتها قد أصبح صراعًا واعيًا وملحوظًا، وقد خرج بفضل الدراسات النفسية الحديثة من منطقة اللاوعي إلى منطقة الوعي، لكن المرأة لم تنجح في صراعها حتى الآن في أي مجتمع من المجتمعات. إن عدم نجاح المرأة في إنهاء عبوديتها يشبه إلى حد كبير عدم نجاح العالم في إنهاء الحروب بين البشر. وقد تصور علماء النفس أيضًا أن الرغبة العدوانية في القتل والحرب والتنافس والطمع رغبة طبيعية في الذكر، ولا شك أن هذا التفسير البيولوجي للحرب يعمي العيون والأذهان عن الأسباب الحقيقية، وهي النظم الاقتصادية والسياسية والثقافية القائمة على الاستغلال، استغلال صاحب السلطة لمن لا سلطة له، واستغلال صاحب المال لمن لا مال له، واستغلال الدول القوية الغنية للدول الفقيرة النامية. إن الدعاية النفسية التي يستخدمها الرجال لتمجيد الحروب والقتل تشبه إلى حد كبير الدعاية النفسية التي يستخدمها الرجال لتمجيد صفات الضعف والاستسلام والخضوع والتضحية في المرأة.
إن المرأة في عصرنا الحديث التي تعلمت وخرجت إلى العمل في أي مهنة تشعر بالقيود من حصولها وبالكراهية أيضًا في جو العمل (المناخ العام لجو العمل)، والويل لها لو أظهرت تفوُّقًا أو ذكاءً أو نبوغًا؛ إن الذكورة هي أقل صفة يمكن أن توصَف بها. وإن القيود التي تقف في وجه المرأة العاملة لا تنبع فقط من هذه الكراهية العامة التي تحوطها، وإنما تنبع أيضًا من ذلك الشك الذي يملأ نفسها عن قيمة ذلك العمل بالنسبة لها. إنها لو حظيت بظروف (وهذا نادر بالطبع) تؤكد لها قيمة هذا العمل وقيمة الاستمرار والتفوق فيه، فهي كثيرًا ما تقع فريسة التشكك والإحساس بالذنب؛ لأنها ليست في مكانها الصحيح الذي خُلقت من أجله، ألا وهو البيت.
إن العمل في حياة المرأة شيء جديد، وكثير من النساء العاملات يتعرضن للمشاكل النفسية لسببين: الأول: وهو بيئة العمل الذكورية المليئة بالكراهية لهن. والثاني: هو قلقهن الداخلي وتمزقهن بين ما هو الصحيح وغير الصحيح لهن كنساء؛ ولهذا تفشل معظم النساء العاملات في عملهن، أو على الأقل يتخلفن عن زملائهن الرجال الذين لا يواجهون مثل هذه القيود والمصاعب. بالإضافة إلى أن المرأة العاملة تقوم بوظيفتين؛ داخل البيت وخارجه، والرجل لا يقوم إلا بوظيفة واحدة؛ ولهذا تفشل المرأة العاملة في التفوق ويصبح فشلها مرة أخرى برهانًا لعلماء النفس على أن المرأة بسبب الهرمونات والفروق التشريحية لم تُخلَق إلا للبيت والخدمة والإنجاب. ويصبح هذا الفشل غذاءً جديدًا للثقافة الذكورية تؤكد به وتبرر به وصايا الرجل على المرأة، وبدلًا من أن تكشف الأسباب الحقيقية التي تعطل حركة المرأة وتفوقها تخفى وتطمس؛ وبذلك لا تتجه الأذهان إلى علاج إزالتها من طريق المرأة.
ولا يمكن أن ننكر أن بعض النساء العاملات (رغم كل هذه المعوقات) يتفوقن في مهنهن، أو يُظهرن نبوغًا في العلم أو الفن أو الأدب، ولكن هؤلاء النساء قلة قليلة بالطبع، كما أن هؤلاء النساء (رغم كونهن طبيعيات جدًّا) يفاجأن حين يجدن أن باب الزواج أصبح مغلقًا في وجوههن؛ وسبب ذلك ليس لأنهن مسترجلات أو منحرفات أو شاذَّات، ولكن السبب هو أن الرجال يرفضون الزواج منهن، وإذا حدث وتزوج رجل واحدة منهن فكثيرًا ما يفشل الزواج، إمَّا لأن الرجل لا يطيق أن تتفوق المرأة عليه، وإمَّا لأن المرأة نفسها بعقلها المتفتح أصبحت غير راضية بالحياة مع زوج له عقل مغلق.
وبرغم التقدم العلمي وازدياد التعليم في العصر الحديث وانتشاره، فإن الأسرة الأبوية هي الخلية الأولى التي يتعلم فيها الولد والبنت؛ ولهذا يتقدم العصر في الاكتشافات العلمية والتكنولوجية، وتبقى عقلية الرجل (والمرأة أيضًا) متخلفة، مغلقة على القيم القديمة، التي تقوم على أن المرأة خُلقت لتخدم الرجل وليس للنبوغ الفكري أو التفوق الثقافي في المجتمع؛ ولهذا فإن العصر الحديث قد حُرم من عقول ونبوغ نصف سكانه، وهم النساء.
ويكتب جون ستيوارت ميل يقول: «إنه لمن الخطأ أن يظل المبدأ الذي يحكم العلاقة الاجتماعية بين الجنسية قائم على إخضاع النساء بالقانون للرجال. وهذا هو أهم الأسباب التي تعوق التقدم الإنساني؛ ولهذا يجب علينا أن نستبدل هذا القانون بقانون آخر يحقق المساواة للجنسين في كافة الحياة.»
إن النساء في معظم أنحاء العالم (البلاد المتقدمة والبلاد النامية) لا زلن يخضعن بالقانون للرجال، وإن هذا القانون ليس هو القانون الجائر الوحيد في العصر الحديث. إن معظم قوانين العصر الحديث جائرة؛ فهي تُخضع المرأة للرجل، وتُخضع الفقير للغني، وتُخضع الأسود للأبيض، وتُخضع الأغلبية للأقلية، وتُخضع الشعوب الفقيرة النامية للدول الاستعمارية الكبرى.
إن مهنة الطب، الجسدي والنفسي، ليست إلا إحدى مؤسسات العصر الحديث، وليست إلا جزءًا من الثقافة والحضارة الذكورية العامة؛ ولهذا تلعب مهنة الطب (كغيرها من المهن) دورها في «تثبيت القيم الذكورية التي تحكم علاقة الجنسين»، ويقنع الأطباء (عن وعي أو غير وعي) النساء بأن ذلك الاكتئاب الذي يصيبهن بعد الأربعين من العمر ليس إلا بسبب اضطراب الهرمونات بسبب انقطاع الطمث. وتخرج الكتب الطبية والنظريات التي تقرر أن ٨٥٪ من النساء بعد سن الأربعين يُصَبن بحالة اكتئاب (طبيعية) بسبب الهرمونات، وأن النسبة الباقية منهن ١٥٪ ينجون بأعجوبة من هذا الاكتئاب لسبب بيولوجي آخر مجهول. ويصف الأطباء لهؤلاء النساء المكتئبات العلاج؛ أي بعض الأقراص أو الحقن، وتأخذ النساء الدواء لكن الاكتئاب يظل، وتعود النساء إلى الأطباء بالمال، وامتلاء جيوب شركات الأدوية والصيادلة بالمال، لكن اكتئاب النساء يظل.
أمَّا الأطباء من تلامذة فرويد والتحليل النفسي فإن مهمتهم هي إقناع المرأة بدورها الطبيعي في الحياة وهو البيت، والتكيف مع الظروف التي قتلت طموحها الفكري ونبوغها؛ لأن السعادة العظمى للمرأة ليست إلا في غسل جوارب الزوج وولادة الأطفال كالأرانب.
إن أشد ما يُذعر له المجتمع الذكوري أن تثبت المرأة تفوقها في التعليم والعمل في المجالات العلمية والفكرية؛ وسبب الذعر هو خوفهم من أن تتذوق النساء سعادة العمل الفكري ولذته (اللذة المحرمة)، فتنجرف في ذلك الطريق، ولا يجد الرجال من يخدمهم في البيت، ويطبخ لهم ويغسل سراويل الأطفال.
إن المجتمع الذكوري حساس، شديد الحساسية لمصلحته، كأي مجتمع قائم على الاستغلال. إن المجتمع الأمريكي كان يكره تعليم الزنوج وفتح المدارس العالية لهم (الموقف نفسه مع النساء)؛ والسبب في ذلك أن المجتمع الأمريكي كان يخشى أن يتذوق الزنوج سعادة العمل الإنساني الفكري الراقي فينجرفون في هذا الطريق، وتعاني البيوت الأمريكية من نقص في الخدم والطباخين والسفرجية والخادمات ومربيات الأطفال.
ومن أجل إبعاد المرأة عن المجالات الفكرية الجادة يدَّعي الرجل أنه يشقى في عمله ويتعب (ينكر اللذة والسعادة بالطبع)، ويتظاهر بأنه يحسدها على الراحة التي تتمتع بها في البيت. وحينما تطلب منه أن يبادلها، فيأخذ راحتها هي وتأخذ هي شقاءه يرفض بالطبع، وبلا وعي يقول لها أو لنفسه: إن غسل الصحون أو الطبخ لا يمكن أن يرضي طموحي في الحياة!
إن غسل الصحون والطبخ لا يمكن أن يكون مهنة الرجل الذكي الطموح المحترم، ولكنها قد تكون مهنة الرجل الفقير الجاهل، الذي حُرم من التعليم بسبب فقره.
أمَّا المرأة فإنها مهما بلغت من الذكاء والتعليم ومهما بلغت من النبوغ فإن مهنة الطبخ وغسل السراويل والجوارب هي مهنتها الأولى والوحيدة في الحياة؛ ولهذا فإن المرأة (من الطبقات الراقية) حين تجد من يغسل ويطبخ بدلًا منها، فهي تصبح على الفور امرأة عاطلة يقتلها الملل والفراغ، فتخرج إلى الشوارع تتسكع أمام فترينات الملابس والموضات، أو تقتل الوقت في الحفلات والشرب والرقص والعربدة الجنسية والفسق. رغم كل هذه المحاولات تظل تشعر باكتئاب، والحزن في أعماقها؛ لأن عمرها ضائع وحياتها ضائعة. وتذهب إلى الطبيب النفسي للعلاج، وتجلس في حجرة الانتظار مع النساء الأخريات العاملات وغير العاملات، وكلهن مريضات بالاكتئاب، وتعددت الأسباب والاكتئاب واحد.
واعترف فرويد أخيرًا بأن معلوماته عن المرأة قليلة جدًّا، وكتب يقول: «إذا أردت أن تعرف المزيد عن الأنوثة فحاول أن تعرف ذلك من تجارِبك في الحياة، أو اقرأ الشعر، أو انتظر حتى يستطيع العلم أن يزودك بمعلومات أكثر عُمقًا وأكثر منطقيةً.»
ولم يحاول تلامذةُ فرويد الرجالُ الانتباهَ إلى هذا الكلام الأخير، وظلت نظرية التحليل النفسي سائدة في الطب النفسي؛ والسبب في ذلك أن طلبة الطب يدرسون الطب القديم لا الطب الحديث، وقد ظهرت سيكلوجية جديدة تمامًا للمرأة في السنوات الأخيرة، لكن كليات الطب هي آخر من يعلم. والسبب في ذلك شيئان: الأول: أن أساتذة الطب لا يجدون الوقت لقراءة البحوث الطبية الجديدة بسبب انشغالهم ليل نهار في عياداتهم الخاصة، ووقوعهم تحت سطوة الثراء وإغراءاته. والسبب الثاني: أن تطوير التعليم الطبي (وبالذات في المجتمعات النامية) يسير ببطء شديد كالسلحفاة، على حين أن البحوث الطبية والعلمية تسير بسرعة الصاروخ.