الطبيعة الجنسية البيولوجية للمرأة
-
(١)
لا يوجد أي فارق في المرأة بين قمة اللذة أو الأورجازم المهبلي vaginal orgasm وبين الأورجازم البظري clitoral orgasm، إن طبيعة الأورجازم في المرأة واحدة بصرف النظر عن المنطقة المثارة في جسم المرأة. ويتكون الأورجازم من الانقباضات المنتظمة للعضلات المهبلية الخارجية، والتي تدفع في انقباضها شبكة الأوردة المتضخمة بالدم والتي تحيط بالمهبل، وكذلك الأنسجة المحيطة بالثلث الأسفل من المهبل، والتي تحوط فتحة المهبل، والتي تمتلئ بالدم أثناء الإثارة الجنسية.
-
(٢)
أثناء العملية الجنسية فإن طبيعة أعضاء المرأة الجنسية الأخرى الحساسة تحافظ على استمرار إثارة البظر الذي انكمش أثناء تواجد العضو الذكري في المهبل. إن استمرار الحركة القوية المنتظمة داخل المهبل تساعد على الضغط وشد هذه الأعضاء بانتظام (التي تعمل جميعًا كوحدة واحدة) مما يزيد في إثارة رأس البظر. وتحدث الإثارة للبظر بالشد المنتظم المستمر للغشاء المُسَمَّى prepuce، والذي تورم وتضخم بسبب امتلائه بالدم، وتحدث الإثارة نفسها للبظر إذا حدثت هذه الإثارة له مباشرةً باليد.
-
(٣)
إن النساء بطبيعتهن قادرات في حالة حدوث الإثارة الجنسية الكاملة على الوصول إلى الأورجازم أكثر من مرة بل مرات متعددة، قد تصل إلى ست مرات أو أكثر خلال العملية الجنسية الواحدة، ووُجد أنها قد تصل أحيانًا إلى ٥٠ مرة أو أكثر إذا استمرت الإثارة للمنطقة البظرية واستطاعت المرأة أن تتحكم في توترها الجنسي وتحتفظ بمدد أطول من الإثارة.
- (١) إن رأس البظر أكثر حساسية للإثارة الجنسية من الثلث الأسفل للمهبل. وفي تطور القدرة الجنسية في الثدييات الراقية وُجد أن هذه القدرة انبثقت أساسًا من الانتخاب التكيفي للتورم العجان Perineum والجهاز البظري، وليس من المهبل.
- (٢) إن قدرة النساء الأورجازمية (في حالة الإثارة الكافية) قد تكون مشابهة لقدرة إناث الثدييات الراقية. وفي الحالتين، فإن أعلى درجة من الأورجازم لا تتحقق إلا بدرجة عالية من التورم والانتفاخ بالدم للأوردة والأنسجة أسفل الحوض، والتي تصاحب فترة الحرارة estrus في الثدييات وفترة Luteal phase من الدورة الشهرية في النساء، أو بالإثارة الطويلة المستمرة. في هذه الحالات فإنه مع كل مرة من مرات الأورجازم يزيد انتفاخ أوردة وأنسجة الحوض بالدم، وهذا يساعد على تكرار الوصول إلى الأورجازم؛ فيزيد هذا من امتلاء أوردة وأنسجة الحوض بالدم؛ فيزيد عدد مرات الأورجازم، وهكذا يستمر الحال حتى يتسبب الإجهاد الجسدي في التوقف.
- (٣)
وعلى هذا يتضح أنه في إناث الثدييات وفي النساء تطورت قدرة جنسية دائرية لا محدودة، نتج عنها تلك الحالة المزدوجة المتناقضة، وهي عدم الإشباع الجنسي مع وجود قمة الإشباع الجنسي. وقد كان لهذه الحالة أهمية في تطور أرقى فصيلة من الثدييات إلى الإنسان.
- (٤) إن الحضارة الحديثة قد قامت لأسباب متعددة، لكن قيامها اقترن بقمع هذه القدرة الجنسية الدائرية في المرأة، لأن:
- (أ) ارتفاع درجة تركيز الهرمونات في المرأة البدائية بالإضافة إلى القدرة الجنسية العالية وفترة الحمل الطويلة كان دافعًا قويًّا في أنثى الإنسان للتخلص من فترة الحرارة estrus كفترة جنسية قصيرة ومحدودة، وكذلك — بل الأهم من ذلك — التخلص من فترة الإرضاع اللاجنسية؛ وهكذا أصبحت قدرة المرأة الجنسية مستمرة بغير انقطاع طوال الشهر. وفي ظل القدرة العنيفة المستمرة لم يكن ممكنًا على الرجل أن ينشئ الأسرة وقيودها بغير أن يكبح جماح المرأة ويقمع هذه الطبيعة العنيفة ويفرغها لرعاية الأطفال وخدمته بالبيت.
- (ب)
بنشوء النظام الاقتصادي المقترن بنشوء الزراعة المستقرة بدأت ملكية الرجل للأرض، واقترنت قوانين ملكية الأرض مع قوانين امتلاك الأطفال أو قوانين النسب التي أعطت النسب للأب.
ولم يكن لهذه الأسر الكبيرة العدد، والتي لا بدَّ أن يُعرف فيها الأب، أن توجد وأن تستمر، بغير أن تُقمع تلك القدرة الجنسية اللامحدودة في المرأة.
- (أ)
وتحاول «شيرفي» بهذه الأفكار أن توضح بشكل جديد أسباب بعض المشاكل الجنسية عند المرأة وكيفية علاجها … وهي ترجع أسباب البرود الجنسي عند بعض النساء للآتي:
(١) عدم كفاية الإثارة الجنسية. (٢) عدم الامتلاء الكافي بالدم للأوردة والأنسجة الحساسة القابلة للانتصاب. (٣) عدم امتلاء أنسجة أسفل الحوض بالدم الكافي، وعدم تورمها الكافي؛ وما ينتج عن ذلك من توتر الأنسجة. (٤) عدم الاستجابة الكافية للعضلات في هذه المنطقة. وقد يتجمع عدد من الأسباب البيولوجية التي تسبب درجات مختلفة من البرود الجنسي، ونادرًا ما تعمل هذه الأسباب البيولوجية وحدها، ولكنها تخلق دائمًا أسبابًا نفسيةً تزيدها الضغوط الاجتماعية والثقافية شدة. وقد يحدث العكس، وهو أن تخلق الأسباب النفسية والضغوط الاجتماعية الأسباب البيولوجية التي تصيب المرأة بالبرود الجنسي، وهكذا في حلقة مفرغة لا نهاية لها … ولهذا فمن الصعب التفريق بين البرود الجنسي النفسي والبرود الجنسي البيولوجي في المرأة. وفيما يلي عرض لبعض العوائق البيولوجية والجسمية التي تؤثر في قدرة المرأة الجنسية وتسبب لها نوعًا من البرود.
(١) تمزق في أعضاء المرأة بسبب الولادة
أكد معظم العلماء على أن تكرار الحمل يزيد من قدرة المرأة على الاستمتاع بالجنس؛ لأن الحمل يغرق جهاز المرأة بالهرمونات الجنسية، ويزيد من توافر الدم ونمو الانتفاخ وامتلاء الأوردة وأسفل الحوض بدرجة عالية قد تزيد عن تلك الدرجة التي تحدث أثناء النمو الجنسي الشديد في فترة المراهقة. ولعل هذه الصفة والميزة للحمل هي التي ساعدت خلال التطور من الثدييات إلى الإنسان أن تحافظ الطبيعة على تلك القدرة الجنسية في المرأة، لكن الحمل كانت له مشكلة أخرى، ذلك أن جهاز الأنثى التناسلي في الثدييات كان مُعَدًّا لولادة نسل له رأس صغير.
إن التمزق البسيط الذي يحدث عادةً نادرًا ما يعطل قدرة المرأة للوصول إلى الأورجازم، لكنه في بعض الأحيان يضعفها، بالإضافة إلى أن هذا التمزق يحدث عادةً عند ولادة أول طفل، فإذا أُصيبت به المرأة قبل أن تنضج جنسيًّا أو تحصل على كل كفاءتها الجنسية فإن هذا التمزق يلعب دورًا كبيرًا في إصابتها بالبرود الجنسي، خاصة إذا شمل هذا التمزق جزءًا هامًّا من الجهاز البظري أو غيره من الأعضاء الجنسية الحساسة.
(٢) الاختلافات التشريحية
(٣) طفولة أعضاء المرأة
بعض الفتيات المراهقات يتأخرن في النضوج، وقد تحتفظ الواحدة منهن بحوض وأعضاء نصف طفولية حتى الحمل الأول، وفي هذه الحالات قد يكون الطمث قليل الكمية، والثديان صغيران، والجسم صبياني، مع وجود البرود الجنسي. ومن المفهوم أن نِسبًا معينةً من الهرمونات الجنسية لا بدَّ أن تكون متوافرة لتساعد على تطور انتفاخ الأوردة الدموية وتورم الأنسجة بالأديما، وهي التي تصنع التمدد الشديد في الأنسجة المحيطة بالمهبل والانتفاخ الذي هو ضروري لوصول المرأة إلى الأورجازم حين تحدث العملية الجنسية مع الرجل. إن الحصول على هذه النسب المعينة من الهرمونات يتم ببطء في هذه الحالات من الفتيات، وقد يستمر بطيئًا طول العمر في حالة استمرار تلك الحالة الطفولية، والتي تمنع التمدد والانتفاخ الكامل للأوعية الدموية؛ وبهذا فإن أي نشاط من الجهاز البظري والشفرتين لا يكون مؤثِّرًا بالدرجة المطلوبة. إن كل ما يمكن أن تحصل عليه المرأة حينئذٍ هو نوع من الأورجازم السطحي في الأنسجة السطحية المحيطة بفتحة المهبل إذا ما أُثيرت إثارة مباشرة باليد.
(٤) عدم كفاية الإثارة الجنسية
إن عدم كفاية الإثارة الجنسية هو السبب وراء معظم حالات البرود الجنسي البيولوجي عند المرأة. وقد أوضح «ماسترز وجونسون» عددًا من النقاط التي تستحق الإشارة إليها هنا:
(٤-١) الإثارة المستمرة
من المعروف أن درجة التأثر الجنسي تهبط عند المرأة بسرعة إذا انقطعت الإثارة أو توقفت، وإلى هذا السبب ترجع نسبة كبيرة من البرود الجنسي؛ لأن معظم الرجال في سن الثلاثين (وأحيانًا تحت الثلاثين) لا يستطيعون أن يؤجلوا القذف إلى حين أن يكتمل امتلاء وانتفاخ الأوردة والأنسجة في منطقة أسفل الحوض عند المرأة، والحالة الوحيدة التي تحول دون برودة المرأة في تلك الحالات هي قدرة الرجل على ممارسة القذف عدة مرات دون أن يفقد الانتصاب. ومن المحتمل أن تُصاب المرأة بالبرود الجنسي إذا كان زوجها عاجزًا عن الوصول إلى الأورجازم عدة مرات متتالية، أو يصل إلى ذلك قليلًا أو كان عاجزًا عن الاحتفاظ بالانتصاب لأكثر من أربع أو خمس دقائق.
(٤-٢) بطء المرأة في الإثارة
لوحظ طبيًّا أن البرود الجنسي يُصيب المرأة إذا عجزت — رغم ازدياد الخبرة الجنسية — أن تختصر الوقت الذي يُستنفد في المداعبات والتمهيد السابق للعملية الجنسية، إن الرجل إذا كان سريع الإثارة، ولم يكن قد تدرب على تأجيل القذف (أو يخشى ذلك التأجيل)؛ فإن النتيجة في كثير من الأحيان هو برود المرأة.
(٤-٣) فترة الإثارة في الدورة الشهرية Luteal phase
(٤-٤) محاولة إثارة البظر أثناء العملية
أكَّد «ماسترز وجونسون» أهمية إثارة البظر باستمرار طوال العملية الجنسية، لكن هذا قد لا يكون ممكنًا، خاصةً في الوضع الشائع للعملية الجنسية حين تكون المرأة في وضع أسفل الرجل؛ وبذلك لا تصل الإثارة إلى البظر إلا في حالة وجود فتحة واسعة للمهبل، وبغير ذلك فإن ضغط العضو الذكري يسبب ضغطًا على المستقيم (نهاية الأمعاء الغليظة قبل فتحة الشرج)، وقد يسبب ألمًا للمرأة أو ضيقًا.
(٤-٥) بعض مشاكل يسببها الحمل والخبرة الجنسية
لوحظ أن حدة الأورجازم تكون أشد طبيعيًّا في شباب الرجال عنها في شباب النساء اللائي لم ينجبن، لكن هذا الاختلاف يضيع تقريبًا بعد سن الثلاثين في الرجال، وبعد ولادة الطفل الثاني أو الثالث في النساء، أو بعد خبرة جنسية كافية في حالة النساء اللائي لم ينجبن، بل لوحظ أن قدرة المرأة الأورجازمية واشتداد حدة الأورجازم وتعدده، تفوق قدرة الرجل، وذلك بتقدم المرأة في العمر وازدياد خبرتها الجنسية وممارستها للحمل والولادة. وتعتقد «شيرفي» أن الظاهرة المنتشرة بين الأزواج والزوجات، وهي أن الزوجة تبدأ أوجها الجنسي حين يقترب زوجها من نهايته ليس سببها هو تخلص المرأة من مخاوفها وعقدها النفسية الناتجة من الكبت، وإنما سببها هو الخبرة الجنسية وأثر الحمل والولادة. وتقول «شيرفي»: إن المرأة في العصر الحديث أصبحت تؤجل الحمل إلى سن متأخرة بسبب انتشار وسائل منع الحمل، وبسبب تأجيل سن الزواج أيضًا، وهذا يؤخر حصول المرأة على قدرتها الجنسية المكتملة إلى سن الثلاثين أو ما بعدها؛ لأنها لا تلد طفلها الثاني أو الثالث إلا في هذه السن أو بعدها.
(٤-٦) بعض مشاكل بسبب ظاهرة الإشباع المصاحب لعدم الإشباع
وتقول «شيرفي»: إنه من النادر أن نقول عن الرجل إنه «سوف يرضى» بثلاث إلى خمس مرات من القذف، ولكنا نقول: إن الرجل «يرضى»، أمَّا المرأة فهي «سوف ترضى»، ومعنى ذلك أنها تحاول بإرادتها أن ترضى؛ وذلك لأنها غير واعية بقدرتها الضخمة على الأورجازم. وتتوقع «شيرفي» أن هذه الحقيقة قد تصدم بشدة كثيرًا من النساء اللائي يدركن بالفطرة عدم حصولهن على الإشباع.
وتخرج «شيرفي» من كل هذا بأن السبب الأساسي لمعظم حالات البرود الجنسي عند النساء ليس إلا غياب الممارسة الجنسية لفترات طويلة أو ممارستها بشكل متقطع ولفترات قصيرة. وهذه الحقيقة يؤيدها أيضًا ماسترز وجونسون، اللذان حاولا في بحثهما علاج مجموعات من الأزواج والزوجات المُصابين بالبرود الجنسي، وكان جميعهم قد حصل من قبل على علاج طبي ونفسي دون جدوى. وكان العلاج (في حالة الزوجة التي لم تصل إلى الأورجازم بعد خمس سنوات فأكثر من الزواج) يتألَّف من تدريب الزوج على استخدام طرق الإثارة الضرورية لجميع النساء والخاصة بزوجته أيضًا، وقد كان هذا وحده كافيًا لعلاج كثير من الحالات، وفي حالات أخرى كان العلاج يتألف من حث الزوجين على ممارسة العملية الجنسية بكثرة وكل يوم أو استخدام بعض الوسائل الصناعية لرفع درجة الإثارة أو زيادة مدتها لفترة طويلة. وبهذه الطريقة شُفيت معظم النساء من البرود الجنسي، وأصبحن قادرات على الوصول إلى الأورجازم عدة مرات، ولم يعدْنَ بحاجة إلى العلاج السابق بمجرد حصولهن على قدرتهن الطبيعية. وعلى أية حال، فإن هذا الموضوع لا زال جديدًا، ولا زال في حاجة إلى المزيد من الدراسات.
(٥) وضع المرأة في المجتمع وهذه الأفكار العلمية الجديدة
«إن طبيعة المرأة الجنسية — كما وضحت لنا مما سبق — تدل على أنه بمثل ما لم يعمل مهبل المرأة لولادة الأطفال ذوي الرءوس الكبيرة، فإن قدرة المرأة الجنسية اللامحدودة لم تعمل للأنظمة الاجتماعية والثقافية التي تفرض على المرأة الوحدانية في الزواج، أو الحياة المكبوتة أو الخاملة. وليس من المعقول أن نتصور أن هذه القدرة الجنسية الضخمة للمرأة يمكن أن ترضى في ظل الحضارة الذكورية القائمة على كبت المرأة. ويزداد الأمر صعوبة بالذات في حالة ذلك التأجج الجنسي المتأخر الذي يحدث للنساء بعد سن الثلاثين، والذي حين تبدأ المرأة في الحصول عليه يكون زوجها قد بدأ يضعف جنسيًّا عن ذي قبل.» ويبدو أن عدم الاتفاق هذا في تطور القوى الجنسية للرجل والمرأة لم يحدث إلا في القرن الأخير؛ لأنه منذ أقل من مائة عام كانت المرأة تلد طفلها الثالث أو الرابع ببلوغها سن الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة، (وهذا يحدث حتى اليوم عندنا في الريف)، ولم يكن متوسط عمر الإنسان يزيد عن خمسة وثلاثين عامًا في معظم أنحاء العالم.
وتدل النتائج التي خرجت بها «شيرفي» وغيرها من العلماء أنه لا المرأة ولا الرجل (وعلى الأخص ليست المرأة) قد تكوَّنا بيولوجيًّا لنظم الوحدانية في الزواج أو الزواج الواحد، أو المراهقة الطويلة التي تفرضها عليهما نظم التعليم في العصر الحديث. وبصفة عامة لم يخضع الرجال أبدًا لنظام الزوجة الواحدة إلا نظريًّا، أمَّا المرأة فقد فُرض عليها الزواج الواحد بالقوة، وقد دُفعت إلى قبول ذلك عن طريق القانون الصارم الذي وضعه الرجل على المرأة ولم يضعه لنفسه.
وتقول «شيرفي»: إن نظام الأسرة الدائمة، ونسب الأطفال إلى الأب، وفرض الزوج الواحد على المرأة، كان شرطًا ضروريًّا لبقاء الرجل واستمراره رجلًا. وقد وُجد أنه في كل العصور والنظم والثقافات التي درست فإن الانتقال من مرحلة الصيد إلى مرحلة الرعي المتنقل إلى مرحلة الزراعة المستقرة كانت بدايتها هي بداية نشوء الأسرة ثُمَّ الحضارة الحديثة ثُمَّ الرجل المتحضر. وفي مجتمعات ما قبل الزراعة كان الطعام قليلًا، وكان قتل الأطفال ضروريًّا لبقاء القبيلة، لكن بنشوء الثورة الزراعية وتربية المواشي أصبح بقاء القبيلة لأول مرة في تاريخ البشرية يحتاج إلى الأسرة وملكية الأرض، ونسب الأطفال إلى الأب ليورثهم أرضه، وأهم من هذا كله الحاجة إلى عدد كثير من الأطفال ليشغلهم الأب في أرضه ثُمَّ يورثهم هذه الأرض.
وقد تزايدت العوامل بالتدريج التي تفسر أسباب نشوء الأنظمة الأبوية القائمة في معظمها على تعدد الزوجات، وكيف صاحب ذلك ازدياد الصرامة في قمع طبيعة المرأة الجنسية (والتي قمعت بالضرورة أيضًا كل طاقتها العاطفية والفكرية). وكان هذا القمع ضروريًّا لاستمرار الأسرة الأبوية ونشوء حضارة الرجل؛ حيث إن قوة الغريزة الجنسية عند المرأة البدائية كانت عنيفة ومتغيرة وغير قابلة للخضوع لرجل واحد أو التفرغ لإطعامه وخدمته، ولكثرة الأطفال، وحيث أصبحت الأبوة مطلوبة، ولا بدَّ أن تُعرَف ليُنسَب إليها الأطفال الذين سيرثون الأرض. ولم يكن من الممكن في ظل طبيعة المرأة الجنسية العنيفة المتغيرة واللامحدودة أن يُعرَف الأب بحال من الأحوال إلا عن طريق القمع الجنسي الصارم وفرض رجل واحد على المرأة.
وتدل الدراسات لعصور ما قبل التاريخ أن عملية إخضاع المرأة استنفدت خمسة آلاف سنة حتى أمكن أن تتم، وتدل معظم المعلومات عن الفترة ما بين ١٢٠٠٠ إلى ٨٠٠٠ق.م أن المرأة قبل بدء الحضارة كانت تستمتع بحرية جنسية كاملة. وتعتقد «شيرفي» أن أحد أسباب تلك الفترة الطويلة التي انقضت من ١٢٠٠٠ سنة ق.م إلى سنة (٨٠٠٠–٥٠٠٠ق.م) والتي تأخر فيها ظهور الحضارة الذكرية رغم بدء الزراعة، لم يكن إلا تلك الطبيعة الجنسية غير المحدودة وغير المحكومة للمرأة؛ ولهذا كان التحكم في هذه الطبيعة أمرًا ضروريًّا لقيام الحضارة الذكرية والأسرة الأبوية المبنية على ملكية الأرض وتوريثها للأطفال. ولا شك أنه بسبب قوة طبيعة المرأة فقد استلزم الأمر قمع هذه القوة بجميع الوسائل القانونية والفلسفية والدينية والأخلاقية. وكان لا بدَّ لجميع هذه العوامل أن تعمل معًا بقوة وشدة وصرامة من أجل التحكم في تلك الطبيعة العنيفة للمرأة، وهذا أمر طبيعي، فإن قوة الشيء هي التي تحدد القوة المطلوبة لإخضاعه أو التحكم فيه؛ ولهذا فإن أشد القوانين عنفًا وصرامةً تلك المتعلقة بالتحريمات والمحظورات على حياة المرأة الجنسية. ولا زالت المرأة حتى يومنا هذا تُقتَل في أماكن مختلفة من العالم (صعيد بلدنا أحد الأمثلة) إذا مارست الجنس في غير الحالات التي ينص عليها القانون أو التقاليد التي لها فعل القانون. ويمتلئ التاريخ في مختلف العصور بحالات من التعذيب أشد من القتل، وكلها بسبب خروج المرأة (ولو قيد أنملة) على القانون الصارم الذي يحكمها جنسيًّا.
وإزاء هذه المعلومات الجديدة عن طبيعة المرأة يبرز السؤال الآن: هل استطاعت هذه السبعة آلاف سنة الماضية، والتي تم فيها التحكم وإخضاع غريزة المرأة، هل استطاعت أن تُضعف هذه الغريزة وتفقدها صفاتها الأصلية القوية غير المحدودة؟!
وهل أصابتها بنوع من البرود الجنسي شبه الدائم، والذي يمكن أن يُسمَّى «البرود الجنسي الاجتماعي العام للمرأة في العصر الحديث؟!»
ولا يمكن لأحد بحال من الأحوال أن يعلن أن هذه المعلومات البيولوجية الجديدة عن المرأة هي الحقيقة، أو أنها ليست الحقيقة. إن كل ما أردته من عرض مثل هذه الأفكار أن أقول: إن الفكرة القائلة بأن جنس الرجل أقوى من جنس النساء، أو أن طبيعة المرأة أضعف من الرجل، أو أن الطبيعة هي التي جعلت الرجل يسود والمرأة تُستعبَد، كل هذا يحتاج إلى تفنيد علمي وإلى إثبات وإلى حقائق بيولوجية وتاريخية ونفسية. وقد أصبحت الحقائق البيولوجية الجديدة تفيد بأن طبيعة المرأة الجنسية والبيولوجية قد لا تساوي الرجل فحسب، ولكنها قد تكون أقوى.
ولا أظن أنه من الممكن الآن — بعد وضوح بعض هذه النواحي البيولوجية في طبيعة المرأة وقوتها — أن نقتنع بتلك الأفكار التي تقول بأن الرجل يحظى بحرية جنسية أكثر من المرأة؛ لأنه بطبيعته البيولوجية الجنسية لا يستطيع الاكتفاء بزوجة واحدة كما تستطيع المرأة أن تكتفي بزوج واحد، وأن غريزته أرقى من غريزة المرأة، وإلى غير ذلك من الأفكار التي يحاول أن يبرر بها الرجل الحرية الجنسية التي يعطيها لنفسه ويحرم المرأة منها. إن الطبيعة ليست بحال مسئولة عن تلك القيود الجنسية (والتي تقتضي بالضرورة أيضًا قيودًا نفسيةً وفكريةً واجتماعيةً) المفروضة على المرأة، ولكنه الأب الرجل الذي اكتشف أبوته متأخِّرًا حين امتلك الأرض ورغب في نسل يورثه، ولم يكن من الممكن لأبوته الحديثة الضعيفة الجذور الفاقدة لمشاعر الحب ولدليل الإثبات أيضًا، لم يكن لهذه الأبوة لضعفها وعدم ثبوتها أن تصمد أمام الأمومة القوية الثابتة المؤكدة معنًى وشعورًا ودليلًا ماديًّا. لم يكن للأبوة أن تظهر وتقوى وتسيطر إلا بأساليب القمع العنيفة والبطش، ولا يدل على هذا البطش إلا تلك القوانين التي صنعها الرجل في فترات من التاريخ التي أعطت له حق قتل زوجته لمجرد مخالفته، ولا تزال بعض صور هذا البطش موجودة بشكل ظاهري أو خفي في القوانين التي تنظم علاقة الرجل والمرأة في عصرنا الحديث، ويعرف الكثيرون أن ضرب الرجل لزوجته إذا خالفته مُباح حتى اليوم في بعض المجتمعات عُرفًا وقانونًا. وقد دُهشت أثناء بحثي حين علمت أن عددًا غير قليل من الزوجات المصريات المثقفات لا زلن يتعرضن للضرب من أزواجهن لأتفه الأسباب، أمَّا بين الزوجات غير المتعلمات أو الزوجات الفلاحات فالضرب من الزوج أكثر انتشارًا وشيوعًا، وكم سمعت من الأزواج المصريين هذه العبارة: «إن زوجتي لا تُطيع إلا إذا ضُربتْ.» وبعض الرجال يتصورون أن المرأة بطبيعتها تحب الضرب، وقد تصور هذا أيضًا علماء كبار من أمثال فرويد، الذي قال: إن المرأة ماسوشية بطبيعتها تحب الإيلام والإذلال، وتُقنع نفسها بذلك حتى تقتنع أو تكاد. وكم تصبح المهمة شاقة بعد كل ذلك لإيضاح الحقيقة، ولكشف كل تلك الطبقات المتراكمة من التبريرات والأوهام والأفكار المعكوسة التي خلعها الرجل على المرأة لمجرد أن يثبت أبوته المتأرجحة بين الشك واليقين، والتي لم يكتشفها أصلًا إلا بسبب امتلاك الأرض والتوريث، وليس بسبب الحب أو المشاعر الإنسانية كما حدث مع الأمومة منذ نشأتها الأولى.