لقطة مقربة: هالووين

شكل ٣-٢٥: فيلم «هالووين» (جون كاربنتر، ١٩٧٨).
  • إخراج: جون كاربنتر.
  • سيناريو: جون كاربنتر وديبرا هيل.
  • تصوير: دين كاندي.
  • مونتاج: تومي لي والاس وتشارلز بورنستين.
  • موسيقى تصويرية: جون كاربنتر.
  • إخراج فني وتصميم إنتاج: تومي لي والاس.
  • إنتاج: فالكون إنترناشونال برودكشنز وكومباس إنترناشونال بيكتشرز عام ١٩٧٨.
  • زمن الفيلم: ٩١ دقيقة.
الأبطال:
  • دونالد بليسنس، بِدَور: الدكتور سام لوميس.

  • جيمي لي كرتيس، بِدَور: لوري سترود.

  • نانسي كايز، بِدَور: آني براكيت.

  • بي جيه سولز، بِدَور: ليندا فان دير كلوك.

  • تشارلز سايفرز، بِدَور: المأمور لي براكيت.

  • كايل ريتشاردز، بِدَور: ليندسي والاس.

  • برايان أندروز، بِدَور: تومي دويل.

  • نيك كاسل، بِدَور: الشبح.

يُعتبَر عيد الهالووين وقتًا مناسبًا لكي تجري فيه أحداث أفلام الرعب؛ فالأطفال يُمارِسون ألعابًا مُخيفة في هذا العيد مُرتَدِين أقنعة مُتظاهِرين بأنَّهم وُحوش وعفاريت وأشباح صائحين بجُملة «خدعة أم حلوى» أثناء طَرقِهم أبواب جيرانهم. وعلى الرغم من أنه لا يُوجد أي أمر مُثير للمرَح بشأن أصل هذا العيد الذي يرتبِط بيوم يُسمَّى عيد جميع القدِّيسين أو عيد جميع الأرواح، وهو احتفال كاثوليكي للصلاة من أجل الأموات، وقبل ذلك بمهرجان ساوين السلتي وهو احتفال وثَني تُرمى فيه عظام الماشية المذبوحة في نارٍ مُستَعِرة تُضرَم في الهواء الطلق. يستخدِم فيلم جون كاربنتر الذي أنتِج عام ١٩٧٨ الهالووين وتُراثه المُخيف للربط بين براءة الأطفال وقوَّة شرٍّ خارقة والمزج بين مرح الأطفال ورُعب الموت في فيلم رُعب وضع معايير سينمائية جديدة لسينما الرعب.

يُقيم كاربنتر أحداث فيلمه في الطبقة الوسطى بأمريكا في بلدة هادونفيلد الهادئة الواقعة في ولاية إلينوي بالغرب الأوسط؛ حيث يقتُل طفل في السادسة من عمره يُدعى مايكل مايرز شقيقتَه ذات السبعة عشر عامًا بسكِّين المطبخ يوم عيد الهالووين. وبعد خمسة عشر عامًا، وفي الثلاثين من أكتوبر عام ١٩٧٨، يهرُب مايكل من المصحَّة العقلية التي قضى فيها كل هذا الوقت تحت رعاية طبيبِه النفسي، الدكتور سام لوميس (الذي يلعب دوره دونالد بليسنس). يذهب لوميس إلى هادونفيلد لتَحذير سُكَّانها أن مايكل حرٌّ طليق وخَطِر. وبين من هُم عُرضة للخطر ثلاث فتيات مُراهِقات؛ وهنَّ: آني وليندا ولوري. آني هي ابنة المأمور، وهي مُراهِقة جامِحة تُدخِّن الحشيش وتستخِفُّ بمهامِّ حضانة الأطفال خاصتها، وبدلًا من رعاية ليندسي، الابنة الصغيرة لجيرانها، تترُكُها لصديقتها لوري حتى يُمكِنَها قضاء الأُمسية مع حبيبها، بول. أما ليندا، فهي فتاة طائشة مُتقلِّبة لا تتوقَّف عن الكلام وتضع خططًا مُماثلة مع حبيبها، بوب. أما لوري، والتي هي إما ناضجة بنحو أكبر أو أقل جاذبية بالنِّسبة للشباب، فينتهي بها الحال بمُجالَسة الطفلَين؛ ليندسي وصبي صغير يُسمَّى تومي دويل.

تُصبِح لوري «الفتاة الأخيرة»؛ أي، الضحية الأخيرة في سلسلة من الضحايا المُختارين. تجلِس بمفردها مع الأطفال في منزل تومي، ويجب عليها مواجهة القاتل بخوفها وأي أشياء يمكنها الحصول عليها. ما يستحق التأمل هو كيف ظلَّت على قيد الحياة كل هذا الوقت. إنها أذكى من رفيقتيها وأكثر اجتهادًا في مُذاكرتها وأكثر إدراكًا لمسئولياتها بشأن العناية بالأطفال. كذلك تُشير حقيقة أنَّها لا تخرُج في موعدٍ غَرامي أو أنها لا تمتلِك حبيبًا إلى أنها غير نشطة جنسيًّا وربما عذراء. هل تُكسِبُها هذه الصفات مناعةً خاصَّة ضد انتقام مايكل مايرز القاتل؟ هل هناك رسالة أخلاقية هنا؟ يُهاجم مايكل لوري عدَّة مرات، لكنَّها تردُّ الهجوم في مرتين، حيث تطعنُه في رقبته بإبرة خياطة في المرة الأولى، ثم تطعنه لاحقًا بالسكِّين التي يحملها في جذعِه بعد طعنِه في إحدى عينَيه بشمَّاعة ملابس مقوَّسة. لكن هذه الجروح التي تقتُل أي شخص عادي لا تُوقف مايكل؛ فيبدو أنه يملك قوةً خارِقة. وحتى بعد وصول الدكتور لوميس الذي يُطلق عليه النار في صدره ست مرات مما يتسبَّب في سقوطه من الشرفة التي على ارتفاع طابقَين، فإنه لا يموت. عندما ينظر لوميس مرة أخرى من الشرفة، يجد أن مايكل قد اختَفى.

يلعب كاربنتر على فكرة أن مايكل غير بشري. تومي الصغير، الذي يقرأ قصصًا مصورة مثل «الرجل الرتيلاء» ويُشاهد أفلام رعب مثل «الكوكب المحرَّم» (١٩٥٦) و«الشيء من عالم آخر» (١٩٥١) على التلفزيون، مُنبهِر بالوحوش. ينتابه الفضول والخوف في نفس الوقت. يجد الأطفال الكبار في المدرسة لذَّة في تخويفِه بقصص «البُعبع»، وهو ما يتخيَّله عندما يرى ظل مايكل على الجانب الآخر من الشارع. يبقي الفيلم على هوية مايكل غامضة عن عَمْد. فعلى مدار الجزء الأكبر من الفيلم، يرتدي قناعًا أبيضَ ليس له شكل مميَّز. نُشاهِد لمحات خاطفة له من خلال النافِذة، ووَراء الشُّجَيرات، وكظلٍّ أسود في مقعَد خلفي في سيارة أو أعلى السلَّم. أحيانًا نَسمع فقط تنفُّسَه المكتوم بسبب القِناع. يصفُه الدكتور لوميس، الذي يُدرك حقيقتَه، بأنه شرٌّ خالص حيث يقول للمأمور براكيت: «عندما قابلتُه لأول مرة منذ ١٥ عامًا، قيل لي إنه لم يعُد هناك أي شيء مُتبقٍّ داخله. لا عقلَ أو ضمير أو فهم، ولا حتى أقل شعور بالحياة أو الموت، الخير أو الشر، الصواب أو الخطأ. التقيتُ ذلك الطفل ذا الستة أعوام بوجهه الشاحب الخالي من أي تعبير وعَواطِف وعينَيه السواداوين … عَينَي الشيطان.» يُشجِّع كاربنتر نفسه ذلك التفسير الخارق للطبيعة بالإشارة إلى وحشه في شارة الفيلم بكل بساطة بكلمة «الشبح». في نفس الوقت، يتصرَّف هذا الشبح بنحو كبير كطفلٍ مُضطرِب لم يكبُر أبدًا. يرتدي مايكل القناع الأبيض كما لو كان يلعب «خدعة أم حلوى» مثل أطفال الحي الذين يتنقَّلون من منزل إلى منزل. في إحدى المرات، يرتدي ملاءة بيضاء ليُخيف ليندا التي تظنُّ أنه حبيبُها يتظاهر بأنه شبح. وعلى مدار الفيلم، يتصرَّف مايكل كمَن يختلِس النظر؛ إذ يتلصَّص من النَّوافذ لمُشاهَدة فتيات مُراهِقات في حالات مُتعدِّدة من التعرِّي، كما شاهَدَ شقيقتَه ذات مرة وهي تُقبِّل حبيبَها على الأريكة. يبدو الأمر كما لو كان تطوُّر مايكل النفسي توقَّفَ في سنِّ السادسة عندما انفجر الفضول الجنسي والغضب المكبوت لأول مرة بنحو عنيف.

يجد بعض النقَّاد أن الفيلم يحتوي أجندة محافظة، مُشيرين إلى أن الضحايا الرئيسيِّين مراهقون مُنحلُّون مدخِّنون للحشيش. على سبيل المثال، ينظر تومي ويليامز مايكل ﮐ «منتقم أبوي يذبح شبابًا من جيل الستينيات، وخاصة عندما ينخرِطُون في نشاطات محرَّمة مثل الجنس وتناول المخدرات.»1 يُشير جريجوري ألبرت وولر كذلك إلى هذا الانتقال من وحوش يونفرسال القُدامى أو «مخلوقات الهُوَ»، التي تُمثِّل رغباتٍ ودوافع مكبوتة، إلى «شخصية تُمثِّل الأنا العليا» التي تُعاقِب الشَّباب بسبب سلوكيَّاتِهم المُستهتِرَة الخليعة.2 يجد نُقاد آخَرُون إشارات كلاسيكية لعلم النفس الفرويدي أو اللاكاني أو اليُونجي. يُحدِّد رينولد هامفريز لحظة «أوديبية» في المشهد الذي يقتُل فيه مايكل شقيقته، مُشيرًا إلى أن هذا يحدُث في غرفة نوم الأم (عندما تعرض الكاميرا لمحة سريعة للملاءات قبل حدوث القتل) وإلى حقيقة أنَّ الفتاة جالسة عارية إلى التسريحة: لم يتخطَّ مايكل مرحلة المرآة النرجسية للنمو النفسي.3 ينظر جيمس آياتشينو إلى الدكتور لوميس باعتباره شخصية أبوية أولية؛ نموذجًا للرجل العجوز الحكيم الذي وظيفته هي حماية لوري التي تُمثِّل نموذجًا أوليًّا للمرأة التي تُضحِّي بذاتها.4 وفي الوقت الذي يُهاجم فيه بعض النقاد المركِّزين على مسألة النوع الجنسي الفيلم لعرضه المزيد من صور العنف ضد المرأة، فإن نقادًا نسويِّين — مثل كارول كلوفر — يشيرون إلى أن ضحايا مايكل يتضمَّنُون ذكورًا وإناثًا في نفس الوقت، وأنَّ لوري يُمكِن النظر إليها باعتبارها صورة إيجابية للأنثى؛ فهي ذكية ومَرِنة وقادِرة على الدِّفاع عن نَفسها.5 ينفي كاربنتر نفسه أي مقاصد أخلاقية أو سياسية من الفيلم، مُعتبِرًا إياه فيلم رُعبٍ لا أكثر ولا أقل. وطبقًا له، فإنَّ اختياراته كلها مدفوعة بأسباب عملية مُتعلِّقة بصناعة الفيلم. يقول: «تظلُّ الفتاة الوحيدة المتحفِّظة جنسيًّا تطعن هذا الشخص بسكِّين طويلة. إنها أكثرهنَّ إحباطًا من الناحية الجنسية. هي من يقتُله، ليس بسبب أنها عذراء، بل بسبب أن كل هذه الطاقة الجنسية المكبوتة بدأت في الخروج إلى النور. إنها تستخدم كل تلك الرموز الذكورية ضده.»6

نضج جون كاربنتر خلال حقبة «نهضة هوليوود» في عقدَي الستينيات والسبعينيات، عندما كان صُناع أفلام مثل آرثر بين وسام بيكينبا يبتعدُون عن التقاليد الكلاسيكية لنظام الأستديو القديم وصنَعُوا أفلامًا موجَّهة لجمهورٍ شابٍّ مثل «بوني وكلايد» («بوني آند كلايد»، ١٩٦٧)، و«العصابة البرِّية» (١٩٦٩). وُلد كاربنتر في ولاية كنتاكي عام ١٩٤٨، وبدأ في صُنعِ أفلامٍ منزلية بكاميرا ٨ ميلميترات في سنِّ الثامنة، مُجرِّبًا اهتمامه بالفانتازيا والحركة والمؤثِّرات الخاصة. ومثل جورج لوكاس، وهو عضو آخر في جيل دارسي السينما، درس كاربنتر السينما في جامعة كاليفورنيا الجنوبية، وكتَب نصوصًا سينمائية وأخرج فيلمًا قصيرًا حاز جائزة الأوسكار، ثم صنع أول أفلامه الروائية الطويلة وهما فيلم خيال علمي بعنوان «نجم مظلم» («دارك ستار»، ١٩٧٤)، وفيلم غرب أمريكي مُعاصِر وهو «هجوم على القسم ١٣» («أسولت أون بريسينكت ثيرتين»، ١٩٧٦). لكن بينما كان العديد من «صُناع السينما الشباب» المُفعَمين بالطاقة يُفضِّلون صنع أفلام مُستقلة للجمهور المتخصِّص، فضَّل كاربنتر العمل في أنواع سينمائية ناجِحة تجاريًّا مُعتبِرًا نفسَه حِرفيًّا أكثر من كونه فنانًا. لكن على الرغم من التزامِه بجماليات أفلام الدرجة الثانية، والتي تميل إلى تغذية توقُّعات جمهورِه، تُقدِّم أعماله رؤية شخصية ثابتة، كأعمال المخرج هوارد هوكس، بطلُه الهوليوودي. وربما يكون هذا سبب مشاهَدة لوري وتومي لفيلم «الشيء من عالم آخر»، والذي أخرجه هوكس وأعاد كاربنتر صنعه بعنوان «الشيء» («ذا ثينج»، ١٩٨٢).

يُتيح تاريخ إنتاج فيلم «هالووين» بعضَ المعرفة عن كيفية صنع الأفلام المُنخفضة الميزانيات في الولايات المتحدة بعد تدهور الأستديوهات الكبرى الهوليوودية. واتت إيروين يابلانز، وهو مُنتِج مُستقِل من بروكلين، فكرة صُنعِ فيلمٍ عن قاتلٍ مُتسلسِل يتتبَّع ويقتُل جليسات الأطفال. وبعد مشاهدته لفيلم كاربنتر «هجوم على القسم ١٣» في مهرجانٍ دولي، طلب يابلانز من المخرج الشاب إخراج فيلم آخر. كانت الميزانية محدودة بمبلغ ٣٢٠ ألف دولار فقط وفَّرها مُموِّل أمريكي سوري. كان هذا يعني أن التصوير سيكون سريعًا (٢١ يومًا)، وفي مواقع محلية (صُوِّر معظم الفيلم في مدينة باسادينا بولاية كاليفورنيا)، وبدون أي ديكور أو أزياء مكلِّفة (يُقال إن تومي لي والاس، مصمِّم الديكور والمُخرج الفني ومُستطلِع مواقِع التصوير ومساعد المونتير، اشترى قناعًا للمُمثِّل ويليام شاتنر بدولار و٩٨ سنتًا وحوَّله إلى شيء غريب عديم الملامح). شارَكَ كاربنتر في كتابة السيناريو في ثلاثة أسابيع مع ديبرا هيل التي عَمِلَت معه في فيلم «هجوم على القسم ١٣». بعض القرارات كانت مُتعمَّدة؛ كأن تدور أحداث الفيلم في عيد الهالووين. لكن كانت هناك قرارات أخرى مُرتَجلة ومُستلهَمة من حياتهم الخاصة أو أفلامهم المفضَّلة، مثل العديد من أسماء الشخصيات ومواقع التصوير. أُتِيَ باسم بلدة هادونفيلد بإلينوي من اسم مسقَط رأس ديبرا في هادونفيلد بولاية نيو جيرسي. وأتَى بعض أسماء شوارعها من بولينج جرين بولاية كنتاكي؛ حيث نشأ كاربنتر. سُمِّي المأمور لي براكيت على اسم كاتب سيناريو عمل مع هوارد هوكس. حصَلَ الدكتور لوميس على اسمه من حبيب جانيت لي في فيلم «مختل العقل» لهيتشكوك. أما مايكل مايرز فقد كان اسم مُنتِج سينمائي بريطاني ساعَدَ في الترويج لفيلم كاربنتر السابق.

بوجود القليل من المال للمُمثِّلين، لم يكن أمام طاقم الفيلم إلا الاستعانة بمُمثِّل شهير واحد فقط. رفَضَ بيتر كوشينج وكريستوفر لي دور الدكتور لوميس، لكنَّ المُمثِّل البريطاني دونالد بليسنس كان مُهتمًّا بالعمل ووافَقَ على الانضمام لأُسرة الفيلم وقضى خمسة أيام إجمالًا في موقع التصوير. لم تكن جيمي لي كرتيس التي لعبت دور البطلة قد مثَّلت من قبل، لكن كونها ابنة جاينت لي جعل الدور خَلَفًا مثاليًّا لدور والدتها كماريون في فيلم «مختل العقل» (١٩٦٠). وبالنسبة إلى دور مايكل مايرز، اختار كاربنتر أحد زملائه في الجامعة وهو نيك كاسل. عندما سأَلَ كاسل عن الدافِعِ النَّفسي لشخصيَّتِه، قال له كاربنتر: «امشِ فقط.» أصبح تعاوُنُهما معًا في فيلم «هالووين» منصَّة انطلاق لمسيرة سينمائية طويلة؛ كاسل كمُمثِّل ومخرج وكرتيس كضحية صارخة لسلسلة طويلة من أفلام الرعب قبل التمثيل في أعمال درامية وكوميدية وتلفزيونية.

في موقع التصوير وعلى الشاشة، استغلَّ كاربنتر التكنولوجيا الحديثة جيدًا. أتاحَت كاميرا باناجلايد المدوارة المُخترَعة حديثًا، والتي تُعتبَر سلفًا للستيدي كام، لمصوِّر فيلمه دين كاندي وسيلة جيدة لتتبُّع ضحايا مايكل مايرز من وجهة نظر القاتِل الطافية في الهواء كالشبَح. استغلَّ كاربنتر كذلك مقاييس الشاشة العريضة جيدًا. وأتاحَت له الأبعاد المطوَّلة لكاميرا بانافيجن المساحة الوافِرة للتركيز على البطَلة الرئيسية بينما ينسلُّ القاتِل في الخلفية. أول ظهور للشَّبح أمام لوري كان في الزاوية اليُمنى من إطار المشهَد: يأتي أول هجوم على تومي من أقصى اليسار. يُؤكِّد هذا على مكانة مايرز الهامشية في المجتمع، بينما يُبقِي الجمهور في حالة ترقُّب. ومن بين أكثر إبداعات الفيلم تأثيرًا موسيقاه الحزينة التي ألَّفها كاربنتر نفسُه؛ فبدلًا من الاستعانة بموسيقى سيمفونية باهظة الثمن، صنع كاربنتر أصواتًا غريبة غير متجانسة بمصادر بسيطة؛ فبينما تقترب الكاميرا ببطء من وجه اليَقطينة المضيئة التي تُكشِّر عن ابتسامة في مشهد افتتاحية الفيلم، نَسمع ثلاثة أصوات تتردَّد على لوحة مفاتيح الأرجن ترتَفِع أو تنخفِض في نصف نغمة بينما تستمرُّ جملة البيانو الموسيقية القصيرة عالية النغمة على ميزان ٥ / ٤، وهو أُسلوب مُلِحٌّ ومُربِك استعارَه كاربنتر من أستاذ الرُّعب الإيطالي داريو أرجنتو في فيلم «ساسبيريا» (١٩٧٧). ولاحقًا، نَسمع أصواتًا معدنية حادَّة ثاقِبة كطعنات نصلِ السكِّين، ومُثيرة للرُّعب كصرخات امرأة.

ألهَمَ نجاح فيلم «هالووين» الساحق في شبَّاك التذاكِر صُنعَ سلسلة من عشرة أفلام تقطيع وروايات وقصص مصوَّرة. كما أثَّر كذلك على عدد لا يُحصى من أفلام ومخرجي سينما الرعب. وأصبح استخدام كاربنتر لمكان وزمان تقليديَّين وكاميرته المُتجوِّلة وضَحاياه المُراهقين الجامِحين والفتاة الأخيرة المتعفِّفة المحتشمة عناصر ثابتة لأفلام التقطيع، والتي أشهرها «يوم الجمعة الثالث عشر» (١٩٨٠)، و«كابوس شارع إلم» (١٩٨٤). أصبح «الشبح» نموذجًا أوليًّا لسلسلة طويلة من القاتِلين المُتسلسلِين عديمي الشفقة والرحمة. وأنجز كاربنتر كل هذا بأقل القليل من الدماء المسفوكة. الأهم من ذلك، وكما هو الحال في كل أفلامه، أن كاربنتر لا يفقد إدراكه للمُتَع التي يحصُل عليها مُعجَبُوه من خلال مشاهَدة الأفلام. وبأكثر من ١٧ فيلمًا روائيًّا طويلًا، ما زال يحتفظ كاربنتر بإحساسه بالمُتعة الخالصة للسينما، الذي استمتع به عندما كان يعمل محرِّرًا لمجلات هُواة الرُّعب في أوائل مسيرته.

أسئلة

  • (١)

    على مقياس من واحد إلى عشرة، بكم تُقيِّم فيلم كاربنتر باعتباره فيلمًا مُرعِبًا؟ ما الذي يجعلُه مُثيرًا للخوف بالنسبة إليك؟ وما الجيد وما السيئ فيه؟ ولماذا؟

  • (٢)

    اصنَع قائمةً بالأوامر والنواهي في أفلام التقطيع مثل فيلم «هالووين». إليك بعضها كبداية: لا تختبِئ في الخزانة. لا تُطفِئ الأنوار. لا تُفكِّر في أدوات المنزل كأسلحة. لا تعبَث ووالداك بعيدان عن المنزل.

  • (٣)

    تَتبَّع أثر فيلم «هالووين» على أفلام التقطيع الأخرى. ما التقاليد والأساليب الجديدة التي ساعَدَ في تأسيسِها، وأين تظهر هذه التأثيرات؟

  • (٤)

    حاوِل مُشاهدَةَ مشهدٍ من الفيلم من دون صوت. ثم شاهِدْه مرةً أُخرى بصوت. ما الذي تُضيفه الموسيقى التصويرية؟ أو حاوِل الاستماع إلى مشهَد بشاشة سوداء. ما الذي تشعُرُ به من خلال الصوت فقط؟ كيف تُكمِّل الوسائل البصَرية والصوت كلٌّ منهما الآخر في المشهد المُختار؟

  • (٥)

    ما الذي كان يحدُث في الولايات المتحدة عندما صُنِع فيلم «هالووين»؟ بأي الطرق يعكِس الفيلم زمنه؟ انظر إلى شخصياته وقصَّته والمكان والزمان الذي تدورُ فيهما أحداثه وأفكاره وأسلوبه البصَري. كيف يستمرُّ فيلم «هالووين» الأصلي في الحِفاظ على قيمتِه حتى اليوم؟

  • (٦)

    ظهر على الأقلِّ تسعة أجزاء مُتمِّمة لفيلم «هالووين» منذ عام ١٩٧٨. كيف تُفسِّر شعبية هذه السلسلة؟ شاهد أحد الأجزاء اللاحقة وقارنه بفيلم كاربتنر الأصلي. فسِّر لماذا تُفضِّل جزءًا عن الآخر.

قراءات إضافية

  • Boulenger, Gilles. John Carpenter: The Prince of Darkness. Silman-James Press, 2003.
  • Conrich, Ian. The Cinema of John Carpenter: The Technique of Terror. Wallflower Press, 2004.
  • Cumbow, Robert C. Order in the Universe: The Films of John Carpenter. Scarecrow Filmmakers Series, 1990.
  • Fischer, Dennis. Horror Film Directors, 1931–1990. McFarland & Company, 1991.
  • Jones, Kent. “American Movie Classic: John Carpenter.” Film Comment 35(1) (January 1999): 26–31.
  • Muir, John Kenneth. The Films of John Carpenter. McFarland & Company, 2005.

هوامش

(1) Tony Williams, “Trying to Survive on the Darker Side: 1980s Family Horror,” in Barry Keith Grant, ed., The Dread of Difference: Gender and the Horror Film (University of Texas Press, 1996), 164-165.
(2) Gregory Waller, ed., American Horrors: Essays on the Modern American Horror Film (University of Illinois Press, 1987), 80.
(3) Reynold Humphries, The American Horror Film: An Introduction (Edinburgh University Press, 2002), 140.
(4) James Iaccino, Psychological Reflections on Cinematic Terror: Jungian Archetypes in Horror Films (Praeger, 1994).
(5) Carol Clover, Men, Women, and Chain Saws: Gender in the Modern Horror Film (Princeton University Press, 1992), 37.
(6) Halloween: A Cut Above the Rest, documentary bonus feature film, DVD, Divimax 25th Anniversary Edition of Halloween (Anchor Bay, 2003).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤