أفلام الرعب
المكان: معمل أبحاثٍ في إنجلترا. اخترق للتوِّ عددٌ من نشطاء حقوق الحيوان يرتدون أغطية رأس سوداء، المرافق التابعة للمعمل، حيث عثَرُوا على صفٍّ تلو الآخر من الرئيسيات المحبوسة في أقفاص زجاجية. في إحدى الغُرَف، هناك شمبانزي مقيَّد بطاولة حيث أُجبِر على مشاهدة مجموعة من الشاشات التلفزيونية التي تعرض مقاطع فيديو لمشاهد عنيفة. تُروِّعهم طريقة معاملة الحيوانات ويستعدُّون لإطلاق سراحها، لكن يظهر أحد العلماء فجأة ويُحاول الاتصال بالأمن. عندما يقطع النشطاء الاتصال، يعترض الرجل قائلًا: «أنتم لا تفهمون. هذه القِرَدة مُصابة بالعدوى!» عندما يُجبرونه على الإيضاح، يتلعثم قائلًا إن تلك القردة مُصابة بالغضب. يقفز أول حيوان يُطلِقون سراحه ناحية ناشطة مُمزِّقًا رقبتَها بأسنانه (شكل ٣-٢). يتدفَّق الدم بغزارة من حَلقها، وتمتلئ الغرفة بصرخات الغضب والخوف. خلال لحظات، تتحوَّل المرأة إلى حيوان غاضب باصقةً الدم في وجهِ رفيقِها مما يُصيبه بعدوى الغضب. وفي لحظة الفَوضى هذه، يكون من الصعب التَّفرقة بين البشر والوحوش. يُغرق المشهد الافتتاحي لفيلم «بعد ٢٨ يومًا» («توينتي إيت دايز لايتر»، ٢٠٠٢) للمخرج داني بويل، الجمهور في لحظة من الرعب السينمائي. كان من المقصود أن يكون الأثر حسيًّا؛ مثيرًا إحساسًا جسديًّا بالذعر، وربما الرهبة، ومؤدِّيًا إلى انقباضٍ لا إرادي للأحشاء. هذه الاستجابة العاطفية البحتة هي إحدى السمات البارزة للرعب السينمائي.
تُعتبر أفلام الرعب أحد أكثر الأنواع السينمائية قدمًا واستمرارية. ومثل الكونت دراكولا أو فريدي كروجر، فإنَّ أفلام الرعب تظلُّ تعود إلى الحياة بنحو أو بآخر لتسكن شاشاتنا وتُقلِق أحلامنا. وحش فرانكنشتاين الذي يُجسِّده بوريس كارلوف الذي يجوب المستنقعات الإنجليزية بذراعَين مفتوحتَين، وصرخات جانيت لي أثناء الاستحمام بينما تُطعَن بسكِّين بلا هوادة، وطابور غير منظَّم من الموتى الأحياء وهو يتقدم نحو الكاميرا؛ هذه الصور وغيرها من الرموز الشهيرة لهذا النوع من الأفلام تملأ المشهد الثقافي ليس في الولايات المتحدة فقط بل في العالم أجمع. حديثًا، ظهرت شخصيات مثل الشبح الشاحب الوجه الطويل الشعر الواسع الحيلة فيما يتعلق بالتكنولوجيا الخاصة بالرعب الياباني، واليتيم الإسباني الذي يبحث عن الانتقام، ومُقتفِي الآثار الذي لا يرحم في المناطق النائية بأستراليا — من بين شخصيات شيطانية أخرى من السينمات المحلية — أضافت للمَخزون العالَمي للصور المُرعبة. ورغم أن وحوشًا مثل الرجل الذئب ونوسفيراتو دائمًا ما تحدَّت الحدود الوطنية، فإن نطاق السينما المُتجاوِزة لتلك الحدود اليوم يزيد أكثر من ذي قبل من أهمية اكتساب منظور عالمي وطرح أسئلة عما يُثير رعب الناس في المكسيك أو كوريا الجنوبية؛ لفهم ما هي المخاوف التي تنبثِق من ظروف تاريخية وثقافية بعينها، وما هي المخاوف التي تنتمي إلى نطاق أوسع من المخاوف الجماعية.
ستُساعدنا أربع مجموعات من الأسئلة في تخطيط مسارنا في تناوُل هذا الموضوع الذي له جاذبيَّة واسعة وقُتِل بحثًا بواسطة النقاد والباحثين والمؤرِّخين. في البداية، لماذا نشاهد أفلام الرعب؟ كيف تُؤثِّر علينا كأفراد؟ وما الغرض الاجتماعي الأكبر الذي تخدمه؟ ثانيًا، ما الذي يجعل أفلام الرعب تُصنَّف كنوع سينمائي؟ ما نوع القصص التي تسردها؟ وما الصِّفات المشتركة بين وحوشها وأبطالها؟ ثالثًا، ما تاريخ أفلام الرعب؟ ومن أين تنشأ هذه الأفلام؟ وكيف تطوَّرت بمرور الوقت؟ وأخيرًا، كيف يختلف فيلم الرعب الجيد عن فيلم الرعب السيئ؟ ومن يُقرِّر هذا وعلى أي أساس؟
سيكون منهجنا في هذا الفصل مرتبًا زمنيًّا بنحو كبير، بداية بمصادر الرعب في الأدب القوطي وتقاليد مسرح جران جِنيول، ثم سنتقدَّم عقدًا بعقد حتى نصل إلى العصر الحالي. جزء كبير من هذا الترتيب الزمني سيكون أمريكيًّا عاكسًا السيطرة التاريخية لهوليوود، لكنه كذلك يتضمَّن أفلامًا من ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا واليابان والصين وسينمات أخرى تستعير من النوع السينمائي وتُساهِم في تطويره. وبدلًا من تناول الثقافات الوطنية على نحو متفرِّق، أو مُناقشة أسئلة عن النظرية وأسلوب الفيلم والصناعة والجمهور كموضوعات مُنفصِلة، فإن هذه العوامل ستُدمَج في سرد قصة كيفية تطوُّر أفلام الرعب من الجذور المحلية إلى الظاهرة العالَمية التي هي عليها اليوم.
(١) لماذا نشاهد أفلام الرعب؟ متعة الخوف
يُساهم فهم فرويد للأحلام بنحو كبير في تفسير ما يحدث في هذه الظُّلمة. أمدَّت نظرياته في التحليل النفسي، وخاصة عن آليات الكبت، باحثي السينما بأدوات قوية لتحليل أفلام الرُّعب ورفع هذا النوع السينمائي من بالوعة الثقافة الشعبية لتُصبِح جَديرة بالاحترام الأكاديمي. وطبقًا لفرويد، فإن كل الأصحَّاء يتعلَّمون كبت رغبات ودوافع معينة. إنه جزء من كون الإنسان مُتحضِّرًا؛ إذ يفرض علينا المجتمع كبتَ هذه الدوافع الطبيعية التي يُمكِنُها أن تخرق قوانينه وتابواته، لكن هذه الدوافع تُفصِح عن نفسها وتجد تعبيرًا رمزيًّا عنها من خلال النِّكات والأحلام والقصص. إنَّ محتويات أحلامنا الواضحة وقصصها وشخصياتها ما هي إلا أقنعة. إنها تُمثِّل عالمًا سُفليًّا من الدوافع والذكريات المكبوتة التي تُصيب لاوعينا بالاضطراب؛ عالمًا مخفيًّا عن إدراكنا اليومي. هذه هي التماسيح التي يقصِدها كينج، والتي تسكن تحت الباب المسحور؛ إنها الوحوش التي تسكُن كوابيسنا وأفلام الرعب التي نُشاهدها. بالنظر إلى فيلم الرعب بهذا الشكل، نجد أنه يخدم غرضًا نفسيًّا مهمًّا وهو الوظيفة التطهيرية لغَسل أنفسِنا من العواطف الشريرة. تعمل أفلام الرعب كصمام أمان سينمائي. وبالعودة إلى استعارة كينج، ربما يُمكننا القول إنها تُطعم الوحوش مما يُبقي التماسيح بالأسفل ويُبقينا نحن فوق السطح.
إذا كانت الوحوش والأشباح تُمثِّل بالنسبة إلى أتباع فرويد عودة ظهور الطاقات النفسية المكبوتة، وإذا كانت بالنسبة إلى أتباع يونج ترمز إلى الجانب المُظلم من عالم سفلي خرافي شامل، فإن أتباع كارل ماركس وفريدريك جيمسون ينظرون إليها باعتبارها مخلوقات ناتجة عن نوع من اللاوعي السياسي. تعود المشكلات الاجتماعية المكبوتة التي تهدد الوضع السائد — مثل الصراعات الطبقية والتوتُّرات العرقية وعدم المساواة بين الجنسين — إلى الظهور بنحو رمزي من خلال أفلام الرعب لتُطاردنا على هيئة الزومبي والمطارَدين من سكان المناطق المنعزلة والأشباح الأنثوية المنتقمة. تُفيد هذه النظريات بأن قدرة تلك الوحوش على إثارة اضطرابنا مستمَدة من المشكلات المعلَّقة المتوارية في أعماق نفسيتنا وثقافتنا وأساطيرنا الجمعية.
لكن الأفلام في النهاية هي مجرد أفلام وليست واقعًا؛ فهي تمنحنا تجربة غير مباشرة. ربما تبدو متعة الشعور بالغضب أو الخوف فورية وواقعية، لكن من يتعرض للخطر هم شخصيات الفيلم ولسنا نحن. هنا يكمن الأمان الذي يوفره الصمام. يُتاح لنا تحرير العواطف المكبوتة المتعلِّقة بالاعتداء والتشويه والذنب والموت، مدركين أننا لن نواجه أي عقوبات جسدية. في نهاية هذه الرحلة الجامحة، نعود إلى منازلنا أحياءً ودون أن نتعرض لأي أذى.
(٢) ماهية فيلم الرعب وتعريف النوع السينمائي
عادةً، وفي عائلة أفلام الرعب، هناك أنواع من الوحوش تخلُّ بالوضع السائد. ربما تكون هذه الوحوش بشرًا على نحو جزئي، مثل داركولا أو الرجل الذئب أو الفتاة مصَّاصة الدماء في فيلم «دع الشخص الصحيح يدخل» («ليت ذا رايت وان إن»، ٢٠٠٨)؛ وربما تكون قاتلًا مُختلًّا، مثل البطل المُضطرب العقل في فيلمَي «مختل العقل» («سايكو») و«مختلس النظر» («بيبينج توم») وكلاهما صدر عام ١٩٦٠؛ وربما تكون شيئًا خارقًا للطبيعة، مثل القوة الخفية في فيلم «مشروع ساحرة بلير» («ذا بلير ويتش بروجيكت»، ١٩٩٩)، أو «نشاط خارق» («بارانورمال أكتيفيتي»، ٢٠٠٧). ربما يكون الوحش شبحًا من ماضٍ مأساوي، مثل الرُّوح المنتقمة في فيلم «الحلقة» («رينج»، ١٩٩٨)، أو الطفل المقتول في فيلم «العمود الفقري للشيطان» («ذا ديفلز باكبون»، ٢٠٠١). ربما ينسلُّ الوحش على هيئة عدوى كما في فيلم «ليلة الموتى الأحياء» («نايت أوف ذا ليفينج ديد»، ١٩٦٨) أو فيلم «بعد ٢٨ يومًا». كذلك، فإن موقع الأحداث المرعبة يتغيَّر من فيلم لفيلم. كان الوحش فيما مضى تقتصر أفعاله الشنيعة على القلاع البعيدة أو البيوت المسكونة حيث يطارد ضحاياه في سواد الليل، وهو سبب انكماشنا خوفًا عندما يدخل البطل، والذي عادةً ما يكون أنثى، في القبو أو الغرفة المحرَّمة. هذه المواقع والمشاهد المتوقَّعة ما زالت تُستخدم في أفلام الرعب، لكن وحوش اليوم يُمكنها الهجوم كذلك في وضح النهار من الريف المحيط كما في فيلم «التلال لها عيون» («ذا هيلز هاف آيز»، ١٩٧٧)، أو من داخل البطل كما في فيلم «البريق» («ذا شايننج»، ١٩٨٠).
كما تختلف كذلك رموز سينما الرعب — داخل نطاق عام — من فيلم لفيلم؛ فبداية من الميتات التي ظهرت مبكرًا في السينما الصامتة، والتي كانت تتم خفية بعيدًا عن الشاشة، إلى الصور المتزايدة في تصويرها الصريح للجذوع المشوَّهة والرءوس المقطوعة وأجزاء الجسم الأخرى المجدوعة والمُمَثَّل بها والتي تملأ مشاهد الأفلام الحديثة، فإن صناع الأفلام لجئوا إلى صنع مشاهد أكثر عنفًا وابتكارًا لصدم الجمهور. كذلك، فإن أسلحتهم زاد أثرها العنيف على نحو أكثر إبداعًا. فكِّر في الطرق العديدة التي يُمكن بها طعن وذبح وسحق وخنق ضحية في أفلام الرعب الحديثة قبل نزول شارة النهاية. تتنوَّع العواطف التي تستثيرها هذه الهجمات على عين وأذن المُشاهِد من الرعب والذعر والقلق إلى الاشمئزاز والتقزُّز والترويع. يدعو هذا النِّطاق من الاستجابات إلى فحص كل فيلم على حِدَة. وينطبق الأمر أيضًا على الأفكار التي تتضمَّنها تلك الأفلام؛ فالخطوط الواضحة للصراع بين الخير والشر في أفلام مثل «فرانكنشتاين» أو «شبح الأوبرا» («ذا فانتوم أوف ذي أوبرا»، ١٩٢٥) (والذي نُقِّح عام ١٩٢٩) أو بين العلم والقُوى الخارقة للطبيعة في فيلم «الدكتور جيكل والسيد هايد» («دكتور جيكل آند مستر هايد»، ١٩٣١) تتلاشى وتتداخَل في أفلام لاحقة؛ مثل «كاري» (١٩٧٦)، و«فيديودروم» (١٩٨٣).
(٣) مصَّاصو الدماء: تطوُّر الوحش
- (١)
التجريبية: وفيها تُفرَز وتُؤسَّس التقاليد الأساسية الخاصة بالنوع السينمائي.
- (٢)
الكلاسيكية: تترسَّخ هذه التقاليد حتى يُمكن للفنانين والجمهور فهم كيفية عملها.
- (٣)
التنقيحية: يُزيِّن ويزخرف صناع الأفلام الشكل الفني بتفاصيل أسلوبية وشكلية محدَّدة.
- (٤)
الباروكية (أو «الانعكاس الذاتي»): وفيها يُصبح الشكل وزخارفه التركيز الأساسي للعمل.
يختلف باحثون آخرون مع مثل هذه الاعتبارات الترسيمية، زاعِمين أن الأنواع السينمائية لا تتطوَّر بنحوٍ خَطِّيٍّ، بل تنمو وتتراجع وتسلُك مُنعطَفات ويُعاد تقديمها بنحو أكثر اعتباطًا. يُتيح السرد الزمني لسينما الرعب في هذا الفصل فرصة أخرى لدراسة هذه الآراء، لكن قبل النظر إلى النوع السينمائي ككل، سيكون من المفيد تتبُّع التاريخ المختصر لنوع فرعي واحد منه وهو أفلام مصَّاصي الدماء.
عندما نشر جون بوليدوري قصته القصيرة «مصَّاص الدماء» عام ١٨١٩، كان هناك بالفعل تراث طويل من الوحوش المصَّاصة للدماء في الفولكلور والأساطير الأوروبية. ظهر وحشُ بوليدوري على هيئة رجل مهذَّب مثقَّف يُغوي النساء ويشرب دماءهن ليطيل عمره. وبعد مرور حوالَي ثمانين عامًا، نشر برام ستوكر رواية «دراكولا»، مضيفًا لمسةً من النُّبل الترانسلفاني إلى البطل ورابطًا بين الجانب الشرير له والخفافيش والجرذان والطاعون. كانت نسخة ستوكر هي من ألهمت معظم الأفلام التي صُنِعت عن الشخصية والتي يزيد عددها على ١٧٠ فيلمًا حتى اليوم. بداية من وقت مُبكِّر يعود حتى عام ١٨٩٦، تسلَّل عشرات مصَّاصي الدماء إلى شاشات دور العرض في عصر السينما الصامتة عابرين الحدود من فرنسا أو السويد أو روسيا أو إنجلترا أو الولايات المتحدة. لم يكن العديد من هؤلاء الوحوش خفافيشَ، بل كنَّ «المُغويات» أو الحسناوات المُغرِيات اللَّعوبات اللاتي لا يُقاوَمن ويستنزفن أموال الرجال بدلًا من دمائهم، وهي إشارة إلى أن النساء يمكن أن يكنَّ شخصيات فاعلة بنفس قدر كونهن فرائس سلبية.
أحد أفضل أفلام مصَّاصي الدماء في تلك الحقبة كان فيلمًا ألمانيًّا هو فيلم «نوسفيراتو» والمعروف أيضًا باسم «نوسفيراتو: سمفونية الرعب» («نوسفيراتو: أ سيمفوني أوف هورور»، ١٩٢٢) للمخرج فريدريك فيلهلم مورناو. اقتبس مورناو قصة الفيلم من رواية دراكولا لستوكر لكنَّه غيَّر اسم الوحش للكونت أورلوك بسبب أنه لم يستطِع الحصول على حقوق تحويل الرواية إلى فيلم. أورلوك، الذي يقوم بدوره المُمثِّل ماكس شريك، مخلوق شرير بوجه يُشبه القوارض وأصابع طويلة مخلبية (شكل ٣-٣). تصل السفينة التي تنقله إلى ألمانيا وقد مات كل من على متنِها. وبمجرد وصوله إلى مدينة ويزبورج، يحمل تابوته ويُلقي بظلٍّ غريب نحيل مُنفصِل عن جسده بنحو غريب. ومثل مجموعة الكونتات الذين سبقوه وتلَوه، فإنه يُفضِّل اختيار ضحاياه من النساء. وفي مشهد ذروة الفيلم، يزحف ظلُّه بشكل موحٍ على جسد إيلين بينما يقترب هو من سريرها. لكنها ليست ضحية أورلوك فقط بل هي صيادة كذلك؛ لأنها قرأت كتابًا عن مصَّاصي الدماء وتُدرك أنه سيموت لو بقيَ بجانب سريرها لوقتٍ طويل على نحو كافٍ حتى تخترق أشعة شروق الشمس جسده.
في عام ١٩٣٢، صنع المخرج الدنماركي كارل تيودور دراير فيلم «مصَّاص دماء» («فامباير») والمعروف كذلك باسم «مصَّاص دماء: حُلم آلان جراي» («فامباير: ذا دريم أوف آلان جراي») والمقتبس من مصدر مختلف لقصص مصَّاصي الدماء، لذا فإن عدوَّ البطل لا يرتدي العباءة وينقصه النَّسب النبيل لدراكولا برام ستوكر. كان دراير، بوصفه فنانًا، مُهتمًّا أكثر بالأصالة بدلًا من كشف الغموض. وبدلًا من تجنُّب تقديم مشاهد صامتة وتصوير مُبهَم، حوَّل دراير كليهما إلى ميزة مما أنتج فيلمًا طليعيًّا موجهًا إلى جمهور متخصِّص أكثر من كونه موجهًا للتسلية الجماهيرية (شكل ٣-٤).
بعد تحقيق الفيلم لنجاح كبير، صنعت يونفرسال سلسلة كاملة من أفلام دراكولا تضمَّنت أفلامًا مثل «ابنة دراكولا» («دراكولاز دوتر»، ١٩٣٦) و«ابن دراكولا» («سن أوف دراكولا»، ١٩٤٣). تبعت دولٌ أخرى نفس الخُطى مُضيفة إلى كتالوج شخصية مصَّاص الدماء. أضافت إليه إيطاليا شهوة جنسية صارخة في فيلم «شهوة مصَّاص دماء» («لاست أوف آ فامباير»، ١٩٥٦)، وأطالَت المكسيك من أنيابِه في فيلم «مصَّاص الدماء» («إل فامبيرو»، ١٩٥٧). وفي إنجلترا، أصدرت شركة هامر فيلم برودكشنز أول أفلامها عن دراكولا عام ١٩٥٨ وصدَر في الولايات المتَّحدة تحت عنوان «رعب دراكولا» («هورور أوف دراكولا») وكان من بطولة كريستوفر لي في دور الكونت النَّبيل. تبعه فيلم «عرائس دراكولا» («ذا برايدز أوف دراكولا»، ١٩٦٠) و«دراكولا: أمير الظلام» («دراكولا: برينس أوف داركنيس»، ١٩٦٦) و«دراكولا ينهض من القبر» («دراكولا هاز ريزن فروم ذا جريف»، ١٩٦٨) (انظر شكل ٣-٦). ساهمَت ألمانيا والسويد ودول أخرى مُعظمها أوروبية بلمساتها الثقافية الخاصة لأسطورة دراكولا.
في الوقت الذي ربما يكون من الصعب فيه تصنيف أيٍّ من هذه التطوُّرات كعصر «تنقيح وتحسين»، كما قد يستخدم فوسيون المصطلح، فإن العديد من الأفلام تقدم تنويعات شكلية وزخارف أسلوبية. ومع نضوج دراكولا خلال عقدَي الستينيات والسبعينيات، تلاءَم مظهره مع كل جيل جديد. فهناك مصَّاصو دماء في الغرب الأمريكي («الولد بيلي يواجه دراكولا» («بيلي ذا كيد فيرسس دراكولا»، ١٩٦٦)) ومصَّاصو دماء سود («بلاكولا» (١٩٧٢)، انظر شكل ٣-٧) ومصَّاصات دماء سحاقيات («مصَّاصة الدماء العارية» («لا فامباير نيو») و«مصَّاصات دماء سحاقيات» («فامبايروس ليزبوس») وكلاهما صدر عام ١٩٧٠) وأيضًا مصَّاصو دماء إباحيون («الشهوة من أول عضَّة» («لاست آت فيرست بايت»)، ١٩٧٨). معظم هذه الأفلام كانت عبارة عن إعادة تقديم هزلية للمادة الأدبية الكلاسيكية بانعكاس ذاتي بنفس أسلوب المرحلة الباروكية عند فوسيون. قدَّم رومان بولانسكي محاكاة ساخرةً لأفلام شركة هامر في فيلمه «قاتلو مصَّاصي الدماء الشجعان» («ذا فيرليس فامباير كيلرز»، ١٩٦٧). في فيلم «الحب من أول عضَّة» («لاف آت فيرست بايت»، ١٩٧٩)، يُطرَد الكونت دراكولا من قلعته بواسطة الشيوعيين ويطير إلى نيويورك حيث يؤدِّي خطأٌ غير مقصود في المطار إلى إرسال تابوته إلى عنوان خاطئ في حيِّ هارلم. قام فرانك لانجيلا بدَور دراكولا الجذَّاب في فيلم «دراكولا» (١٩٧٩) للمخرج جون بادام والذي أعاد الكونت الذي يتميَّز بالكاريزما إلى الحياة مرةً أخرى في عمل حاصد للجوائز مُقتبَس من مسرحية عُرضت في مسارح برودواي. قدم ميل بروكس أسلوبه المميَّز الساخر من الفكرة عام ١٩٩٥ في فيلم «دراكولا: ميت ومُستمتِع» («دراكولا: ديد آند لافنج إت») حيث قام بروكس نفسه بدَور فان هيلسنج. وحديثًا ظهر مصَّاصاتٌ للدماء بوصفهن فتيات صغيرات — في فيلم «دع الشخص الصحيح يدخل» (٢٠٠٨)، على سبيل المثال، وهو فيلم سويدي أخرجه توماس ألفريدسون (انظر شكل ٣-٩) — أو فِتيان المرحلة الثانوية الوسماء المحطِّمون لقلوب الفتيات، لا سيما في سلسلة «شفق» («توايلايت»، ٢٠٠٨–٢٠١٢) (انظر شكل ٣-١٠).
لم تكن هذه الاتجاهات في صناعة أفلام دراكولا بالضرورة تسير طبقًا لتطوُّر زمني. بدأت شركة يونفرسال في السخرية من وحوشها عام ١٩٤٨ بفيلم «أبوت وكوستيلو يقابلان فرانكنشتاين». كانت هناك تلميحات لانجذابٍ سحاقي في فيلم «ابنة دراكولا» (١٩٣٦) وحتى قبل ذلك. بعبارة أخرى، لم يكن هناك تطوُّر خطِّي دقيق من خلال مراحل تطوُّر مؤكَّدة. بدلًا من ذلك، تظهر شخصية مصَّاص الدماء ثم تُعاود الظهور بهيئات مختلفة وأشكال مهجَّنة عديدة مع مزج الرعب بالكوميديا أو الخيال العلمي أو الرومانسية.
كذلك، لم يقتصر وجود مصَّاصي الدماء على الغرب فقط. يرجع أصل دراكولا برام ستوكر ومن انحدروا منه إلى الأمير الروماني فلاد الثالث والمعروف بنحو أكبر باسم «فلاد المُخوزِق» وسُمِّي هكذا لأنه كان يقتل أعداءه على خوازيق خشبية. ترتبِط أسطورة فلاد باسم «دراكولا» (كان والده «دراكول» وهو لقب فرسان جماعة التنِّين) والشيطان (الذي أشير إليه في الكتاب المقدس باسم التنين) والفولكلور الشعبي عن مصَّاصي الدماء («فامباير» أو «أوبير» في اللغات السلافية)؛ لذا فإن الصفات الشيطانية لدراكولا مصَّاص الدماء في أفلام الرعب الأمريكية والأوروبية تُقدَّم على نحو غامض ودخيل وشرير. تظهر المخلوقات التي تُشبه مصَّاصي الدماء التي لا تموت وتتغذى على دماء الأحياء في ثقافات أخرى أيضًا. على سبيل المثال، في الصين، يعود تقليد «الشبح الجائع» أو «الجثة المتخشبة» (الذي يُسمى «جيانجشي» في الماندارين و«جيونج سي» في الكانتونية) إلى الأدب الصيني الخاص بالقرن السابع عشر وحتى ما قبل ذلك. في السينما، ترتدي هذه الشخصيات أردية ماندارينية قديمة بدلًا من العباءات وتكون لها أظافر طويلة زرقاء تُشبه المخالب وتمتص نفس («تشي» أو «كي») ضحاياها بدلًا من الدم. وفي الوقت الذي تنهزم فيه قوى دراكولا الوثنية أمام قوى المسيحية، فإن الشبحَ الصيني يزدهر ويموت داخل منظومتَي المُعتقَدات البوذية والطاوية وهما أكبر ديانتَين في الصين. وبالنسبة إلى أتباع البوذية، فإن الموت واللعن ليسا حالتين دائمتين بل هما مرحلتان انتقاليتان في طريق إعادة التجسُّد والتنوير. وبالنسبة إلى أتباع الطاوية، فإن الرُّوح البشرية المضطربة لا تعلق في معركة بين الخير والشر بل هي في رحلة للعثور على التناغُم الداخلي والخارجي. تجوب الأشباح الأرض وتُطارد الأحياء بسبب نوع من اختلال التوازن؛ ظلمٌ لم يُعاقَب صاحبه أو حب غير مُتبادَل. وبمجرَّد استعادة التوازُن، فإن الشبح يُصبح حرًّا للانضمام لدورة إعادة البعث من جديد؛ لذا بينما يُمكن أن يبدو كل من الجيانجشي والجيونج سي تهديدَين مُثيرَين للخوف، يُمكنهما أن يكونا كذلك شخصيات مُثيرة للتعاطف بالنسبة إلى الجمهور الصيني بما أن ما يحدث للأشباح الجائعة يمكن أن يحدث لأي شخص.
أحيت سينما هونج كونج شخصية الجيونج سي في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين؛ ففي مُحاوَلة لسدِّ الفجوة التي تركها موت بروس لي عام ١٩٧٣، تعاون أستديو شو المحلي مع أستديوهات هامر البريطانية لصنْع فيلم «أسطورة مصَّاصي الدماء السبعة الذهبيين» («ذا ليجيند أوف ذا سيفين جولدن فامبايرز»). قام بيتر كوشينج بدور فان هيلسنج الذي يدخل في مواجهة مجموعة من مصَّاصي الدماء في ريف الصين بصحبة تلميذه (المُمثل ديفيد تشيانج من هونج كونج) وسبع إخوة كلهم يُتقِنون فنون القتال. يمزِج الفيلم بين عناصر أفلام الرُّعب البريطاني (إذ يتنكَّر دراكولا في زي راهب طاوٍ) وملاكمة الكونغ فو وفن الووشيا في المبارَزة بالسيف، بالإضافة إلى بضعة تلميحات إلى فيلم «الساموراي السبعة» لكوروساوا. كما يُضيف الفيلم كذلك بعض الابتكارات في الأسلوب؛ يتحرَّك مصَّاصو الدماء ببطء مثل الأفلام الصامتة وتتفتَّت أجسادهم ببطء عندما تُطعَن في القلب حتى تتلاشَى. لم يُحقِّق فيلم «أسطورة مصَّاصي الدماء السبعة الذهبيين» نجاحًا كبيرًا سواء لدى الجمهور الشرقي أو الغربي، لكنه أصبح سابقة لأفلام مُستقبلية. جعل مؤدِّي الفنون القتالية والمُنتج سامو هونج الجيونج سي الشخصية الرئيسية لعدد من أفلام الرعب الكوميدية الناجحة بداية من «لقاءات مرعبة» («سبوكي إنكاونترز»، ١٩٨٠) واستمر من خلال مجموعة أفلام «السيد مصَّاص الدماء» («مستر فامباير»). يُهاجم الوحش في تلك الأفلام، والذي تيبَّس جسدُه بسبب التخشُّب الموتي، بقفزاتٍ من وضع الوقوف وأذرع مفرودة على امتدادها حتى يختفي عادةً بمساعدة تعاويذ وسحر كاهن طاوٍ (شكل ٣-٨). لم يمرَّ وقت طويل قبل أن يُصبح الجيونج سي، بعد تسويقه للجمهور الغربي باسم «مصَّاص الدماء الصيني القفَّاز»، ظاهرة عابرة للحدود الوطنية، والتي ربما يُنظَر إليها كجزء من الظاهرة العالَمية لمصَّاصي الدماء مع إعادة إنعاش هونج كونج لأنواع التراث المحلية وصناعة السينما الخاصة بها ومزْج ذلك بالرموز الأجنبية. أو ربما يُنظر إليها كطريقة لعرض المخاوف الوطنية الخاصة بالهوية لهونج كونج وهي المستعمرة السابقة والمشتَّتة بين الحكم الذاتي المحلي والخضوع لسلطة الصين.
في هذا الاستعراض المختصَر لأفلام مصَّاصي الدماء، من الممكن رؤية العديد من القوى الفاعلة في سينما الرُّعب بوجه عام. فيُصبح أي وحش مقتبسًا من عوالم الأدب أو الفولكلور أو التاريخ أو الخرافات الشخصية الرئيسية في أي فيلم. وكلما جعل صناع الأفلام هذه الشخصية أكثر ملاءمةً وحسَّنوا من مظهرها مضيفين مشاهد جديدة ومنعطفات غير متوقَّعة في القصة، تخرج مجموعة من الأفلام تحمل بعض التشابُهات العائلية فيما بينها. وإذا التحمَت هذه المجموعة من الأفلام، واستقرَّت بِفعل المعايير التقليدية الراسخة الخاصة بالمحتوى والأسلوب، فربما يُطلق عليها سلسلة أو نوع سينمائي سواء كان رئيسيًّا أو فرعيًّا. يخدم هذا بعض الأغراض العملية لصناعة السينما. إذ يمتلك صناع الأفلام إطارًا عامًّا يمارسون داخله إبداعهم ويحصل المنتجون من خلاله على فرصة لتسويق منتجاتهم ويتوقع الجمهور منه المرور بتجربة مألوفة في دار العرض. في نفس الوقت، يعثُر طلاب وباحثو السينما على تصنيف مناسب لدراسة زاوية من تاريخ السينما واستكشاف الأبعاد الرمزية للوحش وكشْف الأفكار التي تكمن في القصص التي تحكي عنه. وخلال سعي المخرجين وراء اتجاهات جديدة وكسر القوالب السائدة وصنع قوالب جديدة، يخضع الشكل للاختبار والتَّوسِعة والتهجين والتقليد المُدرَك ذاتيًّا والمحاكاة الساخرة. وفي نفس الوقت، وخلال هذا كله، تُؤثِّر الأفلام من حقب وثقافات مختلفة بعضها في بعض من خلال عملية تلقيح مُختلَط متجاوِز للتاريخ والحدود الوطنية. وبوضع هذا الاستعراض المختصر المبسَّط بالضرورة في الاعتبار، نَنتقِل لنظرة أوسع إلى سينما الرعب وتاريخها.
(٤) الأشباح القوطية ورعب مسرح الجران جِنيول
جلَب جيل جديد من الكُتاب هذه الحركة إلى القرن التاسع عشر. أتاحَت أعمالُهم — وخصوصًا أعمال مثل «فرانكنشتاين أو برومثيوس العصر الحديث» لماري وولستونكرافت شيلي (١٨١٨)، و«الحالة العجيبة للدكتور جيكل والسيد هايد» لروبرت لويس ستيفنسون (١٨٨٦)، و«دراكولا» (١٨٩٧) لبرام ستوكر — الوحوش والقصص والمواقع والرموز المُخيفة الخاصة بأفلام الرعب التي صنعتها أستديوهات يونفرسال في الثلاثينيات.
في نفس الوقت، وفي أوروبا، كان هناك نوع جديد من الترفيه الشعبي يجذب الحشود في باريس. كانوا يتجمَّعون في مكانٍ ضيق جدًّا كان كنيسةً فيما مضى لمشاهدة مُمثِّلين من الدرجة الثانية يُجسِّدون مشاهد تُصوِّر جرائم قتل وتعذيب وتشويه عنيفة بشكلٍ صريح. كانت الأدوار التي يُجسدها الممثلون مقتبسة من حياة أفراد الطبقة الدنيا بالمدينة: المتشردين وأطفال الشوارع والمومسات والمجرمين ومختلِّي العقل الميئوس من شفائهم، وهم الذين كانوا يُمثِّلون مجموعاتٍ لا تنتهي من مشاهد الطعنات والشَّنق والخنق والصعق بالكهرباء والتمثيل بالجثث والاغتصاب والانتهاكات من بعضهم لأجساد بعضٍ من أجل المُتعة الصادمة التي يشعر بها الجمهور. كان هذا هو مسرح الجران جِنيول الذي أُسِّس عام ١٨٩٧ على يد الكاتب المسرحي والموظَّف السابق في الشرطة، أوسكار ميتينييه. وخلال حربَين عالميتَين وحتى أَغلَق هذا المسرح أبوابه عام ١٩٦٢، استمرَّ في تحدِّي وتخطِّي حدود تماسُك السرد والذوق الرفيع. بإعطاء المشهد الشنيع المخيف الأولوية بدلًا من تفاصيل القصة، كانت أنواع الرعب الصريح التي يُقدمها تتناقض مع الرهبة ذات المكانة النبيلة الخاصة بالأدب القوطي. كان الهدف هو الصدم بدلًا من الرهبة. وبعدما بدأت السينما في القيام بالوظائف السردية للرِّوايات ونفس الحال مع الأداء التمثيلي للمسرحيات، اتخذ هذان الاتجاهان — الرهبة الخارقة للأشباح القوطية والرعب الواقعي لعنف الجران جنيول — أشكالًا مختلفة في أفلام الرعب.
(٥) صرخات مكتومة على شاشة السينما الصامتة
كانت الحرب العالمية الأولى، على الأرجح، أبرز الصدمات التاريخية التي سكَنَت الأفلام خلال حِقبة السينما الصامتة. وعلى الرغم من أن الحرب استمرَّت في أوروبا لأربع سنوات فقط (١٩١٤–١٩١٨)، فقد ترَكت إرثًا طويل الأمد من المواقِع المتهدِّمة وقُدامى المُحاربين المشوَّهين والشعوب المصدومة نفسيًّا. في ألمانيا — حيث كانت الخسارة البشرية هي الأكبر (أكثر من مليونَي ضحية من الجنود مثَّلوا حوالي ٣٫٨ بالمائة من تعداد سكان البلاد) — تظهر تبعات الحرب المدمِّرة في أفلام مثل «كابينة الدكتور كاليجاري» (١٩٢٠)، و«الجوليم» («ذا جوليم»، ١٩٢٠)، و«نوسفيراتو» (١٩٢٢). يظهر الدكتور كاليجاري كمنوِّم مغناطيسي غامض يضمُّ العرض الخاص به رجلًا يسير أثناء نومِه يُسمى تشيزاري. بأمر كاليجاري، يُطارد تشيزاري سكان البلدة أثناء نومه في الليل منفِّذًا جرائم قتل. ينسب راوي الفيلم جرائم القتل إلى كاليجاري والذي يكشف أنه المدير المجنون لمصحة للمختلِّين عقليًّا (شكل ٣-١١). لكن هل هو كذلك فعلًا؟ تُطلعنا الخاتمة أن المجنون الحقيقي هو الراوي الذي هو أحد نزلاء مؤسَّسة الدكتور كاليجاري التي تُديرها الحكومة. هذا يُفسِّر تصوير الفيلم وتصميم المواقع المشوَّهَين. تلتقي شوارع القرية بزوايا حادة تُطوِّقها منازل مائلة بأبواب ونوافذ غير مُنتظمة الأشكال. الديكورات الداخلية غير مُنتظِمة من الناحية البنائية حيث الأثاث مُمتدٌّ باستطالة والحوائط شبه مُنحرفة. علاوة على ذلك، لا يبدو أن هناك مصدرًا طبيعيًّا للضوء؛ فالظلال مدهونة. يزيد من أثر هذه الصورة الغريبة زوايا التَّصوير المائلة وإيماءات المُمثِّلين المُبالَغ فيها. ينتمي ابتعاد الفيلم عن الواقعية التصويرية إلى جماليات الحركة التعبيرية وهي حركة فنية تجريبية سعَت للتعبير عن الحالات العقلية الداخلية على لوحة الرسم أو شاشة السينما بدلًا من محاوَلة نَسخِ الواقع بموضوعية.
في نفس الوقت، كان هناك اتجاه فني آخر يكتسب زخمًا في فرنسا. كانت للسريالية، مثل التعبيرية، صلات قوية بالحرب العالمية الأولى. ألقى الكُتاب والرسامون الذين عاصروا الحرب باللوم فيما يتعلَّق بأهوالها على العقلانية المقيَّدة والمؤسسات المُستبِدة. لم يكن العلم الحديث، في نظرهم، قوة تقدُّمية مُسالِمة بل أداة خبيثة لصُنع أسلحة جديدة لإيذاء واستعباد البشرية. بدأ «البيان السريالي» الخاصُّ بهم الذي نُشر عام ١٩٢٤ حركة ثورية لتحرير الخيال مما كانوا يعتبرونه أغلال العقلانية. كان هذا يعني، من بين عدة أمور، الغوصَ في عالم الأحلام الذي وصَفه فرويد. تتبَع القصص السريالية اللامنطق المُتداخِل للتداعي الحر؛ حيث تقفز من حدث لآخر من دون إحساس واضح بالاستمرارية السردية. وتُصوِّر الصور السريالية مناظر مُستحيلة ومخلوقات خيالية، عاكسةً الرُّؤى الداخلية بنحو مُتحرِّر من دقة «عالم الواقع». وبينما يُمكن أن تكون هذه الرُّؤى محررة، فإنها كذلك يمكن أن تكون مخيفة جدًّا. يحتوي الفيلم الطليعي القصير «كلب أندلسي» (١٩٢٩) للويس بونويل وسلفادور دالي على أحد أكثر المشاهِد التي صُوِّرت على شرائط السينما رعبًا يتضمَّن شفرة موسيٍّ وعين امرأة. وعلى الرغم من أن الحركة السريالية، مثل التعبيرية، كان عُمرها قصيرًا نسبيًّا، فإنها كذلك لعبت دورًا مهمًّا في تاريخ أفلام الرعب مُعيدةً الظهور في أفلام فانتازية كابوسية؛ مثل فيلم «عينان بلا وجه» («آيز ويذاوت آ فيس»، ١٩٦٠) لجورج فرانجو، و«فيديودروم» (١٩٨٣) لديفيد كروننبرج، و«متاهة بان» («بانز لابرينث»، ٢٠٠٦) لجييرمو ديل تورو.
(٦) ثلاثينيات القرن العشرين: وحوش يونفرسال الكلاسيكية
بظهور تقنية السينما الناطقة في الثلاثينيات من القرن العشرين، أصبح للوحوش صوت، رغم أنهم في الأغلب كانوا يتحدَّثون بلهجات أجنبية أو زمجَرات وهمهمات غير مُترابطة. وضع أداء بيلا لاجوسي في فيلم «دراكولا» وبوريس كارلوف في فيلمَي «فرانكنشتاين» و«المومياء» («ذا مامي»، ١٩٣٢) معاييرَ شهيرة لشخصياتهم في السنين القليلة الأولى من عقد الثلاثينيات، وللأبد بالنسبة إلى أستديوهات يونفرسال. أدَّى نجاح لون تشاني المبكِّر في شخصيتَي أحدب نوتردام وشبح الأوبرا إلى أن يتشجَّع رئيس أستديوهات يونفرسال كارل لايملي الابن ويراهن على أن تقديم شخصيات مُرعبة سيجذب جمهورًا كبيرًا ويُدرُّ عوائد أكبر في شبَّاك التذاكر. مات تشاني عام ١٩٣٠، لكن لايملي عثَرَ على مواهب جديدة واستثمرَ المال في أفلام باهظة التكلفة مما أطلق ما يُعرف الآن على نطاق واسع بالعصر الذهبي لأفلام الرعب الكلاسيكية. تضمَّن ذلك العصر أفلامًا مثل «عروس فرانكنشتاين» (١٩٣٥)، و«ابنة دراكولا» (١٩٣٦)، و«ابن فرانكنشتاين» (١٩٣٩)، و«الرجل الذئب» (١٩٤١).
تُمثِّل وحوش يونفرسال وأعداؤها معارك نموذجية بين الخير والشر مما يُجسِّد المخاوف المستمرة فيما يتعلق بالطبيعة البشرية. يُقدِّم فيلم «دراكولا» فان هيلسنج بوصفه رجلًا عجوزًا حكيمًا ورمزًا للمعرفة والمنطق في مواجهة قوى مصَّاص الدماء الخارقة للطبيعة. يكمُن خطر دراكولا في قوَّته العظيمة ومهاراته الخارقة للطبيعة في تغيير شكله وقُدرته على تحويل البشر إلى مخلوقات شبيهة به؛ لذا عندما يغرس فان هيلسنج الوتد الخشبي في قلب الوحش، يُمثِّل الأمر انتصارًا للنظام الأخلاقي على الفوضى والظلام. على نحوٍ مضاد، فإن صاحب المعرفة في فيلم «فرانكنشتاين»، ليس حكيمًا أو طيبًا تمامًا؛ فبصفته عالِمًا، يفخر الدكتور فرانكنشتاين بشدة بمهنته والقدرات المحتملة لها. وداخل معمل مُفعَم بالتفاعُلات الكيميائية والطاقة الكهربائية، يجمع قطعًا من مادة جامدة معًا ليَصنع منها كائنًا حيًّا. وعندما يبدأ المخلوق في الحركة، يتفاخَر فرانكنشتاين قائلًا: «الآن أُدرك شعورَ أن تكون إلهًا.» وبنهاية الفيلم، نتعاطَف على الأرجح مع الوحش أكثرَ من الدكتور. يستكشِف فيلم «الرجل الذئب» شخصية أخرى نموذجية من الفولكلور والخرافة؛ وهو المستذئب الذي يُمكن أن يغير شكله من رجل إلى وحش. فإذا كان وحش فرانكنشتاين يستغلُّ خوف البشر من أن يُصبِحوا آليِّين، فإن المُستذئب يُمثِّل الحيوان الذي بداخلنا. قُدِّم تنويع على القصة فيما سبق في فيلم «الدكتور جيكل والسيد هايد» من إنتاج أستديو باراماونت عام ١٩٣١ ولاحقًا في فيلم لأستديو إم جي إم بنفس العنوان عام ١٩٤١. وعلى الرغم من ذلك، وفي حالة جيكل وهايد، يبدو أن العلم، وليس الطبيعة، هو الملوم في التغيير الذي حدث لهوية جيكل.
ربما يكون هذا أحد أسباب أن أفلام الرعب الهوليوودية لم ترُق فقط الأمريكيين بل أيضًا الجمهور من جميع أنحاء العالم. كانت كُبريات الأستديوهات تملك ميزانيات كبرى لصنع وتوزيع الأفلام بقيَم إنتاجية مرتفعة، لكن القصص التي قرَّروا عرضها أحدثت صدًى واسعًا. وخلال فترة الكساد الكبير في الثلاثينيات، أتاحت أفلام الوحوش مهربًا مرغوبًا به من الصراع اليومي للبقاء على قيد الحياة. قال فرانلكين ديلانو روزفيلت، في أول خطاب بعد تولِّيه رئاسة الولايات المتحدة عام ١٩٣٣، عن الخوف مقولة شهيرة هي: «الشيء الوحيد الذي يجب علينا أن نخافه هو الخوف ذاته — الرهبة المجهولة غير المبرَّرة وغير العقلانية التي تشلُّ الجهود المطلوبة لتحويل التقهقُر إلى تقدُّم.» أعطَتْ أفلامُ الرعب الخوفَ اسمًا وموطنًا محليًّا. وبَعد النظر في وجه لاجوسي أو كارلوف وإطلاق صرخة علاجية، ربما يُتاح لمرتادي دور السينما التقاط أنفاسهم والمضي قدمًا.
(٧) أربعينيات القرن العشرين: الحرب العالمية الثانية وأفلام الرعب النوار
بعد خطاب روزفيلت بسنوات قليلة، واجَهَ العالم صدمات جديدة في شكل حرب عالمية جديدة. وجهت أستديوهات هوليوود جزءًا كبيرًا من انتباهها إلى المجهود الحربي منتجة أفلامًا دعائية وحربية. لم يُصنَع خلال فترة الأربعينيات سوى فيلمَي رعبٍ بميزانيات كبيرة؛ وهما نسخة عام ١٩٤١ من فيلم «الدكتور جيكل والسيد هايد»، وإعادة صنع شركة يونفرسال لفيلم «شبح الأوبرا» (١٩٤٣) بطولة كلود رينز؛ لكن استمرَّت أفلام الرعب ذات التكلفة المُنخفِضة في العثور على جمهور لها. كانت لشخصية الرجل الذئب شُهرة خاصَّة حيث ظهرت ثلاث مرات خلال الحرب، ربما بسبب أن وحشية الحرب أخرَجَت الوحش الكامن داخل الإنسان. على الرغم من ذلك، وبتأمُّل الأمر، نجد أن أهمَّ أفلام رعبِ تلك الحِقبة أنتجتها شركة آر كيه أو. وبين عامَي ١٩٤٢ و١٩٤٦، أنتجت الشركة تِسعة أفلام رُعب مُنخفِضة التَّكلفة صُنعت كلها تحت إشراف المنتج/كاتب السيناريو فال ليوتن.
كان أول هذه الأفلام هو «البشر القطط» («كات بيبول»، ١٩٤٢)، والذي أخرجه المخرج المولود في فرنسا جاك تورنور. كان «البشر القطط»، الذي صنَع الفيلم في الأساس ليُنافس فيلم «الرجل الذئب» لشركة يونفرسال، عنوانًا فقط قبل أن يوجد السيناريو الخاص به. كانت المعالجة الأولى للقصة تدور في منطقة البلقان حيث تغزو فرقة من الدبابات النازية إحدى القُرى. يتحوَّل سكان القرية ليلًا إلى قطط عملاقة ويُهاجِمون النازيِّين بينما تهرُب فتاةٌ من القرية إلى نيويورك لكن ما زالت تُلازمها لعنة الناس الذين يتحوَّلون إلى قطط. في المعالَجة النهائية للفيلم، والمقامة بالكامل في نيويورك، تُصبح هذه الفتاة إيرينا، البطلة المُضطرِبة للقصة (شكل ٣-١٢). تلتقي إيرينا رجلًا وتقع في حبه وتتزوَّجه، لكن اعتقادها أنها ستتحوَّل إلى نمر إذا مارسا الحب يجعلها تُبعِده عنها باستمرار. تعكس الحَبكة افتتان ليوتن بعلم النفس الفرويدي وتشكُّكًا ما تجاه مُمارسيه. عندما تلجأ إيرينا إلى طبيب نفسي لمساعدتها، ينصحها بمواجهة مخاوفها بالخضوع لمشاعرها عارضًا نفسَه للتجربة. عند هذه اللحظة، تتحوَّل إيرينا إلى وحش من السِّنَّوريات وتُمزقه إربًا. تحت إخراج تورنور البارع، يتميز الفيلم بالحذق بنحو أكبر من قصته. يمنح تورنور انتباهًا أكبر لخلق مناخٍ مُشوِّق بدلًا من عرض صور صريحة. ويُترَك جزء كبير من الرعب لخيال المشاهد. هل اللعنة حقيقية فعلًا أم هي نتاج خيالِها؟ هل تتحوَّل إيرينا بالفعل إلى قطٍّ أم هي ضحية ضغط اجتماعي وهو أن تُصبِح ما يتوقَّعه الناس منها؟ يتركنا مشهد ليلي مُخيف يبدو أن آثار أقدام نمر تتحوَّل فيه إلى آثار حذاء امرأة في حيرة من أمرنا.
يُمكن فهم أفلام ليوتن/تورنور أكثر إذا نُظِر إليها في سياق اتجاهٍ أكبر معروف بوجه عام باسم «أفلام النوار» أو «الأفلام السوداوية». استخدم النقاد الفرنسيون هذا المصطلح لأول مرة لوصفِ بعضِ أفلام هُوليوود في الأربعينيات والخمسينيات التي لاحظوا أن ثمة أنماطًا معينة تربط بينها. تمتلك تلك الأفلام، التي كانت معظمها أفلام جريمة، طابعًا قاتمًا (تصوير أبيض وأسود قوي، وإضاءة خافتة تُلقي بظلال طويلة، ومشاهد ليلية خافتة الإضاءة وغالبًا ما تكون في المطر) لتَتماشى مع النظرة التشاؤمية إلى الحياة. عادةً ما تُقدَّم أحداث هذه الأفلام بأسلوب الاسترجاع، ويرويها صوت أحد الشخصيات، وتتكشَّف تدريجيًّا عبر متاهة من الحبكات الفرعية المعقَّدة. تُساهِم زوايا التصوير الغريبة ولقطات وجهات النظر المُجفِلة، المُقتبسَتان من التعبيرية الألمانية، في خَلق إحساس بالارتباك والقلَق. عادةً ما تكون الشخصية الأُنثوية الأساسية في فيلم النوَّار امرأة لَعوب؛ مغوية ولا يُوثَق بها، مما يُضيف عاملًا شهوانيًّا فرعيًّا إلى القصة.
بالنظر إلى أفلام النوار تاريخيًّا، فإن السمات الأُسلوبية والفكريَّة لها يُمكِن اعتبارُها تعبيرات عن الحرب. الجنود الأمريكيُّون الذين خرَجوا للحرب تحت راية المثالية عادُوا من أوروبا وقد تركت التجربة فيهم ندوبًا. لقد جلَبوا معهم رؤية أكثر تشاؤمًا للحياة وتشكُّكًا أخلاقيًّا؛ لم تعُد الحياة تبدو بسيطة كما كانت من قبل. كذلك فإنَّ النساء أصبح يُنظَر إليهنَّ على نحو مُختلِف. تولَّت النساء الأمريكيات وظائف كان الرجال يشغلونها فيما مضى وهو تهديد للذات الذكورية والسَّيطرة الذكورية في سوق العمل. وما الذي كانت تفعلُه تحديدًا النساء والحَبيبات في المنزل بعدما سافَرَ الرِّجال للحرب؟ هذه الشُّكوك والمَخاوِف تضمَّنتْها موضوعات أفلام مثل «الناس القطط» و«مشيت مع زومبي» وهو مثال آخَر لكيفيَّة عكس أفلام الرُّعب المخاوِف المُعاصِرة. وبنهاية العقد، صنع نوعٌ جديد من الحروب أنواعًا جديدة من المخاوف والوحوش.
(٨) خمسينيات القرن العشرين: أفلام المخلوقات والحرب الباردة
دخَلَ الأمريكيُّون عقد الخمسينيات بآمال مُتجدِّدة في سلام دائم، لكن لم يمرَّ وقتٌ طويل قبل أن تتحطَّم هذه الأوهام. بدأ العِقدُ بصراع مرير في كوريا وانتهى بآخر في فيتنام. كان هناك قوَّتان عُظمَيان وأيديولجيَّتان تتنافَسان عالميًّا في إذكاء العَداوات. إن ما جعَل الحرب الباردة مُختلفة عن الأشكال الأُخرى من الحروب — وكان هناك العديد من أماكن الصراعات حول العالم — كان التَّهديد المُرعِب للإبادة النووية. كان كلٌّ من الولايات المتَّحدة والاتحاد السوفييتِّي يمتلك ما يكفي من الأسلحة النووية لتدمير الكوكب عدة مرات.
وبينما أراد القليل من الناس مواجَهة مخاوفهم من الأسلحة النووية بشكلٍ مباشر، تدفَّق الناس أفواجًا لمشاهدة ديناصور عملاق يدمر مانهاتن في فيلم «الوحش القادم من عمق عشرين ألف قامة» («ذا بيست فروم توينتي ثاوساند فاثومز»، ١٩٥٣) وأخطبوط عملاق يُهاجم سان فرانسيسكو في فيلم «جاء من تحت سطح البحر» («إت كيم فروم بينيث ذا سي»، ١٩٥٥). إن الرسائل اللاشعورية التي تضمَّنتها هذه الأفلام لم تكن بعيدة أبدًا عن السَّطح. كان كلا المخلوقَين نتاجًا فرعيًّا للتَّجارب الذرية وقُضي عليهما في النهاية بالأسلحة النوويَّة. وخلال عقد الخمسينيات بالكامل، لم يملَّ الجمهور أبدًا من مشاهَدة هذه الوحوش المتحوِّرة وظلَّت هوليوود تُنتجها. فتعرَّضت المدن الأمريكية لهجمات مُستمرة من النمل العِملاق («هُم!» («ذيم!» ١٩٥٤)) والعَناكب الهائلة («الرتيلاء» («تارانتولا»، ١٩٥٥))، والقِشريات المُفرطة في النمو («هجوم وحوش السلطعون» («أتاك أوف ذا كراب مونسترز»، ١٩٥٧)). حلَّت هذه المخلوقات العملاقة غير العاقلة محلَّ الوحوش الكلاسيكية الخاصة بالثلاثينيات التي بدَت الآن عتيقة وضئيلة بالمقارنة. دفعَت هذه المخلوقات نطاق الرُّعب ليدخل عالم الخيال العِلمي؛ حيث لا يتعرَّض الناس فقط للخطر بل مدن كاملة.
كما تعرَّض كوكب الأرض نفسه للخطر في سلسلة من قصص الغزو والتي وحوشها عبارة عن غُزاة فضائيِّين من كوكب المريخ الأحمر وأماكن انطلاق أخرى خارج الأرض. أحد أهم هذه الأفلام هو «غزو خاطفي الأجساد» («إنفيجن أوف ذا بودي سناتشرز»، ١٩٥٦)، والذي يُنظَر إليه بوجه عام كمَجازٍ عن صراعات الحرب الباردة. ما يجعل هذا الفيلم مُثيرًا للخوف بشكلٍ كبير هو أن الغُزاة الفضائيين يبدون كالبشر تمامًا. باستبدال نسخ مُتقَنة من جنسهم بالأصدقاء والجيران واحدًا تلو الآخر، يُخطِّط الفضائيُّون للسيطرة على العالم. أحد المشاهد الجديرة بالذِّكر هو عندما تتحوَّل إحدى الشخصيات الرئيسية للفيلم إلى كائن فضائي وهي في أحضان رفيقها الذي يندفع في الشارع صارخًا في سائقي السيارات والجمهور قائلًا: «إنهم يسعون وراءكم. إنهم يسعون وراءنا جميعًا … إنهم هنا بالفعل! أنتم التالُون!» يُفسِّر بعض المشاهِدين الذين رأوا الفيلم على أنه تحذير من خطر الشيوعيين محذِّرين من كيف أن الامتثال على الطريقة السوفيتية يُحوِّل البشر إلى آليِّين لا يُفكِّرون. يراه آخرون إدانة للمكارثية مُصوِّرًا أتباع السيناتور جوزيف مكارثي ككائنات مُستنسَخة لا عقل لها فقدت فرديَّتها بسبب الامتثال السياسي. على أيِّ حال، يُوضِّح أسلوب دون سيجل الإخراجي الغامِض أيديولوجيًّا كيف أن أفلام الرعب غذَت جُنون الارتياب المُميِّز لذلك العصر.
لم يقتصر تناوُل الحرب الباردة والمخاوف المرتبطة بها على أفلام هوليوود فقط؛ ففي عام ١٩٥٤ وبعد مرور عام على إطلاق وارنر برذارز لفيلم «الوحش القادم من عمق عشرين ألف قامة» وإعادة إصدار أستديوهات آر كيه أو لفيلم «كينج كونج»، أطلَقَت أستديوهات توهو اليابانية الوحش جودزيلا في فيلمها «جودزيلا» (١٩٥٤). كان الديناصور الذي يبلغ طوله ٤٠٠ قدم والذي استيقظ من سُباته منذ ما قبل التاريخ في المُحيط بسبب الإشعاع الذري إشارة واضحة لمَخاطِر الماضي والحاضر (انظر شكل ٣-١٣). بالنسبة إلى الجمهور الياباني، كانت مخاطر الوحوش التي صنعتها الأسلحة النووية ملموسة وحقيقية على نحوٍ خاص. لم يمرَّ الجمهور الياباني فقط بصدمة هيروشيما وناجازاكي بشكل مباشر عام ١٩٤٥، بل شهدوا أيضًا في رعب وعجز تفجير الولايات المتحدة لأول قنبلة هيدروجينية لها على جزيرة قُرب اليابان عام ١٩٥٣. أثبتَت القُنبلة أنها أقوى بكثير مما كان متوقَّعًا ناشرةً الحطام والسقم في جميع أنحاء المنطقة وشملَت سفينة صيد يابانية في نطاقها المُهلك. هذا النوع الفرعي لأفلام الوحوش غير البشرية، على وجه التحديد، والمعروف في اليابان باسم «كايجو إيجا»، أقرب للخيال العلمي منه إلى الرعب. هناك تقليد ياباني آخر خاص بقصص الأشباح أو «الكايدان» والذي يشبه على نحو أكبر القصص القوطية البريطانية والأفلام الكلاسيكية الخاصة بيونفرسال في الثلاثينيات. تقوم هذه القصص في الأساس على حكايات تحذيرية بوذية تقعُ أحداثُها في اليابان الإقطاعية القديمة، وتروي حكايات أشباح مضطربة، أو «اليوريه»، وعادةً ما يكنَّ نساءً يعُدن من الموت للانتقام بسبب مظلَمة أو لإيفاء حاجة غير مُشبَعة قبل أن يعبُرنَ إلى العالم الآخر. في فيلم «أوجيتسو» (الذي يُعرَف أيضًا باسم «حكايات أوجيتسو»، ١٩٥٣)، تُغوي سيدة جميلة صانع فخار هجَرَ زوجتَه ليَتبع أحلامه التي تتركَّز على ذاته فقط ويتَّضح أنها شبح مُميت. وفي فيلم «قصة أشباح يوتسويا» («ذا جوست ستوري أوف يوتسويا»، ١٩٥٩) والمُقتبَس من إحدى مسرحيات الكابوكي، يُطارِد شبح زوجة مقتولة زوجَها فارس الساموراي الطموح الخبيث. مثل هذه الأفلام تُركِّز على المخاوِف بسبب الرجال الخائنين الشارِدِين في طُموحهم، كما أنها تُجسِّد أخطار العنف المسلَّح. يدور كلا الفيلمَين في زمن الحرب حيث كانت النساء يعانين من الطموح العسكري لأزواجهن. تظهَر هذه الفكرة كذلك بصورة أكبر في فيلم «أونيبابا» (١٩٦٤) مع وجود إشارات رمزية إلى كارثة هيروشيما. بطلتا الفيلم هما زوجة وأم رجل فُقِد في إحدى المعارك. ولكي تظلَّا على قيد الحياة في البلاد التي مزَّقَتْها الحرب تلجآن إلى اصطياد الجنود المُصابين وبيع دروعهم من أجل شراء الطعام. ذات يوم يأسر الأم ساموراي يرتدي قناع شيطان. تقوده المرأة، المذعورة لكن واسعة الحيلة، إلى حافة حُفرة ضخمة مليئة بعظام ضحاياها؛ حيث يقع فيها ليَلقى حتفَه. لاحقًا، عندما ترتدي القناع لإخافة زوجة ابنها يمتزج بجلدها بحيث عندما يُزال في النهاية ينكشِف عن وجه مشوَّه بصورة بشعة. تستدعي تشوُّهات وجهها للأذهان صدمة إلقاء القنبلة الذرية عام ١٩٤٥ (استلهم المخرج كانيتو شيندو شكل الندوب من صور لضَحايا الإشعاع) بنفس القدر الذي تستدعي به الحفرة المليئة بالعظام شكل الفوَّهة التي تركتها القنبلة الذرية في هيروشيما. بهذه الطريقة، يُعيد فيلم «أونيبابا» إحياءَ أشباح الحرب العالمية الثانية وتاريخ اليابان العسكري الطويل.
كما رأينا مع مصَّاصي الدماء؛ فإن الصين لها تقليدُها الخاصُّ بالأشباح المضطربة. ظهرت الأرواح الخارقة للطبيعة في الأفلام الصينية منذ زمن قديم يرجع إلى ثلاثينيات القرن العشرين. عندما طُرد صناع السينما من وطنهم الأم، في البداية بواسطة نظام تشانج كاي شيك اليميني ثم حكومة ماو تسي تونج اليسارية، نقلوا تلك الأشباح إلى هونج كونج؛ حيث تحدَّثَت الماندارين والكانتونية من أجل جمهورٍ إقليمي. مزَجَت هونج كونج، والتي كانت دائمًا ثقافةً تقف في مُفترَق الطُّرق، بين عناصر من فولكلور الأشباح الصِّيني والقصص القوطية وأجناس أدبية أخرى لإنتاج أفلام رُعب مهجَّنة للاستهلاك المحلي والتصدير. كان فيلما «قصة حزينة لخادمة» («آ ميدز بيتر ستوري»، ١٩٤٩)، والذي صدر بالماندارين و«شبح سيدة البيت القديم» («جوست وومان أوف ذي أولد مانشن»، ١٩٤٩) والذي صدر بالكانتونية؛ من الأفلام المفضَّلة والتي أظهرت أن أشهر الأرواح المُنتقِمة غالبًا ما تكون لنساء.
(٩) ستينيات القرن العشرين: مختلُّو العقل والزومبي والحقوق المدنية وفيتنام
في أول أعوام العقد التالي، ظهرت ثلاثة أفلام مهمَّة في الطرف الآخر لنِطاق الأفلام الرفيعة المستوى/الوضيعة المستوى؛ وهي: «عينان بلا وجه» لجورج فرانجو في فرنسا، و«مختلس النظر» لمايكل باول في إنجلترا، و«مختل العقل» لألفريد هيتشكوك في الولايات المتحدة. يُصوِّر كلُّ فيلم قاتلًا يُعاني من خلل نفسي بصورة أكثر واقعية بطريقة مُثيرة للقشعريرة من ناحية الأسلوب، وبإتقان فني بشكلٍ متعمَّد يفوق أفلام الرعب الترفيهية السابقة. رفعت هذه الأفلام معًا من مكانة وحدة الرعب لآفاق جديدة، وأسَّست سوابق لنوع سينمائي فرعي جديد وهو أفلام التقطيع.
كذلك فإن فيلم «مختلس النظر» لمايكل باول يلمِّح إلى مُتعة اختلاس النظر الباعثة على الشعور بالذنب لدى الجمهور. هذه المرة تنتمي العيون لكلٍّ من الضحايا والقاتل، وهو مصور سينمائي شابٌّ مُضطرب إلى حدٍّ بعيد اعتاد تصوير ضَحاياه من الإناث قبل مُهاجمتهنَّ. يُعرَض العديد من مشاهد الفيلم من خلال عدسة كاميرا البطل حتى نُشاهد مع القاتل ضحاياه المرعوبات وهنَّ يلقَين حتفَهُن. وكما في فيلم «عينان بلا وجه»، فإن أسلوب باول الوثائقي، بالإضافة إلى إنسانية البطل المعيبة، هما ما يجعل الفيلم مخيفًا بدرجة كبيرة. استنكَرَت الصحافة الفيلم وانتهَت مسيرة باول السينمائية الرائعة فعليًّا. كان يُمكن للمجتمع البريطاني تقبُّل أفلام هامر القوطية كتسلية لا ضرر منها، لكنه لم يكن مستعدًّا بعدُ لتقبُّل واقعية باول الشديدة، وتصويره المتعاطف لوحشٍ مُختلٍّ نفسيًّا.
بقي لهيتشكوك، والمعروف ﺑ «أستاذ التشويق»، مهمَّة انتزاع إعجاب كلٍّ من النقَّاد رفيعي الثقافة والجمهور العادي على حدٍّ سواء. صدر فيلم «مختل العقل» باعتباره فيلم إثارة لا فيلم رعب. أحد أكثر عناصر الإثارة مفاجأةً في الفيلم هو موت نجمته، جانيت لي، قبل انتصاف الفيلم. ولإجبار الجمهور على الحضور مبكِّرًا، أصدر هيتشكوك أوامره لدور العرض بألا يُدخلوا أحدًا بعد بدء الفيلم. شكَّل مُرتادو السينما طوابير طويلة للدخول قبل إغلاق الأبواب. وبتأمُّل فيلم «مختل العقل» نجد أنه يُعتَبر نقطة مِحورية فاصلة بين الرعب الكلاسيكي والحديث، والنموذج المبدئي لأفلام التقطيع الأمريكية بمواقع أحداثها الداخلية المعاصرة ورؤيتها المتعلِّقة بالتحليل النفسي للجنون والأفكار الأخلاقية الضمنية التي تربط الغريزة الجنسية بالموت. يبدو بطل الفيلم نورمان بايتس شخصًا عاديًّا، وربما شخصًا انطوائيًّا جبانًا، حتى ندرك أنه مسكون بشخصية والدته ودوافع مكبوتة وإحساس بالذنب دافع للقتل، إن لم يكن بروح خارقة للطبيعة. وضع مشهد الاغتسال الشهير معايير جديدة للمُونتاج والصوت والعنف الواقعي. لا يُمكِن لأي شخص يُشاهد ثلاث دقائق من طعنات السكين واللحم العاري أن ينسى الزخم المُثير للذهول للقطات المقرَّبة وزوايا التصوير المُتنقِّلة (يضم المشهد خمسين قَطعًا بالكاميرا إجمالًا) والموسيقى التصويرية الصارخة ودوامة المياه الملوَّثة بالدماء التي تهبط في حركة دائرية في مصرف المياه ثم تتلاشى تدريجيًّا داخل صورة تدور لعين الضحية المفتوحة. يمدُّ هيتشكوك، مثل فرانجو وباول، يده خلال الشاشة مهاجمًا أكثر المواضع حساسية لدى المشاهد وهو العصب البصري.
شهدت ستينيات القرن العشرين ظهور مخلوق آخر خطير؛ ألا وهو: الطفل الشيطان؛ ففي عام ١٩٦١، صنع المخرج البريطاني جاك كلايتون فيلم «الأبرياء» («ذي إيونسينتس») المقتبس من رواية هنري جيمس القصيرة «دورة اللولب». أشار الأصل الأدبي إلى مصدر فيلم كلايتون وإخراجه للفيلم بالأبيض والأسود إلى بدء الابتعاد عن أفلام هامر المُبهرَجة ذات الألوان الصارخة. وفي الوقت الذي من المُمكن فيه النظر إلى الفيلم كحكاية خارقة للطبيعة عن مجموعة من الأطفال الأبرياء الممسوسين بأشباح غاضبة، هناك تفسير نفسي آخر منطقي تمامًا ولا يقلُّ إثارة للرعب عن الأول؛ فالعواطف التقليدية التي تخرج عن نطاق التحكُّم وتتسبَّب في فقدان العقل يُمكن أن تكون مهدِّدة — ومُهلِكة — بنفس القدر الذي تكون عليه الأشباح الخفيَّة. بدأ الأطفال المُرعبون والأشرار في الظهور في أفلام مثل «طفل روزماري» («روزماريز بيبي»، ١٩٦٨) و«طارد الأرواح الشريرة» (١٩٧٣) مما دفَع بعضَ المؤرِّخين السينمائيين للربط بين هذا الاتجاه والقلق الناتج عن الإجهاض وحبوب منع الحمل التي ظهرت لأول عام ١٩٦٠.
ظل مخرجو أفلام الرعب يبتكرون وحوشًا جديدة أو يُحْيون وحوشًا قديمة لتَجسيد المخاوف المعاصرة؛ ففي عام ١٩٦٨، أحدث جورج روميرو ثورةً في سينما الرعب بفيلم «ليلة الموتى الأحياء». يهجم زومبي روميرو جماعاتٍ لا أفرادًا. كما أن ما يدفعهم ليس الجنون أو الانتقام، بل دافع غير مُبرَّر لالتهام اللحم البشري. وبشكلٍ مضادٍّ لوحوش الماضي ذوي الكاريزما، فإن الزومبي ناس عاديُّون يرتدون ملابس المنزل أو العمل وأحيانًا يكونون من دون ملابس، لكنَّهم يندفعون للأمام كإحدى قوى الطبيعة. وبما أن عضة واحدة من أي زومبي تحوِّل الرجل أو المرأة أو الطفل إلى واحد منهم، فإن أفلام الزومبي تُغذِّي جنون الارتياب الخاص بالعدوى، بصورة تُشبه أفلام غزو الفضائيين في الخمسينيات. لكن في عام ١٩٦٨، كانت أمريكا تواجه مشكلات أكثر إلحاحًا من الحرب الباردة. بدأت الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام المعروفة باسم «فيت كونج» بشن هجوم «تيت» في شهر يناير، وكان بإمكان الأمريكيِّين مُشاهَدة العدوِّ على شاشات التلفزيون وهو يتقدَّم من دون توقُّف. وداخل البلاد، اندلعت الخلافات العنصرية حين عُرِض قانون الحقوق المدنية أمام الكونجرس. اتَّسم ذلك العام بأعمال الشغب في المدن واغتيالات الساسة مثل روبرت كينيدي ومارتن لوثر كينج الابن. تُشكِّل هذه الأحداث خلفية تاريخية لفيلم روميرو. وبتقديم روميرو للزُّومبي كقطيع لا يُمكن إيقافه، وجعله شخصيات الفيلم يتصارعون فيما بينهم، وعرضه لهجوم انتقامي على رجل أسود، شجَّع جمهوره لصُنع روابط بين الفيلم والأحداث الجارية. يُلمِّح فيلمُه التالي عن الزومبي «فجر الموتى» («دون أوف ذا ديد»، ١٩٧٨) إلى روابط إضافية للنزعة الاستهلاكية عندما تختبئ الشخصيات الرئيسية في مركز تجاري.
في تلك الأثناء، شعرت صناعة السينما نفسها بالتهديد؛ فبين عامَي ١٩٤٨ و١٩٦٨، خسرت هوليوود ثلاثة أرباع جمهورها بسبب تشريعات أدَّت إلى إفلاس بعض الأستديوهات وانتشار التلفزيون والأشكال المنافِسة من الترفيه في الهواء الطَّلق. كانت حيل ويليام كاسل وأفلام رعب المُراهِقين الخاصة بشركة أمريكان إنترناشونال بيكتشرز ومجلات المعجَبين مثل «الوحوش الشهيرة لعالم الأفلام» جميعُها جزءًا من مجهودات اجتذاب حشود المشاهِدين وإعادتهم مرةً أخرى إلى دور العرض. بانقسام عامة جمهور المشاهدين إلى أسواق متخصِّصة، تبنَّت جمعية الفيلم الأمريكي نظام تقييمٍ جديد يُصنِّف الأفلام إلى فئات عمرية مختلفة بدلًا من الحكم عليها بشكلٍ كلي. استمرَّ كاسل وكوهين وكورمان في صنع أفلام رعب مثيرة. واستمر كيه جوردون موراي في إنتاج أفلام الاستغلال المكسيكية المربحة خاصته. وفي بريطانيا، أصدرت أستديوهات هامر المزيد من الأجزاء من فيلمَي «دراكولا» و«فرانكنشتاين»، بالإضافة إلى أفلام المومياوات والإثارة النفسية. وأنتجت اليابان أجزاءً تالية لأفلام مثل «موذرا» و«أونيبابا». كما أضافَت دول مثل بولندا وروسيا وألمانيا الغربية والسويد والبرازيل رؤيتها الخاصة لأفلام الرعب.
بدأ أحد أكثر التطوُّرات أصالة بالنسبة إلى أفلام الرعب في هذا العقد في إيطاليا، موطن جحيم دانتي ولوحة «الحساب الأخير» لميكيلانجلو وغيرها من الرؤى المفصَّلة للجحيم؛ ففي عام ١٩٦١، حقق ماريو بافا نجاحًا دوليًّا بفيلم «بلاك سانداي» («الأحد الأسود»)، وهو من أفلام مصَّاصي الدماء المقتبَس بنحو حرٍّ من قصة قصيرة للأديب الروسي نيكولاي جوجول بعنوان «فيَّ». كان «الأحد الأسود» يتَّسم بالمظهر الحديث، وأسلوبه الصادم، والتبادُل بين عرض الشاعرية التعبيرية وعنْف الجران جنيول، وتلاه جزءٌ آخر وهو «السبت الأسود» («بلاك ساباث»، ١٩٦٣) والمُقتبَس من حكاية للأديب الروسي ليو تولستوي، وقام بوريس كارلوف فيه بدور مصَّاص الدماء. صنَع بافا عشرات الأفلام بأنواع سينمائية وأساليب فنية عديدة، لكن أكثر ما يشتهر به هو مساهمته في الجيالو (أصفر بالإيطالية) ويُشير إلى نوع من الأفلام والأدب اقتبس تسميتَه من لون غلاف كتب الجيب الرخيصة المُثيرة التي انتشرت في إيطاليا بعد الحرب. كانت مُبالغات بافا الميلودرامية واهتمامه بالصورة على حساب القصة والشهوة الجنسية المرضية التي تسري في أفلامه عوامل تأثير قوية في العقود التالية على مُخرجين إيطاليين آخرين، مثل لوتشو فولتشي وداريو أرجنتو (انظر قسم «لقطة مقربة: ساسبيريا») وكذلك مخرجين أمريكيِّين مثل جو دانتي وجون كاربنتر وتيم برتون.
(١٠) السبعينيات: مطاردة العائلة الأمريكية
من نواح عدة، استمرَّت أحداث الستينيات في عقد السبعينيات؛ فقد استمرَّت حرب فيتنام حتى عام ١٩٧٥ مُثيرة المزيد من الاحتجاجات من شباب صغير السن بعيد عن قيم آبائه. كما ارتفَعَت أصوات النسويين ونشطاء البيئة أكثرَ دفاعًا عن قضية تحرير المرأة، ونظموا مسيرات لحماية موارد الكوكب الطبيعية من جشع الشركات. ووسعت حركة الهيبيز من تجاربها مع حرية العلاقات الجنسية وعقاقير الهلوسة. لكن بحلول منتصف العقد، بدأت الأمور في التغيُّر حيث ساءت اقتصاديات الولايات المتحدة ودول صناعية أخرى، فيما عدا اليابان التي زاد ازدهارها. وبدأت حدة الحرب الباردة تقلُّ بظهور قيادات جديدة مُعتدِلة في الصين والاتحاد السوفييتي. كانت رُوح جديدة من المحافظة تُسيطِر في جميع أنحاء العالم وهو ما انعكس في حكومة مارجريت ثاتشر في بريطانيا ونظام أوجستو بنوشيه في تشيلي. وفي أمريكا، كانت وسائل الإعلام تتحدَّث الآن عن عقد «الأنا» مؤشِّرة بانتهاء تأكيد الجيل السابق على المجتمع والالتزام.
بالنسبة إلى السينما، أصبحت العائلة الأمريكية بؤرةَ تركيز للتعبير عن مشاعر القلق الشديد بشأن القيم التقليدية والوحدة الاجتماعية الأساسية التي كان من المُفترض أن تكون ملاذًا لها. يبدأ فيلم «التلال لها عيون» (١٩٧٧) لويس كرافن باعتباره فيلم طريق عائلي. تُسافر عائلة من الطبقة المتوسِّطة، آل كارتر، خلال صحراء نيفادا أثناء العطلة. يجلس الأب والأم، بوب وإيثيل، مع ابنَيهما المراهقَين في سيارة عائلية تجر مقطورة. يرافقهم كذلك الابنةُ الكبرى للعائلة وزوجها وطفلتُهما الرضيعة. ما لا يُدركه آل كارتر هو أن عائلةً أخرى تراقبهم من التلال. يبقى هؤلاء الوحشيون غير المتعلِّمين من ساكني الصحراء على قيد الحياة بجمع المُعدَّات من قاعدة عسكرية قريبة وقتْل المسافرين وتناولهم كطعام. وُلد ربُّ العائلة المتوحِّشة، بابا جوبيتر، بتحوُّر جيني، وهو فيما يبدو ضحيةٌ لأحد الاختبارات النووية. كان جوبيتر في طفولته عنيفًا؛ حيث أشعل النيران في المنزل الذي يعيش فيه بينما كانت شقيقته بداخله. وتربى أطفاله الذكور، الذين يحملون جميعًا أسماء كواكب، ليُصبحوا وحوشًا مثله. في البداية تبدو عائلة الوحوش أشباه البشر هذه الضدَّ الآخر لآل كارتر، لكن أثناء صراع الجانبَين للبقاء على قَيد الحياة، تبدأ الاختلافات في الاختفاء. إنَّ الأب بوب كارتر ضابط شرطة مُتقاعِد وشخصية أبوية مُفرِطة في الذكورة يحكم عائلته بقبضة حديدية. سلَّح بوب الرجال في عائلته بالمسدسات وكلبين من نوع الراعي الألماني لكنهم غرباء في أرض عدائية. يُطبِّق الرجال في قبيلة جوبيتر أساليب حرب العصابات التي تُذكِّر بحرب فيتنام؛ فهم يُطارِدون ضحاياهم ليلًا في ريفٍ مألوف التضاريس بالنسبة إليهم، حيث يعتبرون آل كارتر غُزاة، ويستخدِمون النظارات المكبِّرة وأجهزة اللاسلكي التي سرَقُوها من قاعدة القوات الجوية للتواصل فيما بينهم. وإذا كانت أفلام الرعب تتعلَّق بالبقاء على قيد الحياة، فإنَّ فيلم كرافن يناقش ما يتطلبه الأمر للبقاء حيًّا. إن أكثر مشاهد العنف إثارة للخوف لا يرتكبها سكان الصحراء، بل يقوم بها آل كارتر دفاعًا عن النفس. إنَّ الخدع القاسية والاعتداء العنيف اللذَين يلجئون إليهما يُغيِّران العائلة الأمريكية تغييرًا كاملًا.
إذا كان فيلما «مذبحة منشار تكساس» و«التلال لها عيون» قد جسَّدا قلق أمريكا من إساءة معاملة المجموعات المهمَّشة؛ فإن خوف الأمة من الاستغلال السيئ للطبيعة والجسد البشري عَبَّر عنهما نوعان سينمائيان فرعيان آخران؛ وهما: أفلام رعب الطبيعة، وأفلام رعب الجسد. في الستينيات، انتقمت مخلوقات طائرة من الإنسان في فيلم «الطيور» («ذا بيردز»، ١٩٦٣) لألفريد هيتشكوك، وفيلم الرعب البريطاني «النحل المميت» («ذا ديدلي بيز»، ١٩٦٦). في السبعينيات، حصلت المخلوقات ذات الزعانف (كما في فيلم «فكان» (جوز)، ١٩٧٥)، وذات الفِراء (كما في فيلم «القطيع» («ذا باك»، ١٩٧٧)) على فُرصَتِها في الانتقام. تجسَّدت المخاوف من التحوُّر والعَدوى والتشوُّه والطُّفيليات في أشكال مُرعبة في أفلام مثل «إنه حي!» («إتس آلايف!» ١٩٧٤) للمُخرج لاري كوهين، و«رجفات» («شيفرز»، ١٩٧٥) لديفيد كروننبرج و«رأس الممحاة» («إريسرهيد»، ١٩٧٧) لديفيد لينش، و«فضائي» (إليان، ١٩٧٩) لريدلي سكوت. وفي أحد أكثر أفلام الرعب الجسَدي مبالَغةً، يقوم فينسنت برايس بدَور رجل مجنون غريب الأطوار في فيلمين بريطانيَّين: «الدكتور فايبس البشع» («ذي أبومينابول دكتور فايبس»، ١٩٧١)، و«الدكتور فايبس ينهض من جديد» («دكتور فايبس رايزز أجين»، ١٩٧٢). الدكتور فايبس هو عازف أرجن مشوَّه الوجه، مثل شبح الأوبرا، لكنَّه يلوم الطب على ما حلَّ به من مكروه وموت ابنته. ومن خلال سلسلة من الخدع المُتقَنة، يبدأ في معاقبة عشرة أطباء يُحمِّلهم المسئولية بمهاجمة أجسادهم بطرُق غير متوقَّعة ومُبتكَرة.
وبزيادة نهم أفلام الرعب ووعيها الذاتي، واستيعابها لأفكار وأساليب معاصرة، أصبح من الصعب التفريق بين الصراخ والضَّحِك؛ ففي فيلم «الدكتور جيكل والأخت هايد» («دكتور جيكل آند سيستر هايد»، ١٩٧٢) الذي أنتجته شركة هامر، يتحوَّل الرجل الفيكتوري المهذب إلى أُنثى ذئب. أما فيلم «بلاكولا» (١٩٧٢) إنتاج شركة أمريكان إنترناشونال بيكتشرز فكان من أفلام الاستغلال الكوميدية الخاصة بالسود. وفيلم «عرض روكي السينمائي المرعب» («ذا روكي هورور بيكتشر شو»، ١٩٧٥) كان فيلمًا غنائيًّا مبتذلًا. لكن أحد الأفلام كان جادًّا جدًّا فيما يعرضه؛ فقد صُنِع فيلم «هالووين» (١٩٧٨) لجون كاربنتر ليُثير ذعر المراهقين من مُشاهِديه، ونجح في هذا نجاحًا فاق توقعات كاربنتر نفسه، وأصبح أحد أكثر الأفلام ذات الميزانيات المنخفضة ربحًا في التاريخ السينمائي. حقَّق كارنبتر هذا بالمزج بين عناصر من أفلام التقطيع الأولى وإضافة بضعة تعديلات خاصة به.
يبدأ «هالووين» بصوت أطفال يُنشِدون أنشودةً مألوفة عن الأشباح والعفاريت. إنها ليلة عيد الهالووين عام ١٩٦٣ وهي ليلة لجمع الحلوى وتنفيذ المقالب. من خلال لقطة متابعة مهتزَّة مصورة بكاميرا محمولة باليد، نقترب من مقدمة منزل تقليدي في إحدى الضواحي، ثم تتسلَّل الكاميرا إلى النافذة الجانبية لنُشاهِد فتًى وفتاة مُراهقَين يُقبِّلُ أحدُهما الآخر على الأريكة. ثم تصمُت الموسيقى التصويرية صمتًا مُقلقًا فيما عدا صوت صرَّار الليل، ثم يُبدد هذا الصمت صوتٌ عالٍ مزعج، بينما تتحرَّك الكاميرا لتدخل المنزل حيث تلتقِط يدٌ سكينًا ضخمًا من المطبخ، ونمضي خلال كل غرفة حتى نصل إلى السلم. في الطابق العلوي، تجذب اليد قناع لعبة من غرفة الأطفال، ونرى اللحظات القليلة التالية من خلال فتحات العينَين في القناع. تجلس الفتاة المراهقة في غرفة النوم إلى التسريحة شبه عارية. بعد نظرة خاطفة إلى السرير، نراها تلتفِت نحو الكاميرا في رعب، بينما تُطعَن بالسكين مرةً تلوَ الأخرى. المشهد باعث على القشعريرة، لكن أكثر اللقطات إثارة للرعب هي عندما نرى القاتل خارج المنزل واقفًا على المرج الأمامي؛ طفل أشقر لطيف يرتدي بدلة مُهرج ويحمل في يدٍ السكينَ الملوَّثة بالدماء وفي الأخرى قناعًا. يستعير فيلم «هالووين» أسلوب الكاميرا الشخصية من فيلم «مختلس النظر» واضعًا إيانا كمُشاهِدين في موضع القاتل. تُكرِّر الموسيقى التصويرية الغريبة للفيلم التوزيع الموسيقي المتنافر، والإيقاع الموسيقي المُثير للارتباك في فيلم «ساسبيريا». يستدعي شكل مايكل مايرز الصغير وهو يحمِل سكين المطبخ خاصَّته الأطفالَ الشياطين لأفلام مثل «طارد الأرواح الشريرة» و«الأبرياء». وعندما يكبُر مايكل ويهرب من مستشفى الأمراض العقلية، يُظهر القوة والمقدرة على تحدي الموت اللتين تُميِّزان وحوش يونفرسال الخارقة للطبيعة. إن أحد أكثر الأمور المثيرة للاضطراب بشأن الفيلم هو انعدام المنطِق في الأمور. فلا يبدو أن مايكل يمتلِك أي دافع واضح. وحتى الدكتور لوميس، طبيب مايكل النفسي، لا يمتلِك أي تفسير معقول مشيرًا إلى مريضه بوصفه شرِّيرًا بنحو غير بشري. إنه «الشبح»؛ أي، قوة قاسية غير مفهومة وراء قناع (انظر قسم «لقطة مقربة: هالووين»).
(١١) الثمانينيات: المطاردات والعواء في عهد ريجان
بعد مرور عقدَين من الصراعات غير المحسومة بين القوى السياسية لليَمين واليسار، نشَرَت الثمانينيات رُوحًا جديدة من المحافظة خلال جزء كبير من الدول المتحدِّثة بالإنجليزية؛ ففي بريطانيا، تسيَّد حزب المحافظين المشهد السياسي من خلال حكومتَي مارجريت ثاتشر ومن بعدها جون ميجور من عام ١٩٧٩ وحتى عام ١٩٩٧. وفي الولايات المتحدة، تولى رونالد ريجان رئاسة البلاد فترتين متتاليتَين من عام ١٩٨١ وحتى عام ١٩٨٩. كان ريجان يعمل وفقًا لمنصَّة من القيم التقليدية مُتعهِّدًا باستعادة الوطنية والرخاء اللذَين ميَّزا عقد الخمسينيات. وفي أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتِّي، أدَّت معارضة الحكم الشيوعي إلى سقوط حائط برلين عام ١٩٨٩، وتبع هذا نهاية الاتحاد السوفييتي مما أنهى فعليًّا الحرب الباردة. في نفس الوقت، كانت جمهورية الصين الشعبية تجرِّب الإصلاح الاقتصادي مُقدِّمةً عناصر الرأسمالية، وفاتحةً أبوابها أمام الغرب. أما اليابان فقد كانت تقوم ﺑ «معجزة اقتصادية» على مدار العقد، وحذت كوريا الجنوبية حذوَها مُنتخبةً أول رئيس ديمقراطي لها عام ١٩٨٧، بينما زادت عزلة جارتها الشمالية في ظل الحكم الديكتاتوري الشيوعي المتوارَث.
تركت هذه الاتجاهات وأحداث أخرى بارزة علامَتَها على سينما عقد الثمانينيات. عندما أحست هوليوود بوجود سوق للحَنين إلى الماضي أنتَجَت سلسلةً ناجحة من أفلام «رامبو» و«روكي» و«العودة إلى المستقبل» («باك تو ذا فيوتشر»). كانت سلاسل الأفلام الشعبية التي تُقدِّم هروبًا من الواقع مثل «حرب النجوم» (الجزء الخامس (١٩٨٠) والسادس (١٩٨٣))، و«إنديانا جونز» («التابوت المفقود» (١٩٨١)، و«معبد الهلاك» (١٩٨٤)، و«الحملة الأخيرة» (١٩٨٩)) ضمن أكثر الأفلام حصدًا للإيرادات في شباك التذاكر. وفي روسيا، كان انهيار الحالة المالية للبلاد يعني أن صُنَّاع الأفلام سيأخذون أوامرهم من مصدر جديد وهو ديكتاتورية السوق. وفي برِّ الصين الرئيسي، كان الانتقال من الأستديوهات التي تُديرها الحكومة إلى شركات الإنتاج المستقلة بطيئًا بعض الشيء، لكن اليابان وكوريا الجنوبية كانتا تصنعان بالفعل موجاتٍ سينمائية جديدة ضخمة.
بين أفلام الرعب الأمريكية، كانت القمة لفيلمَي «يوم الجمعة الثالث عشر» («فرايداي ذا ثيرتينث»، ١٩٨٠) لشون كانينجهام، و«كابوس شارع إِلم» («آ نايتمير أون إِلم ستريت»، ١٩٨٤) لويس كرافن، وأدَّى هذا إلى صدور سلسلة مُتتالية من أفلام التقطيع الخاصة بالمُراهقين، التي يرجع السبب في شعبيتها إلى فيلم «هالووين». انضمَّت الشخصيات الشريرة، مثل جيسون فورهيس وفريدي كروجر لمايكل مايرز في مطاردة الخيال سريع التأثُّر للشباب الأمريكي. ينهض جيسون من أعماق بحيرة كريستال ليك حيث غرق كطفل بينما كان الإخصائيان المكلَّفان برعايته في المعسكر المُقام هناك مشغولَين بممارسة الجنس. وعندما يفتح المعسكر أبوابه مرةً أخرى بعد خمس سنوات، يهاجم جيسون المجموعة الجديدة من الإخصائيين واحدًا تلوَ الآخر. تختلف دوافع فريدي، لكنَّ ضحاياه متشابهون؛ فبعد إحراقه حتى الموت بواسطة مجموعة من الآباء الغاضِبين الذين يتَّهمونه بالتحرش بأبنائهم، ينتقم من هؤلاء الآباء بقَتلِ أبنائهم المُراهقين. ما يجعل فريدي مُرعِبًا بشدة هو أنه يُهاجم ضحاياه في أحلامهم.
وكما هو الحال في أفلام التقطيع الأولى، وأفلام الرعب بوجهٍ عام، فإن العنف والجنس لا ينفصل أحدهما عن الآخر إلا قليلًا جدًّا. يقتل مايكل شقيقتَه حالَما يترك حبيبُها غرفة نومها كما أن ضحاياه التالين مُراهقون منحلُّون. كذلك فإن الإخصائيِّين الذين يقتلهم جيسون إما مشغولون بالجنس أو تدخين الماريجوانا. يبدو الأمر كما لو كانوا يُعاقَبون بواسطة قوة أبوية بديلة. كذلك فإنَّ ضحايا فريدي يكتنفُهم القلق من الجنس. هل تعرَّضوا للإيذاء وهم أطفال؟ هل أخطأ آباؤهم بقَتلهم فريدي والحِفاظ على موته حرقًا سرًّا؟ في هذا السياق، فإن هذه القصص الخاصة بالشعور بالذنب والخطيئة تعكس القيَم المحافظة لتلك الأوقات. لكن الموقف الأخلاقي لتلك القصص لا يكون واضحًا دائمًا. تُساهم الكاميرا نفسها في خلق نوع من الغموض الأخلاقي؛ ففي فيلم «هالووين»، تتبادَل لقطات وجهة النظر عرض منظور مايكل ووضْع ضحاياه. وفي فيلم «يوم الجمعة الثالث عشر» و«كابوس شارع إِلم»، يُدعَى المشاهد أيضًا للتوحُّد مع كل من الصياد والضحية. في نفس الوقت، فإن هوية القاتل غالبًا ما تكون مختفية وراء قناع أو غير واضحة، ووضْع الكاميرا يكون غامضًا ومُبهَمًا. يخلق هذا تباعُدًا أخلاقيًّا ويزيد من التوتُّر. فنحن لا نُدرك هوية القاتل أو متى وكيف سيهجم.
تُكمل قصص أفلام التقطيع الاتجاه إلى تقريب قصص الرعب أكثر للمُشاهِد؛ فبنحوٍ مضاد للقلاع البعيدة للأفلام القُوطية الأولى، تدور أحداث هذه الأفلام في مواقع أحداث مألوفة أو عائلية، مثل مدينة في الغرب الأوسط الأمريكي، أو في شارع إلم، أو بالقرب من معسكر صيفي للأطفال. الوحوش هنا ليسوا مصَّاصي دماء أو نتائج تجارب طبية لكنهم جيران يتحوَّلون إلى أشباح غاضبة بسبب حوادث معلَّقة لم تُحَل بعد. الضحايا على الشاشة بشر عاديُّون يُشبهون بنحو كبير المشاهدين الجالسين في دُور العرض كثيرًا. صدرت ثلاثة أفلام في تتابُع سريع عن عائلات أمريكية، تبدو طبيعية، تنتقل لتسكن بيوتًا مسكونة بالأشباح. في فيلم «رعب أميتيفيل» («ذي أميتيفيل هورور»، ١٩٧٩)، يقع المنزل الذي تدور فيه الأحداث في لونج آيلاند، ويتَّضح أنه مسكون بسبب أحداث سابقة وقعت فيه؛ فقد قتل مالكه السابق جميع أفراد عائلته فيه. ورغم علم السكان الجُدد بهذا، فلا يُمكنهم رفض السعر المنخفض لمنزل الأحلام زاعمين أن «المنازل ليس لها ذكريات». لكن بعد وقت قصير على انتقال آل لوتز إلى المنزل، تبدأ سلسلة من الأحداث المُخيفة الخارقة للطبيعة في إحداث أثر سيئ عليهم. وفي فيلم «الشبح الصاخب» («بولترجايست»، ١٩٨٢)، يُسيطر على المنزل الجديد قوة خارقة تُسمَّى «الوحش» وتتسبَّب في ترويع عائلة آل فريلينج حتى يكتشِفوا أن المنزل بُني على مقبرة للسكان الأصليِّين لأمريكا ممن أسيئت معاملتهم. تُدرك هذه العائلات ما يُدركه كل قارئ لقصص الأشباح القوطية، وهو أن البيوت لها ذكريات. يُدركون كذلك الجانب المُظلِم للحلم الأمريكي، وأن امتلاك المنازل يُمكن أن يكون أمرًا مروِّعًا وليس مصدر سعادة، وأن السعي للارتقاء للأعلى في المجتمع يمكن أن يُسقِط أي عائلة للأسفل.
في فيلم «البريق» (١٩٨٠) للمخرج ستانلي كوبريك، ترحَلُ العائلة بعيدًا عن المنزل. تدورُ أحداث الفيلم في فندق جبلي فخم مُنعزِل وسط الشتاء، وتتركَّز القصة على عائلة من ثلاثة أفراد. الأب جاك (الذي يقوم بدوره جاك نيكلسون) الذي يحتاج إلى عزلة وهُدوء الفندق حتى يُمكنه كتابة روايتِه. وتقضي زوجته الخجولة ويندي (تقوم بدورها شيلي دوفال) الساعات في التجوُّل في غرف الفندق العديدة مهتمَّة بابنهما داني الذي يتحدَّث مع صديق تخيُّلي. بنحو مضاد لفيلمي «مذبحة منشار تكساس» و«التلال لها عيون»، حيث تتعرَّض العائلة الصغيرة للتهديد الخارجي، فإنَّ أكبر تهديد في الفيلم يأتي من داخلها. تكتشف ويندي هذا يومًا ما عندما تجد مئات من صفحات مسودة رواية جاك تحوي جملة واحدة مكتوبة مرارًا وتكرارًا في كل صفحة. يُطاردها زوجها بكل ما يجده من أدوات، ومنها فأس، بينما كل ما يمكنها العثور عليه هو مضرب بيسبول للأطفال يخصُّ ابنها. إلى حدٍّ ما، يُمكن تفسير شراسة جاك من الناحية النفسية كنتيجة للبقاء في مكان مغلق لفترة كبيرة أو تناول الكحوليات أو جنون يختمر منذ فترة طويلة. لكن هذا لا يفسر أحلام داني التنبؤية أو قُدراته على التخاطُر أو ظهور أشباح من ماضي الفندق المضطرب. يكسر كوبريك في الفيلم العديد من قواعد سينما الرعب ويخترع قواعد جديدة عارضًا بعض الهجمات في غرف الفندق المضيئة جيدًا، المتجددة الهواء، ومقدمًا مشاهد متابعة بكاميرته المتحرِّكة خلال أروقة ودهاليز متعرِّجة ومُرتفعة عن الأرض بمقدار بضع بوصات فقط، ومستخدمًا المرايا والتماثُل والمساحات المُلتوية كالمتاهات لخلق أجواء من الهَوَس والتضليل. ومثل المنزل في فيلم «الشبح الصاخب»، بُني فندق أوفرلوك فوق مقبرة للهنود الحمر. عثر مفسِّرو الفيلم على معانٍ ضمنية في الفيلم عن المذابح الجماعية والعبودية والإمبريالية، وفصول مظلمة أخرى من التاريخ الأمريكي، مما يُضيف للأثر الإجمالي للقوة الدافعة الشديدة للفيلم وصُوَره المثيرة للرعب.
أُعيد ملء ترسانة الصور المُرعبة في عقد الثمانينيات بسبب التطوُّرات في المكياج والمؤثِّرات الخاصة واللذَين أصبح صانعوهما فنَّانين مشاهير في حد ذاتهم. صمَّم كيفن ياجر «تشاكي» الدمية الشيطانية في فيلم «لعبة طفل» («تشايلدز بلاي»، ١٩٨٨) وجعل جيسون وفريدي يبدوان أكثر بشاعة في العديد من الأجزاء المتمِّمة. كما بث ريك بيكر روحًا جديدة في أفلام المُستذئبين بمَشاهد تحوُّل مذهلة في فيلم «مذءوب أمريكي في لندن» («آن أمريكان ويروولف إن لندن»، ١٩٨١) وفيلم «العواء» («ذا هاولينج») في العام ذاته. ساهم بيكر كذلك في فيلم «فيديودروم» الذي له طوائف مُخلِصة من المعجبين. أخرج هذا الفيلم المُخرج الكندي ديفيد كروننبرج ويحكي قصة مصمِّم برامج طموح لإحدى محطات تلفزيون الكابل يسعى لزيادة مُشاهَدات المحطة بعرض العنف والجنس الغريب والشاذ. يؤدِّي انزلاقه لعالم كابوسي من الصفقات الإعلامية وأفلام التعذيب إلى انهياره الجسدي والنفسي. رؤية كروننبرج لرُعب الجسد المتَّسمة بجنون الارتياب — وهي دمج سريالي بين التكنولوجيا والتشريح البشري — مُشبعة جسديًّا وفكريًّا.
في الهند، سيطر خمسة إخوة على سينما الرعب؛ حيث أنتجوا وأخرَجُوا وكتبوا سيناريو وقاموا بمونتاج أشهر أفلام الرُّعب الهندية خلال عقدَي السبعينيات والثمانينيات. أدخل الإخوة رامزي الرعب في التركيبة البوليوودية التقليدية (الغناء والرقص والكوميديا والميلودراما)، مستخدِمين أدوات أسلوبية من أفلام الجيالو لماريو بافا (أنواع جيل ملوَّنة وميتات بشعة ومواقع أحداث لها جوُّها الخاص) وعناصر من مُستودَع أيقونات هوليوود (قصور وأنياب ووطاويط) بجانب إضافة مكون هندي خالص؛ سحر التانترا. التانترا هي طقوس رُوحانية في الهندوسية والبوذية مرتبطة بعبادة شاكتي، وهي التجسُّد الإلهي للحرية والقوة الإبداعية الأُنثوية. وعندما كانت بريطانيا تحتلُّ الهند، كانت تنظُر إلى التانترا على أنها قوَّة خطيرة وعدو للعقلانية وشبكة غامضة من تعدُّد الآلهة والجنس والفوضى. رُوِّع الإنجليز من مذهب يدعو لممارسة السحر ويُحرِّر أتباعه من المحرَّمات التقليدية. انتابت مخاوف وتحيُّزات البريطانيين العديد من الهنود الذين تبنَّوا أساليب الحياة الغربية؛ ففي فيلم «المعبد القديم» («ذي أولد تمبل»، ١٩٨٤)، تتَّخذ تهديدات التانترا هيئة شامري وهو عفريت مخيف يُروِّع عائلة البطلة على مدار أجيال مُنْزِلًا لعنة بكل نساء العائلة. الطريقة الوحيدة لهزيمتِه هي استخدام الرمح الثلاثي للإله شيفا، وهو المُعادِل الهندوسي للصليب المسيحي. بعد خمس سنوات، أعاد الإخوة رامزي إحياء هذا الوحش ومنَحُوه موقعًا جديدًا ليَسكُنه (انظر شكل ٣-١٥) في فيلم «المنزل القديم» («ذي أولد مانشن»، ١٩٨٩). وفي فيلم «فيرانا: انتقام مصَّاص الدماء» («فيرانا: فينْجِنْس أوف ذا فامباير»، ١٩٨٨)، يُغوي شبح ساحِرة شريرة متجسِّدٌ في هيئة امرأة جميلة الرجالَ ويمتصُّ دماءهم بمساعدة السحر الأسود لكاهن من كهنة التانترا وأتباعه. وفي فيلم «الباب المغلق» («ذا كلوزد دور»، ١٩٩٠)، يتَّحد مصَّاص دماء مع ساحر وساحرة وكاهن وأشرار آخرين من مُمارِسي التانترا لاستدراج النسوة البريئات إلى كَهفِهم المُظلِم كفرائس. يدور الصراع الضِّمني في هذه الأفلام بين حداثة الهند وماضيها المظلم المليء بالخُرافات والأساطير.
في السينما الصينية، أعيد إحياء مجموعة من وحوش الرعب لإنعاش صناعة السينما الآخذة في الاضمحلال. استمرَّ ازدهار أفلام الكونغ فو على مدار عقد السبعينيات حتى سقَطَت ضحية للإفراط في تقديم التركيبة التقليدية لها وتناقُص المعايير. واستعادت أستديوهات هونج كونج بعضًا من شهرة تلك الأفلام بمزج الكونغ فو بالكوميديا، مُستبدلةً بحدةِ وجديةِ بروس لي أساليب جاكي شان وسامو هونج الأكثر مرَحًا في القتال. في الثمانينيات، عزَّزت الأستديوهات مرةً أخرى من شهرة أفلام القِتال بإضافة عناصر الرُّعب مُستعيرة بعض وحوش هوليوود وهامر، وأيضًا مستعينة بتراث الصين القديم في الرعب الخارق للطبيعة. على سبيل المثال، إنَّ «الجيانجشي» أو «مصَّاص الدماء القفَّاز» الخاص بالفولكلور الصيني، مرتبط بالمُمارسة القديمة الخاصة بنَقل الجثث إلى مسقط رأسها من مواقع بعيدة. طبقًا لبعض الروايات، غالبًا ما كان يُستَعان بكهنة الطاوية لنقل الجثث سواء في عربات أو على الأقدام وقد قيدوها إلى عيدان خيزران مرنة حتى تبدو وكأنها تقفِز عندما تُرَى من بعيد. في فيلم «السيد مصَّاص الدماء» (١٩٨٥)، يتقافز طابور كامل من الجيانجشي الخاضعين لسحر كاهنٍ طاويٍّ في الشارع يقودُهم الكاهن الذي يرن جرسًا حتى يكسر أحدهم السحر ليَسود الهرج والمرج. بنحو مضاد للجيانجشي، الذين بداخلهم شرارة من حياة، فإن «السيشي»، أو الجُثث العادية، هم مجرد موتى ويجب عليهم انتظار أحد ليبث فيهم الحياة من جديد، كما هو حال العشرات من السيشي بَشِعي المنظر في فيلم «أسطورة مصَّاصي الدماء السبعة الذهبيين».
تحتلُّ الأشباح الصينية (الجواي) مكانة أعلى في سلم الكيانات الخارقة. في كتاب «حكايات غريبة من مرْسَم صيني» لبو سونجلينج، الذي يُعدُّ المصدر الأدبي للعديد من قصص أفلام الرعب، عادةً ما تكون الأشباح فتيات مثيرات (أحيانًا يكنَّ على هيئة «هولي» أو أرواح ثعالب) يُغوين الرجال ليسيطرن على أجسادهم. تتعلق داوفعهن بالاعتقاد البوذي بتناسُخ الأرواح؛ فبعد الموت، تحتاج الروح البشرية إلى جسد مادِّي للانبعاث من جديد. ربما تجوب هذه الأشباح الجائعة الخاصة بالتراث الصيني الأرضَ وتُطارد الأحياء بسبب عائق ما — ظلم لم يُعاقَب مرتكبه أو حب غير متبادل — اعترض تقدمهم نحو التنوير. بالنسبة إلى الطاويِّين، فإن الروح المضطربة لا تقع في صراع بين الخير والشر كما هو الحال في المسيحية، بل تخوض رحلةً للوصول إلى التناغم الداخلي والخارجي. يسعى الشبح الطاوي إلى استعادة التوازن بين الأحياء والأموات؛ لذا وبينما يمكن أن تبدو الأشباح المضطربة مخيفةً ومُتوعِّدة بالشر، يُمكنها كذلك أن تبدو شخصيات تبعث على التعاطف بالنسبة إلى الجمهور الصيني؛ لأن ما يحدث للأشباح يمكن أن يحدث للجميع.
أكسب بو سونجلينج (١٦٤٠–١٧١٧) قصصه طابعًا أخلاقيًّا يكشف الضعف البشري وخاصة حمق وطيش الرجال الذين يتودَّدُون إلى شبح أنثوي رغم إدراكهم أنهم يُغازِلون الموت. تتضمَّن شخصيات قصصه طلابًا شبابًا سُذَّجًا يُمثِّلون فريسة سهلة لأي مُغوية، وكهنة أقوياء، يُسمَّون «فاشي»، الذين يُواجهون الأشباح والشياطين بتعاويذهم السحرية. تظهر معظم هذه الشخصيات في فيلم «قصة أشباح صينية» («أ تشاينيز جوست ستوري»، ١٩٨٧) من إخراج تشينج سيو تونج وإنتاج تسوي هارك. يُقابل التلميذ الشاب نينج كايشين (الذي يقوم بدوره ليزلي تشيونج) عدوته، شياوتشن، في معبد مهجور دون أن يعلم أنها شبح. أستاذه، المعلم يان، كاهن طاويٌّ غريب الأطوار، يُفضِّل مواجهة الأشباح عن الاختلاط بالبشر. يتَّضح أن شياوتشن يستغلُّها وحشُ شجر رهيب يُسمى «لاو لاو»، وتعني الجدَّة، ويتغذى على طاقة حياة ضحاياها الذكور. في آخر مشاهد القتال الكُبرى في الفيلم، يغزو نينج ويان العالم السُّفلي لإنقاذ شياوتشن لكنهما يقعان ضحيةً لطعنةِ لسان لاو لاو العملاق الذي يُشبه لسان الثعبان. في الوقت الذي نجح فيه الفيلم في تقديم كوميديا رعب رومانسية ممزوجة بفنون القتال، فُسِّر كذلك على نحوٍ مجازي. على الجانب النفسي، قد يُمثِّل لاو لاو التوحش الأنثوي واستحواذ شخصية الأم الذي يجب على كل طفل الهروب منه خلال المرحلة الرمزية للنموِّ لكي يكتسب لغة وهُوية مستقلتَين. على الجانب السياسي، يُجسد لاو لاو مخاوف هونج كونج من الْتهام الصين لها بعد عودة المستعمرة الصغيرة جدًّا المرتقبة بقلق إلى جمهورية الصين الشعبية عام ١٩٩٧. ربما لهذا نسمع آثارًا من نشيد «الأُممية»، الخاص بالاتجاهات اليسارية، في الموسيقى التصويرية خلال نهاية الفيلم الملحمية.
تتَّضح فكرة الاستحواذ أكثر في فيلم «سنأكلك» («وي آر جوينج تو إيت يو»، ١٩٨٠) من إخراج تسوي هارك، والذي يُقدِّم قرية كاملة من أكَلَة لحوم البشر. كانت فكرة أكل لحوم البشر فكرةً شهيرة في أفلام الرعب الريفية الأمريكية في السبعينيات مثل «مذبحة منشار تكساس» و«التلال لها عيون»، لكن الصين لها تقاليدها الخاصة بمُمارسات أكل لحم البشر يُقال إن بعضها استمر حتى حدوث حملة «القفزة العظيمة للأمام» التي قادَها ماو تسي تونج. كذلك كان الحال في أمريكا اللاتينية؛ ففي البرازيل، استخدمت مجموعة من أفلام الكوميديا السوداء السياسية الهامة فكرة تناول لحوم البشر كمَجازٍ ساخر عن النشاط الثوري بداية بفيلم «كم كان الفرنسي الصغير الخاص بي لذيذًا» («هاو تيستي واز ماي ليتل فرينشمان»، ١٩٧١)؛ فبدلًا من التهام أوروبا الاستعمارية للسكان الأصليين للبرازيل، يلتهمون هم من يريدون أَسرهم واستعبادهم. أحيانًا ما يُقرَأ دافع الالتهام في فيلم تسوي هارك كنَقدٍ للرأسمالية المتفشية وأحيانًا كنَقد للحرس الأحمر لماو تسي تونج الذين كانوا يعيثون فسادًا في الستينيات. على أيِّ حال، أصبَحَت كعكات وفطائر اللحم البشري عنصرًا أساسيًّا في أفلام التصنيف الثالث (تصنيف للأفلام التي تُقدِّم العنف والجنس الصريحَين والذي وُضع في هونج كونج عام ١٩٨٩) في العقود القليلة التالية مغذية شهية العامة لنكات الطعام المروِّعة المُثيرة للاشمئزاز بأفلام مثل «الدكتور الحَمَل» («دكتور لام»، ١٩٩٢)، و«القصة غير المحكية» («ذي أنتولد ستوري»، ١٩٩٣) و«معجنات» («دامبلِنجس»، ٢٠٠٤). زادت هذه الأفلام من شدَّة العنف البَشِع المُميِّز لمسرح جران جِنيول فيما عُرِف في العقود اللاحِقة باسم السينما الآسيوية المتطرِّفة.
(١٢) التسعينيات: رعب ما بعد الحداثة والواقعية الغرائبية في نهاية الألفية
بنحوٍ ما، بدا العقد الأخير من القرن العشرين هادئًا وواعدًا أكثر من أسلافه. أدَّى انهيار الاتحاد السوفييتي إلى انتهاء الحرب الباردة وما يتعلق بها من ثورات متقطعة حول العالم، والتهديد الحائم فوق رءوس الجميع بالفَناء النووي. وبرزت الولايات المتحدة على أنها القوة العظمى الوحيدة في العالم. بالنسبة إلى العديد من الدول، كانت احتمالات الرخاء في تطوُّر؛ فقد اتَّفق الاتحاد الأوروبي على التعامل بعملة موحَّدة مما مهَّد طرقًا جديدة للتوسع والتجارة الحُرة. وكانت الهند تتقدَّم نحو اقتصاد السوق الحرة، وكانت الصين تتمتَّع بنموٍّ غير مسبوق. لكن في عام ١٩٩٧، قلبَت أزمةٌ مالية الحال في كوريا واليابان، حيث بدأت علامات التوتُّر الاجتماعي في الظهور في حوادث مثل هجوم غاز السارين على مترو طوكيو عام ١٩٩٥. ومن وقتٍ لآخر، كانت تقع حوادث مُنذِرة بالخطر، كبيرة وصغيرة، في أنحاء عدة حول العالم: حصار مُميت في مدينة واكو بولاية تكساس عام ١٩٩٣، والإبادة الجماعية برواندا عام ١٩٩٤، وتفجير مدينة أوكلاهوما سيتي عام ١٩٩٥، ومذبحة مدرسة كولومباين الثانوية عام ١٩٩٩. كان سكان العالم الذين يُقدَّر عددهم بما يزيد عن ستة مليارات شخص ينتظرون الألفية الجديدة بمزيجٍ من الابتهاج والذعر.
في هذا المناخ، شهدت سينما الرعب نوعًا من التراجُع. ظل فريدي ومايكل وجيسون يطاردون الضحايا بضراوةٍ مُتزايدة، لكن أفلام تقطيع المُراهقين كانت تفقد شعبيتها، حيث التفت جمهورها من الشباب إلى أشكالٍ أخرى من السينما؛ مثل أفلام الفانتازيا والخيال العلمي ذات المؤثرات الرقمية المذهلة. جرَّبت هوليوود عدة استراتيجيات لكسب هؤلاء الشباب مرةً أخرى لأفلام الرعب، حيث قدمت إنتاجات باهظةً بنجومٍ من الصف الأول. أعاد جوناثان ديمي إحياء أفلام القاتل مُختل العقل بفيلم «صمت الحِملان» («ذا سايلنس أوف ذا لامز»، ١٩٩١) مُقدِّمًا إياه كلُعبة القط والفأر المخيفة بين متدربة طموحة في المباحث الفيدرالية (جودي فوستر)، وهانيبال ليكتر (أنتوني هوبكنز)، وهو رجل مجنون ذو فكر متَّقد الذكاء ويُحبُّ تذوُّق اللحم البشري. حقَّق فيلم ديمي نجاحًا فوريًّا مع المُشاهِدين والنُّقاد وحصد جائزة الأوسكار لأحسن فيلم، وهي أول مرة يحصُل فيها فيلم رعب على هذه الجائزة. لم تُحقِّق جهود إحياء الوحوش القوطيِّين لعقد الثلاثينيات نفس النجاح. فلم تنجَح نسخة فرانسيس فورد كوبولا المتمثِّلة في فيلم «دراكولا برام ستوكر» («برام ستوكرز دراكولا»، ١٩٩٢) ونُسخة كينيث براناه المُتمثِّلة في فيلم «فرانكنشتاين ماري شيلي» («ماري شيليز فرانكشتاين»)، في إثارة الكثير من الحماس رغم وجود النجوم الكبار والإخراج المُبهِر. وبإدراك المخرجين أن الجمهور كان يسخر من الأنماط القديمة لتلك الأفلام، اتَّجهوا نحو تقديم محاكاةٍ ساخرة عن عمد لهذا فمَلئوا الأفلام بتلميحات وإشارات ساخرة لأفلامٍ أخرى. تُدرك شخصيات أفلام مثل «ميت دماغيًّا» («برين ديد»، ١٩٩٢)، لبيتر جاكسون، الذي عُرِض في الولايات المتحدة تحت اسم «ميت حي» («ديد آلايف»)، و«صرخة» («سكريم»، ١٩٩٦) لويس كرافن و«عروس تشاكي» («برايد أوف تشاكي»، ١٩٩٨) لروني يو؛ أنها في فيلم رعب. من خلال تأمُّل الأمر، يُمكن النظر إلى هذا الاتجاه كجزء من حركةٍ ما بعد حداثيةٍ على نطاقٍ واسع في السينما تُدرك اصطناعية الفيلم وتعترف بفضل مصادرِه وتكشف الأمر للجمهور.
بَثَّ فيلمان في نهاية عقد التسعينيات أفكارًا جديدة في سينما الرعب؛ الأول هو «مشروع ساحرة بلير»، والآخر كان «الحاسة السادسة» («ذا سيكسث سينس») للمخرج إم نايت شاياملان وكلاهما صدر عام ١٩٩٩. في فيلم «مشروع ساحرة بلير»، يسعى ثلاثة طُلاب من دارسي السينما إلى توثيق أسطورة محلية. يأخُذُهم بحثُهم عن ساحرة من القرن السابع عشر، ويأخذ كاميراتهم إلى أعماق الغابة، حيث يبدأ التعب والارتباك والشكُّ المتبادَل في النخر في ثِقَتهم وعدم قلقهم. وعندما يختفي أحدهم، يسودُ الذعر لكن الكاميرا تظلُّ دائرةً تُسجل ما يحدث. حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا. صُنِع الفيلم في ثمانية أيام فقط بميزانية يُقال إنها كانت ٢٠ ألف دولار، معتمدًا على تقنية «التسجيلات المُكتَشَفة»، ومُمثِّلين مُبتدئين، وأسلوب ارتجالي يجعل الحدث يبدو كما لو كان يُصَوَّر وقت حدوثه، وحصد إيرادات أكثر من مائتي مليون دولار حول العالم. يعود جزء من نجاح الفيلم إلى الاستخدام الذكي للإنترنت للترويج لقصة الفيلم باعتباره فيلمًا وثائقيًّا واقعيًّا. لكن يعود جزء آخر إلى أنه راقَ الجمهور بعرضه نوعًا جديدًا من التجارب؛ الواقعية الغرائبية المعتمدة على بناء بارع للحالة والترقُّب بدلًا من العنف أو سفك الدماء أو الإثارة الجنسية؛ وهو نمط ظهَر بعد ذلك بثمان سنوات في فيلم ناجح آخر بميزانية مُنخفضة، وهو «نشاط خارق». ركَّز فيلم «الحاسة السادسة» كذلك على الظواهر الغرائبية، رغم أنه كان مدعومًا بإنتاج ضخم وجاذبية بروس ويليس في شباك التذاكر. يقوم ويليس بدور طبيب نفسي للأطفال يُحاول مساعدة طفل صغير يخبره بأنه يرى الأموات. سيطرة شاياملان البارعة على الطابع العام للفيلم والأداء الاستثنائي لهالي جويل أوزمنت في دور الطفل ونهاية الفيلم المفاجئة ساعَدَت في جعله أحد أفضل أفلام العقد ومصدر إلهام لأفلام رعبٍ مستقبلية.
(١٣) الألفية الجديدة: الرعب المتطرف
على عكس بعضِ التوقُّعات والكثير من المبالغات الإعلامية، لم ينتهِ العالم في الأول من يناير عام ٢٠٠٠. لكن وقع الكثير من الكوارث في السنين التالية؛ ففي الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١، اختطَفَ إرهابيُّون إسلاميون أربع طائرات أمريكية واصطدموا بثلاثة منها بأهداف داخل الولايات المتَّحدة، مما أدَّى إلى قتل الآلاف والقضاء على أي شكوك بشأن حصانة ومناعة الأمة الأمريكية. وبنهاية العام، كان الجنود الأمريكيون يُحاربون في أفغانستان، وفي العراق في عام ٢٠٠٢. حل محل الحرب الباردة نوع جديد من الصراع، وهو الحرب على الإرهاب، مما جلب معها أنواعًا جديدة من الرعب. حدثت هجمات إرهابية في لندن وبرشلونة ومومباي. كما أودَتِ الحروب الأهلية في أفريقيا بحياة الملايين. كذلك فقد وقع المزيد من الملايين ضحايا للكوارث الطبيعية حول العالم؛ زلازل في الصين وهايتي والسلفادور وإيطاليا والهند، أعاصير في لويزيانا ومسيسيبي، وزوبعة في بورما، وعواصف في الغرب الأوسط والجنوب الأمريكي، وموجات تسونامي في جنوب شرق آسيا واليابان. ربما كان العالم على وشك الفناء بالفعل.
بوجود كل هذا الرعب والأسى الحقيقي في العالم، بدا مُستقبَل أفلام الرعب غير واضح المعالم. خلال أول أعوام الألفية، كان عدد الأفلام التي صُنعت أو اعتبرت ناجحة قليلًا نسبيًّا. في الولايات المتحدة، حاول مُطارِدو المُراهِقين في الثمانينيات العودة بمواجهة بعضهم بعضًا في فيلم «فريدي ضد جيسون» («فريدي فيرسس جيسون»، ٢٠٠٣). أضاف روبرت زميكيس لمسة خارقة إلى الإثارة الهيتشكوكيةِ الطابع في فيلم «ما يكمن بالأسفل» («وات لايز بينيث»، ٢٠٠٠). كما سعى فيلم «الشر المقيم» («ريزدنت إيفل»، ٢٠٠٢) إلى استغلال شهرة سلسلة ألعاب الفيديو الشهيرة التي تحمل نفس اسم الفيلم. وأعاد جورج روميرو مخلوقات الزومبي الخاصة به إلى الحياة في فيلم «أرض الموتى» («لاند أوف ذا ديد»، ٢٠٠٥). لكن في الوقت الذي قُوبلت فيه هذه المجهودات بقدر من الاستحسان من الجمهور والنقَّاد، كانت جهود التجديد الرئيسية في أفلام الرعب تحدث خارج هوليوود؛ فبنهاية العقد الأول من الألفية الثالثة، كانت هوليوود مُنهمِكَة في إعادة صنع أفلام آسيوية وأوروبية وأسترالية.
دائمًا ما يُمثِّل تصنيف الأفلام المعاصرة لتصنيفات رئيسية وهي ما زالت قيد الإنتاج تحديًا. من الأسهل تحديد الاتجاهات وتسميتُها بأثر رجعي. لكن ربما يُساعد النظر إلى أفلام الرعب الخاصة بالعشرين عامًا الماضية أو نحو ذلك طبقًا لنطاق من الأنواع المُتفاوتة الواقعة بين قطبين؛ رعب الجسد من ناحية ورعب الأشباح من ناحية أخرى. تقترِب أفلام «فريدي ضد جيسون» و«الشر المقيم» و«أرض الموتى» من التصنيف الأول، بالإضافة إلى أفلام الجيالو والمستذئبين والزومبي ومصَّاصي الدماء والريفيِّين الانتقاميين وأكَلَة لحوم البشر الخاصِّين بالسينما الصينية. يُمكن إرجاع انبهارها بالعنف الصريح والميتات الوحشية والجثث المشوهة المميَّزة إلى مسرح الجران جِنيول. على الجانب الآخر، فإن فيلم «ما يكمن بالأسفل» بصوره الأقل عنفًا ووحشية للأشباح المضطربة والمنازل المسكونة والمطاردات من أرواح الماضي، يمتلك الكثير مما هو مشترك بينه وبين استحواذ الأشباح السائد في الأدب القوطي. وكما سنرى، فإن هذَين النوعين يسريان باستمرار في سينما فرنسا وإسبانيا، واليابان وكوريا، والولايات المتحدة وبريطانيا، وغالبًا ما يتقابلان في مرات حاسمة لتقديم الرعب والفزع. وكما سبق لنا الإشارة، فعلى الرغم من أنهما يستمدان مادتهما من المخزون الذي يتسع باستمرار لثقافة السينما العالمية، فإنهما كذلك مرتبطان بالتاريخ والتراث المحليَّين.
انظر إلى الأفلام الناطقة بالإسبانية على سبيل المثال. صُنع العديد من أفلام الرعب في إسبانيا في عقدَي الستينيات والسبعينيات مثل «علامة المذءوب» («مارك أوف ذا ويروولف»، ١٩٦٧) و«آكل لحوم البشر» («ذا كانيبال مان»، ١٩٧٤)، وقدَّمت الوحوش المُعتادين والعنف المشوب بالإثارة الجنسية المُميِّزَين للأفلام البريطانية والإيطالية والأمريكية المنخفضة التكلفة. وحديثًا، صُنِع مثل هذه الأفلام التقليدية بواسطة شركة ذا فانتاستيك فاكتوري، وهي شركة إنتاج سينمائي مقرُّها في مدينة برشلونة أنتجت أفلامًا مثل «فاوست: حب الملعون» («فاوست: لاف أوف ذا دامد»، ٢٠٠١)، و«ما وراء إعادة الإحياء» («بيوند ري-أنيميتور»، ٢٠٠٣) للتوزيع حول العالم. على الجانب الآخر، صدر فيلم «الآخرون» («ذي أَذَرْز»، ٢٠٠١)، وهو إنتاج إسباني أمريكي مشترك من إخراج أليخاندرو أمينابار. صُور الفيلم في إسبانيا بطاقم مُعظمه من الإسبان لكنَّ أحداثه تدور في جزيرة معزولة بالقُرب من ساحل بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، لكنَّ طاقم التمثيل بالكامل يتحدَّث الإنجليزية تتقدَّمهم نيكول كيدمان. تقوم كيدمان بشخصية جريس زوجة الجندي الذي فُقد في الحرب، والتي اصطحبت ولديها ليعيشوا جميعًا في منزل كبير قديم ومُظلِم لأنهما مُصابان بحساسية نادرة مُميتة لضوء الشمس. عندما تبدأ ابنتُها في مُشاهَدة أشباح دخلاء، تنفتِح أبواب من تلقاء نفسها وتُفتَح ستائر ذاتيًّا على نحوٍ غامض وتنحرف القصة ناحية الأمور الخارقة. المنزل الكبير والأشباح والأطفال ذوي الموقِف الأخلاقي المُلتبِس كلها عناصر ترجع إلى الأدب القوطي، لكن العديد من العناصر الأخرى؛ كالموقع المنعزل، والكاثوليكية، والأمومة، والتلميحات إلى فظائع الحروب، تربط الفيلم بتقليد طويل لسينما النخبة الإسبانية التي تتعامَل على نحو غير مباشر مع موضوع الحرب الأهلية الإسبانية الوحشية.
على سبيل المثال، صنع فيكتور إيريثه فيلم «روح قفير النحل» («ذا سبيريت أوف ذا بيهايف»، ١٩٧٣) عندما كان الجنرال فرانكو ما زال في السلطة، وهو ما يجعل أي نقد مباشر للسلطة أمرًا خطيرًا. اختار إيريثه أن تدور أحداث الفيلم عام ١٩٤٠ بُعَيد انتهاء الحرب الأهلية عندما كانت قوات فرانكو الفاشية تُطارد المُقاتِلين الجمهوريِّين. في الفيلم، تصل سينما متنقِّلة إلى قرية بعيدة وتعرض فيلم «فرانكنشتاين» في قاعة اجتماعات القرية. تنبهر فتاة من الجمهور تُدعى آنا بالوحش وتتخيَّل أنه يُمكنها التحدُّث معه. لا يتيح لها عالَم الكبار من حولها الكثير من الحب أو التوجيه. كما لا يهتمُّ أبواها بها أو أحدهما بالآخر؛ لذا تهيم بحُريَّة وتزور حظيرة أغنام مهجورة يُقال لها إنَّ الوحش يعيش بها. عندما يظهر لها رجل يومًا ما هناك وهو جنديٌّ شابٌّ هارب من الحكومة، تُحضر له الطعام والملابس. إذا أردنا الدقة، فلا يُعتبر فيلم «روح قفير النحل» فيلم رعب. وهكذا الحال بالنسبة إلى فيلم «تربية الغربان» («كريا كويرفوس»)، والذي صدر بعد الفيلم السابق ذكره بثلاث سنوات، وهو من إخراج كارلوس ساورا. يروي الفيلم قصة فتاة أخرى تُدعى آنا (تقوم بدورها نفس الممثِّلة) التي لا ترى أثناء نضوجها الكثير من الحب بين والدِها — الذي يعمل بالجيش — وأمها المُحبَّة. وكما في فيلم إيريثه، فإن واقع السياسة الإسبانية (المجسَّدة على هيئة شخصية أبٍ فاشيٍّ بارد المشاعر) والمؤسَّسات الاجتماعية (التي تتمثَّل في العائلات المفكَّكة) يظهر على هامش العالم الخيالي للفتاة الصغيرة الذي يتَّخذ هيئة سينما الرعب.
في الأفلام الناطقة بالإسبانية التي صدرت في العقد الأول من الألفية، بعد موت فرانكو عام ١٩٧٥ بوقت طويل، تتَّخذ خيالات الأطفال أشكالًا أكثر رعبًا وتُصبِح الأمور السياسية أكثر صراحة في التعبير عنها؛ ففي فيلم «العمود الفقري للشيطان» (٢٠٠١) للمُخرج المكسيكي جييرمو ديل تورو، يسكُن شبح طفل ميت ملجأً ليتامى الحرب الأهلية (انظر قسم «لقطة مقربة: العمود الفقري للشيطان»). في «متاهة بان»، والذي أخرجه ديل تورو كذلك، تلجأ ابنة ضابط عسكري فاشي في بلدة إسبانية معزولة إلى عالَم خيالي من الوحوش، يتضمَّن عُلجُومًا عملاقًا، وساتيرًا، ورجلًا أعمى آكلًا للحوم البشر يبدو كما لو كان قد خرج من إحدى لوحات فرانشيسكو جويا المخيفة (انظر شكل ٣-١٦). أُعيد تقديم فكرتَي الأمومة وأشباح اليتامى على نحو بارع، وأُدخل عليهما تعديل جديد في فيلم «ملجأ الأيتام» («ذي أورفانيج»، ٢٠٠٧) والذي أخرجه خوان أنطونيو بايونا وأنتجه ديل تورو. في كل واحد من هذه الأفلام، تنهض الأشباح المكبوتة الناتجة عن الحوادث الوطنية على هيئة عفاريت أو أشباح من بركة أو بئر أو قَبو أو أي مصدر آخر تحت الأرض.
منذ ظهور فيلم «عينان بلا وجه» (١٩٦٠) لفرانجو، صُنِع القليل من أفلام الرعب التي تستحِق الذِّكر في فرنسا حتى الألفية الثالثة عندما ظهرت على الساحة الدولية موجة من الأفلام المثيرة للاضطراب والصادمة بنحو كبير. وفي الوقت الذي كان فيه بعض الأفلام مثل «مخفي» («هيدين»، ٢٠٠٥) لمايكل هانيكه عبارة عن دراسات دقيقة في الإثارة والخداع النفسي، كان الكثير من الأفلام الأخرى عبارة عن حمامات دماء غزيرة؛ مشاهد من الرعب الشديد والمُتطرِّف الجديرة بمسرح جران جِنيول. يقود هذه المجموعة فيلم «أخوية الذئاب» («براذرهود أوف ذا وولف»، ٢٠٠١) لكريستوف جانس، والذي مزَج لحظات الرعب بالرومانسية والفانتازيا والإثارة الجنسية وفنون القتال والدراما التاريخية. تتركز قصة الفيلم المقتبسة من أحداث تاريخية حول وحشٍ أُسطوري يُروِّع الريف في القرن الثامن عشر بفرنسا. يبدو الوحش، الذي يجسد التحدِّي الثائر والضراوة الخارقة للطبيعة، كما لو كان رمزًا لأسوأ دوافع الثورة الفرنسية. أصبح فيلم جانس أحد أكثر الأفلام الصادرة عن فرنسا حصدًا للإيرادات خلال عقدَين؛ مما شجَّع مُخرجين فرنسيين على المزج بين الأنواع السينمائية الخاصة بهم وزيادة جرعة الرعب وإتاحة شيء جديد للجمهور. روَّع جاسبر نوي بعض أفراد الجمهور وأذهل آخرين بفيلم «لا رجعة فيه» («إيريفرسيبل»، ٢٠٠٢)، والذي عكس الترتيب الزمني للأحداث حتى يصل إلى عرض مشاهد اغتصاب قاسٍ وانتقام جنوني. أما في فيلم «توتر شديد» (٢٠٠٣)، فإن ألكسندر أجا بثَّ الحيوية في القصة التقليدية للقاتل المتسلسل بمَشاهد قتل مُصمَّمة بعناية ونهاية غير متوقعة. وحتى كلير ديني، مخرجة الأفلام الموجَّهة لجمهور المُتخصِّصين مثل «شوكولاتة» («تشوكليت»، ١٩٨٨) و«عمل صالح» («جود وورك»، ١٩٩٩)، روَّعت العديد من متابعيها بعملها التالي وهو «مشكلات يومية» («ترابل إيفري داي»، ٢٠٠١)، والذي يبدأ باعتباره فيلمًا رومانسيًّا تقليديًّا، لكن يتحول فيه شهر العسل إلى نهاية مروِّعة. تُصبح مشاهد الموت أكثر شناعة ومَشاهد الجنس أكثر إثارة في هذا الاتجاه؛ لذا، لا عجب أنه سُمي بالموجة السينمائية المتطرفة الفرنسية الجديدة.
بدأ طوفان أفلام الرعب الآسيوية في بداية الألفية الثالثة وإعادات صُنعها الهوليوودية اللاحقة بفيلم «الحلقة» (١٩٩٨)، وهو فيلم ياباني من إخراج هيديو ناكاتا أصدرته شركة تارتان (انظر قسم «لقطة مقربة: الحلقة»). لم يكن الفيلم متطرِّفًا في الصور أو العواطف التي يعرضها مثلما كان فيلم «تجربة أداء» أو «المعركة الملكية». بدلًا من ذلك، قدم الفيلم أسلوبًا جماليًّا جديدًا يعتمد على الغموض والإيقاع المحسوب، كما قدم كذلك نوعًا جديدًا من الوحوش، وهو الشبح التكنولوجي. في فيلم «الحلقة»، تهجُم الروح المنتقمة من خلال وسيط شريط الفيديو، مما يجعلُنا نتوقع أن تهاجم الأشباح المستقبلية ضحاياها من خلال الكمبيوتر والإنترنت والهواتف المحمولة. بدأت طوائف الأتباع من الشباب حول العالم، وفي الولايات المتحدة خاصةً، في التحدُّث عما يُسمى بالرعب الياباني، ووصفِه بأنه ظاهرة رائعة جدًّا (انظر قسم «نظرة خاصة على السينما اليابانية» من أجل عرضٍ أكبر للرعب الياباني وجذوره الثقافية).
في نفس الوقت تقريبًا، كان هُواة الرعب العالَمي يتجهون إلى كوريا الجنوبية، حيث ساهمت مجموعة من أفلام الرعب المُتقَنة الصنع في تحويل صناعة محلية على مدار تاريخها إلى قوة عالمية. فَلِقُرونٍ كانت شبه الجزيرة الكورية تحت سيطرة القُوى الأجنبية، من ضمنها الصين واليابان والولايات المتحدة. وبعد الحرب الكورية (١٩٥٠–١٩٥٣)، عندما انفصلت كوريا الجنوبية (والتي أصبحت تسمى رسميًّا جمهورية كوريا) عن الشمال الشيوعي (والذي أصبح رسميًّا الجمهورية الكورية الشعبية الديمقراطية)، حُكِمت الأولى بعدد من الحكومات العسكرية الديكتاتورية منذ عام ١٩٦١ وحتى عام ١٩٩٢، وكانت حِقبة تتميَّز بالقَمع السياسي والتطور الاقتصادي السريع. وخلال عقود قليلة، أصبحت كوريا الجنوبية دولة صناعية حديثة بالكامل تُنافِس اليابان والصين على نصيب الأسد من التجارة في شرق آسيا.
لكن هذا الاتجاه بدأ منذ فترة طويلة؛ على سبيل المثال: مزج فيلم «ذا هاوس ميد» («خادمة المنزل»، ١٩٦٠) لكيم كي يانج، والذي يُعدُّ من أشهر أفلام العصر الذهبي للسينما الكورية، بين الرعب والميلودراما العائلية. يعمل رب الأسرة في الفيلم كمُدرِّس موسيقى ويتمتَّع بالاحترام ويعمل وقتًا إضافيًّا ليُوفِّر تكاليف المنزل الذي تحلُم به زوجته. تنتمي خادمة المنزل إلى طبقة دنيا لكنَّها طَموحة مثل الزوجة وأكثر جشعًا منها. تُغوي الخادمة الزَّوج وتهدِّد بأنها ستتَّهمه باغتصابها، وتُسيطر في النهاية على المنزل ومَن فيه. يُقدِّم كيم العديد من الأفكار التي ما زالت تظهر في أفلام الرعب الكورية اليوم؛ القوة المدمِّرة للطمع المادِّي والصراع الطبقي والتهديد الناتج عن سلطة النساء وهَشاشة المؤسَّسات الاجتماعية التي يُمكِن أن تنهار تحت ضغوط مجهود مُتعجِّل بشدة للتحديث. تؤكِّد إعادة صُنع الفيلم التي قُدِّمت عام ٢٠١٠ من إخراج إم سانج سو أن المجهود في إدراك الحداثة وما يُصاحبه من مُشكلات ما زال يُمثِّل كارثة للبيوت الكورية. في عام ١٩٩٨، ركز كيم جي وون على عائلة أُخرى في فيلم «العائلة الهادئة» («ذا كوايت فاميلي»)، وهو كوميديا سوداء تحدُث فيها مجموعة من مواقف سوء التفاهُم والميتات الغريبة في كوخ جبلي للضيوف. وبينما تزيد أعداد الموتى، تظهر إشارات عن الأحداث الكورية المعاصرة — مثل جواسيس كوريا الشمالية ومذبحة كوانجو عام ١٩٨٠ والأزمة المالية لعام ١٩٩٧— في نشرة الأخبار في التلفزيون في الخَلفية. وكما تُشير هذه الإشارات، هناك ارتباط قوي بين الرُّعب الكوري والتاريخ الكوري والمؤسَّسات الكورية.
أحد أكثر المؤسَّسات المُطارَدة بالأشباح باستمرار في كوريا الجنوبية هي المؤسَّسة التعليمية. تدور أحداث فيلم «الأروقة الهامسة» («ويسبرينج كوريدورز»، ١٩٩٨) في مدرسة ثانوية للفتيات، حيث تُقتَل مُدرِّسة مُتسلِّطة على نحو غامض قبل بداية السنة الدراسية بيوم واحد. تدورُ الشائعات في أَروقة المدرسة أن شبَحَ طالبة ميِّتة عاد في هيئة جسد إحدى الطالبات. وفي فيلم «تذكرة الموت» («ميمينتو موري»، ١٩٩٩)، تُكافح طالبتان للحِفاظ على صداقتِهما الخاصة في مدرسة ثانوية للبنات لا تُتيح قدرًا كبيرًا من الخصوصية أو الفردية. في خاتمة الفيلم المروِّعة، تعود روح طالبة مُنتحِرة لتَعيث الخراب في المدرسة ومَن جعلوا حياتها تعيسة للغاية. وفي فيلم «مذكرات جريمة» («ميموريز أوف ميردر»، ٢٠٠٣) لبونج جون هو، المؤسسات المُستهدَفة هي نظام الشرطة والحكومة في كوريا الجنوبية. يعرض الفيلم، القائم على وقائع حقيقية تسرد أول حوادث قتْل مُتسلسلة مسجَّلة في كوريا، قصة مُحقِّقي شرطة أثناء محاولتِهما تتبُّع القاتل/المغتصب المُراوغ. أحد المُحقِّقين يعمل بنحو منهجي، وهو لطيف المعشر، ويكنُّ إعجابًا شديدًا بالمباحث الفيدرالية. أما الآخر، فهو أخرق ظريف يتبع غريزته في عمله. بالنظر إليهما بشكلٍ مجازي، فإنهما يُمثِّلان جانبَين من المجتمع الكوري؛ ساكن المدينة المُتَّبع للحداثة والعلم، والريفي المؤمن بالخرافات الذي ما يزال يعيش في الماضي. وبمُضيِّ الوقت والتحقيق، يتغيَّر رؤساء قوة الشرطة بنفسِ كثرة تُغيُّر رؤساء الدولة، ولا تُحلُّ القضية أبدًا، مثلما لم تُحلَّ على أرض الواقع. يمزج «مذكرات جريمة» بين الرعب والجريمة والكوميديا، لكنَّه مصنوع بعناية وذكاء.
هكذا الحال مع فيلم «حكاية شقيقتَين» (٢٠٠٣) لكيم جي وون، رغم أن الجمهور في بعض الأحيان يغفُل عن توقيت كيم المضبوط، وانتباهه الشديد الدقة لتصميم المشاهد في محاولة لفهم الحبكة المثيرة للحيرة ووجهة النظر الغامضة عن عمد (انظر شكل ٣-١٧). ومثل فيلمَي «خادمة المنزل» و«العائلة الهادئة»، فإن الفيلم يتركز حول عائلة مفكَّكة؛ ومثل فيلمَي «الأروقة الهامسة» و«تذكرة الموت»، فهو يركز على مخاوف المُراهقات. تتضمن الشخصيات أبًا ضعيفًا وغير وَدود، وزوجة أب مؤذية، وفتاتَين يربط بينهما حب أخوي شديد، وهي شخصيات تظهر مرارًا وتكرارًا في الأفلام الكورية. ومثل أفلام الرعب الكورية، يُمكن النظر إلى فيلم «حكاية شقيقتَين» كقصة خارقة للطبيعة أو دراسة نفسية، لكن الجديد فيما يُقدمه الفيلم هو رفض كيم لتقديم سردٍ واضح أو نهاية حاسمة. تُتيح النسخة الهوليوودية من الفيلم (التي كانت بعنوان «المتطفلة»، ٢٠٠٩) المزيد من الوضوح والحسم للجمهور الأمريكي، مما يجعله مثالًا واضحًا للتوقُّعات الثقافية المُقارَنة.
بتضمن كل فيلم كوري مما ذكرناهم لقَدرٍ ما من العنف والجنس، فإنها لا تُقارَن بفيلم بارك تشان ووك فيما يخصُّ التطرُّف العاطفي الشديد. صدم بارك العديد من مُشاهِدي فيلمه «الفتى العجوز» بمَشاهد تُظهر رجلًا يلتهم أخطبوطًا حيًّا ويقطع لسانه. لكن هذه المشاهد ليست بالضرورة من دون مُبرِّر؛ فقد فاز «الفتى العجوز» بالجائزة الكبرى في مهرجان كان لأنه كان لديه ما يقوله وقاله بمهارة لا يشوبها التردُّد. بجانب فيلمَي «متعاطف مع السيد المنتقم» («سيبماثي فور مستر فينجنس»، ٢٠٠٢) و«متعاطف مع سيدة الانتقام» («سيمباثي فور ليدي فينجنس»، ٢٠٠٥)، فإن «ثلاثية الانتقام» الخاصة ببارك تشنُّ هجومًا عنيفًا على مجتمع تتفشى فيه العواطف من دون سيطرة ولا تُتيح الدولة العدالة أو الحماية. تُثير أعماله، كالعديد من أفلام الرعب الكورية، سؤالًا ملحًّا عن الأنواع السينمائية والدوافع. فإلى أيِّ درجة تعمل الصيَغ الرائجة لأفلام الرعب أو فنون القتال أو الرومانسية كناقلات مناسبة للرسائل الاجتماعية؟ وإلى أي حدٍّ تُعد الرسائل نفسها ذرائع للانغماس في العنف والجنس الذي تتَّسم به هذه الأنواع السينمائية؟
مرةً تلو الأخرى، وفي تقاليد صناعة السينما حول العالم، نجد أنماطًا متشابهة للإبداع والاستيلاء والاستيعاب وعروضًا للهوية الثقافية. يلجأ صُنَّاع الأفلام من أفريقيا وحتى آسيا وأستراليا إلى استغلال التراث المحلِّي للحكايات المُخيفة ومزجها بأجزاء قابلة للتغيير من مخزون الرموز والأيقونات العالَمية. يستخدم هؤلاء المخرجون هذه الأنواع المهجَّنة من الرعب لاستكشاف مخاوِف العصر الحالي لشُعوبهم بلغة سينمائية مُتزايدة في تجاوزها للحدود القومية؛ ففي دول جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية، مثل مالي ونيجيريا على سبيل المثال، وحيث تُعتبَر الأقنعة بوابات لعالم الأرواح، تظهر الأقنعة والأرواح بانتظام في الأفلام التي تُناقِش موضوعات مُعاصِرة. في عام ١٩٩٧، صدم وأضحك أداما درابو الجمهور المالي بفيلمه «القوة النسائية» («سكيرت باور»)، وفيه ترتدي زوجةٌ أُسيئت معاملتها قناعَ «ألبيرجا» قديمًا لترويع رجال القرية وإجبارهم على القيام بمهامِّ الطبخ وتدبير المنزل والاعتناء بالأطفال. وبعد تبادُل الأماكن لفَترة، يُوافق الرجال والنساء على استعادة التوازُن بين الجنسَين في المجتمع. حديثًا، نشأت صناعة سينما كاملة في نيجيريا وهي تُمثِّل شكلًا من صناعة السينما يمزج بين الطقوس الشَّعائرية للكهنة وسحر الجوجو وبين مشاهد المطارَدات والمؤثِّرات الخاصة الهوليوودية لتجسيد الانتقال الصعب للبلاد إلى الحداثة. تشتهر صناعة السينما في نيجيريا باسم نوليوود، وتُنافس بوليوود الهندية في الأفلام المصنوعة بميزانيات منخفضة سواء في العدد أو العوائد، حيث يُباع كل عام أكثر من ألفَي فيلم جديد على أقراص فيديو رقمية في الأسواق المحلية ومجتمعات الشتات خارج البلاد. وفي تايلاند، وهي جزء آخر من العالم يُعتبَر فيه الإيمان بالأرواح جزءًا من الحياة اليومية، فإن أفلام الأشباح لها شهرة ترجع إلى عصر السينما الصامتة. وتمتلئ هذه الأفلام، ذات الجذور العميقة في الفولكلور التايلاندي، بالحيوانات التي تُغيِّر أشكالها (مثل الثعابين والتماسيح) والأرواح من قَبلِ ظهور البوذية (والمُسمَّاة باي)؛ مثل العفريت الشرير باي بروب (الذي يمتلك شهية خاصَّة للكبد البشري)، والباي دتاي تانج كروم (وهو شبحُ امرأة ماتت أثناء المخاض). يقوم فيلم «نانج ناك» (١٩٩٩) على قصة تُروى كثيرًا عن مُحارب يرجع من المعركة إلى زوجته وطفله المحبوبَين غير عالِم بأنهما ماتا. تتمسَّك به رُوح زوجته بعناد حتى يُحاول كاهن بوذي تحريرَه بجلسة طرد أرواح معقَّدة. وأما فيلم «فوبيا ٢» (٢٠٠٩) فيَعرض خمس قصص من تايلاند المعاصرة؛ في كل حكاية، يُعاقَب الأبطال بنحو بشع بواسطة الأشباح بسبب خَرقهم للقيَم التايلاندية التقليدية.
بالنظر إلى الوراء في التاريخ الطويل للرُّعب وتجسُّداته العديدة، من المُحتمَل رؤية كيف تطوَّرت أفلام الرعب من خلال عملية التبادُل العالَمي. استعارت كلاسيكيات الرعب التي أنتَجتها أستديوهات يونفرسال في الثلاثينيات على نحو حر من الحركات الأوروبية، مثل التعبيرية الألمانية والسريالية الفرنسية، والرعب القوطي البريطاني، ومسرح الجران جِنيول بباريس. قُلِّدت وحوش هوليوود، بدورها، بواسطة صُناع الأفلام حول العالم، والذين قامُوا بتعديلات محلية، وغالبًا ما كانوا يُضيفون ابتكارات خاصة بهم. ومع ظهور كل جيل جديد من الزومبي والمختلِّين عقليًّا والمُقطَّعِين وأكَلَة لحوم البشر ووحوش التكنولوجيا — والذي يُجسِّد الرعب الخاص بمكانه وزمانه — زاد تعقيد شبكة الاقتباس المُتجاوِز للحدود القومية. ومن الاستعارة البسيطة إلى السرقة العلنية، ومن الاعتراف ما بعد الحداثي بالجميل إلى المحاكاة البينية، ومن سلاسل ومجموعات الأفلام إلى الأجزاء المتمِّمة وإعادات الصنع، اتبع مسار صناعة السينما الحديثة مُنحنًى من الأخذ والعطاء يجتاز الحدود القومية. كل هذا النشاط يدفعُنا إلى التساؤل بشأن أفكارنا القديمة عن هوليوود والسينما المحلية. على سبيل المثال، يُجسِّد هذا كيف أن هوليوود بكل قوتها الاقتصادية وسلطتها الثقافية لم تكن في أي وقت من الأوقات قوة موحَّدة بسيطة. إن هوليوود دائمة التطوُّر كما فعلَت في التحول من نظام الأستديو المُتكامِل رأسيًّا، الذي كان سائدًا في الأربعينيات والخمسينيات، إلى تكتُّلات عملاقة متعدِّدة الجنسيات، وخدمات تجميع مُتكامل في الأوقات الحديثة. الأكثر من ذلك، تعكِس هوليوود الأذواق السائدة بقَدر خلقها لها. وبنحوٍ مُتساوٍ، فإن ما يكون «الثقافة الوطنية» لم يعُد مميزًا كما كان يبدو من قبل؛ ففي الوقت الذي بالتأكيد تربط فيه لغات وتاريخ وقيم مُشتركة بين أفراد شعب كوريا أو فرنسا، فإن الحدود التي تُحدِّدهم كأُمَم تبدو الآن أقل وضوحًا. فما يُمكن أن نُسمِّيَه بالثقافة الفرنسية أو الكورية هو في الواقع شيء مُركَّب من العديد من العوامل؛ مزيج من التيارات الداخلية والخارجية. وبتزايُد التواصُل في العالم، ربما يُمكننا التساؤل هل كانت الوحوش التي نراها على شاشات السينما تتشابه إلى حدٍّ كبير.
بلد الإنتاج | العنوان بالعربية | العنوان بالإنجليزية | المخرج | سنة الإصدار |
---|---|---|---|---|
ألمانيا | كابينة الدكتور كاليجاري | The Cabinet of Dr. Caligari | روبرت فِينَه | ١٩٢٠ |
ألمانيا | نوسفيراتو | Nosferatu | فريدريك فيلهلم مورناو | ١٩٢٢ |
الولايات المتحدة | شبح الأوبرا | The Phantom of the Opera | روبرت جوليان | ١٩٢٥ |
الولايات المتحدة | الدكتور جيكل والسيد هايد | Dr. Jekyll and Mr. Hyde | روبين ماموليان | ١٩٣١ |
الولايات المتحدة | دراكولا | Dracula | تود براونينج | ١٩٣١ |
الولايات المتحدة | فرانكنشتاين | Frankenstein | جيمس ويل | ١٩٣١ |
الولايات المتحدة | غريبو الخِلقة | Freaks | تود براونينج | ١٩٣٢ |
ألمانيا | مصَّاص دماء | Vampyr | كارل تيودور دراير | ١٩٣٢ |
الولايات المتحدة | المومياء | The Mummy | كارل فرويند | ١٩٣٢ |
الولايات المتحدة | عروس فرانكنشتاين | The Bride of Frankenstein | جيمس ويل | ١٩٣٥ |
الولايات المتحدة | الرجل الذئب | The Wolf Man | جورج واجنر | ١٩٤١ |
الولايات المتحدة | الناس القطط | Cat People | جاك تورنور | ١٩٤٢ |
الولايات المتحدة | مشيت مع زومبي | I Walked with a Zombie | جاك تورنور | ١٩٤٣ |
اليابان | أوجيتسو | Ugetsu | كينجي ميزوجوشي | ١٩٥٣ |
اليابان | جودزيلا | Godzilla | إيشيرو هوندا | ١٩٥٤ |
الولايات المتحدة | غزو خاطفي الأجساد | Invasion of the Body Snatchers | دون سيجل | ١٩٥٦ |
الولايات المتحدة | كنتُ مذءوبًا مراهقًا | I Was a Teenage Werewolf | جين فاولر | ١٩٥٧ |
المملكة المتحدة | الواخِز | The Tingler | ويليام كاسل | ١٩٥٩ |
اليابان | قصة أشباح يوتسويا | The Ghost Story of Yotsuya | نوبو ناكاجاوا | ١٩٥٩ |
فرنسا | عينان بلا وجه | Eyes Without a Face | جورج فرانجو | ١٩٦٠ |
الولايات المتحدة | مختل العقل | Psycho | ألفريد هيتشكوك | ١٩٦٠ |
المملكة المتحدة | سيرك الرعب | Circus of Horrors | سيدني هايرز | ١٩٦٠ |
المملكة المتحدة | مختلس النظر | Peeping Tom | مايكل باول | ١٩٦٠ |
الولايات المتحدة | سقوط منزل أشر | The Fall of the House of Usher | روجر كورمان | ١٩٦٠ |
الولايات المتحدة/المملكة المتحدة | الأبرياء | The Innocents | جاك كلايتون | ١٩٦١ |
الولايات المتحدة | حكايات مرعبة | Tales of Terror | روجر كورمان | ١٩٦٢ |
اليابان | الشيطانة | Onibaba | كانيتو شيندو | ١٩٦٤ |
اليابان | قصص الأشباح | Kwaidan | ماساكي كوباياشي | ١٩٦٤ |
الولايات المتحدة | ليلة الموتى الأحياء | Night of the Living Dead | جورج روميرو | ١٩٦٨ |
الولايات المتحدة | طفل روزماري | Rosemary’s Baby | رومان بولانسكي | ١٩٦٨ |
المملكة المتحدة | دراكولا ينهض من القبر | Dracula Has Risen from the Grave | فريدي فرانسيس | ١٩٦٨ |
المملكة المتحدة | الدكتور فايبس البشع | The Abominable Dr. Phibes | روبرت فويست | ١٩٧١ |
الولايات المتحدة | بلاكولا | Blacula | ويليام كرين | ١٩٧٢ |
الولايات المتحدة | طارد الأرواح الشريرة | The Exorcist | ويليام فريدكين | ١٩٧٣ |
إسبانيا | روح قفير النحل | The Spirit of the Beehive | فيكتور إيريثه | ١٩٧٣ |
الولايات المتحدة | مذبحة منشار تكساس | The Texas Chain Saw Massacre | توبي هوبر | ١٩٧٤ |
الولايات المتحدة | الفك المفترس | Jaws | ستيفن سبيلبرج | ١٩٧٥ |
الولايات المتحدة | كاري | Carrie | برايان دي بالما | ١٩٧٦ |
إيطاليا | ساسبيريا | Suspiria | داريو أرجنتو | ١٩٧٧ |
الولايات المتحدة | التلال لها عيون | The Hills Have Eyes | ويس كرافن | ١٩٧٧ |
الولايات المتحدة | فجر الموتى | Dawn of the Dead | جورج روميرو | ١٩٧٨ |
الولايات المتحدة | هالووين | Halloween | جون كاربنتر | ١٩٧٨ |
الولايات المتحدة | دراكولا | Dracula | جون بادام | ١٩٧٩ |
الولايات المتحدة/المملكة المتحدة | فضائي | Alien | ريدلي سكوت | ١٩٧٩ |
الولايات المتحدة/المملكة المتحدة | البريق | The Shining | ستانلي كوبريك | ١٩٨٠ |
الولايات المتحدة | يوم الجمعة الثالث عشر | Friday the 13th | شون كانينجهام | ١٩٨٠ |
كندا | البديل | The Changeling | بيتر ميداك | ١٩٨٠ |
هونج كونج | لقاءات مرعبة | Spooky Encounters | سامو كام-بو هونج | ١٩٨٠ |
الولايات المتحدة | العواء | The Howling | جو دانتي | ١٩٨١ |
الولايات المتحدة/المملكة المتحدة | مذءوب أمريكي في لندن | An American Werewolf in London | جون لانديس | ١٩٨١ |
الولايات المتحدة | الشبح الصاخب | Poltergeist | توبي هوبر | ١٩٨٢ |
كولومبيا | دم نقي | Pure Blood | لويس أوسبينا | ١٩٨٢ |
كندا | فيديودروم | Videodrome | ديفيد كروننبرج | ١٩٨٣ |
الولايات المتحدة | كابوس شارع إلم | A Nightmare on Elm Street | ويس كرافن | ١٩٨٤ |
الولايات المتحدة | معيد للحياة | Re-Animator | ستيوارت جوردون | ١٩٨٥ |
هونج كونج | قصة أشباح صينية | A Chinese Ghost Story | سيو تونج تشينج | ١٩٨٧ |
الهند | المنزل القديم | The Old Mansion | تولسي وشيام رامزي | ١٩٨٩ |
الولايات المتحدة | صمت الحملان | Silence of the Lambs | جوناثان ديمي | ١٩٩١ |
الولايات المتحدة | دراكولا برام ستوكر (أو دراكولا) | Bram Stoker’s Dracula (aka Dracula) | فرانسيس فورد كوبولا | ١٩٩٢ |
المكسيك | كرونوس | Cronos | جييرمو ديل تورو | ١٩٩٣ |
الولايات المتحدة | فرانكنشتاين ماري شيلي (أو فرانكنشتاين) | Mary Shelley’s Frankenstein (aka Frankenstein) | كينيث براناه | ١٩٩٤ |
اليابان | الحلقة | Ring | هيديو ناكاتا | ١٩٩٨ |
كوريا الجنوبية | الأروقة الهامسة | Whispering Corridors | كي-هيونج بارك | ١٩٩٨ |
الولايات المتحدة | مشروع ساحرة بلير | The Blair Witch Project | دانييل مايريك وسانشيز إدواردو | ١٩٩٩ |
الولايات المتحدة | الحاسة السادسة | The Sixth Sense | إم نايت شاياملان | ١٩٩٩ |
الولايات المتحدة | سليبي هولو | Sleepy Hollow | تيم برتون | ١٩٩٩ |
اليابان | تجربة أداء | Audition | تاكاشي ميكه | ١٩٩٩ |
الولايات المتحدة | ما يكمن بالأسفل | What Lies Beneath | روبرت زميكيس | ٢٠٠٠ |
الولايات المتحدة/إسبانيا | الآخرون | The Others | أليخاندرو أمينابار | ٢٠٠١ |
المكسيك | العمود الفقري للشيطان | The Devil’s Backbone | جييرمو ديل تورو | ٢٠٠١ |
فرنسا | أخوية الذئاب | Brotherhood of the Wolf | كريستوف جانس | ٢٠٠١ |
الولايات المتحدة | الحلقة (النسخة الهوليوودية) | The Ring | جور فيربنسكي | ٢٠٠٢ |
المملكة المتحدة | بعد ٢٨ يومًا | 28 Days Later | داني بويل | ٢٠٠٢ |
اليابان | جو-أون: الحقد | Ju-on: The Grudge | تاكاشي شيميزو | ٢٠٠٢ |
كوريا الجنوبية | حكاية شقيقتين | A Tale of Two Sisters | جي-وون كيم | ٢٠٠٣ |
اليابان | مكالمة فائتة | One Missed Call | تاكاشي ميكه | ٢٠٠٣ |
الولايات المتحدة | الحقد (النسخة الهوليوودية) | The Grudge | تاكاشي شيميزو | ٢٠٠٤ |
روسيا | حراس الليل | Night Watch | تيمور بيكمامبيتوف | ٢٠٠٤ |
اليابان | ماريبيتو | Marebito | تاكاشي شيميزو | ٢٠٠٤ |
أستراليا | خليج الذئب | Wolf Creek | جريج ماكلين | ٢٠٠٥ |
المكسيك | متاهة بان | Pan’s Labyrinth | جييرمو ديل تورو | ٢٠٠٦ |
إسبانيا/المكسيك | ملجأ الأيتام | The Orphanage | خوان أنتونيو بايونا | ٢٠٠٧ |
الولايات المتحدة | نشاط خارق | Paranormal Activity | أورين بيلي | ٢٠٠٧ |
السويد | دع الشخص الصحيح يدخل | Let the Right One In | توماس ألفريدسون | ٢٠٠٨ |
الولايات المتحدة | مكالمة فائتة (النسخة الهوليوودية) | One Missed Call | إريك فاليت | ٢٠٠٨ |
الولايات المتحدة | شفق | Twilight | كاثرين هاردويك | ٢٠٠٨ |
الولايات المتحدة | المتطفلة (النسخة الهوليوودية من فيلم حكاية شقيقتين) | The Uninvited | تشارلز وتوماس جارد | ٢٠٠٩ |
هونج كونج | منزل الأحلام | Dream Home | هو-تشيونج بانج | ٢٠٠٩ |
الولايات المتحدة | دعني أدخل (النسخة الهوليوودية من فيلم دع الشخص الصحيح يدخل) | Let Me In | مات ريفز | ٢٠١٠ |
المملكة المتحدة | المرأة ذات الرداء الأسود | The Woman in Black | جيمس واتكنز | ٢٠١٢ |
إسبانيا | أمٌّ | Mama | أندريس موسكييتي | ٢٠١٣ |
قراءات إضافية
-
Beck, Jay and Vicente Rodríguez Ortega, eds. Contemporary Spanish Cinema and Genre. Manchester University Press, 2009.
-
Blake, Linnie. The Wounds of Nations: Horror Cinema, Historical Trauma and National Identity. Manchester University Press, 2008.
-
Clover, Carol. Men, Women, and Chain Saws: Gender in the Modern Horror Film. Princeton University Press, 1992.
-
Creed, Barbara. “Horror and the Monstrous-Feminine: An Imaginary Abjection?” In Sue Thornham, ed., Feminist Film Theory: A Reader, 251–266. New York University Press, 1999.
-
De Ville, Donna. “Menopausal Monsters and Sexual Transgression in Argento’s Art Horror.” In Robert Weiner and John Cline, eds., Cinema Inferno: Celluloid Explosions from the Cultural Margins, 53–75. Scarecrow Press, 2010.
-
Dixon, Wheeler. A History of Horror. Rutgers University Press, 2000.
-
Eisner, Lotte. The Haunted Screen: Expressionism in the German Cinema and the Influence of Max Reinhardt. University of California Press, 1973.
-
Fischer, Dennis. Horror Film Directors, 1931–1990. McFarland & Company, 1991.
-
Humphries, Reynold. The American Horror Film: An Introduction. Edinburgh University Press, 2002.
-
Huss, Roy and Theodore Ross, eds. Focus on The Horror Film. Prentice Hall, 1972.
-
Iaccino, James. Psychological Reflections on Cinematic Terror: Jungian Archetypes in Horror Films. Praeger, 1994.
-
Lowenstein, Adam. Shocking Representation: Historical Trauma, National Cinema, and the Modern Horror Film. Columbia University Press, 2005.
-
Kawin, Bruce. “Children of the Light.” In Barry Keith Grant, ed., Film Genre Reader, 308–329. University of Texas Press, 1995.
-
Kawin, Bruce. Horror and the Horror Film. Anthem Press, 2012.
-
Marriott, James and Kim Newman. Horror: The Definitive Guide to the Cinema of Fear. André Deutsch, 2006.
-
Marriott, James. Horror Films. Virgin Books, 2004.
-
Murphy, Robert, ed. The British Cinema Book, 3rd edition. Palgrave Macmillan (BFI), 2009.
-
Paul, Louis. Italian Horror Film Directors. McFarland & Company, 2005.
-
Pinedo, Isabel Cristina. Recreational Terror: Women and the Pleasures of Horror Film Viewing. State University of New York Press, 1997.
-
Pirie, David. A New Heritage of Horror: The English Gothic Cinema. I.B. Tauris, 2008.
-
Prince, Stephen, ed. The Horror Film. Rutgers University Press, 2004.
-
Schneider, Steven and Tony Williams, eds. Horror International. Wayne State University Press, 2005.
-
Skal, David. The Monster Show: A Cultural History of Horror. Norton, 1993.
-
Thompson, Kirsten Moana. Apocalyptic Dread: American Film at the Turn of the Millennium. State University of New York Press, 2007.
-
Waller, Gregory, ed. American Horrors: Essays on the Modern American Horror Film. University of Illinois Press, 1987.
-
Weaver, James and Ron Tamborini. Horror Films: Current Research on Audience Preference and Reactions. Lawrence Erlbaum Associates, 1996.
-
Wells, Paul. The Horror Genre from Beelzebub to Blair Witch. Wallflower, 2000.
-
Williams, Linda. “Film Bodies: Gender, Genre and Excess.” In Sue Thornham, ed., Feminist Film Theory: A Reader, 251–266. New York University Press, 1999.
-
Williams, Tony. Hearths of Darkness: The Family in the American Horror Film. Farleigh Dickinson University Press, 1996.
-
Worland, Rick. The Horror Film: An Introduction. Wiley-Blackwell, 2007.