المرأة في آشفورد
عادَ تارلينج إلى مسكنه بعد ظهر ذلك اليوم، وهو مُتحيِّر ومرتبك. لاحظ خادمُه الصيني الجامد الشعور، لينج تشو، تلك الأعراضَ من الحيرة من قبل، ولكنِ الآن هناك شيءٌ جديد في سلوك سيده — نوعٌ من الانزعاج والقلق لم يلحظه في «صياد الرجال» من قبل.
طفق الصينيُّ بصمتٍ يُمارس عملَه بإعداد الشاي لسيده، ولم يُشِر إلى المأساة أو أيٍّ من تفاصيلها. كان قد أعدَّ المائدة بجوار السرير، وكان يتسلَّل من الغرفة بطريقته التي تُشبه القِطَّ عندما أوقفه تارلينج.
قال بالعامية: «لينج تشو، هل تتذكر في شنغهاي عندما كانت عصابة «القلوب المبهجة» ترتكب جريمةً كيف اعتادوا أن يتركوا خلفهم الهونج الخاص بهم؟»
قال لينج تشو بهدوء: «نعم يا سيدي، أتذكَّر ذلك جيدًا.» ثم استرسلَ قائلًا: «كانت كلمات معينة على ورقةٍ حمراء، وبعد فترة كان يُمكنك أن تشتريَها من المتاجر؛ لأن الناس كانت ترغب في الحصول على هذه العلامات ليُروها لأصدقائهم.»
قال تارلينج ببطء: «الكثير من الناس كانوا يحملون هذه الأشياء، وعثر على علامة «القلوب المبهجة» في جيب القتيل.»
التقى لينج تشو بعينَيِ الآخَرِ بهدوء شديد.
ثم قال: «سيدي، أليس من الممكن أن يكون الرجلُ ذو الوجه الأبيض الميتُ الآن قد أحضر مثلَ هذا الشيء من شنغهاي؟ لقد كان سائحًا، والسواح يشترون هذه الهدايا التذكاريةَ الحمقاء.»
أومأ تارلينج مرة أخرى.
وقال: «هذا ممكن.» ثم أردفَ: «لقد فكَّرتُ بالفعل في هذا الاحتمال. ومع ذلك، لماذا تكون في جيبه علامةُ «القلوب المبهجة» ليلةَ مقتله؟»
قال الصيني: «يا سيدي، ولماذا قُتِل؟»
لوى تارلينج شفتَيه في نصف ابتسامة.
قال: «وهو ما أفترضُ أنك تقصد به أنَّه سؤالٌ من الصعب الإجابةُ عنه كالآخَر.» ثم أضافَ: «حسنًا، يا لينج تشو، هذا سيَفي بالغرض.»
لم يكن قلقه الرئيسي في الوقت الحاليِّ هو هذا الأمرَ أو أيَّ دليل آخرَ جرى تقديمُه، ولكن كان ما يُقلقه حقًّا هو اكتشافَ مكان اختباءِ أوديت رايدر الحاليِّ. قلَّب المسألة في ذهنه مِرارًا وتَكرارًا. وكانت الحيرة تستبدُّ به في كل نقطة بسبب اللااحتماليةِ الجامحة للحقائق التي اكتشفَها. لماذا ترضى أوديت رايدر بقَبول وظيفةٍ بسيطة في متاجر لاين في حين أن والدتَها تعيش في رفاهية في هيرتفورد؟ مَنْ كان والدُها — ذلك الأب الغامض الذي ظهر واختفى في هيرتفورد، وما هو الدور الذي لعبه في الجريمة؟ وإذا كانت بريئة، فلماذا اختفَت تمامًا وفي ظروفٍ مريبة كهذه؟ وماذا عرَفَ سام ستاي؟ كراهيةُ الرجل للفتاة كانت غريبة. عند ذِكر اسمها تفجَّر ينبوعٌ حقيقي من السُّم، وكان تارلينج قد استشعر الأعماقَ السحيقة لكُره هذا الرجل، وشيئًا من حبه اللامحدود للقتيل.
استدار على الأريكة بنفادِ صبر ومدَّ يده للحصول على شايه، عندما سمع صوتَ طرقٍ هادئ على الباب وتسلَّل لينج تشو داخلًا إلى الغرفة.
قال: «الرجل المشرِق هنا.» وبهذه الكلمات أعلن قدوم وايتسايد، الذي جلَب إلى الغرفة شيئًا من شخصيته اليَقِظة المنتعشة التي أكسبَته الاسم المستعارَ الذي ألصقه به لينج تشو.
قال المفتش وهو يُخرج دفترَ ملاحظاتٍ صغيرًا: «حسنًا يا سيد تارلينج. أخشى أنني لم أقطَعْ شوطًا كبيرًا في طريق اكتشاف تحركات الآنسة رايدر، ولكن بقدرِ ما أمكنني معرفتُه، من خلال التحقيقات التي أُجرِيَت في مكتب حجزِ تشيرينج كروس، سافَرَت العديد من السيدات الشابات دون مرافِقين إلى أوروبا في الأيام القليلة الماضية.»
سأل تارلينج بنبرة مُحبَطة: «ألا يُمكنك مطابقةُ أيٍّ منهن مع الآنسة رايدر؟»
هزَّ المحقق رأسه. على الرغم من فشله الظاهر، فمن الواضح أنه نجح في اكتشاف شيءٍ ما أسعَده؛ لأنه لم يُبدِ أيَّ انزعاج أو ضيقٍ أثناء اعترافه بالفشل.
تساءل تارلينج بسرعة: «هل اكتشفتَ شيئًا، رغم ذلك؟» فأومأ وايتسايد برأسه.
وقال: «نعم. لحُسن حظي الشديد تمكَّنتُ من الوصول إلى قصةٍ غريبةٍ جدًّا. كنت أتحدَّث مع أحد جامعي التذاكر وأُحاول اكتشاف أيِّ شخص ربما يكون قد رأى الفتاةَ — لديَّ صورة لها التُقِطَت مع مجموعة من العاملين في المتاجر، وكبَّرتُها، لأنها ربما تكون مفيدةً جدًّا.»
أومأ تارلينج برأسه.
تابعَ وايتسايد: «بينما كنت أتحدث إلى الرجل على البوابة، جاء مفتشُ تذاكر السفر وحكى قصة غير عادية من آشفورد. في ليلة القتل وقع حادث على متن الكونتيننتال إكسبريس.»
قال تارلينج: «أتذكَّر أنني رأيتُ شيئًا ما حول هذا الموضوع، لكن عقلي كان مشغولًا بهذه المسألة الأخرى. ماذا حدث؟»
أوضحَ وايتسايد: «سقطت شاحنةُ أمتعة كانت واقفةً على الرصيف بين عربتَين وأخرجت إحداهما عن المسار. والراكب الوحيد الذي أُصيب كان آنسة تحمل اسمَ الآنسة ستيفنز. على ما يبدو كانت حالة ارتجاج بسيطة، وعندما توقَّف القطار جرى نقلها إلى مستشفى كوتيدج، حيث هي اليوم. على ما يبدو ابنة مفتش تذاكر السفر ممرضةٌ في المستشفى، وأخبرَت والدها أن هذه الآنسة ستيفنز قبل أن تستعيدَ وعيها، تحدثت كثيرًا عن شخصٍ يُدعى «السيد لاين» وآخرَ يُدعى «السيد ميلبرج»!»
كان تارلينج جالسًا بظهرٍ منتصبٍ الآن، يُراقب الآخرَ وقد ضاقت عيناه.
قال بهدوء: «أكمِل.»
«لم أستطِع الحصولَ إلا على القليل من مفتش تذاكر السفر، باستثناء أن ابنته كوَّنَت انطباعًا بأن السيدة لديها ضغينة ضدَّ السيد لاين، وأنها تحدَّثت على نحوٍ أكثرَ استخفافًا عن السيد ميلبرج.»
نهضَ تارلينج وخلع ثوبَ نومه الحريري قبل أن يتمكَّن الآخَرُ من أن يضع دفتر ملاحظاته. دقَّ الجرس بأصابعه، وعندما ظهر لينج تشو، أعطاه أمرًا باللغة الصينية لم يستطِع وايتسايد أن يفهمه.
قال وايتسايد: «أنت ذاهبٌ إلى آشفورد؟» ثم أردفَ: «اعتقدتُ أنك ستفعل. هل ترغب في أن آتيَ معك؟»
قال الآخر: «لا، شكرًا لك.» ثم تابعَ: «سأذهب بنفسي. لديَّ فكرة أن الآنسة ستيفنز قد تكون الشاهدةَ المفقودة في القضية وقد تُلقي مزيدًا من الضوء على مجريات الليلة قبل الماضية أكثرَ من أي شاهد آخرَ ممَّنْ قابلناهم حتى الآن.»
وجدَ أنه مضطرٌّ إلى الانتظار لمدة ساعة قبل أن يتمكَّن من ركوب قطار إلى آشفورد، وأمضى تلك الساعة بنفادِ صبر يَذْرع الرصيف الواسع جَيئةً وذَهابًا. ها هو تعقيد جديد في القضية. مَنْ هي الآنسة ستيفنز، ولِمَ تُسافر إلى دوفر ليلة القتل؟
وصلَ إلى آشفورد، ووجد بصعوبة سيارة أجرة؛ لأنها كانت تمطرُ بغزارة، وكان قد أتى دون معطف مطرٍ أو مِظلَّة.
طمأنته رئيسة تمريض مستشفى كوتيدج على نقطة واحدة.
قالت: «أوه، نعم، الآنسة ستيفنز ما زالت في المستشفى.» فتنفَّس الصُّعداء. كانت هناك فرصةٌ أن يكون قد سُمِحَ لها بمغادرة المستشفى، ومرة أخرى احتمال أن يكون من الصعب تعقُّبُها.
أرته رئيسةُ التمريض الطريق عبر ممرٍّ طويل ينتهي بجناح كبير. قبل الوصولِ إلى باب الجناح كان هناك بابٌ أصغرُ على اليمين.
قالت رئيسة التمريض وهي تفتح الباب: «وضعناها في هذا الجناح الخاص؛ لأننا اعتقدنا أنه قد تكون هناك ضرورةٌ لإجراء عملية جراحية.»
دخلَ تارلينج. كانت في مواجهته نهاية السرير، وفي ذلك السرير رقدت فتاة التقت عيناها بعينَيه. تجمَّد في مكانه كما لو كان قد أُصيب بطلقٍ ناري لأن «الآنسة ستيفنز» كانت هي نفسُها أوديت رايدر!