صاحبُ المسدس
اختفى كلُّ أثرٍ لضباب الليلة الماضية عندما نظر تارلينج من نافذة غرفة نومه في وقتٍ لاحق من ذلك الصباح. كانت الشوارع تغمرها أشعَّة الشمس الصفراء، وكان ثَمة رائحةٌ في الهواء جلبَت اللون إلى وجنات أهالي لندن المرضى، والضوءَ إلى عيونهم.
مدَّ تارلينج ذراعَيه وتثاءَب برفاهية العيش المطلقة، قبل أن يخلع مِبذَلَه الحريريَّ ويذهب إلى الإفطار الذي أعدَّه له لينج تشو.
صبَّ الصيني الذي كان يرتدي قميصًا أزرقَ اللون والذي وقف خلف كرسيِّ سيده الشايَ ووضع صحيفةً على أحد جانبَي الطبق وخطابات على الجانب الآخر. تناول تارلينج إفطاره في صمتٍ ونحَّى الطبق جانبًا.
قال بعامية الصين السفلى: «لينج تشو. سأفقد لقب «صياد الرجال»، فهذه القضية تُحيرني أكثرَ من أي قضية أخرى.»
قال الصيني باللغة نفسِها: «يا سيدي، هناك وقت في كل القضايا يشعر فيه الصياد أنه يريد أن يتوقف ويبكي. أنا نفسي كان لدي هذا الشعور عندما طاردتُ وو فونج، قاتِل هانكو.» ثم استدرك متفلسفًا: «لكن ذات يوم وجدتُه وهو نائم في شرفة الليل.»
واستخدم التشبيه الصيني الجميل للموت.
قال تارلينج بعد وقفة: «بالأمس وجدتُ الشابة الصغيرة.» بهذه الطريقة الغريبة أشار إلى أوديت رايدر.
قال لينج تشو وهو واقف بجوار الطاولة، ويداه مختفيتان باحترام تحت أكمامه: «قد تجد الشابة الصغيرة ومع ذلك لا تجد القاتل.» ثم أوضحَ معلِّلًا: «لأن الشابة الصغيرة لم تقتل الرجل أبيضَ الوجه.»
سألَ تارلينج: «كيف عرَفت ذلك؟» فهزَّ الصيني رأسه.
وقالَ: «الشابة الصغيرة ليست لديها القوة يا سيدي.» ثم أضافَ: «كما أنه من غير المعروف أنَّ لديها مهارةَ قيادة العرَبة السريعة.»
سألَ تارلينج بسرعة: «تقصد السيارة؟» وأومأ لينج تشو.
قال تارلينج: «يا إلهي! لم أُفكر في ذلك قطُّ.» ثم أردفَ: «بالطبع، أيًّا كان مَنْ قتل ثورنتون لاين لا بد أنه وضع جثته في السيارة وقادَ به إلى المتنزَّه. لكن كيف تعرف أنها لا تستطيع القيادة؟»
قال الصيني ببساطة: «لأنني سألت.» ثم واصلَ حديثه قائلًا: «كثيرٌ من الناس يعرفون الشابة الصغيرة في المتاجر الكبرى حيث يعيش الرجلُ ذو الوجه الأبيض، وكلهم يقولون إنها لا تقود العربة السريعة.»
فكَّر تارلينج لمدَّة.
وقال: «نعم، هذا كلام صحيح.» ثم تابعَ: «الشابة الصغيرة لم تقتل الرجل ذا الوجه الأبيض؛ لأنها كانت على بُعد أميالٍ عديدة عندما ارتُكِبَت جريمة القتل. هذا عرَفناه. السؤال هو مَنْ قتله؟»
قال لينج تشو: «صياد الرجال سوف يكتشف.»
قال تارلينج: «أشك.»
ارتدى ملابسه وذهب إلى سكوتلاند يارد. كان لديه موعد مع وايتسايد، وكانت لديه نيةُ مرافَقة أوديت رايدر لاحقًا إلى تحقيقٍ أمام مساعد المفوَّض. كان وايتسايد في سكوتلاند يارد من قبله، وعندما دخل تارلينج غرفته كان يفحص شيئًا وُضِعَ أمامه على ورقة. كان عبارة عن مسدس آليٍّ قصير الماسورة.
قال باهتمام: «مرحبًا!» ثم سأل: «هل هذا هو المسدس الذي قُتِلَ به ثورنتون لاين؟»
قال وايتسايد بابتهاج: «هذا هو السلاح. وحشٌ قبيح المظهر، أليس كذلك؟»
«أين قلت إنهم وجدوه؟»
«في أسفل صندوق أدوات الحياكة الخاص بالفتاة.»
قال تارلينج وهو يرفع المسدس عن الطاولة: «إنه يبدو مألوفًا لي.» ثم سألَ: «بالمناسبة، هل الخرطوشة لا تزال في الخزنة؟»
هزَّ وايتسايد رأسه.
قال: «لا، لقد أزلتها.» ثم أضافَ: «كما أخرجت الخزنة أيضًا.»
«أفترض أنك أرسلت الوصف والرقم إلى جميع متاجر السلاح؟»
أومأ وايتسايد.
وقال: «لا يعني ذلك أنه من المحتمل أن يكون ذلك ذا فائدة كبيرة.» ثم أوضحَ: «هذا مسدَّس أمريكي الصُّنع، وما لم يُصادف أنه بِيعَ في إنجلترا فهناك فرصة ضئيلة جدًّا لاكتشاف صاحبه.»
كان تارلينج ينظر إلى السلاح، ويُقلبه في يده مِرارًا وتَكرارًا. ثم فجأة نظر إلى مؤخرته وعبَّر عن تعجبه. عندما تبع وايتسايد اتجاه عينَيه، رأى أخدودَين عميقين يسيران قطريًّا عبر القبضة.
سأل: «ما هذان؟»
«يبدوان وكأنهما رصاصتان أُطلِقتا على حامِل المسدس منذ عدة سنوات، ولكنهما لم يُصيباه وأصابا مؤخرة المسدس.»
ضحكَ وايتسايد.
قال: «هل هذا واحد من استنتاجاتك يا سيد تارلينج؟»
قال تارلينج: «لا، بل هذه حقيقة. فهذا المسدس ملكي!»