السيد ميلبرج يُنهي المسألة
لم يكن من الصعب تصديقُ قصة لينج تشو. وكان الأقلُّ صعوبة أن تُصدق أنه كان يكذب. لا يوجد مخترعٌ في العالم بهذا الذكاء والدقة من حيث التفاصيل، مثل الصيني. إنه راوي قصصٍ موهوبٌ بالفطرة، ويستطيع أن يُفصل معًا الظروف التي تتوافق عن كثبٍ بحيث يصعب عليك رؤيةُ الوصلات. ومع ذلك كان الرجل صريحًا ومباشرًا وصادقًا على نحوٍ واضح. بل إنه وضع نفسه تحت سلطة تارلينج باعترافه بنية القتل.
استطاع تارلينج إعادةَ بناء المشهد بعد مغادرة الصيني. جاء ميلبرج يتعثَّر في الظلام وأشعل عودَ ثقاب واكتشف أن القابس قد نُزع من الحائط، فأعاد توصيل المصباح ورأى لدهشته مسدسًا فتَّاكًا على المكتب. كان من الممكن أن ينخدع ميلبرج، عندما عثَر على المسدس، ويظن أنه أغفله في بحثه السابق.
لكن ماذا حدث للسلاح بين اللحظة التي تركه فيها لينج تشو على مكتب ثورنتون لاين الخاص واللحظةِ التي اكتُشِفَ فيها في علبة أدوات الحياكة الخاصة بأوديت رايدر في الشقة في كاريمور مانشنز؟ وماذا كان ميلبرج يفعل في المتجر وحده في وقتٍ متأخر من الليل؟ وعلى نحوٍ أكثر تحديدًا، ماذا كان يفعل في غرفة ثورنتون لاين الخاصة؟ كان من غير المحتمل أن يترك لاين مكتبه مفتوحًا، والاستنتاج الوحيد الذي يُمكن استخلاصه هو أن ميلبرج فتحه بنفسه بهدف تفتيش محتوياته.
وماذا عن «الهونج»؟ تلك البطاقات الصغيرة الشريرة من الورق الأحمر ذاتُ الأحرف الصينية، التي عُثِرَ على إحداها في جيب ثورنتون لاين. كان تفسيرُ وجودها في مكتب ثورنتون لاين بسيطًا. لقد كان مسافرًا حول العالم وقد جمَع التحف، وكان من الطبيعي جدًّا أن يجمع هذه القُصاصات الورقية التي كانت تُباع في معظم المدن الصينية الكبيرة كتذكار لأسلوبِ عصابة «القلوب المبهجة».
يجب إبلاغ سكوتلاند يارد بمحادثته مع لينج تشو، وهذه المؤسسة المهيبة سوف تستخلصُ استنتاجاتها الخاصة. وفي الغالب لن تكونَ هذه الاستنتاجاتُ في صالح لينج تشو، الذي سيُصبح على الفور مشتبَهًا فيه.
ومع ذلك، كان تارلينج راضيًا — أو ربما يكون الأكثرُ دقة أنه كان يميل إلى أن يكون راضيًا — عن أقوال مساعده. كانت بعضُ أجزاء قصته من الممكن التحقُّقُ منها، ولم يُضِع المحققُ أيَّ وقت قبل أن يتخذ طريقه إلى المتاجر. كان الوضع الطوبوغرافي مثلما وصَفه لينج تشو. ذهب تارلينج إلى خلف مجمع المباني، حيث يوجد الشارع الهادئ الصغير الذي تحدَّث عنه لينج تشو، واستطاع تمييز أنبوب المطر الحديدي (واحد من العديد) الذي تسلَّقه الصيني. يستطيع لينج تشو تأديةَ هذه المهمة دون أي جهدٍ جسدي. فهو يستطيع أن يتسلق مثل قطة، كما يعلم تارلينج، وهذا الجزء من قصته لم يعتمِدْ على سذاجة المحقق.
مشى عائدًا إلى المتجر من الأمام، وعبر نوافذ العرض الزجاجية الضخمة، المكتظة الآن بالمتسوقين الذين اكتسب متجر لاين اهتمامًا جديدًا ومُرضيًا بهم، ودخل من خلال الأبواب الضخمة المتأرجحة إلى الطابق المزدحم. كان السيد ميلبرج في مكتبه، وفقًا لما قاله أحدُ السُّعاة، وأرشده إليه.
كان مكتب السيد ميلبرج أكبرَ بكثير وأقلَّ زخرفة من مكتب صاحب المتجر الراحل. استقبل تارلينج بترحيبٍ زائد، ودفع إليه كرسيًّا بذراعَين وقدَّم له علبة السيجار.
قال بصوته المتزلِّف مع ابتسامته الثابتة التي يبدو أنها لا تُفارق وجهه مطلقًا: «نحن في حالة اضطرابٍ وانزعاج الآن يا سيد تارلينج. لقد أخذ المراقبون — أو على الأحرى المحاسبون — جميعَ الدفاتر، وهذا بطبيعة الحال يفرض عليَّ عبئًا رهيبًا يا سيد تارلينج. هذا يعني أن علينا تنظيمَ نظامِ حساباتٍ مؤقَّت، وستفهمُ أنت كرجل أعمال ما يعنيه ذلك بالضبط.»
قال تارلينج: «أنت تعمل بجِدٍّ يا سيد ميلبرج؟»
ابتسمَ ميلبرج وقال: «أوه، نعم يا سيدي.» ثم أردفَ: «لقد عملت دائمًا بجِدٍّ.»
سألَ تارلينج: «كنتَ تعمل بجدٍّ شديد قبل مقتل السيد لاين، أليس كذلك؟»
تردد ميلبرج: «نعم …» ثم قال: «أستطيع أن أقول بصراحة إنني كنت أفعل.»
«في وقت متأخر جدًّا من الليل؟»
كان ميلبرج لا يزال مبتسمًا، ولكن كانت هناك نظرةٌ فولاذية في عينيه بينما يرد:
«كثيرًا ما كنت أعمل في وقت متأخر من الليل.»
سألَ تارلينج: «هل تذكر ليلة الحادي عشَر؟»
نظرَ ميلبرج إلى السقف بحثًا عن الإلهام.
«نعم، أعتقد أنني أتذكَّرها. كنت أعمل في وقت متأخر جدًّا في تلك الليلة.»
«في مكتبك؟»
أجابَ الآخر دون تردد: «لا، لقد قمتُ بمعظم عملي في مكتب السيد لاين — بِناءً على طلبه.» إجابة جريئة يقولها لرجلٍ كان يعلم أن لاين كان يشتبهُ في أنه يسرق الشركة. لكن الجُرأة كانت من أهمِّ شيم ميلبرج.
سألَ المحقق بجفاف: «هل أعطاك أيضًا مِفتاحَ مكتبه؟»
قال السيد ميلبرج متهللًا: «نعم يا سيدي، بالطبع فعل! كما ترى، السيد لاين كان يثقُ بي تمام الثقة.»
قال هذا بشكلٍ طبيعي وبثقة تامة، لدرجةِ أن تارلينج كان مذهولًا. وقبل أن يُتاح له الوقت للتحدُّث، واصل الآخرُ حديثه:
«نعم، أستطيع أن أقول بصدقٍ إنني كنت محلَّ ثقة السيد لاين. أخبرني الكثيرَ عن نفسه أكثر مما أخبر أيَّ شخص و…»
قاطعه تارلينج: «لحظةً واحدة …» ثم تحدَّثَ ببطء قائلًا: «هل تسمح أن تُخبرني بما فعلتَ بالمسدس الذي وجدتَه على مكتب السيد لاين؟ كان مسدس كولت آليًّا، وكان محشوًّا.»
ظهرَت في عينَي السيد ميلبرج دهشةٌ فارغة.
وسألَ رافعًا حاجبيه: «مسدسٌ محشوٌّ؟ لكن يا سيدي العزيز تارلينج، عمَّ تتحدَّث؟ أنا لم أعثر على مسدسٍ محشوٍّ على مكتب السيد لاين قط … هذا المسكين! كان السيد لاين يعترض على مثل هذه الأسلحة القاتلة مثلي تمامًا.»
كانت هذه صدمةً قاسية لتارلينج، لكن لم تبدُ عليه أيُّ علامة إحباط أو مفاجأة. كان ميلبرج عابسًا كما لو كان يُحاول تجميع بعض الذكريات شبه المَنسيَّة.
قال بصوتٍ مصدوم: «هل من الممكن أنك حين فتشتَ منزلي في ذلك اليوم كان بهدف اكتشاف مثل هذا السلاح!»
قال تارلينج ببرود: «هذا ممكن تمامًا، بل إنه مرجَّح. الآن سأكون صريحًا جدًّا معك يا سيد ميلبرج. أشك في أنك تعرف الكثير عن جريمة القتل هذه أكثرَ مما أخبرتنا به، وأنك كان لديك أسبابٌ أكثرُ بكثير لتمنِّي وفاة السيد لاين مما أنت على استعدادٍ للاعتراف به في هذه اللحظة.» وعندما فتحَ الآخَرُ فمَه إيذانًا بالحديث، قال: «انتظر.» ثم أضافَ: «أقول لك بصراحة إن هدفي من الزيارة الأولى لهذه المتاجر كان للتحقيق في الوقائع التي بدَت ضدَّك للغاية. لقد كان بالكاد عملَ محقِّقٍ، بل كان عملَ محاسب. لكن السيد لاين اعتقد أنني سأكون قادرًا على اكتشاف مَنْ كان يسرق الشركة.»
سألَ ميلبرج ببرود: «وهل فعلتَ؟» كان لا يزال على وجهه شبحُ ابتسامة، ولكنَّ التحدِّيَ ظهر في عينَيه الشاحبتين.
«لم أفعل؛ لأنني لم أمضِ قُدُمًا في هذه القضية بعد أن عبَّرتَ أنت عن اتفاقك مع السيد لاين على تعرُّض الشركة للسرقة من قِبَل أوديت رايدر.»
رأى الرجلَ يتغيَّر لونه، وحاول أن يستغل تفوُّقه في هذه الجولة.
قال بصرامة: «لن أستفسر عن كثبٍ عن أسباب محاولتك تدميرَ فتاة بريئة.» ثم استطرد: «هذا أمر يعود إلى ضميرك. لكني أُخبرك، يا سيد ميلبرج، إذا كنتَ بريئًا — من كلٍّ من جريمة السرقة والقتل — فأنا لم أقابل قط أيَّ شخص مذنب في حياتي.»
سألَ الرجل بصوتٍ عالٍ: «ماذا تقصد بذلك؟» ثم أردفَ: «هل تجرؤ على اتهامي؟»
قال تارلينج: «لا أتهمُك بأي شيء أكثرَ من هذا؛ أنا مقتنع تمامًا بأنك كنتَ تسرق الشركة لسنوات. كما أنني مقتنعٌ تمامًا بأنك حتى إذا لم تكن قد قتلتَ السيد لاين، فأنت على الأقل تعرف مَنْ قتَله.»
سخرَ ميلبرج قائلًا: «أنت مجنون!» لكنَّ وجهه صار أبيض. واستطرد: «لنفترض أنني حقًّا سرقتُ الشركة، فلماذا أريد قتل السيد ثورنتون لاين؟ إن مجرد حقيقة وفاته من شأنها أن تجرَّ عليَّ فحص الحسابات.»
كانت هذه حُجَّة مقنعة، وكانت أكثرَ إقناعًا لأنها كانت حُجة استخدمها تارلينج نفسُه.
تابعَ ميلبرج كلامه: «أما بالنسبة إلى تُهمِكم السخيفة والميلودرامية بسرقة الشركة، فالدفاتر الآن في أيدي شركة مرموقة من المحاسبين القانونيين، وهم يستطيعون تكذيبَ أيِّ ادعاء كادعائك.»
استعادَ شيئًا من دَماثته القديمة، ووقفَ الآن، أو بالأحرى تمدَّد، وساقاه متباعدتان، وإبهاماه في فتحتَي الذراعين في صدرته، ناظرًا إلى المحقِّق بعذوبة.
قال: «أنا في انتظار تحقيق تلك الشركة البارزة، ميسرز داشوود آند سولومون، بكل ثقة ودون أدنى اضطراب. فالنتائج التي سيتوصَّلون إليها سوف تُبرهن على شرفي دون أي شك. سوف نرى هذه المسألة حتى النهاية!»
نظرَ إليه تارلينج.
وقال: «أنا معجبٌ بجُرأتك.» وغادرَ المكتب دون كلمة أخرى.