تغطية الأثر
أجرى تارلينج مقابلة قصيرة مع مساعده وايتسايد، وقد اتفقَ معه المفتش، لدهشته، على وِجْهة نظره في اعتراف لينج تشو.
قال وايتسايد بتأمُّل: «لطالما اعتقدتُ أن ميلبرج كان زبونًا رائعًا.» ثم استدرك: «لكن اتضحَ أنه يتمتعُ بشجاعةٍ أكثرَ مما ظننت. أفضلُ بالتأكيد أن أُصدِّق فرضيتك عن أن أُصدق ميلبرج. وبالمناسبة، سيدتُك الصغيرة قد هربت من رقابتها.»
سألَ تارلينج متفاجئًا: «عمَّ تتحدث؟»
«أقصدُ الآنسة أوديت رايدر — ولماذا بحقِّ السماء يمكن لضابطِ شرطة راشد بخبرتك أن يحمرَّ خجلًا؟ لا أستطيع أن أتصوَّر ذلك.»
قال تارلينج: «أنا لا أحمرُّ خجلًا.» ثم سألَه: «ماذا عنها؟»
أوضحَ وايتسايد: «كان لديَّ رجلان يُراقبانِها، ووقتما كانت تتمشى بالخارج، كانت تُصبح تحت المراقبة، كما تعلم. وفقًا لتعليماتك كنتُ سأنزع هؤلاء المراقبين غدًا، ولكنها اليوم ذهبت إلى شارع بوند، وإما أن جاكسون كان مهملًا — إذ كان جاكسون هو القائمَ بالمراقبة — أو أن السيدة الشابة كانت شديدة الذكاء؛ على أي حال، انتظرَ نصف الساعة حتى تخرج من المتجر، وعندما لم تظهر، دخلَ ووجدَ هناك مدخلًا آخرَ هربَت من خلاله. ومنذ ذلك الحين لم تَعُد إلى الفندق.»
قال تارلينج وهو مضطربٌ قليلًا: «لا أحب ذلك. تمنيتُ لها أن تكون تحتَ الملاحظة لحمايتها هي شخصيًّا قبلَ أي شيء. أريدك أن تحتفظ برجلٍ في الفندق وتتصلَ بي فور عودتها.»
أومأ وايتسايد.
وقال: «لقد توقَّعت رغباتك في هذا الصدد.» ثم استطرد: «حسنًا، ما خُطوتنا التالية؟»
«أنا ذاهب إلى هيرتفورد لرؤية والدة الآنسة رايدر؛ وبالمناسبة، قد أجدُ الآنسة رايدر، التي من الوارد جدًّا أنها عادت إلى المنزل.»
أومأ وايتسايد.
سألَ: «ماذا تتوقع أن تكتشفَ من الأم؟»
قال تارلينج: «أتوقع أن أعرفَ الكثير.» ثم أردفَ: «لا يزال هناك لغزٌ صغير يجب حلُّه. على سبيل المثال، مَنْ هو الرجل الغامض الذي يأتي ويذهب إلى هيرتفورد، ولماذا تعيش السيدة رايدر في رفاهيةٍ بينما ابنتُها تعمل من أجل لقمة العيش في متجر لاين؟»
وافقَ وايتسايد على ذلك قائلًا: «تلك أمور مهمة.» ثم سألَه: «هل تريدني أن آتيَ معك؟»
ابتسمَ تارلينج قائلًا: «شكرًا.» ثم أردفَ: «يمكنني القيامُ بهذه المهمة البسيطة بنفسي.»
بدأ وايتسايد: «لنعُدْ إلى ميلبرج.»
تأوَّه تارلينج: «كما نعود دائمًا إلى ميلبرج.» ثم قال مستفهمًا: «نعم؟»
قال وايتسايد: «حسنًا، لا أحب اطمئنانه.» ثم واصلَ حديثه: «يبدو الأمر كما لو كانت كلُّ آمالنا في الحصول على دليل من فحص حسابات لاين مصيرها أن تتحطم.»
قال تارلينج: «هناك شيءٌ ما في ذلك.» ثم أردفَ: «أنا نفسي لا أحبه. فالدفاتر في يدِ واحد من أفضل المحاسبين القانونيين في البلد، وإذا كان هناك أيُّ تلاعب، فهو الشخص الذي من المؤكَّد أن يكتشفه؛ وليس هذا فحسب، ولكن سيتتبع أيَّ عمليات اختلاس للوصول إلى الرجل المسئول. ميلبرج ليس أحمقَ بما يكفي لأن نتخيَّل أن أمره لن ينكشفَ بمجرد أن يبدأ المحاسبون عملهم، وأقل ما يُقال عن بهجته في مواجهة الفضيحة أنها أمرٌ مقلق.»
كان مؤتمرهما الصغير يُعقَد في غرفةِ شايٍ عامةٍ عادية أمام مجلس العموم — غرفة شاي كانت جدرانها، لو أنَّ لها آذانًا، لِتَشيَ بعددٍ غيرِ قليل من أسرار سكوتلاند يارد الثمينة.
كان تارلينج على وشك تغيير الموضوع عندما تذكَّر الدفاتر التي وصلت إلى مكتب المحاسب ذلك الصباح.
قال وايتسايد بتفكير عميق: «متأخرة كثيرًا.» ثم أضافَ: «يا إلهي! أتساءل!»
«عمَّ تتساءل؟»
«أتساءَل عمَّا إذا كانت هي الدفاتر الثلاثة التي اشتراها ميلبرج أمس؟»
«دفاتر الأستاذ الثلاثة؟»
أومأ وايتسايد.
«ولكن لماذا بحق السماء يريد وضْعَ ثلاثة دفاتر أستاذ جديدة — لقد كانت جديدة، أليس كذلك؟ لا يبدو لي أن هذا اقتراح ذكيٌّ للغاية. ومع ذلك …»
قفزَ من مكانه وكادَ يُسقِط الطاولة من فرط حماسته.
وقال: «بسرعة يا وايتسايد! أحضر سيارة أجرة بينما أُسدِّد الفاتورة.»
«إلى أين تذهب؟»
قال تارلينج: «أسرعْ وأحضرْ سيارة الأجرة!» وعندما انضمَّ إلى رفيقه في الخارج، وكانت سيارة الأجرة تسير على طول نهر التايمز: «أنا ذاهب إلى سانت ماري آكس.»
قال وايتسايد: «هكذا فهمتُ من توجيهاتك إلى سائق السيارة الأجرة.» ثم سألَه مستوضحًا: «ولكن لماذا سانت ماري آكس في هذا الوقت من الظهيرة؟ داشوود آند سولومون المحترمون جدًّا لن يَسُرَّهم أن يرَوك حتى الغد.»
قال تارلينج: «سأرى هذه الدفاتر.» ثم أضافَ مؤكِّدًا: «الدفاتر التي أرسلَها ميلبرج إلى المحاسبين هذا الصباح.»
«ماذا تتوقَّع أن تجد؟»
كان رد تارلينج: «سأخبرك لاحقًا.» ونظرَ إلى ساعته وقال: «لا أظنهم قد أغلقوا الشركة بعدُ، حمدًا لله!»
توقفَت سيارة الأجرة عند مفترق الطرق بين الطريق الموازي للتايمز وبين جسر بلاكفريارز، وتوقفت مرة أخرى لسببٍ مختلف في شارع كوين فيكتوريا. وفجأة كان هناك أصواتُ رنين، وانجذبت كل حركة المرور إلى جانب واحد للسماح بمرور سيارة إطفاء مسرعة. وتبعَتها أخرى وأخرى على التوالي.
قال وايتسايد: «حريق كبير.» ثم استدركَ: «أو قد يكون صغيرًا؛ لأنهم يُصابون بالذعر الشديد في المدينة، وسوف يستدعون قسمًا بأكمله من أجل مدخنة تُدخن!»
تحركَت سيارة الأجرة، وعبرت شارع كانون، عندما احتُجِزَت مرةً أخرى بواسطة سيارة هادرة، هذه المرة تحمل سُلَّم هروب من الحريق.
قال تارلينج: «دعنا نخرج من السيارة؛ سنمشي.»
قفزا من السيارة، وحاسبَ وايتسايد السائقَ.
قال تارلينج: «من هذا الطريق.» ثم أضافَ: «سنمشي من طريق مختصر.»
توقَّفَ وايتسايد للتحدث إلى شرطي.
سألَ: «أين الحريق أيها الشرطي؟»
وكان رد الشرطي: «في شارع سانت ماري آكس يا سيدي.» ثم قال: «شركة كبيرة للمحاسبين القانونيين؛ داشوود آند سولومون. هل تعرفهم يا سيدي؟ قيل لي إن المكانَ تَضْطرم فيه النيرانُ من القبو إلى العِلْيَة.»
أظهرَ تارلينج أسنانه بابتسامة هادئة غير مندهشة عندما جاءَه الرد.
وقال: «وها هي كل الأدلة على جريمة ميلبرج تبدَّدت في الدخان، ها؟» ثم أردفَ: «أعتقد أني أعرف ما كانت تحتويه تلك الدفاتر — مفجِّر صغير يعمل بمُؤقِّت وبضعة أرطال من الثرمايت لحرق كلِّ القرائن على جريمة قتل أزهار النرجس!»