مَنْ قتل السيدة رايدر؟
استقبلَت رئيسةُ دار الرعاية تارلينج. وقالت إن أوديت قد استعادت هدوءها الطبيعي، لكنها تحتاج إلى بضعةِ أيام للراحة. واقترحت أن يتمَّ إرسالها إلى الريف.
قالت رئيسة دار الرعاية: «آمُل ألا تسألها الكثيرَ من الأسئلة يا سيد تارلينج؛ لأنها في الحقيقة غيرُ قادرة على تحمل المزيد من الضغط.»
قال تارلينج بحزم: «هناك سؤال واحد فقط سأطرحه.»
وجدَ الفتاةَ في غرفةٍ مؤثَّثةٍ على نحوٍ جميل، ومدَّت يدَها لتُصافحه. انحنى وقبَّلها، ودون مزيدٍ من الثرثرة أخرج الحذاء من جيبه.
قال بلطف: «أوديت عزيزتي، هل هذا لكِ؟»
نظرت إليه وأومأت.
«أوه، نعم، أين وجدته؟»
«هل أنتِ متأكدةٌ من أنه لكِ؟»
ابتسمت: «أنا متأكدة تمامًا أنه يخصُّني.» وأضافت: «إنه شبشب قديم اعتدتُ لُبْسَه. لماذا تسأل؟»
«أين رأيتِه آخِرَ مرة؟»
أغمضَت الفتاة عينيها وارتجفت.
قالت: «في غرفة أمي.» ثم تذكَّرت: «أوه، أمي، أمي!»
أدارت رأسَها إلى وسادة الكرسي وبكت وراحَ تارلينج يُهدِّئُها.
مرَّ بعض الوقت قبل أن تهدأ، لكنها بعد ذلك لم تستطِع تقديم المزيد من المعلومات.
«لقد كان حذاءً أحبَّته أمي لأنه يُناسبها. كلانا كان يلبَس المقاس نفسه …»
تحشرجَ صوتها مرة أخرى، وسارع تارلينج إلى تغيير المحادثة.
أصبح يتحوَّل أكثرَ فأكثر إلى نظرية لينج تشو. لم يستطِع أن يُطبِّق على تلك النظرية الحقائقَ التي كانت في حوزته. في طريق عودته من دار الرعاية إلى مقر الشرطة، استعرض جريمة هيرتفورد.
دخلَ شخصٌ ما إلى المنزل حافيَ القدمَين وقدماه تنزفان، وبعد أن ارتكب جريمة القتل، بحث عن حذاء. كان الشبشب القديم هو الشيءَ الوحيد الذي استطاع القاتلُ أن يلبَسه، فلبِسَه أو لبِسَتْه وخرجَ مرةً أخرى، بعد أن دار في أنحاء المنزل. لماذا حاول هذا الشخصُ الغامض الدخولَ إلى المنزل مرة أخرى، وعمَّن أو عن ماذا كان يبحث؟
إذا كان لينج تشو محقًّا، فمن الواضح أن القاتل لا يُمكن أن يكون ميلبرج. وإذا كان يُمكن أن يَصدُق حَدسُه، فالرجل ذو القدم الصغيرة كان هو الذي صرَخ بتحدٍّ في الظلام وألقى حِمضَ الكبريتيك عند قدمَيه. وضع آراءه أمام مرءوسه ووجد وايتسايد على استعدادٍ للاتفاق معه.
قال وايتسايد: «لكنَّ هذا لا يعني أن الشخص حافيَ القدمَين الذي كان على ما يبدو في منزل السيدة رايدر ارتكب جريمة القتل. فميلبرج هو مَن ارتكب هذه الجريمةَ على نحوٍ دقيق بما فيه الكفاية، لا تقلق! هناك شكٌّ أقلُّ في أنه ارتكبَ جريمة قتل أزهار النرجس.»
تأرجَح تارلينج في كرسيِّه؛ كان يجلس على الجانب الآخَر من الطاولة الكبيرة التي استخدمها الرجلان على نحوٍ مشترك.
قال بثبات: «أعتقد أنني أعرف مَن ارتكب جريمة قتل أزهار النرجس.» ثم تابعَ حديثه: «لقد كنت أُقلِّب الأمر في رأسي، ولديَّ نظرية ستصفُها في الغالب بأنها خيالية.»
سألَ وايتسايد: «ما هي؟» لكن الآخر هزَّ رأسه.
لم يكن مستعدًّا في ذلك الوقت للكشف عن نظريته.
أسندَ وايتسايد ظهره إلى الخلف في كرسيِّه وتفكَّر للحظة.
قال: «القضية منذ البداية مليئة بالتناقضات.» وأردفَ: «كان ثورنتون لاين رجلًا ثريًّا — بالمناسبة، أنت رجلٌ ثري الآن يا تارلينج، ويجب أن أُعاملك باحترام.»
ابتسمَ تارلينج.
وقال: «تابِع كلامك.»
«كان لديه أذواقٌ غريبة — شاعر سيئ، كما يتضح من كتيب الشعر الخاص به. وكان مُدعيًا، والدليل على ذلك رعايته لسام ستاي — الذي، بالمناسبة، هربَ من المصحة العقلية؛ أفترضُ أنك تعرف ذلك؟»
قال تارلينج: «أنا أعرف ذلك. استمر.»
تابعَ وايتسايد: «وقع لاين في حبِّ فتاة جميلة من موظَّفيه.» ثم أضافَ: «وكان معتادًا على أن ينال مراده بمجرد أن يُشير بإصبَعه؛ فكل نساء الأرض يجب أن يحنين أعناقهن للنير. رفضته الفتاة وفي إذلاله حملَ لها على الفور كراهيةً تفوق فَهْم أيِّ بشري عاقل.»
قال تارلينج وعيناه تومضان: «حتى الآن، روايتك لا تحمل تناقضًا.»
تابعَ وايتسايد: «هذا هو العنصر الأول.» ووضعَ علامة على أصابعه كأنه يشطب أول عنصر. «العنصر الثاني هو السيد ميلبرج، رجل متملِّق كان يسرق الشركة منذ سنوات ويعيش في رفاهيةٍ في الريف على مكاسبه غير الشرعية. مما يسمعه أو يعرفه يستنتج أن الرقصة قد انتهت. ويُصبح في حالةٍ من اليأس عندما يُدرك أن ثورنتون لاين واقع في حالة حب يائسة مع ابنة زوجته. ماذا يُرجَّح أن يفعل أكثر من أن يستغلَّ ابنة زوجته في التأثير على ثورنتون لاين ليأخذ وجهة نظر إيجابية بشأن مخالفاته؟»
قاطعه تارلينج: «أو ماذا يُرجَّح أن يفعل أكثر من أن يُلقي اللوم عن السرقات على عاتق الفتاة ويُحمِّلها مسئولية دفع ثمن هروبه من العقاب لثورنتون لاين؟»
قال وايتسايد: «مرة أخرى. سأقبل هذا الاحتمال.» ثم أردفَ: «كانت خُطة ميلبرج هي الحصولَ على مقابلة خاصة، في ظل ظروف مواتية على نحوٍ استثنائي، مع ثورنتون لاين. فيرسل برقية إلى ذلك الرجل النبيل لمقابلته في شقة الآنسة رايدر، معتمدًا على سحر الاسم.»
قال تارلينج ساخرًا: «ويأتي ثورنتون لاين لابسًا شبشبًا.» وأضافَ: «هذا غير مقبول يا وايتسايد.»
اعترفَ الآخر: «بالفعل غير مقبول.» ثم استدركَ: «لكني أتناول جوانب القضية على نطاقٍ واسع. يأتي لاين. ويقابله ميلبرج الذي يلعب ورقة الاعتراف الرابحةَ ويُحاول تحويل الشاب إلى الحل الذي أعدَّه ميلبرج. فيرفض لاين، ويحدث شجار، وفي خضمِّ يأسه يُطلق ميلبرج النار على ثورنتون لاين.»
هزَّ تارلينج رأسه. وفكَّر لفترة، ثم قال:
«هذا غريب.»
فُتِح الباب ودخلَ ضابط شرطة.
قال: «ها هي التفاصيل التي تريدها.» وناولَ وايتسايد ورقةً مطبوعة.
قال وايتسايد عندما غادر الرجل: «ما هذا؟» ثم قال معلِّنًا: «أوه، ها هو صديقنا القديم سام ستاي. وصف الشرطة.» وواصلَ القراءة: «الطول خمس أقدام وأربع بوصات، بشَرة شاحبة … يرتدي بِذلة رمادية وملابسَ داخلية تحمل علامات مصحَّة المقاطعة … واو!»
قال تارلينج: «ماذا هناك؟»
عندما هربَ المريضُ، كان حافيَ القدمَين. يلبَس حذاءً ذا مقاسٍ صغيرٍ جدًّا، ربما أربعة أو خمسة. فُقِد سكِّين مطبخ وقد يكون المريضُ مسلحًا. يجب تحذير صانعي الأحذية …
علَّق تارلينج وقد نهضَ عن الطاولة متجهِّمَ الوجه: «حافي القدمين!» ثم قال: «لقد كان سام ستاي يكره أوديت رايدر.»
تبادَل الرجلان النظرات.
سألَ تارلينج: «الآن، هل تعرف مَنْ قتل السيدة رايدر؟» ثم تابعَ: «قتلَها شخصٌ رأى أوديت رايدر تدخل المنزل ولم يرَها تخرج؛ والذي ذهب وراءها لينتقم، كما كان يعتقد، لراعيه المقتول. فقتل هذه المرأةَ التعيسة — الأحرف الأولى على السكين، إم سي إيه، ترمز إلى ميدلسكس كونتي أسيلم (أو مصحَّة مقاطعة ميدلسكس) وأحضر السكين معه — واكتشف خطَأه؛ بعد ذلك، بعدما بحث عن حذاءٍ لتغطية قدمَيه النازفتَين، وبعد أن فشل في دخول المنزل بأي طريقة أخرى، دار حول المبنى، باحثًا عن أوديت رايدر وعن مدخل في كلِّ نافذة.»
نظرَ إليه وايتسايد بدهشة.
قال بإعجاب: «من المؤسف أنك حصلتَ على المال.» وتابعَ قائلًا: «عندما تتقاعدُ من هذا العمل سنفقد محققًا عظيمًا.»