سام ستاي يظهر
«لقد رأيتُكَ في مكانٍ ما من قبل، أليس كذلك؟»
نظرَ رجلُ الدِّين الجسيمُ في ياقته البيضاء الناصعة بسَماحة إلى السائل، وهزَّ رأسه بابتسامة لطيفة.
«لا يا صديقي العزيز، لا أعتقد أنني رأيتُكَ من قبل.»
كان رجلًا ضئيلًا، يرتدي ملابسَ رثَّة ويبدو عليه المرض. كان وجهه شاحبًا ومتغضنًا؛ ولم يحلق منذ عدة أيام، واللحية الخفيفة السوداء أعطَته مظهرًا شريرًا. كان رجل الدِّين قد غادر لتوه تمبل جاردنز، وكان في نهاية شارع فيليرز المؤدي إلى الساحل عندما اعترض طريقَه شخصٌ وبَدَأه بالكلام. كان رجلَ دينٍ تبدو عليه السعادة، ربما كان طالبًا أيضًا، إذا كان الكتاب الضخم المهم تحت ذراعه له أيُّ دلالة.
قال الرجل الضئيل: «لقد رأيتُكَ من قبل، لقد حلمتُ بك.»
قال رجل الدين: «إذا سمحت لي، أخشى أنني لا أستطيع البقاء. لديَّ ارتباط مهم.»
قال الرجل الضئيل بنبرة شديدة القوة جعلَت الآخرَ يتوقف: «قِفْ مكانك.» ثم أردفَ: «أقول لك إنني حلمتُ بك. رأيتُكَ ترقص مع أربعة شياطين سودٍ بلا ملابس، وكنتم جميعًا بَدينين وقبيحين.»
خفَضَ صوته وكان يتحدَّث في نبرة رتيبة وقوية وجادة، كما لو كان يقرأ درسًا تعلَّمه.
أخذَ رجل الدين خطوة إلى الوراء في قلق.
وقال بحِدَّة: «الآن، يا رجلي الطيب، يجب ألا تُوقِف الرجالَ المحترمين في الشارع وتتحدَّث بمثل هذا الكلام الفارغ. أنا لم أقابلك من قبلُ في حياتي. اسمي القَسُّ جوسايا جينينجز.»
قال الآخر: «اسمُك ميلبرج. نعم، هذا هو الاسم، ميلبرج. اعتاد أن يتحدثَ عنك! ذلك الرجل الجميل — تعالَ هنا!» وقبضَ على كُم رجل الدين، فصارَ وجه ميلبرج أكثرَ شحوبًا. كان هناك غضبٌ مركَّز في قبضة الرجل على ذراعه ووحشية غريبة في كلامه. «هل تعرف أين هو؟ في مبنًى جميل مثل منزل في مقبرة هايجيت. هناك بابان صغيران يُفتحَان مثل باب كنيسة، وتنزل بعض الدرجات إليه.»
سألَ ميلبرج بأسنان مصطكَّة: «مَنْ أنت؟»
حدَّقَ الرجلُ الضئيل في وجهه وقال: «ألا تعرفني؟» وأردفَ: «لقد سمعتَه يتحدث عني. سام ستاي — عجبًا، لقد عملتُ لمدة يومين في المتاجر التي تعمل بها، لقد فعلت. وأنت — لقد حصلت على ما أعطاه لك فقط. كل قرش كسَبتَه هو مَنْ منحَك إياه، هو السيد لاين. لقد كان صديقًا للجميع — للفقراء وحتى للُّصوص من أمثالي.»
اغرورقَت عيناه بالدموع ونظرَ السيد ميلبرج حوله ليرى ما إذا كان مراقَبًا.
قال بصوتٍ خافت: «الآن، كفاك هراءً!» ثم تابعَ: «واستمع يا صديقي؛ إذا سألك أحدٌ ما إذا كنتَ قد رأيت السيد ميلبرج، فأنت لم ترَه، هل تفهم؟»
قال الرجل: «أوه، أنا أفهم.» وأضافَ: «لكنني عرَفتُك! لا أحد على صلةٍ به، لا أتذكره. لقد رفعني من الحضيض. إنه فكرتي عن الله!»
كانا قد وصلا إلى ركنٍ هادئ من الحدائق وأشار ميلبرج إلى الرجل ليجلسَ بجانبه على مقعد في الحديقة.
لأول مرة في ذلك اليوم شعَر بالثقة في الحِكمة مِن اختياره للزيِّ الذي يتنكَّر به. مشهدُ رجل دين يتحدث إلى رجلٍ ذي مظهر سيِّئ قد يُثير التعليقات، ولكن ليس الشك. فعلى أي حال، كان من صميم عمل رجال الدين التحدثُ إلى الرجال ذوي المظهر السيئ، وقد يُشاهَدان وهما مندمجان في محادثة جادة وسرية إلى أقصى حدٍّ ولن يفقد مكانته.
نظرَ سام ستاي إلى المعطف الأسود والياقة البيضاء في شك.
وسألَ: «منذ متى وأنت رجل دين يا سيد ميلبرج؟»
قال السيد ميلبرج ببراعة: «أوه — مممم — لبعض الوقت.» محاولًا تذكر ما سمعَه عن سام ستاي. لكن الرجل الضئيل وفَّر عليه مشقة التذكر.
قال: «لقد أرسلوني إلى مكانٍ في الريف، لكنك تعلم أنني لم أكن مجنونًا يا سيد ميلبرج. فهو لم يكن ليُصاحب شخصًا مجنونًا، أليس كذلك؟ أنت رجل دين، ها؟» وأومأ برأسه بحكمة، ثم سأل بحماسٍ مفاجئ: «هل جعلك قَسًّا؟ كان يستطيع أن يفعل أشياءَ رائعة، السيد لاين كان يستطيع، أليس كذلك؟ هل ألقيتَ العِظةَ عندما دفنوه في ذلك المدفن الصغير في هايجيت؟ لقد رأيتُه — أذهب إلى هناك كلَّ يوم يا سيد ميلبرج. وجدته فقط بالمصادفة. مكتوبٌ عليه «أيضًا ثورنتون لاين، ابنه.» هناك بابان صغيران يُفتحَان كأبواب الكنيسة.»
تنهَّد السيد ميلبرج تنهيدة طويلة. بالطبع، يتذكر الآن. أُودِعَ سام ستاي في مِصحَّة للمجانين، وكان واعيًا على نحوٍ طفيف لحقيقة أن الرجل قد هرَب. لم تكن تَجرِبةً ممتعة، أن يتحدث إلى مجنونٍ هارب. ومع ذلك، قد تكون مفيدة. فالسيد ميلبرج كان رجلًا لا يُضيِّع الكثير من الفرص. تساءَل كيف يستطيع أن يستفيد من هذا الموقف؟ مرة أخرى، قدَّم سام ستاي الحل.
«سأُسوي الأمر مع تلك الفتاة …» توقَّف وأغلق شفتيه بإحكام، ونظرَ بابتسامة صغيرة ماكرة إلى ميلبرج. وسألَ: «أنا لم أقُل أيَّ شيء، أليس كذلك؟» وأطلقَ ضحكة صغيرة غريبة. «لم أقل أيَّ شيء من شأنه أن يُدخلني السجن، أليس كذلك؟»
قال السيد ميلبرج، الذي لا يزال في شخصية القس الخَيِّر: «لا يا صديقي. إلى أي فتاة تشير؟»
تحوَّل وجه سام ستاي إلى ابتسامة خبيثة.
وقال من بين أسنانه: «هناك فتاة واحدة فقط، وسأصل إليها. سأسوي الأمر معها! لديَّ شيء هنا …» وتحسَّسَ في جيبه بطريقة غامضة. «ظننتُ أنها معي، كنت أحملها معي منذ فترة طويلة؛ ولكنها معي في مكانٍ ما، أعلم أنها معي!»
سألَ ميلبرج: «إذن أنت تكره الآنسة رايدر، أليس كذلك؟»
«أكرهها!»
كادَ الرجل الضئيل يصرخ بالكلمات، وتحوَّل وجهه إلى اللون الأرجواني، وجحظت عيناه حتى كادتا تخرجان من رأسه، والتوَت يداه على نحوٍ متشنِّج.
بدأ كلامه قائلًا: «ظننتُ أنني انتهيتُ منها الليلة الماضية.» ثم توقف.
لم تكن للكلمات دلالةٌ أو معنًى بالنسبة إلى السيد ميلبرج؛ لأنه لم يُطالع الصحف في ذلك اليوم.
تابعَ سام: «اسمع.» وسألَه: «هل أحببت أيَّ شخص في يوم من الأيام؟»
كان السيد ميلبرج صامتًا. بالنسبة إليه، لم تكن أوديت رايدر تُمثل شيئًا، ولكن المرأة التي كانت أوديت رايدر تدعوها أمًّا والتي يدعوها هو زوجة هي موطنُ العاطفة الثمينة في حياته.
قال بعد لحظةِ صمت: «نعم، أعتقد أنني فعلت ذلك.» ثم سألَه: «لماذا؟»
قال سام ستاي بصوتٍ أجش: «حسنًا، أنت تعرف كيف أشعر، أليس كذلك؟» ثم أردفَ: «أنت تعلم كَم أريد أن أنتقم من هذه المرأة التي أسقطَته. لقد استدرَجَته … استدرجَته … يا إلهي!» ودفنَ وجهه في يدَيه وراحَ يترنح من جانب إلى آخر.
نظرَ السيد ميلبرج حوله متخوفًا بعض الشيء. لم يكن ثمة أحدٌ في مجال رؤيته.
أوديت ستكون الشاهدَ الرئيسي ضده وهذا الرجل يكرهها. كان لديه سببٌ ضئيل لحبها. كانت الشاهدة الوحيدة التي تستطيع الحكومة تقديمها، الآن بعد أن أتلف الدليل الوثائقي على جريمته. ما هي القضية التي ستكون لديهم ضدَّه إذا وضعوه في قفص الاتهام في المحكمة الجنائية المركزية، إذا لم تكن أوديت رايدر قادمة لتُدلِيَ بشهادتها ضدَّه؟
قلَّبَ الأمرَ في رأسه بدمٍ بارد، كما يُفكر التاجر في عرضٍ تِجاري قُدِّم إليه. لقد نما إلى علمه أن أوديت رايدر كانت في لندن في دارٍ للرعاية، نتيجةً لمجموعة من الملابسات الغريبة.
اتصلَ بمتجر لاين في ذلك الصباح على الهاتف ليكتشف ما إذا كانت هناك أيُّ استعلامات عنه، وسمعَ من كبير مساعديه أنه تم طلب عدد من قطع الملابس لتُرسَل إلى هذا العنوان لاستخدام الآنسة رايدر. لقد تساءَل ماذا تسبَّب في انهيارها وخلص إلى أنه نتيجة التوتر الذي تعرَّضَت له الفتاة في تلك المقابلة المميزة التي قابلا فيها تارلينج في هيرتفورد في الليلة السابقة.
قال: «افترض أنك قابلت الآنسة رايدر؟ ماذا يمكن أن تفعل؟»
ابتسم سام ستاي ابتسامة واسعة أظهرت أسنانه.
قال ميلبرج: «حسنًا، على أي حال، من غير المحتمل أن تُقابلها لبعض الوقت. فهي في دارٍ للرعاية.» ثم واصلَ متعمِّدًا: «والدار تقع في ٣٠٤، كافنديش بليس.»
كرَّر سام: «٣٠٤، كافنديش بليس.» ثم سألَه: «هذا بالقرب من شارع ريجنت، أليس كذلك؟»
قال السيد ميلبرج: «لا أعرف أين توجد.» وأردفَ: «إنها في ٣٠٤، كافنديش بليس؛ لذلك فمن غير المرجَّح أن تُقابلها لبعض الوقت.»
ونهضَ على قدميه ورأى الرجل يرتجف من قمة رأسه إلى أخمص قدمَيه مثل رجل في قبضة العذاب.
كرَّر: «٣٠٤، كافنديش بليس.» ودون أن ينطق بكلمة أخرى أدار ظهرَه للسيد ميلبرج وتسلَّل مبتعدًا.
اعتنى به ذلك الرجل المحترم وهزَّ رأسه، وبعد ذلك نهض واستدار، وسار في الاتجاه الآخر. كان حجْزُ تذكرة إلى أوروبا من محطة واترلو في نفس سهولة الحجز من محطة تشيرينج كروس. ومن نواحٍ كثيرة كان أكثرَ أمانًا.