لينج تشو «رجل التعذيب»
حدَث الكثير للسيد ميلبرج بين وقت اكتشافه مستلقيًا مقيَّدًا وعاجزًا، عارضًا الدليلَ على أنه كان في أيدي جلَّاد صيني، وبين لحظةِ تركه سام ستاي. لقد قرأ عن جريمة القتل، وصُدِم، وحَزِن، بطريقته الخاصة.
لم يُرسل رسالته إلى سكوتلاند يارد من أجل إنقاذِ أوديت رايدر، بل بالأحرى لكي ينتقمَ لنفسه من الرجل الذي قتل المرأةَ الوحيدة في العالم التي لمسَت طبيعتَه المشوَّهة. ولم تكن لديه أيُّ نية للانتحار. كان في حوزته جوازاتُ السفر التي حصَل عليها منذ عام استعدادًا لمثل هذه الخطوة (لقد احتفظ بهذا الزيِّ الكَنَسي بالقرب منه طَوالَ ذلك الوقت)، وكان جاهزًا في أي لحظة لمغادرة البلاد.
كانت تذاكره في جيبه، وعندما أرسل رسول المقاطعة إلى سكوتلاند يارد كان في طريقه إلى محطة واترلو للَّحاق بقطار قارب هافر. كان يعلم أن الشرطة ستراقب المحطة، لكنه لم يكن يخشى أن يكتشفوا أنَّ تحت مظهر رجل الدين الريفي الخيِّر، مديرَ متجر لاين المطلوب، حتى بافتراض وجودِ أمرٍ بالقبض عليه.
كان يقف عند كشكٍ للكتب، يشتري المطبوعاتِ ليُقصِّر على نفسه ساعاتِ الرحلة، عندما شعر بيدٍ ملقاة على ذراعه واختبر إحساسًا غريبًا بالغرَق. التفت ليرى وجهًا بُنيًّا رآه من قبل.
سألَ بابتسامة: «حسنًا يا صديقي، ماذا أستطيع أن أفعل من أجلك؟»
لقد طرَح السؤال بالعبارات نفسِها لسام ستاي — لم يُلهِمه مخُّه بأكثرَ من هذا دون تفكير.
قال لينج تشو: «سوف تأتي معي، يا سيد ميلبرج.» وأردفَ: «سيكون من الأفضل لك ألا تُسبِّب أيَّ مشكلة.»
«أنت ترتكب خطأً.»
قال لينج تشو بهدوء: «إذا كنتُ أرتكب خطأً، فما عليك إلا أن تقول لذلك الشرطيِّ إني خلطتُ بينك وبين ميلبرج، المطلوبِ من قِبَل الشرطة بتهمة القتل العَمْد، وسأتورَّط في مشكلة كبيرة جدًّا.»
كانت شفتا ميلبرج ترتجفان من الخوف وتحوَّل وجهُه إلى اللون الرمادي.
قال: «سآتي.»
سار لينج تشو بجانبه، وخرَجا من محطة واترلو. بقيت الرحلة إلى شارع بوند في ذاكرة ميلبرج كحُلم مروِّع. لم يكن معتادًا على السفر في الحافلات العامة، لكونه رجلًا مترفًا لا يدَّخر وُسعًا ليضمنَ راحته. لينج تشو على العكس كان لديه ولعٌ بالحافلات ويبدو أنه يستمتع بها.
لم ينطقا بأيِّ كلمة حتى وصلا إلى غرفة الجلوس في شقة تارلينج. توقَّع ميلبرج أن يرى المحقِّق. لقد وصل بالفعل إلى استنتاج أن لينج تشو لم يكن سوى رسولٍ أُرسِل من قِبل الرجل القادم من شنغهاي لكي يَمثُل أمامه. لكن لم يكن هناك أثرٌ لتارلينج.
سأل: «الآن يا صديقي، ماذا تريد؟» ثم قال: «صحيحٌ أنني السيد ميلبرج، ولكنك عندما تقول إنني ارتكبتُ جريمةَ قتل، فأنت تكذب كذبة بشعة.»
كان قد اكتسبَ بعض الشجاعة؛ لأنه كان يتوقَّع في المقام الأول أن يُنقَل على الفور إلى سكوتلاند يارد ويُوضَع في الحجز. بدا له أن حقيقةَ أن شقة تارلينج هي نهاية الرحلة تُشير إلى أن الوضع لم يكن يائسًا كما كان يتصوَّر.
التفتَ لينج تشو فجأةً إلى ميلبرج وأمسكه من مِعصَمه، الأمر الذي تطلب منه أن يستديرَ نصف استدارة. وقبل أن يعرف ميلبرج ما كان يحدث، وجد نفسَه مستلقيًا على الأرض، ووجهه لأسفل، وركبة لينج تشو في نهاية ظهره. شعر بشيء مثل انزلاق حلقةٍ سلكية حول معصمَيه، وعانى آلامًا مبرِّحة عندما أحكم الصينيُّ الحلقة الرابطة للأصفاد الصينية الأصلية.
قال لينج تشو بصرامة: «انهض.» وبذَل قوةً مفاجئة عندما رفع الرجلَ على قدميه.
قال ميلبرج بينما تصطكُّ أسنانه خوفًا: «ماذا ستفعل؟»
لم يُحِر لينج تشو جوابًا. وأمسك الرجلَ بيدٍ واحدة وفتح البابَ بالأخرى، ودفعه إلى غرفةٍ كانت بالكاد مؤثَّثة. كان ثَمة سريرٌ حديديٌّ مقابل الحائط، ودفع الرجلَ على هذا السرير، وتكوَّم عليه.
تابع صائدُ اللصوص الصيني أداء عمله بطريقةٍ عِلمية. أولًا: ربَط خيطًا من الحرير في أحد قضبان السرير ورفع رأس ميلبرج في هذا؛ حتى لا يستطيعَ المقاومة إلا عندما يُواجه خطرَ الخنق.
ثانيًا: قام لينج تشو بقلبه، وفكِّ الأصفاد، وعلى نحوٍ منهجي ربطَ معصمًا واحدًا أولًا، ثم الآخَر إلى جانب السرير.
كرَّر ميلبرج: «ماذا ستفعل؟» لكن الصيني لم يحر جوابًا.
أخرج سكينًا مخيفَ المظهر من حزامٍ أسفل قميصِه، وفتح المديرُ فمَه ليصرخ. كاد يفقد أعصابه من الذعر، لكن أي سبب للخوف لم يأتِ بعد. أوقف الصيني صرخته بوضع وسادة على وجه الرجل، وبدأ عمدًا في قطع الملابس على الجزء العلوي من جسده.
قال بهدوء: «إذا صرختَ، فسيعتقد الناس أنني أُغني! الصينيون ليس لديهم موسيقى في أصواتهم، وأحيانًا عندما كنتُ أغني أغنياتي الأصلية، كان الناس يحضرون ليكتشفوا مَن الذي يُعاني.»
تنفَّس ميلبرج وقال في محاولة أخيرة لإنقاذ الموقف: «أنت تتصرف على نحوٍ غير قانوني. سوف تُعاني الزجَّ بك في السجن جراء جريمتك.»
قال لينج تشو: «سأكون محظوظًا؛ فالسجن حياة. أما أنت فسوف تُعلَّق في نهاية حبل طويل.»
كان قد رفع الوسادة عن وجه ميلبرج، والآن كان ذلك الرجل الشاحب يُتابع كلَّ حركة من حركات الرجل الصيني بأعينٍ مذعورة. وسرعان ما جُرِّدَ ميلبرج من ملابسه حتى الخصر، وراح لينج تشو يتأمَّل عمله برضًا.
ذهب إلى خِزانة في الحائط وأخرج زجاجة بُنية صغيرة، وضعها على طاولة بجانب السرير. ثم جلس هو نفسُه على حافَة السرير وتحدَّث. كانت لغته الإنجليزية مثالية تقريبًا، على الرغم من أنه يتردَّد بين الحين والآخر في اختيار كلمة، وكان هناك لحظاتٌ يكون فيها متكلفًا قليلًا في حديثه، وأحيانٌ يكون أكثرَ من متحذلق بقليل. تحدَّث ببطءٍ وبتروٍّ عظيم.
«ألا تعرف الشعب الصيني؟ ألم تَزُر الصين أو تَعِشْ فيها؟ عندما أقول تعيش لا أقصد البقاءَ لمدة أسبوع في فندق جيد في إحدى المدن الساحلية. عاشَ صديقك السيد «لاين» في الصين بهذه الطريقة. ولم تكن إقامة ناجحة.»
قاطعه ميلبرج مستشعرًا أن لينج تشو يربطه بطريقةٍ ما بمغامرات ثورنتون لاين السيئة قائلًا: «أنا لا أعرف شيئًا عن السيد لاين.»
قال لينج تشو وهو ينقر بالشفرة المسطحة لسكينه على راحة يده: «حسنٌ!» ثم أردفَ: «إذا كنتَ قد عشت في الصين — في الصين الحقيقية — فقد تكون لديك فكرةٌ قاتمة عن شعبنا وسِماته. يُقال إن الرجل الصيني لا يَهاب الموت أو الألم، وهي مبالغة طفيفة لأني عرَفتُ مجرمين يخشون كلَيهما.»
انحنت شفتاه الرفيعتان لثانية في شبح ابتسامة كما لو كان يتذكَّر بعض الذكريات المُسلِّية. ثم أصبح جادًّا مرة أخرى.
«من وجهة النظر الغربية نحن شعبٌ بدائي. من وجهة نظرنا نحن نُقدِّر الشرف بصرامة. أيضًا — وهذا ما سأؤكده.» في الواقع، أكَّد بالفعل على كلماته، الأمر الذي أثار الرعبَ في السيد ميلبرج، عندما كان نَصلُ السكين على صدر الآخر العريض، على الرغم من أن السكين كان خفيفًا جدًّا لدرجة أن ميلبرج لم يشعر بأي شيء سِوى بوخز بسيط جدًّا.
«نحن لا نُقدر حقوق الفرد بالقيمة نفسِها التي يُقدرها بها الناسُ في الغرب.» ثم استطردَ يشرح بعناية: «على سبيل المثال، نحن لسنا عَطوفين مع سجنائنا، إذا اعتقدنا أننا بممارسة قليلٍ من الضغط عليهم يُمكن أن نساعد سير العدالة.»
سألَ ميلبرج عندما بزغت في عقله فكرةٌ مروعة: «ماذا تقصد بذلك؟»
«في بريطانيا، وفي أمريكا أيضًا حسَب فَهمي — رغم أن الأمريكيين أكثرُ استنارة حول هذا الموضوع — عندما تعتقل عضوًا في عصابة فأنت تكتفي باستجوابه وتُعطيه مجالًا كاملًا لممارسة قوته الإبداعية. تسأله أسئلة وتستمرُّ في طرح الأسئلة، ولا تعلم هل يكذب أم يقول الحقيقة.»
بدأ السيد ميلبرج يتنفَّس بصعوبة.
سألَ لينج تشو: «هل ترسخَت هذه الفكرة في عقلك؟»
قال السيد ميلبرج بصوتٍ مرتعش: «لا أعرف ماذا تقصد. كل ما أعرفه هو أنك ترتكب خطأً جسيمًا ﺑ…»
أوقفه لينج تشو بإشارة.
وقال: «أنا مدرك تمامًا لما أفعله.» ثم استطرد: «الآن اسمعني. منذ أسبوع أو نحوه، عُثِرَ على السيد ثورنتون لاين، ربِّ عملك، مقتولًا في هايد بارك. كان مرتديًا قميصَه وبنطاله، وقد لفَّ أحدُهم ثوبَ نومٍ حريريًّا حول جسمه، في محاولةٍ لإيقاف نزيف الجرح. وقد قُتِل في شقةِ سيدة شابة، لا أستطيع نطق اسمها، ولكنك تعرفها.»
لم تبرح عينا ميلبرج عينَي الصينيِّ على الإطلاق، وأومأ برأسه.
قال لينج تشو ببطء: «لقد قُتِلَ بيدك؛ لأنه اكتشف أنك كنتَ تسرقه، وكنتَ تخشى أن يُسلمك إلى الشرطة.»
زمجَر ميلبرج قائلًا: «تلك كذبة.» ثم قال مؤكِّدًا: «إنها كذبة — أقول لك إنها كذبة!»
قال لينج تشو: «سوف أكتشف ما إذا كانت كذبةً في غضون دقائق قليلة.»
وضعَ يده داخل قميصه، وراقبه ميلبرج مبهورًا، لكنه لم يُخرج أيَّ شيء أكثرَ من علبة سجائر فِضِّية، فتحها. اختار سيجارة وأشعلها، ولبضع دقائق راح ينفث دخانها في صمت، بينما ثبَّت عينَيه المتأملتين على ميلبرج. ثم نهض وذهب إلى الخزانة وأخرج زجاجة أكبر ووضعها بجوار الزجاجة الأخرى.
سحبَ لينج تشو نفسًا آخر من سيجارته ثم ألقى بها في المدفأة.
وقال بطريقته البطيئة المتروية: «إنَّ في مصلحة الجميع أن تُعرَف الحقيقة، من أجل سيدي المحترم، ليه جين، الصيَّاد، وآنسته الصغيرة المحترمة.»
رفعَ سكينه وانحنى به على الرجل المذعور.
قال ميلبرج بصوتٍ يمتزج فيه النحيبُ بالصراخ: «أستحلفك بالله ألَّا تفعل، لا تفعل.»
قال لينج تشو: «هذا لن يُؤذيك.» ورسم أربعةَ خطوطٍ مستقيمة عبر صدر الآخر. بالكاد لامست حافَةُ الموسى اللحمَ، ومع ذلك كانت في المكان الذي مرت فيه السكينُ علامةٌ حمراءُ رقيقة مثل خدش.
لم يشعر ميلبرج بشيءٍ من الألم، كل ما هنالك بعضُ الوخز الخفيف ولا أكثر. وضع الصينيُّ السكين وأخذ الزجاجة الصغرى.
قال: «في هذا مستخلص نباتي. هذا ما يمكن أن تُسميه الفليفلة، لكنها ليست تمامًا مثل فُلفلِكم؛ لأنها مقطَّرة من جذر أصلي. وفي هذه الزجاجة …» التقط الزجاجة الكبرى ثم أردف: «زيتٌ صيني يُخفف الآلام التي تُسببها الفليفلة على الفور.»
سألَ ميلبرج وهو يُقاوم: «ماذا ستفعل؟» ثم أردفَ: «أيها الكلب! أيها الشيطان!»
«بفرشاة صغيرة سأدهن بالفليفلة على هذه الأماكن.» ولمسَ صدر ميلبرج بأنامله الطويلة البيضاء. «شيئًا فشيئًا، ملليمترًا فملليمترًا سوف تتحرك فرشاتي، وسوف تتجرع ألمًا لم تتجرَّعْه من قبلُ في حياتك. إنه ألمٌ سيعتصرك من قمة رأسك إلى أخمص قدمَيك، وسيُلازمك في ذاكرتك ما حييت.» وأردف متفلسفًا: «في بعض الأحيان، هذا يدفعني إلى الجنون، لكنني لا أعتقد أنه سيدفعك إلى الجنون.»
أخرجَ السدادة وغمسَ فرشاة صغيرة من شعر الجِمال في الخليط، وسحبَها مبتلَّة بالسائل. كان يُراقب ميلبرج طوال الوقت، وعندما فتح الرجلُ المكتنز فمَه ليصرخ حشر منديلًا من الحرير، كان قد سحبه بسرعة البرق من جيبه، في الفم المفتوح.
شهق صوتُ ميلبرج المكتوم: «انتظر، انتظر!» وقال: «لديَّ شيء أخبرك به — شيء يجب أن يعرفه سيدك.»
قال لينج تشو ببرود: «هذا جيد جدًّا.» وسحب المنديل من فمه. ثم قال: «سوف تُخبرني بالحقيقة.»
سألَ الرجل وهو يتفصد عرقًا من الخوف: «ما الحقيقة التي يمكن أن أقولها لك؟» كانت حباتُ العرق الكبيرة تتلألأ على وجهه.
قال لينج تشو: «سوف تعترف بحقيقةِ أنك قتلتَ ثورنتون لاين.» ثم تابعَ: «هذه هي الحقيقة الوحيدة التي أريد أن أسمعها.»
صرخ المحتجَز بهذيان: «أقسم أنني لم أقتله! أقسم بذلك، أقسم بذلك! انتظر، انتظر!» كان ينشج بينما يلتقط الآخرُ المنديل: «هل تعرف ما حدث للآنسة رايدر؟»
قيَّد الصينيُّ حركته.
وقال بسرعة: «للآنسة رايدر؟» (نطق الكلمة «لايدر».)
روى ميلبرج قصة لقائه مع سام ستاي لاهثًا منقطع الأنفاس. وفي خِضمِّ توتره وألمه العقلي حكى بصراحة ليس فقط كلَّ كلمة، بل كل حرف وكل سكتة، واستمع الصينيُّ بعينَين نصف مغلقتَين. بعد ذلك، عندما انتهى ميلبرج، وضع زجاجته وحشر السدادة في فوهتها.
قال: «كان سيدي سيتمنَّى لو أن المرأة الصغيرة تتجاوز الخطر.» ثم أردفَ: «هذه الليلة لن يعود، ولذا يجب أن أذهب بنفسي إلى المستشفى … يمكنك أن تنتظر.»
قال ميلبرج: «أطلِق سراحي.» ثم أضافَ: «سوف أساعدك.»
هزَّ لينج تشو رأسه.
وقال بابتسامة شريرة: «يُمكنك الانتظار.» ثم استطرد: «سأذهب أولًا إلى المستشفى وبعد ذلك، إذا كان كل شيء على ما يُرام، فسأعود من أجلك.»
أخذَ منشفةً بيضاء نظيفة من منضدة الزينة ووضعها على وجه ضحيته. ورشَّ على المنشفة محتويات زجاجة ثالثة أخذها من الخِزانة، ولم يتذكر ميلبرج أي شيء آخر حتى نظر إلى وجه تارلينج المتحيِّر بعد ساعة.