اعتقال
انحنى تارلينج لأسفل وفكَّ الحبال التي ربَطَت ميلبرج بالأريكة. كان الرجل المكتنز يرتجف وقد ابيضَّ وجهه خوفًا، وكان لا بد من رفعه إلى وضعية الجلوس. جلس هناك على حافة السرير ووجهه في يدَيه لمدة خمس دقائق، وراقبه الرجلان بفضول. فحص تارلينج بعنايةٍ الجروحَ في صدره، وشعر بالارتياح عندما اكتشف أن لينج تشو — لم يشك في أن الصينيَّ كان المسئول عن محنة ميلبرج — لم يستخدم بعدُ هذا التعذيب الرهيب الذي كان يدفع المجرمين الصينيِّين في كثير من الأحيان إلى حافة الجنون.
التقطَ وايتسايد الملابسَ التي خلعها لينج تشو على نحوٍ منهجي عن جسد الرجل، ووضعها على السرير بجانب ميلبرج. ثم دعا تارلينج الآخرَ إلى الغرفة الخارجية.
سألَ وايتسايد: «ماذا يعني كلُّ ذلك؟»
قال تارلينج بتجهُّم: «هذا يعني أن صديقي لينج تشو، كان يحاول اكتشاف قاتل ثورنتون لاين بطرقٍ صينية خاصة. ولحسن الحظ جرَت مقاطعته، ربما بسبب أن ميلبرج أخبره أن الآنسة أوديت رايدر قد خُطِفَت.»
نظرَ إلى الوراء إلى الجسد المتدلي بجانب السرير.
وقال: «إنه أضخم قليلًا مني، لكني أعتقد أن بعض ملابسي سوف تُناسبه.»
أجرى بحثًا سريعًا في خِزانة ملابسه وعاد ببعض قطع الملابس.
قال: «تعالَ يا ميلبرج. أيقظ نفسك وارتدِ الملابس.»
نظرَ الرجل إلى أعلى، وشفته السفلى ترتجف على نحوٍ مثير للشفقة.
قال تارلينج بسخرية: «أعتقد أن هذه الملابس، على الرغم من أنها قد لا تكون على مقاسك، ستكون مناسبةً لك أكثر قليلًا من ردائك الكَنَسي.»
دون كلمة واحدة، أخذ ميلبرج الملابس في ذراعيه، وتركاه حتى يلبَس. سمعا وقع أقدامه الثقيلة، وسرعان ما فتح الباب وخرج واهنًا إلى غرفة الجلوس، وارتمى على أحد المقاعد.
سألَ وايتسايد: «هل تشعر أنك على ما يُرام بما يكفي لأن تخرجَ الآن؟»
قال ميلبرج، وهو ينظر لأعلى متخوفًا: «أخرج؟» ثم سألَه: «أين سأذهب؟»
قال وايتسايد العملي: «إلى مركز شرطة كانون رو.» ثم أضافَ: «لديَّ أمرٌ بالقبض عليك يا ميلبرج، بتهمة القتل العَمْد، والحرق العَمْد، والتزوير، والاختلاس.»
«القتل العَمْد!» كان صوت ميلبرج عاليًا وحادًّا وارتفعت يداه المرتجفتان إلى فمه. واستطردَ يقول: «لا يُمكنك أن تتهمني بالقتل العَمْد. لا، لا، لا! أقسم لك إني بريء!»
سألَ تارلينج: «أين رأيت ثورنتون لاين آخر مرة؟» وبذل الرجلُ جهدًا عظيمًا كي يتمالكَ نفسَه.
بدأ حديثه: «رأيته حيًّا آخر مرة في مكتبه.»
سألَه تارلينج مرة أخرى: «متى رأيت ثورنتون لاين آخر مرة؟» ثم أضافَ: «حيًّا أو ميتًا.»
لم يردَّ ميلبرج. وعلى الفور وضع وايتسايد يده على كتف الرجل ونظرَ نحو تارلينج.
قال بسرعة: «تعالَ معي.» وتابعَ: «من واجبي كضابط شرطة أن أُحذرك أن أيَّ شيء تقوله الآن سيجري تسجيله واستخدامه كدليلٍ ضدَّك في محاكمتك.»
قال ميلبرج: «انتظر، انتظر!» كان صوته أجشَّ وغليظًا. نظر حواليه ثم توسَّل وهو يلعق شفتيه الجافتَين: «هل لي في كوبٍ من الماء؟»
جلبَ تارلينج المرطِّبات التي شربها الرجلُ بشغَف. بدا الماء وكأنه يُحيي شيئًا من روحه المتغطرسة القديمة؛ لأنه نهضَ من كرسيِّه، وعبثَ في ياقة معطفه الذي لم يكن مقاسه — كان معطفَ صيد قديمًا خاصًّا بتارلينج — وابتسمَ لأول مرة.
قال بشيءٍ من عجرفته القديمة: «أعتقد أيها السادة أنكم ستجدون صعوبةً في إثبات أن لي علاقةً بقتل ثورنتون لاين. وأنكم ستجدون صعوبة مماثلة في إثبات أن لي علاقةً بإحراق مكتب سولومون — أفترض أن تلك هي تهمة الحرق العَمْد التي تقصدونها؟ والأصعب من ذلك كلِّه هو محاولتكم إثباتَ أن لي علاقةً بسرقة شركة ثورنتون لاين. فالسيدة التي سرقت تلك الشركةَ قد اعترفَت بالفعل، مثلما تعرف جيدًا يا سيد تارلينج.» ابتسم إلى الآخر، لكنَّ عينَيْ تارلينج التقَتا بعينيه.
قال بثبات: «أنا لا أعرف شيئًا عن أي اعتراف.»
أمال السيد ميلبرج رأسه بابتسامةٍ متكلَّفة. على الرغم من أنه كان لا يزال يحمل الدليل الماديَّ على الوقت العصيب الذي مر به، فقد استعاد شيئًا من ثقته القديمة.
قال: «لقد حُرِقَ الاعتراف، وأنت مَنْ حرقه يا سيد تارلينج. والآن أعتقد أن خَدْعتك قد آنَ لها أن تنتهي.»
قال تارلينج بدوره مندهشًا: «خدعتي!» ثم سألَه: «ماذا تقصد بخدعتي؟»
قال ميلبرج: «أنا أشير إلى المذكرة التي تُشير إلى أنها أُصدِرت من أجل القبض عليَّ.»
«هذه ليست خَدعة.» كان وايتسايد هو مَنْ تحدَّث، وأخرج مِن جيبه ورقةً مطوية، فتحها وعرضها أمام عينَي الرجل. ثم أردف: «وفي حالة وقوع حوادث.» وببراعة ألبسه زوجًا من الأصفاد في معصميه.
ربما كان السبب هو إيمان ميلبرج الكبير بعبقريته. وربما كان، وهذا هو الأرجح، وعيُه بأنه قد أخفى كلَّ آثاره على نحوٍ جيد جدًّا بحيث لا يُمكن كشفها. أحدُ هذين السببين قد أبقاه صامدًا، لكنه انهار الآن. بالنسبة إلى تارلينج، كان من المدهش أن يُحافظ ذلك الرجلُ على تبجُّحِه حتى النهاية، رغم أنه كان يعرف في أعماقه أن الحكومة الملكية لديها قضيةٌ سيئة للغاية ضد ميلبرج إذا تمت المباشرة بقضية الاختلاس والحَرْق العَمْد. كان يُمكن ضمانُ إدانتِه على جريمة القتلِ وحدها، ومن الواضح أن هذا ما أدركه ميلبرج؛ لأنه لم يَقم بأي محاولة في أقواله المتميزة التي أعقبت ذلك لأنْ يفعلَ أكثرَ من التلميح إلى أنه كان مذنبًا بسرقة الشركة. جلس متكومًا على كرسيِّه، ويداه مشدودتان على المنضدة أمامه، ثم انتفض فجأةً واقفًا.
قال وهو يُصلصل بالسلسلة التي تربط بين الأصفاد: «إذا خلعتما عني هذه الأشياءَ أيها السيدان، فسوف أخبركما بشيءٍ قد يُريحكما من التفكير في مسألة وفاة ثورنتون لاين.»
نظر وايتسايد إلى رئيسه مستفسرًا، وأومأ تارلينج برأسه. وبعد ثوانٍ قليلة كانت الأصفاد قد أُزيلت، وكان السيد ميلبرج يُحاول تهدئة معصميه المجروحين.
عالِم النفس الذي كان سيُحاول تحليل الحالة العقلية التي وجَد تارلينج نفسَه فيها، كان سيُواجه مهمة صعبة. لقد جاء إلى الشقة وهو يكاد يموت قلقًا جراءَ اختفاء أوديت رايدر. كان ينوي دخول شقته والخروجَ منها في أسرعِ وقتٍ ممكن، على الرغم من أنه لم تكن لديه أيُّ فكرة عما ينوي فعله بعد ذلك. كانت معرفة أن لينج تشو يتتبع الخاطف بمثابة مهدِّئٍ لأعصابه المشدودة؛ وإلا ما كان بإمكانه البقاءُ والاستماع إلى الأقوال التي يستعدُّ ميلبرج للإدلاء بها.
بين الحين والآخر كانت تُراوده فكرة أن أوديت رايدر في خطر، مثل وخز الألم؛ وكان يريد الانتهاء من هذا العمل، وإيداعَ ميلبرج في زنزانة بالسجن، وتكريس كلِّ طاقاته لتعقُّبها. وجاءه هذا الوخز الآن وهو يُراقب هذا الشخصَ الضخم على الطاولة.
قال: «قبل أن تبدأ، قل لي هذا: ما هي المعلومات التي أعطيتَها إلى لينج تشو مما دفعه إلى تركك؟»
قال ميلبرج: «أخبرتُه عن الآنسة رايدر، وقدمتُ له نظرية — كانت مجرد نظرية — لما حدث لها.»
قال تارلينج: «فهمت.» ثم استطرد: «والآن قُل قصتك وقلها بسرعة يا صديقي، وحاوِل التمسُّك بالحقيقة. مَنْ قتل ثورنتون لاين؟»
لوى ميلبرج رأسه ببطء نحوه وابتسم.
قال ببطء: «إذا كان بإمكانك تفسيرُ كيفية أخذ الجثة من شقة أوديت رايدر وتركها في هايد بارك، يمكنني الردُّ عليك على الفور. ذلك أنني حتى هذه اللحظة أعتقد أن ثورنتون لاين قُتِل على يد أوديت رايدر.»
سحبَ تارلينج نفَسًا عميقًا.
وقال: «هذه كذبة.»
لم يتراجع السيد ميلبرج بأي حال من الأحوال.
وقال: «حسنٌ جدًّا.» ثم استطرد: «الآن، هَلا تكرمت بالاستماع إلى روايتي.»