في مقبرة هايجيت
جلست أوديت رايدر في ركنٍ من أركان السيارة الأجرة التي تسير بسلاسة. عيناها مغلقتان، فقد جاء ردُّ الفعل الحتمي. الإثارة والقلق تضافرا لمنحها القوةَ للمشي إلى السيارة بخطوات ثابتة فاجأت مديرةَ الدار؛ ولكن الآن، في الظلمة والوحدة، كانت تشعر بالاكتئاب، الجسدي والعقلي، الذي تركها دون إرادة أو قوة لبذلِ المزيد من الجهد.
انطلقَت السيارة بسرعة عبر شوارعَ طويلة لا تنتهي — في أي اتجاه لم تكن تعلم ولا تهتم. تذكَّر أنها لم تكن تعرف حتى أين تقع دارُ الرعاية. ربما كان على حافة لندن؛ هذا كل ما كانت تعلمه. ذات مرة، كان ذلك عندما كانت السيارة تعبر شارع بوند من ميدان كافنديش، رأت الناس يستديرون وينظرون إلى السيارة وأشار إليها شرطيٌّ وصاح شيئًا. كانت منشغلة جدًّا بحيث لم تُقلق رأسَها بالسبب وراء ذلك.
لقد قدَّرت بطريقة غامضة مشوشة مهارةَ سائق السيارة الأجرة الذي بدا أنه قادرٌ على شق طريقه عبر أي عائق مروري وحوله؛ ولم يُساوِرْها أيُّ شك في أن كل شيء ليس على ما يُرام إلا عندما وجدَت السيارة الأجرة تجتاز طريقًا ريفيًّا. وحتى حينئذٍ خُفِّفَت شكوكها عندما تعرَّفَت على معالمَ معينةٍ في الطريق أخبرتها أنها على طريق هيرتفورد.
فكَّرت: «بالطبع.» ثم أردفت: «لا بد أنني مطلوبة في هيرتفورد وليس في لندن.» وهدَّأت نفسها مرة أخرى.
توقفت السيارة الأجرة فجأة، وتراجعت في حارة جانبية، وانعطفَت في الاتجاه من حيث أتَيا. وعندما ضبط مقدمة سيارته في الاتجاه الصحيح، أغلقَ سام ستاي محركه، ونزل من مقعده، وفتح الباب.
قال بحِدَّة: «اخرجي من هنا!»
بدأت الفتاة الحائرة: «لماذا … ماذا …» ولكن قبل أن تقول أيَّ كلمة أخرى دلف الرجل إلى السيارة، وأمسكها من معصمها، وجذبها إلى الخارج بعنف شديد جعلها تسقط على الأرض.
«أنتِ لا تعرفينني، ها؟» كانت هذه كلماته وهو يقترب بوجهه من وجهها، ويُمسك بكتفيها بوحشية لدرجة أنها كادت تصرخ ألمًا.
كانت على ركبتيها، تُكافح من أجل الوقوف على قدمَيها، ونظرت إلى الرجل الضئيل متسائلة.
قالت لاهثة: «أنا أعرفك.» ثم أردفت: «أنت الرجل الذي حاول الدخولَ إلى شقتي!»
ابتسمَ ابتسامةً عريضة.
«وأنا أعرفُك!» وضحك بقسوة ثم قال: «أنت الشيطانة التي استدرَجَته! أفضل رجل في العالم … إنه في قبر صغير في مقبرة هايجيت. الباب مثل باب الكنيسة. وهذا هو المكان الذي ستكونين فيه الليلة، اللعنة عليكِ! سآخذُكِ إلى هناك. تحت، تحت، تحت، وأترُكُكِ معه لأنه كان يريدك!»
كان يُمسكها من معصميها، ويُحدِّق في وجهها، وكان ثمَّة شيء ذئبيٌّ جدًّا ومتوحش جدًّا، في عيني الرجل المجنون المحدقة، شيء جعل فمها يجف وعندما حاولت الصراخ لم يخرج منها أيُّ صوت. بعدئذٍ مالت نحوه، وأمسك بها من تحت ذراعيها وسحبها لتقف على قدميها.
قال ضاحكًا: «هل فقدتِ الوعي؟ سوف تفقدين الوعي يا سيدتي؟» ثم أضافَ: «ألَا تتمنَّين ألَّا تُفيقي أبدًا، ها؟ أراهن أنكِ ستتمنين ذلك إذا عرَفتِ … إذا عرفتِ!»
ألقاها على العشب على جانب الطريق، وأخذ حزام الأمتعة من مقدمة السيارة، وربط يدَيها. ثم التقط الوشاح الذي كانت ترتديه وربطه حول فمها.
باستعراضٍ غير عادي للقوة رفعها دون جهد وأعادها إلى زاوية المقعد. ثم صفق الباب، وصعد مرة أخرى إلى مكانه، وأطلق العِنان للسيارة لتنطلقَ بأقصى سرعة في اتجاه لندن. كانا في ضواحي هامبستيد عندما رأى لافتةً فوق متجرٍ لبيع السجائر، وأوقف السيارةَ بعيدًا عنه قليلًا، في أحلكِ جزءٍ من الطريق. ألقى نظرةً على السيارة من الداخل. كانت الفتاة قد انزلقت من المقعد إلى الأرض واستلقَت بلا حَراك.
سارع عائدًا إلى متجر السجائر حيث كانت علامة الهاتف. كان في الجزء الخلفي من دماغه الفاسد فكرةُ أنه كان هناك شخصٌ ما سيتأذَّى. ذلك الشيطان ذو المظهر القاسي الذي كان يستجوبه عندما سقط في نوبة … تارلينج. نعم، كان هذا هو الاسم، تارلينج.
تصادف أنَّ دليل الهاتف كان جديدًا، وكان اسم تارلينج مضمَّنًا فيه، على الرغم من أنه كان مشترِكًا جديدًا. وفي ثوانٍ قليلة كان يتحدَّث إلى المحقِّق.
أغلق السماعة وخرج من الكشك الصغير، ونظر إليه صاحب المتجر، الذي سمع صوته العاليَ القاسي بارتياب؛ لكن سام ستاي كان غيرَ مبالٍ بشكوك الرجل. سار بسرعة إلى حيث كانت سيارتُه الأجرة تقف، حتى كاد يجري، وقفز في المقعد، ومرةً أخرى انطلق بالسيارة نحو الأمام.
إلى مقبرة هايجيت! كانت هذه هي الفكرة. ستكون البواباتُ مغلقة، ولكن يُمكنه فعلُ شيء ما. ربما سيقتلها أولًا ثم يحملها فوق الجدار بعد ذلك. سيكون انتقامًا رهيبًا إذا استطاع إدخالها في المقبرة حيةً ودفعَها هناك، على قيد الحياة وسطَ الموتى، عبر تلك الأبواب الصغيرة التي تُفتَح مثل أبواب الكنيسة إلى قبوٍ بارد رطب بالأسفل.
صرخ وغنَّى بفرحٍ من الفكرة، والتفتَ المشاةُ الذين رأوا السيارة الوامضة تمرُّ بهم، وتتأرجح من جانبٍ إلى آخر، عندما سمعوا صوت الغناء الوحشي؛ لأن سام ستاي كان سعيدًا كما لم يكن سعيدًا في حياته من قبل.
لكن مقبرة هايجيت كانت مغلقة. بوابات حديدية قاتمة حجبت كلَّ المداخل، والأسوار كانت عالية. كان مكانًا محيرًا؛ لأن المنازل كانت تُحيط به من جميع الجهات تقريبًا؛ وظل نصف الساعة يبحث عن مكانٍ مناسب قبل أن يوقف السيارة أخيرًا قبالة مكانٍ حيث كان السور لا يبدو فيه عصيًّا. لم يكن هناك أحدٌ حوله ولم يخشَ من المقاطعة من جانب الفتاة. لقد نظر إلى داخل السيارة ولم يرَ شيئًا سوى جسدٍ متكوِّم على الأرض. لذلك، فقد ظنَّ أنها لا تزال فاقدةً للوعي.
سار بالسيارة إلى الرصيف، ثم انزلق إلى المسافة الضيِّقة ما بين السيارة والسور، وفتح الباب على مصراعَيه.
صاح ببهجة: «هيا!» ومدَّ أصابعه — ثم فجأة انطلق شيء من السيارة، شيء رشيق ومرن، شيء أمسك الرجل الضئيل من رقبته وألقاه على السور.
صارع ستاي بقوة الجنون، لكن لينج تشو أمسك به بقبضةٍ حديدية.