عودة لينج تشو
أسقطَ تارلينج سماعة الهاتف وغرق في أحد المقاعد متأوهًا. كان وجهه مُبيَضًّا — أكثرَ بياضًا من وجه المُحتجَز الذي جلس أمامه، وبدا أنه قد تقدَّم في السن فجأة.
سأل وايتسايد بهدوء: «ماذا هناك؟» ثم أضافَ: «مَنْ كان الرجل؟»
قال تارلينج: «ستاي.» ثم أردفَ: «ستاي. لديه أوديت! هذا فظيع، فظيع!»
كان وايتسايد، يتأمل الوضع وقد انشغل عقله؛ أما ميلبرج، فقد ارتعشَ وجهُه خوفًا، وراح يُراقب المشهد بفضول.
قال تارلينج: «لقد هُزِمت.» وفي تلك اللحظة رنَّ جرس الهاتف مرة أخرى.
رفعَ السماعةَ وانحنى على الطاولة، ورأى وايتسايد عينَيه تتَّسعان في ذهول. كان صوت أوديت هو الذي استقبله.
«إنه أنا، أوديت!»
كاد يصرخ: «أوديت! هل أنتِ بأمان؟ حمدًا لله على ذلك!» ثم قال: «حمدًا لله على ذلك! أين أنتِ؟»
«أنا في متجر لبيع السجائر في …» وتوقفت عن الكلام لحظة بينما كان من الواضح أنها تسأل أحدَهم عن اسم الشارع، ثم على الفور عادت من جديد بالمعلومة.
قال تارلينج: «لكن هذا رائع!» ثم أردفَ: «سأكون معك على الفور. وايتسايد، أحضِر سيارة أجرة، هَلا فعلت؟ كيف هربتِ؟»
قالت: «إنها بالأحرى قصة طويلة.» ثم تابعت: «صديقك الصيني أنقذَني. هذا الرجل المروِّع أوقف السيارة الأجرة بالقرب من متجرٍ لبيع السجائر ليُجريَ اتصالًا هاتفيًّا. وظهر لينج تشو على حين غِرة، وكأنه ظهر بقوة السحر. أعتقد أنه ربما كان يرقد فوق السيارة؛ لأنني سمعتُه ينزل من الجنب. ساعدَني على الخروج من السيارة وأوقفني في مدخلٍ مظلِم، وأخذ مكاني. من فضلك لا تسألني بعد الآن. أنا في غاية التعب.»
بعد نصف الساعة كان تارلينج مع الفتاة وسمع قصةَ الاعتداء. استعادت أوديت رايدر شيئًا من هدوئها، وقبل أن يُعيدها المحقِّق إلى دار الرعاية أخبرَته قصة مغامرتها.
قالت: «لا بد أنني فقدتُ الوعي.» ثم أضافت: «وعندما أفقتُ كنتُ مستلقية على أرض السيارة، التي كانت تتحرك بسرعة رهيبة. فكرتُ في العودة إلى المقعد، لكن خطر لي أنني إذا تظاهرتُ بأنني فاقدةُ الوعي فقد يكون لديَّ فرصةٌ للهروب. عندما سمعتُ صوتَ توقُّف سيارة الأجرة حاولتُ النهوض، لكن لم تكن لديَّ القوة الكافية. لكن المساعدة كانت قريبة. سمعتُ صوت كشطِ حذاء على الجزء العلوي الجلدي من السيارة، وفجأةً فُتح الباب ورأيتُ شخصًا كنتُ أعرف أنه ليس سائقَ السيارة. رفعني وأخرجني من السيارة، ولحسن الحظ كانت السيارةُ متوقفة أمام منزلٍ خاص له مدخلٌ كبير مسقوف، وقادني إليه.
قال لي: «انتظري. هناك مكانٌ يُمكنكِ الاتصالُ فيه هاتفيًّا. انتظري حتى نذهب.»
ثم عاد إلى سيارة الأجرة، وأغلق البابَ بدون ضوضاء، وبعد ذلك مباشرةً رأيتُ ستاي يركض على طول الطريق. وفي ثوانٍ قليلة اختفَت سيارةُ الأجرة وجرَرْت نفسي إلى المتجر — وهذا كل شيء.»
لم يتمَّ تلقِّي أي أخبار عن لينج تشو عندما عاد تارلينج إلى شقته. كان وايتسايد ينتظر. وأخبره أنه وضَع ميلبرج في زنزانةٍ وأنه ستتمُّ محاسبته في اليوم التالي.
قال تارلينج: «لا أستطيع أن أفهم ما حدث للينج تشو. كان يجب أن يعودَ الآن.»
كانت الواحدة والنصف صباحًا، ولم يُسفر الاستفسار عبر الهاتف إلى سكوتلاند يارد عن أي معلومات.
تابع تارلينج: «من الممكن، بالطبع أن يكون ستاي قد أخذ سيارة الأجرة إلى هيرتفورد. لقد تحوَّل الرجلُ إلى مجنون خطير.»
قال وايتسايد متفلسفًا: «كل المجرمين مجَانينُ إلى حدٍّ ما.» ثم أردفَ: «أتساءل ما الذي أذهب عقلَ هذا الرجل.»
قال تارلينج: «الحب!»
نظرَ إليه الآخر في دهشة.
«الحب؟» كرَّر غيرَ مصدق، وأومأ تارلينج برأسه.
«لا شك أن سام ستاي كان يعشق لاين. كانت صدمة موته هي التي دفعَته إلى الجنون.»
دقَّ وايتسايد بأصابعه على الطاولة وهو يتأمل.
سأل: «ما رأيك في قصة ميلبرج؟» فهزَّ تارلينج كتفيه.
وقال: «من الصعب جدًّا إصدارُ حكم.» ثم واصلَ حديثه: «تكلَّم الرجل كما لو كان يقول الحقيقة، وشيءٌ ما بداخلي يُقنعني أنه لم يكن يكذب. ومع ذلك فالأمر برُمته لا يُصدَّق.»
حذَّره وايتسايد قائلًا: «بالطبع، كان لدى ميلبرج الوقتُ الكافي لاختلاق قصة جيدة جدًّا. إنه رجل داهية، ميلبرج هذا، وكان من المستبعَد أنه سيُخبرنا بقصة خارج نطاق التصديق.»
وافق الآخرُ قائلًا: «هذا صحيح، ومع ذلك، أنا مقتنع بأنه قال تقريبًا كل الحقيقة.»
«إذن، مَنْ قتل ثورنتون لاين؟»
نهضَ تارلينج بإيماءة تنمُّ عن يأسه.
«يبدو أنك بعيدٌ عن حل هذا اللغز مثلي، ومع ذلك فقد شكَّلتُ نظرية قد تبدو خيالية …»
كانت هناك خطوات خفيفة على الدَّرج، وعبَر تارلينج الغرفة، وفتح الباب.
دلف لينج تشو، بهدوئه، ونفسه الغامضة، وفيما عدا أن جبهته ويده اليمنى كانتا مُغطَّاتين بضمادات ثقيلة، لم يكن يحمل أيَّ دليل على تجربته المأساوية.
قال تارلينج باللغة الإنجليزية: «مرحبًا، يا لينج تشو، هل تأذيت؟»
قال لينج تشو: «ليس كثيرًا.» ثم استطردَ: «هل سيتكرَّم سيدي ويُعطيني سيجارة؟ لقد فقدتُ كل سجائري في الصراع.»
«أين سام ستاي؟»
أشعلَ لينج تشو السيجارة قبل أن يُجيب، ونفخ عود الثقاب ووضعه بعناية في المطفأة في منتصف الطاولة.
قال لينج تشو ببساطة: «الرجل نائم في شُرفة الليل.»
قال تارلينج بذهول: «مات؟»
أومأ الصيني.
«هل قتلتَه؟»
مرةً أخرى توقَّف لينج تشو ونفث سحابة من دخان السيجارة في الهواء.
«كان يحتضر منذ عدة أيام، هكذا أخبرني الطبيب في المستشفى الكبير. ضربتُ رأسه مرة أو مرتين، ولكن ليس بشدة. وجرحَني قليلًا بسكين، لكن لا شيء خطير.»
قال تارلينج بتفكير عميق: «سام ستاي مات، ها؟» ثم أردفَ: «حسنًا، هذا يُزيل مصدر خطر على الآنسة رايدر يا لينج تشو.»
ابتسم الصيني.
«إنه يُزيل أشياءَ كثيرة يا سيدي؛ لأنه قبل أن يموت هذا الرجل أصبحَت رأسه سليمة.»
«هل تقصد أنه كان عاقلًا؟»
قال لينج تشو: «لقد كان عاقلًا يا سيدي، وكان يرغب في أن يُدلِيَ بأقواله رسميًّا. لذلك أرسل الطبيبُ الكبير في المستشفى طلبًا إلى قاضٍ أو إلى الشخص الجالس في المحكمة.»
«قاضي تحقيق؟»
قال لينج تشو وهو يومئ برأسه: «نعم، قاضي التحقيق، وهو رجلٌ عجوز ضئيل يعيش قريبًا جدًّا من المستشفى، فجاء يشكو من تأخُّر الوقت. كما جاء رجل كتب بسرعة كبيرة في دفتر وعندما مات الرجل، كتب بسرعةٍ أكبرَ على آلة وأعطاني هذه الأوراقَ لأُحضِرَها إليك، واحتفظَ بأوراق أخرى لنفسه وللقاضي الذي تحدث إلى الرجل.»
عبث في قميصه وأخرج لُفافةَ ورقٍ مغطَّاةً بكتابة مطبوعة.
أخذ تارلينج الوثائق ورأى أنها تتكوَّن من عدة صفحات. ثم نظر إلى لينج تشو.
وقال: «أخبرني أولًا يا لينج تشو، ماذا حدث؟ يمكنك الجلوس.»
سحبَ لينج تشو بانحناءة صغيرة كرسيًّا من على الحائط وجلس على مسافة محترمة من الطاولة، ولمَّا لاحظ تارلينج أن سيجارته كانت على وشك الانتهاء بسرعة، ناوله علبة السجائر.
«لا بد أنك تعرف يا سيدي أنني أخذتُ الرجل ذا الوجه الضخم، واستجوبتُه دون رغبتك ومعرفتك. هذه الأشياء لا تحدث في هذا البلد، لكنني اعتقدت أنه من الأفضل قول الحقيقة. لذلك، كنتُ أرتِّب لأنْ أُعذِّبه عندما أخبرني أن الفتاة الصغيرة في خطر. لذلك تركته، مفكرًا أن سعادتك لن تعود حتى الصباح، وذهبتُ إلى المنزل الكبير حيث كان يُحتفَظ بالفتاة الصغيرة، وبينما وصلتُ إلى نهاية الشارع رأيتها تركب سيارة مسرعة جدًّا.
كانت السيارة تنطلق قبل وقت طويل من وصولي إليها، لذلك اضطُرِرتُ إلى الجري؛ لقد كانت سريعة جدًّا. لكني تمسكتُ بالسيارة من الخلف، وبمجرد أن توقفت عند هذا الشارع، تسلَّقتُها من الخلف واستلقيتُ على الجزء العلوي من السيارة. أعتقد أن الناس رأَوني أفعلُ هذا وصرَخوا للسائق، لكنه لم يسمع. وهكذا استلقيتُ لوقتٍ طويل وسارت السيارة إلى الريف، وبعد فترة عادت مجددًا، ولكن قبل أن تعودَ توقفتُ ورأيتُ الرجل يتحدث إلى السيدة الصغيرة بصوتٍ غاضب. ظننتُ أنه سيُؤذيها وانتظرتُ على أُهبَة الاستعداد للقفز فوقه، ولكن السيدة راحت في عوالم النوم ورفعَها إلى السيارة مرة أخرى.
ثم عاد إلى البلدة وتوقَّف مرةً أخرى للذَّهاب إلى متجر. أعتقد أنه ذهب ليتحدث في الهاتف؛ لأنه كانت هناك واحدةٌ من تلك العلامات الزرقاء التي يمكنك أن تراها خارج متجر حيث يمكنُ استخدامُ الهاتف من قِبَل الأشخاص العاديين. وبينما كان قد دخل، نزلتُ ورفعتُ السيدة الصغيرة، وأزلتُ القيود عن يدَيها ووضعتها في مدخل أحد البيوت. ثم أخذتُ مكانها. قاد السيارةَ لفترة طويلة حتى توقف عند سور مرتفع، وعندئذٍ يا سيدي، حدَث قتال.» قالها لينج تشو ببساطة.
ثم تابع: «استغرق الأمر مني وقتًا طويلًا للتغلُّب عليه ثم اضطُرِرتُ إلى حملِه. وصلنا إلى شرطيٍّ أخذَنا في سيارةٍ أخرى إلى مستشفًى حيث ضمَّدتُ جروحي. ثم جاءوا إليَّ وأخبروني أن الرجل يحتضر وتمنَّى رؤيةَ شخصٍ ما لأنه كان في قلبه شيءٌ أراد أن يُهدئه.
فتحدث ذلك السيد وكتبَ الرجلُ لمدة ساعة، ثم رحل إلى أجداده، ذلك الرجل الأبيض الضئيل.»
أنهى حديثه فجأة كما كانت عادته. أخذ تارلينج الأوراق وفتحها، وقرأها صفحةً تِلو الأخرى، بينما كان وايتسايد جالسًا بصبر دون أن يُقاطعه.
عندما أنهى تارلينج المستندات، نظر عبر الطاولة.
وقال: «ثورنتون لاين قُتِلَ على يد سام ستاي.» وعندئذٍ حدَّق فيه وايتسايد.
بدأ: «لكن …»
«لقد اشتبهتُ في ذلك لبعض الوقت، ولكن كانت هناك حلقة أو حلقتان في الأدلة مفقودتان، ولم أتمكَّن من الوصول إليهما. دعني أقرأ لك أقوال سام ستاي.»