أقوالُ سام ستاي
«اسمي سام ستاي. وُلِدتُ في ميدستون في مقاطعة كينت. عمري تسعة وعشرون عامًا. تركتُ المدرسة في سنِّ الحاديةَ عشرة واختلطتُ بمجموعة سيئة، وفي سن الثالثة عشرة أُدِنت بارتكاب سرقة من متجر، وأرسِلتُ إلى معهد بورستال لمدة أربع سنوات.
عند إطلاق سراحي من بورستال، ذهبتُ إلى لندن، وبعد عام أُدِنت بارتكاب جريمة اقتحام منزل، وحُكِم عليَّ بالسجن لمدة اثنَي عشر شهرًا مع الأشغال الشاقة. عند خروجي من السجن أخذَتني جمعيةٌ خيرية وعلَّمَتني قيادة السيارات، وحصلتُ على رخصةٍ باسمٍ آخرَ كسائقِ سيارة أجرة، ولمدة اثني عشر شهرًا عملتُ كقائد سيارة أجرة في الشوارع. في نهاية تلك الفترة أُدِنت بسرقة أمتعة الركَّاب، وأُرسلت إلى السجن لمدة ثمانية عشر شهرًا.
بعد إطلاق سراحي من عقوبة السجن هذه، التقيتُ للمرة الأولى بالسيد ثورنتون لاين. التقيتُ به بالطريقة التالية. لقد حصلتُ على خطابٍ من جمعية مساعدة السجناء وذهبتُ إلى السيد ثورنتون لاين للحصول على وظيفة. وقد اهتم بي كثيرًا، ومنذ البداية كان أفضلَ صديق لديَّ. كان لطفه رائعًا وأعتقد أنه لم يكن هناك قطُّ رجلٌ في العالم بمثل هذه الطبيعة الجميلة.
لقد ساعدني عدةَ مرات، ورغم أنني عدتُ إلى السجن، فإنه لم يتخلَّ عني قط، وإنما ساعدني كصديق ولم يغضب مني عندما كنت أقعُ في ورطة.
لقد أُطلِق سراحي من السجن في ربيع هذا العام وقابلني السيد ثورنتون لاين عند بوابات السجن في سيارة جميلة. لقد عاملَني كأنني أميرٌ وأخذني إلى منزله الكبير، وأعطاني الطعام والنبيذ الجميل.
أخبرَني أنه كان مُستاءً للغاية من سيدةٍ شابة كان يعتني بها. هذه الشابة عملَت لديه، وقد أعطاها وظيفة عندما كانت تتضوَّر جوعًا. قال إنها كانت تنشر الأكاذيبَ عنه وإنها كانت فتاة سيئة. لم أكن قد رأيتُ هذه المرأة من قبل قط، التي كان اسمها أوديت رايدر، لكنني شعرتُ بالكراهية الشديدة تجاهها، وكلما زاد حديثه عن الفتاة كنتُ أكثرَ إصرارًا على الانتقام منها.
عندما أخبرني أنها جميلة جدًّا، تذكرتُ أنه كان لي زميلٌ في سجن واندسوورث كان يُدعى سلسر. هذا هو الاسم بقدر ما أتذكر. كان يقضي مدة عقوبته الجنائية لإلقاء حمض الكبريتيك على وجه فتاتِه. كانت قد خذلَته وتزوجَت من رجلٍ آخر بينما كان يقضي مدة السجن. أعتقد أنها كانت جميلة جدًّا. عندما خرج سلسر من السجن انتظرَها وألقى حمض الكبريتيك على وجهها، وقد أخبرني كثيرًا أنه لم يندم على ذلك.
لذلك عندما أخبرني السيد لاين أن الفتاة جميلة، واتتني هذه الفكرةُ لكي أنتقمَ منها. كنت أعيش في لامبث في منزلِ مُدانٍ سابق عجوز، لم يؤجَّر لأي شخص تقريبًا سوى المحتالين. كان يُكلِّف أكثرَ من السكن العادي ولكنه كان يستحق ذلك؛ لأن الشرطة إذا أجرَت أيَّ استفسار، فإن المالك أو زوجته دائمًا ما يُعطون معلوماتٍ خاطئة. ذهبتُ إلى هذا المكان لأنني كنت أنوي ارتكاب عملية سطو في مسويل هيل مع رجل أُطلِقَ سراحه من السجن قبلي بيومين أو ثلاثة، كان يعرف الدكان، وسألني عندما كنا في الشغل يومًا ما إذا كنتُ سأشاركه في العملية. اعتقدتُ أنه قد تكون هناك فرصةٌ أن نهرب بالأشياء، إذا تمكَّنتُ من الحصول على شخص يُقسم إني لم أغادر المنزل في تلك الليلة.
أخبرتُ المالكَ أن لديَّ عمليةَ سطو في اليوم الرابع عشر وأعطيتُه جنيهًا إسترلينيًّا واحدًا. رأيتُ السيد لاين في اليوم الرابع عشر في منزله وعرَضتُ عليه الفكرة. وأريتُه حمض الكبريتيك الذي اشتريتُه في شارع ووترلو، وقال إنه لا يريد أن يسمع شيئًا عن ارتكابي هذا الفعل. وظننتُ أنه ما قال هذا إلا لأنه لا يريد أن يتورَّط في القضية. وطلب مني أن أترك الفتاة له وأنه سيُسوي أموره معها.
غادرتُ منزله حوالي الساعة التاسعة ليلًا، وأخبرته أنني سأعود إلى مسكني. ولكن في الحقيقة ذهبتُ إلى مجمع الشقق في طريق إدجوير حيث تعيش هذه الفتاة رايدر. كنت أعرف الشقة لأنني ذهبتُ إليها في الليلة السابقة بناءً على اقتراح السيد لاين لدسِّ بعض المجوهرات التي أُخِذت من المتجر. كانت فكرته أنه سوف يُطالب بالقبض عليها بتهمة السرقة. لم أتمكن من الدخول إلى المنزل، بسبب وجود محقِّق هناك اسمه تارلينج، لكني كنتُ قد ألقيتُ نظرة جيدة للغاية وعرَفتُ طريق الدخول، دون المرور عبر الباب الأمامي، حيث كان الحارس دائمًا في الخدمة.
لم أجد صعوبة في الدخول إلى المبنى أو إلى الشقة. اعتقدتُ أنه من الأفضل أن أذهب مبكرًا لأن الفتاة قد تكون في الخارج في المسرح، ولأحظى بفرصة إخفاء نفسي قبل أن تعود. عندما دلفتُ إلى الشقة وجدتُها مظلِمة. كان هذا مناسبًا لهدفي جدًّا. انتقلت من غرفة إلى أخرى. في النهاية جئت إلى غرفة النوم. فتَّشتُ الغرفة، بحثًا عن مكانٍ محتمَل حيث يُمكنني الاختباء.
عند نهاية السرير كانت هناك فجوةٌ مغطَّاة بستارة حيث كان هناك عدةُ فساتين وروب معلَّقة، ووجدتُ أنه يمكنني الدخول هناك بسهولةٍ خلف الملابس ولن يكتشف مكاني أحد. كان هناك مشجبان للملابس بارزان خارج الستارة داخل الفجوة مباشرةً. أذكر هذه المعلومة بسبب شيء حدث لاحقًا.
بينما كنت أتجوَّل في الأرجاء، سمعتُ صوت دوران مفتاح في القفل وأغلقتُ الأنوار. كان لديَّ الوقت بالكاد للدخول إلى الفجوة عندما فُتِحَ الباب وظهر رجلٌ اسمه ميلبرج. أشعل الأنوارَ بينما يدخل الغرفةَ وأغلق البابَ من بعده. نظر حوله كما لو كان يُفكر في شيءٍ ما، ثم خلَع معطفه وعلَّقه على أحد المشجبين بالقُرب من الفجوة. حبستُ أنفاسي خوفًا من أنه قد ينظر إلى الداخل، لكنه لم يفعل.
كان يتجوَّل في الغرفة كما لو كان يبحث عن شيءٍ ما، ومرةً أخرى كنتُ أخشى أن يُكتشَف أمري رغم كل شيء، ولكن بمرور الوقت خرج وعاد ومعه حقيبةٌ صغيرة. عندما خرج من الغرفة رأيتُ بارزًا من جيب المعطف الذي كان معلَّقًا على المشجب، عُقبَ مسدَّس. لم أكن أعرف تمامًا ماذا أفعل به لكنني فكَّرتُ أن وجوده في جيبي أفضلُ من وجوده في جيبه، فسحبته من الجيب وأدخلتُه في جيبي أنا.
بعد فترةٍ عاد كما قلتُ وباشرَ تعبئة الحقيبة على السرير. ثم فجأة نظر إلى ساعته وقال شيئًا لنفسه، وأطفأ الأنوارَ وسارع بالخروج. انتظرتُه طويلًا ليعود مجدَّدًا ولكن لم يحدث شيء، ولعلمي أنه سيكون لديَّ الكثيرُ من الوقت إذا عاد مرة أخرى، ألقيتُ نظرة على المسدس الذي حصلتُ عليه. كان مسدسًا آليًّا وكان محشوًّا. لم أعمل مطلقًا بمسدَّس في حياتي، لكنني اعتقدتُ أنني قد آخذ هذا ما دمتُ أنوي ارتكابَ جريمة قد تُلقي بي في السجن طوال فترة حياتي الطبيعية. ظننتُ أنَّ من الأفضل أن أُشنَق عن أن أذهب إلى الأشغال الشاقة.
ثم أطفأتُ الأنوار وجلستُ بجوار النافذة، في انتظار عودة الآنسة رايدر. أشعلتُ سيجارة، وفتحتُ النافذة لأُخرج رائحة الدخان. أخرَجتُ زجاجة حمض الكبريتيك، وأزَلتُ السدادة ووضعتُها على كرسيٍّ بالقرب مني.
لا أعرف كم من الوقت انتظرتُ في الظلام، ولكن حوالي الساعة الحادية عشرة، بقدر ما أستطيعُ الحكم، سمعتُ صوتَ طقطقة الباب الخارجي بلطفٍ شديد وسمعتُ صوتَ أقدامٍ خافتًا في الصالة. كنت أعلم أنه لم يكن ميلبرج لأنه كان رجلًا ثقيلًا. هذا الشخص تحرَّك مثل قطة. في الحقيقة، لم أسمع صوت فتح باب غرفة النوم. انتظرتُ وحمض الكبريتيك على المقعد بجانبي، حتى يتم تشغيل النور، لكن لم يحدث شيء. لا أعرف ما الذي جعلني أفعل ذلك لكنني مشيتُ باتجاه الشخص الذي دخل الغرفة.
ثم، قبل أن أعرفَ ما حدث، أمسكَ بي شخصٌ ما. وكدتُ أُخنَق بذراعٍ أُلقيَت حول رقبتي واعتقدتُ أن ميلبرج هو مَن اكتشفَني في المرة الأولى وعاد مرةً أخرى لعقابي. حاولتُ دفعه بعيدًا، لكنه ضربني في فكِّي.
كنت أشعر بالخوف لأنني اعتقدتُ أن الضوضاء ستُثير الناس وستأتي الشرطة، ولا بد أنني فقدتُ أعصابي وجُنَّ جنوني. قبل أن أعرف ما حدث، أخرجتُ المسدس من جيبي وأطلقتُ النار على الهدف القريب جدًّا. سمعتُ صوتًا مثل ارتطام جسد يسقط. كان المسدس لا يزال في يدي، وكان أول تصرُّف قمت به هو التخلُّص منه. شعرتُ بصندوقٍ بالقرب من رجلي في الظلام. كان مليئًا بالقطن والصوف وأشياءَ أخرى ودفعتُ بالمسدس في أسفله ثم تلمَّستُ ما حولي عبْر الغرفة وأضأتُ الأنوار.
عندما فعلتُ ذلك، سمعتُ المفتاح يدور في القُفل مرة أخرى. ألقيتُ نظرة واحدة على الجسد الذي سقط على وجهه ثم غطستُ في الفجوة.
الرجل الذي دخل كان ميلبرج. كان ظهره لي. عندما أدار الجثة لم أستطِع أن أرى الوجه. رأيتُه يُخرِج شيئًا من الدُّرج ويربطه حول الصدر، ورأيتُه يخلع المعطف والصدرة، ولكن إلى أنْ خرج واستطعتُ الخروجَ من مخبئي لم أُدرِك أن الرجلَ الذي قتلتُه كان عزيزي السيد لاين.
أعتقد أنني أُصِبتُ بالجنون من الحزن. لا أعرفُ ماذا فعلت. كل ما فكرتُ به هو أنه لا بد من وجود فرصةٍ وأنه لم يَمُت على الإطلاق ويجب أن يُنقَل إلى المستشفى. لقد ناقشنا خُطة دخول الشقة وأخبرَني كيف سيُحضِر سيارته إلى الخلف. هُرِعتُ للخروج من الشقة، مرورًا بالطريق الخلفي. بالتأكيد سأجد السيارة منتظرةً ولم يكن أحدٌ في الجوار.
عدتُ إلى غرفة النوم ورفعتُه بين ذِراعَيَّ وحملتُه إلى السيارة، ودعمتُه في المقعد. ثم عدتُ وأحضرتُ معطفه وصدرته، وألقيتُ بهما على المقعد بجواره. لقد وجدتُ حذاءه في السيارة، وبعد ذلك للمرة الأولى لاحظتُ أنه كان يلبَس شبشبًا في قدمَيه.
لقد كنتُ سائقَ سيارة أجرة؛ لذلك أعرف كيفيةَ التعامل مع السيارة، وفي دقائقَ قليلة كنتُ أسير على طول طريق إدجوير، في طريقي إلى مستشفى سانت جورج. انعطفتُ عبر الحديقة لأنني لم أرغب في أن يراني الناس، وعندما وصلتُ إلى جزءٍ لم يكن فيه أحدٌ أوقفت السيارةَ لإلقاء نظرة أخرى عليه. أدركتُ أنه كان ميتًا تمامًا.
جلستُ في تلك السيارة معه لمدة ساعتين، أبكي كما لم أبكِ قطُّ، ثم بعد فترة أفقتُ نفسي وحملتُه خارج السيارة ووضعته على الرصيف على بُعد مسافةٍ من السيارة. كنتُ عاقلًا بما فيه الكفاية لأدركَ أنه إذا عُثِرَ عليه ميتًا برفقتي، فستسوء الأمور معي للغاية، لكنني كرهتُ تركه وبعد أن طوَيتُ ذراعيه جلستُ بجانبه لمدة ساعة أو ساعتين أُخرَيَين.
لقد بدا باردًا جدًّا ووحيدًا لدرجة أن قلبي كان يقطر دَمًا لأنني سأتركه. في الصباح الباكر رأيتُ حوضًا من أزهار النرجس بالقُرب منا، وقطَفتُ القليل منها ووضعتُها على صدره لأنني أحببته.»
أنهى تارلينج القراءة ونظر إلى مساعده.
وقال: «هذه نهايةُ لغز أزهار النرجس.» ثم أردفَ: «تفسيرٌ بسيط للغاية يا وايتسايد. وبالمناسبة، فإنه يُبرِّئ صديقنا ميلبرج الذي يبدو وكأنه سيُفلِت من الإدانة تمامًا.»
•••
بعد أسبوع، كان شخصان يمشيان ببطءٍ عبْر المنحدرات المطلَّة على البحر. لقد سارا لمسافة ميلَيْن في صمت مُطبِق، ثم فجأة قالت أوديت رايدر:
«أنا أتعب بسهولة جدًّا. دعنا نجلس.»
جلسَ تارلينج مطيعًا بجانبها.
قالت: «قرأتُ في الصحف هذا الصباحَ يا سيد تارلينج أنك بعت متجر لاين.»
قال تارلينج: «هذا صحيح.» ثم تابعَ: «هناك أسباب كثيرة جدًّا لعدم رغبتي في الدخول في هذا العمل، أو في الإقامة بلندن.»
لم تنظر إليه، لكنها راحت تعبث بالعشب الذي قطفته.
سألت: «هل ستسافر إلى الخارج؟»
قال تارلينج: «سنسافر.»
نظرت إليه بدهشة وقالت: «سنسافر؟» ثم سألته: «مَنْ تقصد؟»
قال تارلينج: «أقصد أنا والفتاة التي بادلتها حُبًّا عنيفًا في هيرتفورد.» فغضَّت بصرها.
قالت: «أعتقد أنك كنت مشفقًا عليَّ، ودُفِعتَ إلى التصريح العنيف ﺑ… ﺑ…»
اقترحَ تارلينج: «الحب؟»
ردَّت بابتسامة صغيرة: «تلك هي الكلمة.» ثم قالت: «لقد دُفِعت لأن تقولَ ما قلتَه بسبب محنتي اليائسة.»
قال تارلينج: «لقد دُفِعت لأن أقول ما قلتُه، بسبب حبي لكِ.»
سألت باستحياء: «أين ستسافر … سنسافر؟»
قال تارلينج: «إلى أمريكا الجنوبية، لبضعة أشهُر. ثم بعد ذلك إلى الحبيبة في الفصل البارد.»
سألت الفتاة: «ولماذا إلى أمريكا الجنوبية؟»
قال تارلينج: «لأنني كنتُ أقرأ مقالًا حول البستنة في صحف هذا الصباح، وعرَفتُ أن أزهار النرجس لا تُزرَع في الأرجنتين.»