ما عُثِرَ عليه في جيب لاين
تُواجه شرطة لندن لغزًا جديدًا، له سِماتٌ لافتةٌ للنظر للغاية، لدرجة أننا لن نُبالغ إذا وصفنا هذه الجريمةَ بأنها لغزُ جريمة قتل القرن. جرى العثورُ على شخصية شهيرة في مجتمع لندن، وهو السيد ثورنتون لاين، رئيس إحدى المؤسَّسات التِّجارية المهمة، وشاعرٌ ذو مكانة مرموقة، ومليونير معروف بأنشطته الخيرية، مقتولًا في هايد بارك في الساعات المبكرة من صباح اليوم، وكانت الملابسات كلُّها تُشير إلى أنه بلا شك قد قُتِلَ بأبشع الطرق الوحشية.
في الساعة الخامسة والنصف، كان توماس سافيدج، عاملُ بناءٍ لدى شركة «كيوبيت تاون للإنشاء»، في طريقه إلى عمله متخذًا طريق هايد بارك. كان قد عبَر الممرَّ الرئيسيَّ الموازيَ لطريق بايزووتر، في الوقت الذي جذبَ انتباهَه جسدٌ مستلقٍ على العشب بجوار الرصيف. توجَّه إلى هذه البقعة وهناك اكتشف جثةَ رجل، كان من الواضح أنه لقيَ حتفه منذ ساعات. كان الجسدُ لا يرتدي معطفًا أو صدرة، ولكن حول الصدر، الذي كانت اليدان معقودتَين عليه، كان ثمَّة ثوبٌ حريريٌّ ملفوفٌ بإحكام حول الجسد، ومن الواضح أنه كان المقصودُ به إيقافَ نزيف جُرح على الجانب الأيسر فوق القلب.
«الملمَح الخارجُ عن المألوف هو أن القاتل لم يَكتفِ بأن وضعَ الجثة بطريقة معيَّنة، ولكنه وضعَ على صدرها حَفنةً من أزهار النرجس. استُدعيَت الشرطة على الفور ورُفِعَت الجثة. نظرية الشرطة هي أن جريمة القتل لم تُرتكَب في هايد بارك، وإنما قُتِلَ السيد في مكانٍ آخر ونُقِلَت جثته إلى هايد بارك في سيارته الشخصية، التي عُثِرَ عليها على بُعد مائة ياردة من موقع اكتشاف الجثة. وقد فهمنا أن الشرطة تتتبَّع دليلًا مهمًّا جدًّا، وقد أضحى القبضُ على القاتل وشيكًا.»
قرأ السيد جيه أوه تارلينج، المحققُ السابق لدى شرطة شنغهاي الخبرَ القصير في جريدة المساء، وشغل الأمرُ تفكيره على نحوٍ غيرِ معتاد.
لاين قُتِل! كانت مصادفةً غريبة أنه لم يُقابل هذا الشابَّ إلا منذ أيام قليلة.
لم يكن تارلينج يعرف أيَّ شيء عن حياة لاين الخاصة، رغم أنه من معرفته به أثناءَ إقامته القصيرة في شنغهاي، خمَّن أن تلك الحياة لم تكن بريئةً للغاية. كان تارلينج منشغلًا جدًّا في الصين لدرجةٍ منَعَته من أن يَشغَل رأسه بتقلُّباتِ واحد من السيَّاح، ولكنه يتذكر بغير وضوحٍ فضيحةً ما ارتبطَت باسم السائح، وراحَ يعتصر ذهنَه كي يتذكرَ كلَّ التفاصيل والملابسات.
وضع الجريدةَ جانبًا بتجهُّم يُشير إلى أسفه الشديد. لو أنه كان فقط مرتبطًا بسكوتلاند يارد، لكانت هذه القضيةُ ستُمثل الكثير بالنسبة إليه! إنه لغزٌ يَعِد بإثارةٍ غير عادية.
شرَد عقله في الفتاة، أوديت رايدر. ماذا سيكون رأيها فيما حدث؟ فكَّر أنها ستُصدَم. بل ستُرَوَّع. أحزنَه أن يشعر أن اسمها ربما يقترنُ على نحوٍ غيرِ مباشر، أو حتى من بعيدٍ بمِثل هذه الفضيحة المدوية، وأدرك بإحساسٍ مفاجئ بالانزعاج أنه ليس من المستبعَد أن يُذكَر اسمُها بصفتها واحدةً ممن تشاجروا مع القتيل قبل وفاته.
«أُفٍّ!» تمتم مستهجِنًا هذا الاحتمالَ باعتباره فكرةً سخيفة، ثم مشى نحوَ الباب مناديًا على خادمه الصيني.
جاء لينج تشو في صمتٍ ليكونَ في خدمته.
قال: «لينج تشو، لقد مات الرجلُ ذو الوجه الأبيض.»
رفع لينج تشو عينَيه الجامدتين إلى وجه سيده.
قال بهدوء: «كل الرجال يموتون في وقتٍ ما.» ثم عقَّب قائلًا: «هذا الرجل مات بسرعة. ذلك أفضلُ من الموت البطيء.»
نظر إليه تارلينج بحِدَّة.
وسأله: «مَنْ أدراكَ أنه ماتَ بسرعة؟»
قال لينج تشو دون تردُّد: «إنها أمور يتحدثون عنها.»
أجابَ تارلينج: «لكن ليس باللغة الصينية، وأنت يا لينج تشو لا تتحدث الإنجليزية.»
قال لينج تشو: «أتحدث قليلًا، يا سيدي، وقد سمعتُ هذه الأمورَ في الشوارع.»
لم يردَّ تارلينج على الفور، وانتظر الصيني.
قال بعد فترة: «لينج تشو، هذا الرجل جاء إلى شنغهاي بينما نحن هناك، وكانت هناك مشاكل؛ فقد طُرِدَ ذاتَ مرة من مقهى وينج فو، حيث كان يُدخن الأفيون. كان هناك أيضًا مشكلة أخرى — هل تتذكر؟»
نظر إليه الصينيُّ في عينَيه مباشرةً.
وقال: «نسيت.» ثم أضافَ: «كان هذا الرجل ذو الوجهِ الأبيض رجلًا سيئًا. أنا سعيدٌ لأنه مات.»
قال تارلينج: «همممم!» ثم صرَف خادمه.
كان لينج تشو أذكى رجالِ البوليس السرِّي الذين تعامل معهم، الرجل الذي لا يترك الخيطَ بمجرد الوصول إليه، وكان الأكثرَ ولاءً وإخلاصًا من متقصِّي الأثر المحليِّين. لكن المحقق لم يدَّعِ على الإطلاق أنه يفهم عقل لينج تشو، أو أنه يُمكنه اختراقُ الحجاب الذي أسدلَه الصينيُّ بين أفكاره الخاصة وبين الأجنبي الفضولي. حتى المجرمون المحليِّون كانوا في حيرةٍ من أمرهم من تفسير آراء لينج تشو، وقد حيَّر العديدَ من الرجال الذين أرسلهم إلى المشنقة بسبب الطريقة التي اكتشفَ بها جرائمَهم.
رجع تارلينج إلى المنضدة والتقطَ الجريدة، ولكنه لم يكَدْ يبدأ القراءة حتى رنَّ جرسُ الهاتف. التقط السماعة وسمع. لدهشته كان المتحدثُ هو كريسويل مساعِد مفوَّض الشرطة، الذي كان له دور أساسي في إقناع تارلينج بالمجيء إلى إنجلترا.
قال الصوت: «هل تستطيع أن تأتيَ إلى سكوتلاند يارد على الفور يا تارلينج.» ثم أوضحَ: «أريد أن أتحدث إليك بشأن جريمة القتل.»
قال تارلينج: «بالتأكيد.» ثم أردفَ: «سأكون عندك في غضون بضع دقائق.»
وفي غضون خمس دقائق كان قد وصل إلى سكوتلاند يارد، وسُمح له بالدخول إلى مكتب كريسويل مساعِد المفوَّض. كشف الرجل ذو الشعر الأبيض، الذي تقدَّم نحوه مبتسمًا ابتسامةَ سعادة، الهدفَ من استدعائه.
قال: «سأستعين بك في هذه القضية يا تارلينج.» وأردفَ معلِّلًا: «فبها بعض الجوانب التي تبدو خارجَ التجرِبة الرَّتيبة الخاصة برجالنا.» ثم استأنف حديثه وهو يقود ضيفه إلى أحد المقاعد: «من غير الغريب كما تعلم أن تستعين سكوتلاند يارد بمساعدةٍ خارجية، لا سيَّما عندما تكون لدينا جريمةٌ من هذا النوع نتعامل معها. أنت تعرف الوقائع.» ثم تابعَ، وهو يفتح مِلفًّا لا يحوي الكثيرَ من الأوراق: «هذه هي التقارير التي يمكن أن تقرأها في وقتِ فراغك. كان ثورنتون لاين، على أقل تقدير، غريبَ الأطوار. لم تكن حياتُه رصينةً للغاية، وكان لديه الكثيرُ من المعارف المبغوضين، ومن بينهم مجرمٌ ومُدان سابق لم يُطلَق سراحه إلا قبل أيام قليلة.»
قال تارلينج وهو يرفع حاجبَيه: «هذا أمر غير عادي حقًّا. ماذا كان يربطه بهذا المجرم؟»
هزَّ المفوَّضُ كريسويل كتفَيه.
«وجهة نظري الخاصة هي أن هذا التعارف كان بالأحرى صورةً من وضعٍ ليِّن؛ فقد أحبَّ أن يُتحدَّث عنه. أعطاه سُمعةً معينة بين أصدقائه.»
سأل تارلينج: «مَنْ هو المجرم؟»
«إنه رجل يُدعى ستاي، لصٌّ تافه، وفي رأيي شخصيةٌ أكثرُ خطورةً بكثير مما أدركته الشرطة.»
قال تارلينج: «هل هو …» لكن المفوَّض هزَّ رأسه.
وأضافَ: «أعتقد أننا نستطيع استبعادَه من قائمة الأشخاص المشتبَهِ بهم في جريمة القتل.» ثم قال: «سام ستاي لديه صفات قليلة جدًّا من شأنها أن تجعله رجلًا عاديًّا، ولكن لا يُمكن أن يكون هناك شكٌّ على الإطلاق أنه كان مخلِصًا للاين جسدًا وروحًا. عندما انتقل المحقق المسئول عن القضية مؤقتًا إلى لامبث للتحقيق مع ستاي، وجده راقدًا على سريره ممددًا في حزن، وبجواره جريدة تحتوي على تفاصيل جريمة القتل. كان الرجل خارجًا عن طَوره من الحزن وهدَّد بقتل مرتكِب هذه الجريمة. يُمكنك التحقيقُ معه لاحقًا. أشكُّ في أنك ستستطيع الخروجَ منه بالكثير؛ فهو غير متماسكٍ تمامًا. لاين كان شيئًا أكثرَ من مجرد إنسان في عينَيه، ولعلي أتخيَّل أن العاطفة اللائقة الوحيدة التي امتلَكها في حياته هي هذه المحبةُ لرجلٍ كان بالتأكيد جيدًا معه، سواءٌ كان صادقًا في عمله الخيري أو غيرَ ذلك. والآن إليك بعض الحقائق التي لم يُعلَن عنها.» رجع كريسويل بظهره في مقعده وعَدَّ بأصابعه النقاطَ بينما يذكرها.
«هل تعلم أنه عُثِرَ على ثوبِ نومٍ حريريٍّ حول صدر لاين؟»
أومأ تارلينج برأسه.
«تحت ثوب النوم، الذي لُفَّ حوله كضمَّادة، ومن الواضح أن ذلك كان بغرضِ إيقاف النزيف، كان هناك مِنديلان مطويَّان بعناية كما لو كانا قد أُخِذا من درج. لقد كانا منديلَين نسائيَّين؛ لذلك نستطيع أن نبدأ بافتراضِ وجود امرأة في القضية.»
أومأ تارلينج برأسه.
«الآن ثَمة ملمحٌ آخرُ غريبٌ للقضية، ولِحُسن الحظ لم يَلفِت انتباهَ أولئك الذين رأَوا الجثة أولًا وأعطَوا تفاصيلَ إلى الصحف، وهو أنَّ لاين، على الرغم من أنه كان يرتدي كاملَ ملابسه، فقد كان يلبَس شبشبًا سميكًا من اللباد. أُخِذَ من متجره مساءَ أمس، كما تأكَّدنا، بواسطة لاين نفسِه، الذي استدعى أحدَ موظَّفيه إلى مكتبه وطلب منه إحضارَ شبشب ناعم للغاية.
العنصر الثالث هو أنه عُثِرَ على حذاء لاين في السيارة المهجورة التي كانت تقفُ على جانب الطريق على بُعد مائة ياردة من مكان العثور على الجثة.
والملمح الرابع — وهذا يُفسر لماذا أشرَكتُك في هذه القضية — هو أنه عُثِرَ على معطفه وصدرته الملطَّخَيْن بالدماء في السيارة وفي الجيب الأيمن للصدرة.» وتابعَ كريسويل ببطءٍ: «عُثِرَ على هذا.» وأخرجَ من دُرجه قطعةً صغيرة من ورقٍ قرمزي مساحتها بوصتان مربَّعتان، وسلَّمها بدون تعليق إلى المحقق.