إخراس سام ستاي
كان ثَمة مجرمٌ في لندن يُراقَب ليلًا ونهارًا. لم تكن تَجرِبةً جديدة على سام ستاي أن يُشاهد محققًا يسير خلفه ويتظاهر بعدم الاهتمام؛ ولكن لأول مرة في حياته لم يكن السارقُ منزعجًا ولا محرَجًا من هذه الإجراءات.
كان موت ثورنتون لاين أكبرَ ضربة مأساوية لحقَت به. ولو اعتقلوه لم يكن فعلًا لِيَكترث. فهذا المجرمُ المنبوذ، ذو الوجه الطويل الكئيب المليءِ بالبُقَع والتجاعيد الذي يبدو كرجلٍ عجوز، كان يُحب ثورنتون لاين أكثرَ من أي شيء آخرَ في حياته الجامحة العقيمة. كان لاين بالنسبة إليه مخلوقًا مقدسًا، يمتلك مواهبَ وخِصالًا لم يكتشفها فيه أحدٌ غيرُه. في عيون سام لم يكن من الممكن أن يرتكبَ لاين أيَّ خطأ. ووفقًا لمعايير سام ستاي، كان لاين يرمز لكلِّ ما هو جميلٌ في الطبيعة البشرية.
ماتَ ثورنتون لاين! مات، مات، مات.
كل خطوة يخطوها كانت تُردِّد صدى الكلمة الرهيبة التي لا تُصدَّق. لقد أضحى الرجلُ غيرَ قادر على الشعور؛ فكلُّ الآلام الأخرى وأدَها هذا المُصاب الجللُ الذي مُنِي به.
ومَنْ كان سببَ كلِّ ذلك؟ مَن الذي بغدره اغتصبَ هذه الحياة الرائعة؟ جزَّ على أسنانه عندما راودَته هذه الفكرة. أوديت رايدر! تذكَّر الاسم. تذكَّر كلَّ الجروح التي سبَّبتْها لهذا الرجلِ، وليِّ نعمته. لقد تذكَّر تلك المحادثةَ الطويلة التي دارت بينه وبين لاين في صباحِ يومِ إطلاقِ سَراح سام من السجن، والتخطيط الذي تبعَها.
لم يستطِع أن يعرف أن بطلَه كان يكذب، وأنه بسبب انفعاله وكبريائه المجروح كان يخترعُ ضغائنَ ليس لها أيُّ أساس من الصحة، وجرائمَ لم تُرتكَب قط. كل ما كان يعرفه هو أن الكراهية التي تكمن في قلب ثورنتون لاين، الكراهية المبرَّرة من وجهة نظر سام، تسبَّبَت في مقتل هذا الرجل العظيم.
سار بلا هدفٍ نحو الغرب، غيرَ واعٍ ولا مكترثٍ بالشخص الذي يُراقبه، ووصل إلى نهاية بيكاديلي عندما أمسك شخصٌ ما بذراعه برفق. استدار، ولَمَّا تعرف عليه، زمَّ شفتَيه وأصدر زمجرةً قبيحة.
قال الشرطي الذي يرتدي ملابسَ مَدنية بابتسامة: «لا بأسَ يا سام.» ثم أردفَ: «ليس هناك مشكلةٌ في الطريق إليك. كل ما هنالك أنني أريد أن أسألَك بضعةَ أسئلة.»
تمتَم سام: «ظل زُملاؤك يطرحون الأسئلة ليلًا ونهارًا منذ … منذ حدَث ذلك.»
ومع ذلك، فقد سمحَ لنفسه أن يهدأ ويذهب معه إلى مقعدٍ في المتنزه.
قال الشرطي: «الآن، سأُكلمك بمنتهى الصراحة يا سام.» ثم تابعَ قائلًا: «ليس لدينا أيُّ شيء ضدَّك في سكوتلاند يارد، لكننا نعتقد أنك قد تستطيع مساعدتَنا. كنتَ تعرف السيد لاين، وقد كان رقيقًا جدًّا معك.»
قال سام بعنف: «كفاك، اصمُت.» ثم أردفَ: «لا أريد التحدث عن ذلك. لا أريد التفكيرَ فيه! هل تسمع؟ كان أعظمَ رفيق في ذلك العالم، كان السيد لاين باركه الله! يا إلهي! يا إلهي!» ولدهشة المحقق دفن هذا المجرمُ الفظُّ وجهَه في يدَيه.
«لا بأسَ يا سام. أعلم أنه كان صديقًا لطيفًا. هل كان له أيُّ أعداء — ربما تحدَّث إلى فتًى مثلِك بما لم يكن ليقولَه لأصدقائه.»
رفعَ سام عينَيه الحمراوَين إليه بارتياب.
قال: «هل سأُواجه أيَّ مشكلة جراءَ الحديث؟»
قال الشرطي بسرعة: «على الإطلاق يا سام.» ثم استطرد حديثه قائلًا: «الآن، كن فتًى جيدًا وافعَل كلَّ ما في وُسعِك لمساعدتنا، وربما إذا واجهَتْك مشكلةٌ في أي وقت، سنُساعدك. أتفهم ما أعني؟ هل كان أحدٌ يكرهه؟»
أومأ سام برأسه.
سألَ المحقق بلا مبالاة مُتعمَّدة: «هل كانت امرأة؟»
أجابَ الآخر لاعنًا إياها: «نعم كانت امرأة.» ثم قال: «اللعنة عليها! كان السيد لاين يُعاملها معاملةً طيبة. كانت مفلسة، تكاد تتضوَّر جوعًا؛ فأنقذها من الحضيض ووضعها في مكانٍ جيد، وشرَعَت في توجيه الاتهاماتِ ضدَّه!»
وطَفِق يَتلفَّظ بأبشع الشتائم التي سمعها رجلُ الشرطة يومًا.
«هذا هو نوعُ الفتاة الذي كانت عليه يا سليد.» وتابعَ حديثه مخاطبًا المحققَ بلقَبِه، كما يفعل المجرمون: «إنها لا تستحقُّ السير على ظهر الأرض …»
أضحى صوته مشروخًا.
سألَ سليد: «هل لي أن أسأل عن اسمها؟»
مرةً أخرى نظر سام بارتياب حوله.
قال: «انظر هنا، دعني أتعامل معها. سأُسوِّي الأمر معها ولا تقلق!»
قال سليد متأملًا: «لن تجني من ذلك سوى الوقوع في المشاكل يا سام.» ثم أردفَ: «فقط أعطِنا اسمها. هل يبدأ بحرف الراء؟»
زمجر المجرم: «كيف أعرف؟» ثم قال: «لا أستطيع التهجية. كان اسمُها أوديت.»
قال الآخر بلهفة: «رايدر؟»
«هذه هي. كانت تعمل كاشيرًا في متجر لاين.»
«الآن، فقط هدِّئ من روعك وأخبِرْني بكل ما أخبرَك به لاين عنها، هل يُمكنك ذلك يا فتى؟»
حدَّق سام ستاي في وجهه، ثم مرَّت على وجهه نظرةٌ وئيدة ماكرة.
قال: «لو كانت هي!» وأردفَ وهو يتنفَّس: «لو كان بإمكاني فقط أن أسجنها جزاء ما ارتكبت!»
لا شيءَ يوضح عقليةَ هذا الرجل أفضلَ من حقيقة أن فكرة الإبلاغ عن الفتاة لم تخطر ببالِه من قبل. نِعْمَ الفكرة هي، فكرةٌ رائعة! لوى شفتَيه مرة أخرى، ونظر إلى المحقق بابتسامة صغيرة غريبة.
قال: «حسنًا يا سيدي.» ثم أردفَ: «سأخبرُ رئيسك. لن أُخبِرَك.»
قال المحقق بلُطف: «لكَ ما تريد يا سام.» ثم تابعَ: «تستطيعُ إخبار السيد تارلينج أو السيد وايتسايد، وسيجعلون الأمرَ جديرًا بوقتك واهتمامك.»
استوقفَ المحقِّق سيارة أجرة وركبَا معًا، ليس إلى سكوتلاند يارد، ولكن إلى مكتب تارلينج الصغير في شارع بوند. كان هذا هو المكان الذي أسَّس فيه ذلك الرجلُ من شنغهاي وكالةَ التحقيقات الخاصةَ به، وهنا انتظر مع وايتسايد الباردِ الطبعِ الرابطِ الجأش عودةَ المحقق الذي أرسله لسحب سام ستاي ممَّنْ يُراقبه.
اقتحمَ الرجلُ الغرفة، ونظر باستياءٍ من واحدٍ إلى الآخَر، وأومأ لكليهما، ورفضَ الكرسيَّ الذي دُفِعَ إليه. كان رأسه ينبض بطريقة فظيعة، كما لم ينبض من قبل. كان يسمع أزيزًا وطنينًا غريبًا في أذنيه. كان من الغريب أنه لم يُلاحظ ذلك حتى جاء إلى الغرفة الهادئة ليلتقِيَ بالعينَين الصارمتين لرجل جامد الوجه لم يتذكَّر أنْ رآه من قبل.
قالَ وايتسايد، الذي تعرَّف عليه المجرمُ على الأقل: «الآن يا ستاي. نريد أن نسمعَ ما تعرفه عن جريمة القتل هذه.»
زمَّ ستاي شفتَيه ولم يُحِرْ جوابًا.
قال تارلينج: «اجلس.» وأطاعَ الرجلُ هذه المرة. أردفَ تارلينج الذي كان صوته ناعمًا نعومةَ الحرير عندما يستخدم أسلوبَ الإقناع: «الآن يا فتى، أخبروني أنَّك كنت صديقًا للسيد لاين.»
أومأ سام برأسه.
«لقد كان جيدًا معك، أليس كذلك؟»
«جيدًا؟» تنفسَ الرجل نفَسًا عميقًا. ثم واصل حديثه قائلًا: «ما كنت لأضنَّ عليه بقلبي وروحي حتى أنقذه من ألمِ دقيقة، يا سيدي! سأخبرك الحقيقة، وعسى أن تضربني صاعقةٌ فأموت إذا كنتُ أكذب! كان ملاكًا على الأرض — يا إلهي، إذا أمسكتُ بتلك المرأة، فسوف أخنقها. سوف أُعذِّبها! لن أتركها حتى تتمزق إربًا!»
أرعدَ وأزبدَ وبدا أن وجهه كلَّه قد تبدَّل في نشوة الكراهية.
ثم صاحَ قائلًا: «لقد كانت تسرقُه وتسرقه منذ سنوات.» وأضافَ: «لقد رعاها وحماها، وراحت هي تقولُ عنه الأكاذيب، لقد فعلت. لقد نصبت له شَرَكًا!»
ارتفعَ صوته إلى صُراخ، وتقدَّم نحو المكتب وهو يشدُّ قبضتَيه حتى ابيضَّت بَرَاجِمُه. انتفض تارلينج واقفًا؛ لأنه عرَف العلامات. وقبل أن تُنطَق كلمة أخرى، انهار الرجل متكوِّمًا على الأرض، واستلقى كأنه ميت.
استدارَ تارلينج حول المنضدة في لحظة، وأدارَ الرجلَ الفاقدَ الوعيِ على ظهره، ورفعَ جَفنًا واحدًا، وفحصَ بُؤبؤ العين.
قال: «صَرَعٌ أو ما هو أسوأ.» ثم أردفَ: «هذا الشيء كان يفترس عقلَ هذا الشيطان المسكين، اتصِل بالإسعاف يا وايتسايد، هَلا فعلت؟»
«هل أُعطيه بعضَ الماء؟»
هزَّ تارلينج رأسه.
وقال: «لن يتعافى لساعات، هذا إذا تعافى من الأساس.» ثم أضافَ: «إذا كان سام ستاي يعرف أيَّ شيء قد يضرُّ أوديت رايدر، فمن المرجَّح أنه سيحمله معه إلى القبر.»
وفي صميم قلبه، شعَر جيه أوه تارلينج بشيءٍ من الرضا أن فمَ هذا الرجل سكتَ عن الكلام.