أوغست أديب
طلعة يتقاسمها البأس والإرادة، وتستنشق التشبث من الجبين العنيد إلى الذقن الصلبة.
جمجمة تاجر من تجار اليهود ضنين بذهبه حريص على كنوزه، تعلوها من الشَّعر موجتان خفيفتان مستبقيتان من الشقرة في بياضهما ظلًّا ضئيلًا، ترى الأولى في مدٍّ والأخرى في جزر.
جبين لم يعرف الخيال، أو أنه طرد الخيال ليُحِلَّ المادة، فهو سرادق مقوَّس، أوتاده الحساب، وأثاثه المداولات المالية.
حاجبان منبطحان، منفرجان، يعبس بينهما غَضَنٌ مُربد، ينتشران على وقبَين نافرَين، تجثم في قعرَيْهما مقلتان مكفهرَّتان كأنهما ضبعان كامنتان في كهفين ملاصقين، إذا أمعنت النظر فيهما تخالهما يتهدَّدانك فيقولان: سأريك ماذا أصنع بك!
خدَّان ناعمان، منكمشان كأنهما خدَّا راهبة عجوز، ينخفضان في سفح الأنف ليفسحا ميدانًا واسعًا لشاربين لم يبقَ منهما إلا بعض شعرات مستطيلة لا يقدِر الهواء أن يعبث بصلابتها، فكأنها — على دقَّتها — استمدت الصلابة من رأسه الحسابي؛ وفمٍ رقيق الشفتين، ممتدُّهما، تأثَّر بالمقلتين فسار معهما في حلبة واحدة.
ذاك هو رأس «أوغست باشا أديب».
لم يتزحَّف «أوغست باشا» في يوم من الأيام إلى استنداء مركز، ولم يكن في عهد من العهود صنيعة أحد، وقد يكون هذا الخُلق الأنوف مدعاةً إلى تنحِّيه عن المناصب زمنًا طويلًا.
يستشعر اللين والشدة في سياسته، ويؤخذ بالمحض من الطرَفين، إلا أن جرثومة من التشبث في الرأي تذرُّ على لينه كبريتًا من الشبهة.
نزيه، فهو يذهب في مذهب «لاروشفوكو» إلى أن الفضائل تضيع في مسارب الفائدة الشخصية كما تضيع الأنهُر في البحر، وقد يصبح هذا المذهب خطرًا عليه، فيسقطه عن رئاسة الوزارة ليقول له إن الإباء والتجرُّد مرقاة إلى محض الثقة، ولكن في بلد غير هذا البلد وفي سياسة غير هذه السياسة، وإن الرجُل مَن يستشعر الأثرة في كل شيء وينقاد إلى أهوائه في كل حين.
ليس «أوغست باشا» بالسياسي الخطير؛ لأن الأيام لم تر عليه سمة الدهاء، ولم تخلع على منكبيه بردة الحيل.
إذا سبرت قرارة هذا الرجُل عرفت فيه عناصر متباينة يستعدي بعضها على البعض الآخر: الشدة واللين، التشبُّث والعناد في سياسة هزيلة، والإخلاص والأنفة في نفس حرَّة مقهورة.