حسين الأحدب
وجه مُزارع من نواصي الجبليين القدماء يبذل في إحياء ملكه جهد الحريص.
عينان رحيبتان، يتقاسمهما العدل والصلابة، تنظران بهدوء وخبرة مشاهد أعمال خطيرة تُسلِم زِمامَها.
حاجبان أسودان ينسلخ بينهما أنف ذو شَمَم كأنه أكمة جرداء تنحدر تحت طريقين معبَّديْن، وتنتهي عند ناشئة غابة من الشَّعر ممتدَّة الأطراف، جلَّلتها ثلوج الأيام ببياض يراوح بين المهابة والجمال.
إذا تفقدت في وجهه الغضون والأسارير خِلْتَ نفسك أمام رجُل قُدَّ من صُلب الطبيعة في لبنان؛ ففي جبينه عنصر يمتُّ إلى الصخور بقرابة، وفي مقلتيْه مياه عذبة وقاسية، كأنما هي صبابة من مياه نبع العسل، وفي هيكله عضلات متينة يعمى عليك أمرها، فلا تعلم أمِنْ سلالة الإنسان هي أم مِن سلالة الأدواح.
نجَمَ من بيت عِلم، فهو ابن «الأحدب الكبير» صاحب المؤلفات القيِّمة.
تَرِب لسانه فقصر، ولكنه يستعدي على ضعف لسانه ذكاءه الحادَّ وبُعدَ نظره في المسائل العلمية المنتجة.
تجرَّدَ من عَرَض الصغار والخوف، ولم يمدِّر جدارته بحمأة التزلُّف، شأن الكثيرين من رجال السياسة في هذا البلد، إلا أنه ما يزال يطوي نفسه على قسط من الكبرياء ينتسب إلى خُلقٍ تركيٍّ.
لم يكدر الماء يومًا بينه وبين الفرنسيين، فهو رجل وظيفة يعرف أن يدعمها بحكمة وتعقُّل.
ضنين بوقاره، فقد لا يصمد إلى مكان إلا وشرطي على أثره، وقد لا يستطيع نائب أن يخرجه عن حشمته بعرَض من أعراض المزح.
لم تحدِّثه النفْس يومًا بأن يخاصم مَن هو أشد منه مراسًا سوى أنه لم يحفِ لقويٍّ بمديح أو بذمٍّ.
مخلص لأصدقائه.
خلف «أبا صوان» في متصرفيَّة بيروت، وإذا هو في الوقت نفسه رئيس بلديتها، وقد لا أخطئ إذا قلت: إن بلدية بيروت لم تَنَلْ من العمران ما نالته حتى عهد «حسين بك الأحدب»، وهكذا قُل عن وزارة الأشغال العامة اليوم.