بشارة الخوري
وجه «تراجيكي» لا أثر للعذوبة على قسَمة من قسَماته، إلا إذا ابتسم.
جبين يتصل بجمجمة صلعاء، فيظهر للناظر أنه رحب الفناء واسعه.
عينان كأنهما أمام فاجعة أو رؤية طيف مخيف في ليلة عصيبة ينسل بينهما أنف «نابوليونيٌّ» يخيِّم على شاربين ضئيلين أصاب منهما المقص حتى اكتفى، كأنهما نتفة من ذقن الشيخ «محمد الجسر».
وفمٌ مقوَّس تصدر عنه لمحة من السخرية يطفو ظلها على ذقن صغيرة تنعقد في سلخ الوجه، ويندلق نصفها على جانبَيْ خدَّيْه كأنما هي ذقن كردينال من كرادلة روما.
تولَّى رئاسة الوزارة أربع مرات فكان شأنه فيها شأن الرجُل الهادئ الذي لا يصدر عنه ما يسيء أو يسرُّ، وهذا لعَمْري أسلَمُ عاقبةً وأضمن سلامًا.
ولكنَّ السياسي البارز في هذه البلاد هو من يخلق المشاكل ولو قصَّ معها ذنَب الكلب.
مبسوط العلْم في المعارف، ولكن طبيعته لم تتعرَّف الصلابة، وإرادته تتردَّد كثيرًا أمام مواقف الحزم.
عرف السياسة ولم يعرف دور الدهاء فيها، وهو إلى هذا نزيهٌ لا تجد الرشوة سبيلًا إليه.
يصادِق الرجُل لمأرب في نفسه، فهو إذا أنس في أحد ميلًا إلى خدمته أخلد إليه فاستحلبه تلك الخدمة، وإلا تخفَّى له فلم يوشكه.
مُحارِب، ولكنه لا يشترك بنفسه في المعمعة إلا في الندر، فهو يلقي الحملة على أركان جيشه.
كلما ذُكرَت رئاسة الجمهورية خلَّل الشيخ «بشارة الخوري» فروج الشَّعر المتجمِّع على مرتفعات عنقه كما يخلِّل الكاهن الطامح عذاريه لدى ذكرى الأسقفية.
لا يزال الناس يذكرون للشيخ «بشارة» تلك الوقفة الباسلة التي وقفها على شفار وزارة الدكتور «أيوب تابت» والتي بيَّنت للانتداب أن في لبنان وزارة حقيقية.