موسى نمور
طلعة جذَّابة تتقاسمها مسحتان من الكبر والكبرياء.
جبين عادي، عريت قمَّته من الشَّعر، تمتدُّ فوقه جمجمة منبطحة عليها من الشعور غيمة خفيفة محجَّلة الجانبين، كأنما هي حرش من الشجرات اشتاء فيه الماعز فلم يبق من أغراسه إلا الجذوع.
حاجبان معكوفان كسيوف بني قحطان، يخفران حدقتين كأنهما حبَّتان من عنب زحلة يجولان في مياه عسلية.
أنف فيه شَمَمٌ وكبرياء، تلتصق تحته بعض شعرات تعهدها الزي الحديث بمقراضه؛ وفمٌ رقيق المرشفين منغلقهما، يشير إلى صلابة في الرأي وقوة لا تُجابَه، يعرف عند الضرورة أن يخرج معهما من عهدة ما يؤخذ عليه.
قامة معتدلة.
إذا توسَّمتَ رجُلًا في مكتمل العقد الخامس من العمر، جالسًا في صدر جماعة من القوم، يجيل في الداخلين والخارجين نظرات ملأها الذكاءُ والفراسة، وهو محتجر يده ومنتصب الصدر في أنفَةٍ وشموخ شأن الرجُل الواثق من نفسه؛ فقل هذا الأستاذ «موسى نمور».
خطيب، يمتد به نفس الكلام إذا تعهده قبل حين، أما إذا ابتدهه فيتعثر به.
قد يكون الأستاذ «نمور» أدقَّ نُوَّاب المجلس استبطانًا لدخائل القوانين الإدارية والمالية، فهو إذا درس ميزانية الدولة تفرَّد بدرسه دون سائر النُّوَّاب فأعطى فيه الرأي الوجيه المحكم، وقد يكون أحرى رجال المجلس بأن يناقش الحكومة في أي مشروع من مشاريعها.
لم يكن الأستاذ «نمور» ليحلم يومًا بأن ستحطه الأيام على أظهر مراكز الدولة، إلا أن للمذاهب في هذه البلاد شأنًا عجبًا؛ فهي تجني أحيانًا على الجدارة والأهلية ونادرًا ما تنصفهما، إلا أنها لعبت مع «موسى نمور» دورها الشريف عندما أخرجته من ظلمته.
رقيَ على مطية الطائفية والأهلية، إلا أنه لا يمتُّ بعقيدته إلى مذهب من المذاهب، وقد يكون لشاعريته يد في ذلك.
تستطيع أن تدرج «نمورًا» في عداد السياسيين الذين سخت عليهم مهنة السياسة، فهو في ذلك غير الشاعر المنشد في صدره.
لا أعلم فيم لم يعهد إليه رئيس الجمهورية أن يؤلف الوزارة في عهد من العهود.