موسى مبارك
لوَّحته شمس الحياة في صباحها، فاسمرَّ اسمرارًا حادقًا.
وجهٌ أنيسٌ تشرق على رُحبِه ابتسامة غريبة تراوح بين الهزء والذكاء.
جبينٌ ضيِّقٌ مستطيل، ابتُكِر إليه حصير من الشَّعر لا يفيض كثيرًا عن منبته.
عينان أُعطيتا ما تستحقان من النور، تنبعث منهما روح ذكية متحذرة، تشير إلى عنصر سليم، إلا أنه يعرف أن لا يتخطَّى بين الفخاخ.
وفمٌ مندلِقُ الشفة السفلى، انهزم عنه ظلُّ الجمال ليفسح مجالًا لظلِّ السخرية، يعلوه أنف مستقيم حسَّاس، وتنحدر تحته ذقن عريضة صلبة.
مقتبل الشباب، أَولَجَه العمر في التاسعة والعشرين، طويل القامة، رقيقها، منتصبها، كأنما هو سعفة من النخيل.
إذا صغى إليك يحدِّثك تنسَّمت منه أصالة الرأي في كلام الشيوخ، فعلمت أنه على بيِّنة من كل ما يقول، واتَّضح لك أن محدِّثَك إنما يستطيع أن يرتفع بدماغِه إلى ذروة أهل الدماغ في هذا البلد.
أمَّا إذا حاورته في قضية، فيجادلك مجادلة الأكفاء، وقد تتزيَّل ألفاظه بنكاتٍ لا تقع واحدة منها في غير مكانها.
حاق بجميع ألوان السياسة اللبناينة، فهو يسردها على مسمعك بأسرع من رَجْعِ الأنفاس، وتبطَّنَ حالات النُّوَّاب والشعب، فهو يعرفها جميعًا عن ظهر قلبه كما يعرف النصرانيُّ «الأبانا» والمسلم «الفاتحة».
أمَّا الفضل في ذلك فراجع إلى المسيو «سلومياك» الذي اختاره في عهده أمينًا لسرِّه ودارَسَه فنونَ السياسة على جميع وجوهها.
وليس أدل على إخلاصه لبلاده من ملكه ثقة السلطات المنتدبة ورؤسائها اللبنانيين.
إن في روح الأستاذ «مبارك» عاطفة أكيدة ما تزال محافظة على فطرتها اللبنانية القُحَّة، وإنَّ في صدره قلبًا كبيرًا يفيض على عينيه في كثير من العذوبة وكثير من سلامة الطوية.
لم يتزيَّ الأستاذ «مبارك» في يوم من الأيام بزيِّ الكبرياء الممقوت شأن الكثيرين من كبار الموظفين، فهو يسلك دائمًا في رسوم أولي الدعة والإيناس، وتراه كلَّما مدَّت الظروف في ابتسامة حظِّه مدَّ الخلق في اتِّضاعه.
لا تقع في سراي الحكومة إلا في الندر على رجُل كالأستاذ «مبارك»، جمع إلى الإخلاص الصحيح المجرَّد من الميول تجرُّدًا مطلقًا خُلقًا أنوفًا، وعلمًا ناضجًا مقرونًا إلى الذكاء الحادِّ والمقدرة الغريبة في تمهيد المسائل المتعلقة بوظيفته.
ترى بعض النُّوَّاب يتبادرونه في الأيام العصيبة، وقد يحتاج إليه بعضهم كما يحتاجون إلى معاشهم في آخر الشهر.
حَذَفَ التدخين والشُّرب من سفر بسطه، إلا أنه قد يعطف أحيانًا على زجاجة من «بيرا أمستل» فيكرع نصفها.
لا يزال الأستاذ «مبارك» في سحرة عمره، وسيفسح له المستقبل القريب مجالًا لبلوغ مشتهياته، فإن في ذكائه وعلمه قوة ستكفلها الأيام ويبسم لها الحظ.