ميشال زكُّور
طلعة أريستوقراطية في وجه جبليٍّ أَنوف يتقاسمه عنصران من الرقة والعنف.
شعور كهل في رأس فتى، البياض في الشَّعر سمة الجلال في الشيوخ، ولكنه نبت دخيل على دمنِ الشباب.
جبين صريح، عليه من الذكاء مسحة جميلة.
عينان منتبهتان تستنشقان الإرادة والحزم، وفمٌ صُلب رصين عليه موجة من الغزل تغمسه في خيال من الشبهة، فما تدري بأي النقيضين تصفه؛ أبقنبلة تتحيَّن الفرص لتنفجر أم بزهرة حمراء ملتهبة بحرارة الشمس ترقب سقيط المساء لتنتعش؟
قامة رومنطيكية، أنيق اللباس إلى حد قصيٍّ، ترى في الناحية اليسرى من صدره منديلًا رومنطيكيًّا يطلُّ من جيب سترته بزواياه الأربع إطلالًا متكلفًا لا أستطيبه، وقد يكون كُرهي إياه ناجمًا عن كُرهي لكل ما يعَدُّ من كماليات الزيِّ الحديث.
ديمقراطيٌّ في المبدأ، أريستوقراطيٌّ في العِشرة، فهو يستنشق بأنف الكبرياء من غير زهوٍ بالنفس، ولو لم تذرِ الطبيعة على صلفه بعض الجاذب لنفر منه الكثيرون من أصدقائه ومحبِّيه.
انزع الصلف من الأستاذ «زكُّور» فيستقيم أمره، فهو عمد من عمد السياسة الرشيدة في هذه البلاد، ومخلص إلى أقصى حدود الإخلاص، يرتفع فوق جميع الأحزاب مهما كانت ألوانها، ولا تنطوي نفسه على شيء من الحقد الذي ينفخ الميول والأهواء ويعطيها شكلًا ممقوتًا. يتطيَّر من مجالسة من هو دونه مقامًا، فهو يتَّقي بذلك شماتة أشباه الرجال، ويتحاشى أن يسيء إلى اسمه أو يحطَّ من قدر مستواه. قد يكون عنصر كبريائه صادرًا عن هذه الحشرة في خلقه.
مبسوط اليد، فلقد نشأ كرمه من أعزِّ الأرومات، وقد يكون هذا الكرم سجيَّة في نفسه؛ إذ إنه لا يتكلَّف فيه أو يبغي من ورائه لبانة.
عزيز النفس، وإنك لتتلمَّس هذه الميزة من خلال أسطره، ففي سياسياته التي تقرأها في صدر «المعرض» عَرْفٌ طاهرُ النشر ينفثُه أطهرُ قلم يحمله صحافي في هذا البلد.
لبنانيٌّ بحتٌ.
قد يكون الأستاذ «زكُّور» الصحافيَّ الوحيد الذي ختم «الشعبُ» على حُبِّه الضمائر والقلوب، وانتخبه نائبًا عن حبٍّ أكيد وإعجاب صادق.
ليس «ميشال زكُّور» من هؤلاء الذين يتكالبون على جيفة أو يتحلَّب ريقهم لضحكة الدرهم، فنخشى عليه تصريف الأخلاق وضياع ثقة الشعب فيه.
فإن في العشرة الأعوام الشريفة التي خدم بها القضية اللبنانية في صحيفته «المعرض» والتي لم يُلوَّث خلالها بخطأ تبقى عليه تبعته؛ لأوضح برهان على أن نائب الشباب لن يحيد عن الطريق التي سلكها من قبل، وسيؤدي إلى الشعب ما يحقُّ له عليه.
أما إذا كان هناك من يلوي لسانه بالحق الصراح فيخرج من شفتيه مجَّة الثعبان بدل الكلمة الحرَّة ولا يتقي سكرات النعمة في نعمته، فلينظر قليلًا إلى «ميشال زكُّور».
إذا أحلك مسرح للتمثيل فوقع نظرك في أحد الألواج على شابٍّ أو إذا شئت على كُهَيل — إذا ذهبنا إلى أن الشباب لا يجاوز الثلاثين من العمر — يرمي بالنظر نحو جميع الجهات، فلا يثنِّيه ويثلِّثه ويربِّعه ويخمِّسه إلا إذا أصاب ناحية تبطِّنها من الحسان سرب يرفُّ، ولفت نظرك شاب أو كُهَيل متكئ على حافة «اللوج» بالقرب منه، عميق سمرة البشرة، حادُّ النظرات، مكفهرُّ الجبين، هازئ الفم، ذكيُّ اللفتات، بدين الجثة قصيرها؛ فقل هذا «أسعد عقل»، وذاك «ميشال زكُّور».
نادرًا ما تسهر ليلة أريستوقراطية ولا تجد «زكُّورًا»، ففي «الرستوران الفرنساوي» تجده، وفي «الميرامار» تجده، وفي «التياترو الكبير» تجده، وفي «الأمبير» تجده. تجده في كل ليلة من ليالي «سسيل سوريل»، و«ألكسندر وروبين»، و«ماري بل»، و«رمسيس»، و«فاطمة رشدي»، وتجده أحيانًا في الأماكن الديمقراطية، ففي «قهوة النجار» تجده، وفي «مغارة شقير» تجده، وفي جريدة «البيرق» تجده، أما في جريدته «المعرض» فقد لا تجده.