جبرائيل نصَّار
أقمر وجهه وتهلَّل، فتيمَّنت أشفار عينيه بمجاجة من نوره، كأنما هي رشاش من كحل برَّاق كان باقيًا في ميل الطبيعة.
جبينٌ جميل يطفو على أديمه لعاب الذكاء، وأنف مستقيم حسَّاس، تجاوره عينان صغيرتان وقَّادتان تجهَّزتا لامتلاك القضاة والحور معًا، فلقد أُشرِب إكسيرهما حب الكهرباء في القانون كما أُشرِب حب الكهرباء في القلوب والمُهَج.
خدَّان مخمَّران يتلوَّنان بلون الجمر، كأن كئوس الليالي استودعتهما سَورة الخمر.
وفمٌ صَفْرٌ إلا من العذوبة، يستريح على ذقن صلبة متينة كأنها قطعة قُدَّت من رأيه وخُلقه. متَّسِع الصيت في عالم القانون.
في الندر ما يتناول قضية ولا يظهر فيها على خصمه، كأنَّ القانون خلعَ عليه مطرفه القشيب، ولو فُتح له في القانون الفرنسي كما فُتح له في القانون العثماني لعُدلَ فيه بألف محامٍ.
يتَّقي الشرَّ في أمر أصدقائه، فهو الصديق الأخصُّ، يُستأمَنُ في الملمَّات على عاطفة من يحبُّ، وقد يتدلف به الإحساس أحيانًا إلى أن يُستأمن فيها على عاطفة من لا يحبُّ أيضًا. ضيق الخلق على الخمرة.
إذا قُيِّض لك أن تجلس في أحد مجالسه الليلية وأتيت بنادرة كدَّرت عليه صفاء كأسه، فإنك لتظلُّ تشرب من مقته ما دمت حِلًّا بمكانك، هذا إذا لم ينْبُ عن جُلَّاسه أجمعين ويعفَ خمرته.
طاهٍ من طُهاة الوعود في السياسة يطهي لك منها ما شئت، إلا أنه قد يبرُّ بها أحيانًا فيخرج ببرِّه عن حلبة الكثيرين من النُّوَّاب الذين يستشعرون الإسراف في الوعود الكاذبة، ويعتقدونها من فنون السياسة.
وفي سياسة الأستاذ «نصَّار» ثميلة من سياسة قديمة درج صباها وبدلتها سياسة اليوم، إلا أنها تخرج على الضمير في لون من ألوانها ولا تزيفها المحاباة والتمليق. يتزيَّد في تكريم صديقه أمام الغريب ويغالي فيه مغالاة شديدة، وهذه خلة جميلة يندر أن تجدها في غير الأستاذ «نصار».
إذا وقع نظرك على رجُل غضِّ العودِ منتَحٍ في «مغارة شقير» ناحية عميقة تعوَّد أن يصرف فيها بضعًا من ساعات الليل وقد تكأكأ عليه رهط من الناس مختلف المشارب يجاريه في اتِّباع الكأس بالكأس، وسمعتَه ينثل كنائن النكات فرادى ومثنى بمعاجيل من الكلام ورقَّة فطريَّة؛ فقُل هذا الأستاذ «جبرائيل نصار».