يوسف السودا
جبين كجبين «فيكتور هيغو»، انحفرت على محيطه الرَّحب غضون التفكير.
عينان جميلتان تقلقهما الأخيلة، كأن رؤى المردة علقت في أهدابهما بأسلاك من الكآبة، أو كأنهما يطويان حزنًا عميقًا على شعب ذرَّاه الضعف والقدر لكل ريح.
وفمٌ صُلبٌ أكل من الألفاظ الصوانية شِبَعَه، فكأنَّ العباراتِ الصارمةَ التي كثيرًا ما أطلقها مِن فيه قنابلُ لا يزال صداها يتردَّد في بطون الجبال، قد لصقت من حممها صلابة في شفتيه.
لبناني حتى الخيال، حتى لينافذ القدر إلى الأجيال في سبيل لبنانه، وهو يسلك في رسوم شيوخ إسرائيل أو أنبياء يهوذا فيطوف أرض لبنان من أقصاها إلى أقصاها، مهيبًا بالشعب أن صونوا الأرض التي أعطاكم الرب إله آبائكم، وحماها فخر الدين.
يتغنَّى بمجد لبنان في كل سانحة، وهو في تغنِّيه شاعر يستوحي الجبابرة وأساطير التوراة، وكما أن الأستاذ «راجي الراعي» يعطف على الميثولوجيا في «قطراته» فيستوحي «أبولون» و«عشتروت» و«أدونيس»، هكذا الأستاذ «السودا» فهو يعطف على التوراة فيستوحي «داود» و«سليمان» و«حزقيال».
وإذ يقف «وقفته» ليخطب في الشعب تخاله «سليمان»، وتخال عباراته نجمت من معدن سفر الحكمة أو نشيد الأناشيد، فهي في جلالها وروعة شاعريتها تنتسب إلى مثل هذه الآيات: «هلمي معي من لبنان أيتها العروس معي من لبنان، انظري من رأس أمانة، من رأس سنير وحرمون، من مرابض الأسود، من جبال النمور. هو ذا سرير سليمان حوله ستون جبارًا من جبابرة إسرائيل، جميعهم قابضون على السيوف مروَّضون في الحرب، كل منهم سيفه على فخذه لأهوال الليل. اُخرجنَ يا بنات صهيون وانظرنَ الملك سليمان بالتاج الذي توَّجته به أمُّه في يوم عرسه وفي يوم فرح قلبه.»
ويقسِّم وقفاته إلى أيام، فإذا خطب في إهدن مثلًا يقول: «يوم إهدن»، وفي جونية يقول: «يوم جونية»، وفي بكفيا يقول: «يوم بكفيا»، إذ يخيَّل إليه أن هذه الوقفات إنما هي خالدة في صفحة الدهر مسجَّلة في تاريخ لبنان؛ إذ من شأنها أن تقلع الضعف من بين أبنائه وتعيد إليهم بسالة الأجداد.