الفصل السادس
دَورُ ميكانيك الكَم في عمل الإنزيم دي إن إيه بوليميريز
Role of Quantum mechanics in Function of
DNApolymerase
(١) الإنزيم DNApolymerase
هو الإنزيم (شكل ٦-١) الذي يقوم بمضاعفة
جُزيئات اﻟ DNA الأصلية في الخلية
قبل انقسامها؛ حيث تبقى نسخة من الجُزيئة في الخلية الأم وتذهب
نسخةٌ مماثلة إلى الخلية الجديدة. كما يقوم الإنزيم بتصحيح الأخطاء
التي تحدُث أثناء عملية تكوين النُّسَخ الجديدة. وبذلك تُحفظ
المعلومات الوراثية المخزونة في جزيئات
DNA بدرجةٍ عاليةٍ من الدقة وتُنقل
إلى الخلايا الوليدة. هذا يحصُل في جميع الخلايا القادرة على
الانقسام في الكائن الحي المتعدِّد الخلايا وكافَّة خلايا الكائنات
الحية الوحيدة الخلية، وبذلك تتمُّ المحافظة على النوع.
تحتوي جميع خلايا الأحياء البدائية النواة والأحياء الحقيقية
النواة على بضعة أنواعٍ من إنزيمات
DNApolymerase، كما تحتوي جُسَيمات
بعض الفايروسات على أنواعٍ خاصةٍ من هذه الإنزيمات. تختلف هذه
الإنزيمات في التركيب والوظيفة، لكنها مع ذلك تُحافِظ على حقول
تحفيزٍ متشابهةٍ تركيبيًّا ووظيفيًّا (Hingorani,
2001)؛ فبعضها يقوم بالبلمرة (المضاعفة) والبعض
الآخر بالبلمرة والتصحيح من خلال امتلاكه لحقل إزالة النكليوتيدات (Exonuclease). في
البكتيريا يُوجد ثلاثةُ أنواعٍ من الإنزيم
DNApolymerase هي
pol I وpol
II وpol III،
الأخير هو الإنزيم الذي يقوم بالبلمرة الرئيسة. في الأحياء
الحقيقية النواة ثمَّة ١٦ نوعًا من هذا الإنزيم، الرئيسة فيها هي
pol وpol δ
وpol ε.
من أجل مضاعفة اﻟ DNA، يقوم
الإنزيم DNApolymerase بإضافة
النكليوتيدات إلى ذرة الكاربون ٣ لشريط اﻟ DNA
نكليويدة في كل خطوة، ما يؤدي إلى تكوين شريطَي
DNA أحدهما أصلي (يُستخدَم كقالب)
والآخر جديد.
تبدأ العملية بفك شريطَي اﻟ DNA
المرتبطَين بأواصرَ هيدروجينيةٍ بين القواعد النووية المتقابلة
بواسطة الإنزيم Helicase ومساعدة
الإنزيم Topoisomerase. كل شريطٍ
من شريطَي اﻟ DNA الأصلية سيكون
قالبًا لعمل الإنزيم. إن الإنزيم
DNApolymerase يعمل بإضافة
نكليويدة في كل خطوة إلى النهاية ٣ من النكليوتيدة الأخيرة في الشريط الموجود،
وبذلك سيسير باتجاه ٣ ٥ منتجًا شريطًا جديدًا باتجاه ٥ ٣ موازيًا ومعاكسًا لشريط القالب (شكل ٦-٢). الإنزيم
DNApolymerase لا يتمكَّن من تكوين
شريط DNA بدءًا من الصفر؛ لذلك لا
بد من وجود شريط نكليوتيدات موجود أصلًا ليتمكن الإنزيم من الإضافة
إليه. هذا الشريط هو البادئ (Primer) الذي يتألَّف من قواعدَ نوويةٍ ﻟ
RNA أو
DNA أو كلَيهما. القاعدتان
النوويتان الأوَّليتان تكونان بشكل
RNA وتُخلقان بواسطة الإنزيم
Primase. النتيجة هي تكوين شريطَين
متمِّمَين لبعضهما؛ أحدهما أصلي والآخر جديد.
إن دقة عمل الإنزيم
DNApolymerase عاليةٌ كما سبق
ذكره؛ فنسبة الخطأ؛ أي وضع قاعدةٍ نوويةٍ خطأ (غير متمِّمة لقاعدة
القالب) هي بحدود واحدٍ بالمليار. تقوم بعض أنواع هذه الإنزيمات
بتصحيح الخطأ بواسطة حقل
Endonuclease الذي يقوم بإزالة
القاعدة النووية الخطأ ويُعاوِد الإنزيم استبدالها بالصحيحة. الخطأ
هنا سيؤدي إلى إحداث طفرة؛ أي تغيير في تسلسُل القواعد النووية في
شريط اﻟ DNA الجديد، والتي يمكن أن
يكون لها عواقبُ ضارةٌّ بحياتية الخلية، غير أنها من ناحيةٍ أخرى
تُسهِم في إحداث التغايُر الوراثي المطلوب من أجل التطوُّر.
يعتمد هذا الجزء على عمل الباحثة Goel
(2008) في دراستها لأهمية ميكانيك الكَم في عمل
إنزيمات البوليميريز.
إنَّ إنزيمات DNApolymerase التي
تُضاعِف اﻟ DNA
وRNApolymerase التي تُنسَخ اﻟ
DNA على شكل جُزيئات
RNA من أجل تكوين البروتينات
وغيرها هي محرِّكاتٌ
نانوية (Nanomotor) كونها ذات أبعادٍ نانوية، وتتمكَّن من تحويل
الطاقة الحرة إلى طاقةٍ ميكانيكيةٍ وهي معالجاتُ معلوماتٍ أيضًا؛
حيث تقرأ المعلومات في جُزيئة اﻟ
DNA وتكتُبها متأثرةً بالمعلومات
التي في البيئة؛ كونها منظوماتٍ معقَّدةً متكيفية مفتوحة.
البيئة هنا تشمل درجات الحرارة، وتركيز النكليوتيدات والشد
الميكانيكي للجُزيئة والتفافها والإشارات الكهرومغناطيسية … إلخ،
والتي يمكن أن تؤثِّر على ديناميكية هذه المحركات النانوية؛
فالتجارب تشير إلى أن شد جُزيئة اﻟ
DNA يمكن أن يؤثِّر على سرعة
الإنزيم DNApolymerase ويمكن أن
يعكس اتجاهه إذا زاد عن ٣٥ بيكونيوتن (شكل ٦-٣).
التقدُّم التقني الذي مكَّن من دراسةِ ديناميكيةِ هذه التراكيب
على مستوى طول وزمنٍ متزايد الصغر، يُمكِّن من اختبار التأثيرات
الكمومية تجريبيًّا، ولكي تتحقَّق التأثيرات الكمومية في عمل هذه
الإنزيمات ينبغي أن يكون زمنُ فك
التماسُك (Decoherence) لها طويلًا وزمن التماسُك (Coherence) قصيرًا كقاعدةٍ عامةٍ في تحقُّق الحالة
الكمومية.
باستخدام لامتساويات وغنر (Wigner,
1957) الأولى والثانية التي توضِّح المحدِّدات
التي يفرضها ميكانيك الكَم على صحة ودقة المسافات والفترات الزمنية
في الساعة الكمومية (المنظومة الكمومية) يمكن أن تُحدد أهلية أية
ماكنة معالجة للمعلومات؛ فيمكن تحديد مدى صحة (Accuracy) المنظومة الكمومية زمن التشغيل
الأقصى ()، ودقتها
(Presision) الفترة الزمنية الصغرى () التي يُمكِن أن تُنجِزها المنظومة الكمومية
كدالَّة لكتلتها M وعدم التحديد في
موقع الإنزيم على طول جُزيئة اﻟ λ
DNA وثابت بلانك :
( 6-1 )
( 6-2 )
ويمكن استخدام لامتساويات وغنر لمعرفة الطول الأقصى الذي يتمكن الإنزيم من قراءته بشكلٍ صحيح، وكذلك
حجم الخطوة المؤثِّرة الصغرى للإنزيم. لامتساوية وغنر الأولى تحدِّد المدى
الزمني (والمدى الطولي) الذي يمكن فيه مضاعفة اﻟ
DNA بشكلٍ صحيحٍ مع بقاء المنظومة
متماسكةً كموميًّا. أما لامتساوية وغنر الثانية فتضع حدودًا لدقة
عمل الإنزيم وقدرته على معالجة المعلومات.
عند اتخاذ λ كطول جُزيئة اﻟ
DNA للبكتريوفاج لامبدا والبالغ
١٦مكم، فإن تطبيق لامتساوية وغنر الأولى سيكون للإنزيم بوليميريز هو أقل من ٣٨٧ ثانية،
وللمقارنة فإن DNApolymerase
للبكتيريا Thermus
aquaticus (TAQ) هو خطأٌ واحدٌ كل ١٠٠
ثانية. كما أن لامتساوية وغنر الثانية تُبيِّن أن (أقل فترةٍ زمنيةٍ ممكن قياسها) هي ٥ ×
١٠−١٤ ثانية أو ٥٠٠ فمتوثانية. إن لا يساوي زمنَ تضمينِ قاعدةٍ نوويةٍ من قِبَل
الإنزيم؛ وإنما هو زمنُ تحوُّل حالةٍ داخليةٍ للإنزيم.
ويمكن الحصول على وهو أقصى طولٍ من اﻟ
DNA يمكن للإنزيم قراءته بشكلٍ
صحيحٍ وتبيَّن أنه ٤ × ١٠٤ قاعدة
نووية، وهو مقاربٌ لما هو معروف عن الإنزيم TAQ
polymerase والمساوي إلى خطأ واحد كل
١٠٤ قاعدة نووية يقرؤها. كما أن الذي يعني أقل مسافةٍ يمكن فيها تسجيل معلوماتٍ
بواسطة الإنزيم تساوي حوالي ٥ × ١٠−١٢
قاعدة نووية، وتُعادِل ٢ ×
١٠−٢١م.
ومن خلال الحسابات ونتائج تجربة عمل الإنزيم على
DNA البكتريوفاج لامبدا وطولها
١٦مكم، فإن الوقت الأقصى اللازم لقراءة اﻟ
DNA هو ٥٠٠ ملي ثانية للشريط
المزدوج، و٣ ملي ثانية للشريط المُفرَد من اﻟ
DNA بينما وقت فك التماسُك الأقصى
لمعقد الإنزيم-DNA يتراوح بين بضع
دقائق إلى بضع ساعات. وهكذا يمكن الاستنتاج أن تأثيرات ميكانيك
الكَم تلعب دَورًا مسبقًا في التأثير على ديناميكية قراءة الإنزيم
ﻟﻠ DNA. وتُظهِر النتائج أيضًا أن
كمية المعلومات أو عدد البِتات المخزونة في منظومة
الإنزيم-DNA، هي أكبر بكثيرٍ مما
هو مُتصوَّر (باعتباره ١ بت/قاعدة نووية). وهذه الزيادة حسب
الباحثة ترجع إلى أن الإنزيم يمتلك بضع حالاتٍ مجهرية داخلية. كما
يُظهِر هذا العمل أن المعلومات ليست مخزونةً في اﻟ
DNA فقط، وإنما يُشكِّل اﻟ
DNA والإنزيم وبيئتهما شبكةَ
معالجةِ معلوماتٍ ديناميكية معقَّدة ذات مخزونِ معلومات، وقدراتِ
معالجةٍ عالية جدًّا.