مع أن التأثيرات
الكهرومغناطيسية في البيولوجيا بدأَت مع أعمال العالم الروسي
Alexander Gurwitsch في عشرينيات القرن
العشرين، كما سبق ذِكره، إلا أن تطوُّر التكنولوجيا قاد إلى اكتشافاتٍ
مبهرة مع الباحث الفرنسي جاك
بنفنيست (Jacques Benveniste) (١٩٣٥-٢٠٠٤م) المتخصِّص اللامع بعلم المناعة في
بداية ثمانينيات القرن العشرين، ومدير مختبر المناعة في المعهد الوطني
لأبحاث الصحة والطب في فرنسا (INSERM).
واشتُهر بتخصُّصه في آليات الحساسيات والالتهابات مع اكتشافه عاملَ
تنشيطِ الصفائح الدموية. وباقتراحٍ من أحد الأطباء العاملين معه، بحثوا
تأثير بعض المستحضرات الطبية بتخافيفَ عاليةٍ باستخدام اختبار بنفنيست،
المعروف باختبار إزالة تحبُّب كُريات الدم القاعدية
(Basophil degranulation test). وبعد ٥
سنواتٍ من التجارب، لاحظوا أن التخفيف العالي جدًّا؛ حيث لم تعُد أيةُ
جُزيئةٍ من المادة الفعَّالة بيولوجيا موجودةً فيه (ماء نقي) قدَح
التأثير البيولوجي لتلك المادة. هذه النتائجُ الغريبة، حملَت بنفنيست
على إعادة التجارب لمدة سنتَين لغرض التأكُّد من صدقيَّتها. بعدها تم
نَشْر بحثَين في مجلتَين مرموقتَين عن تأثير التخافيف العالية. بعد
ذلك، قام الباحث بالاشتراك مع باحثين في عدة دولٍ بإجراء بحثٍ مماثلٍ
باستخدام تخافيفَ عاليةٍ جدًّا من الأجسام المضادَّة مع الرَّج،
وتسبَّبَت أيضًا في إزالة تحبُّب الكُريات القاعدية
(Belon et al.,
2004). لكن مجلة
Nature المعروفة نَشرَت البحث
(Davenas et al.,
1988) بشرط إجراءِ التجربةِ تحت إشرافِ فريقٍ منها،
لعدم وجود مادة في المحلول غير الماء تُحدِث التأثير. وبعد نقاشٍ مع
هيئة تحرير المجلة، استضاف الباحثَ فريقٌ من المجلة لغرض إجراء التجربة
بوجودهم، تم تكرار التجربة لكن في إحداها لم تكن النتائجُ مطابقة،
فاعتبَرَت المجلة أن هذه البحوث غير مؤكَّدة. ونُشِر بحثٌ آخر بالاتجاه
نفسه (Thomas et al., 1999).
لقد علَّل بنفنيست نتائجه بأن التخفيفَّ والرجَّ يؤدي إلى نقل
المعلومات البيولوجية بواسطة التنظيم الجُزيئي الذي ينتقل عَبْر الماء،
ﻓ «للماء ذاكرة». وهذا يمكن أن يتحقَّق من خلال اتخاذ الماء لترتيبٍ
جُزيئيٍّ معين. ومع أن الظاهرة يمكن أن تعمل مع سوائلَ قريبةٍ من
الماء؛ مثل الإيثانول والبروبانول، إلا أنها تفشل باستخدامِ سوائلَ
أخرى مثل Dimethylsulphoxide. كما أن
التسخين ٧٠–٨٠مº والذوبان بعد التجميد
والتعريض للموجات فوق الصوتية يُبطِل تأثيراتِ المحاليلِ العالية
التخفيف. وفي تجاربَ أخرى مع باحثين آخرين بيَّن بنفنيست التأثير
السلبي للمجال المغناطيسي (٥٠ هيتز، ١٥ ×
١٠−٣ تيسلا لمدة ١٥ دقيقة) على عمل
التخافيف العالية والذي لا يؤثِّر على الموادِّ الأصلية. ومع وجود
ملاحظاتٍ عديدةٍ عن حساسية النظم البيولوجية أو الماء للمجالات
الكهربائية والكهرومغناطيسية المنخفضة التردُّد وكذلك للدَّور المُحتمل
لهذه المجالات في العمليات المعلوماتية والاتصالات الخلوية، افترض
بنفنيست أن نقل التأثيرات المُلاحَظة ذو طبيعةٍ كهرومغناطيسيةٍ وأن
الجُزيئات تتصل عَبْر الموجات الكهرومغناطيسية Thomas,
(2007). وهكذا أسَّس لما صار يُعرف بالبيولوجيا الرقمية (Digital biology).
الباحث والطبيب الفرنسي لوك
مونتانيه Luc Montagnier أُعجِب بابحاثِ بنفنيست وقام بزيارته في
مُختَبره الصغير؛ حيث كان لا يتلقى الدعم من المؤسسة الرسمية ويعمل معه
الباحث العربي الأصل جمال عيسى. وبعد وفاة بنفنيست سنة ٢٠٠٤م قرَّر
مونتانيه المُضيَّ في هذا الخط البحثي مع ما يعتريه من صعوبات،
مُعزَّزًا بسمعته العلمية؛ كونه الحائز على جائزة نوبل في الطب سنة
٢٠٠٨م، لاكتشافه فايروس الإيدز في ثمانينيات القرن العشرين، وضم لفريقه
البحثي جمال عيسى.
وخلال عمله في الحصول على راشحٍ معقمٍ لمزرعة أحياءٍ مجهريةٍ مرضية،
لاحظ أن بعض طرق الترشيح تحت ظروفٍ معينةٍ يمكن أن تعطي في الراشح
الكائن الحي المجهري الذي كان موجودًا قبل الترشيح. وهكذا فإن راشح
مزرعة الخلايا اللمفية البشرية المصابة بالمايكوبلازما
Mycoplasma
pirum وخلاياها بأبعاد ٣٠٠ن م، ومُرِّر من
خلال مُرشِّحاتٍ بكتيريةٍ بفتحات ١٠٠ن م أو ٢٠ن م يُفترَض أن يُعطي
راشحًا معقمًا خاليًا من المايكوبلازما. لكن المفاجأة أن إضافة الراشح
إلى مزرعةِ خلايا لمفيةٍ بشريةٍ خالية من المايكوبلازما، ظهَرَت
المايكوبلازما من جديد خلال حضانتها لمدة ٢ إلى ٣ أسابيع. وبطريقةٍ
مشابهة، راشح مزرعة الفايروس HIV والتي
قُطر جُسيماتها ١٠٠ إلى ١٢٠ن م، والمار من خلال المرشح بفتحات ٢٠ن م
يُفترَض ألا يحتوي على أية جُسَيمة فايروس، لكنه كوَّن الفايروس من
جديد. ولاحظ الباحثون أن الراشح وبتراكيزَ مخفَّفةٍ مناسبة، يُنتِج
موجاتٍ كهرومغناطيسيةً منخفضة التردُّد بطريقةٍ يُمكِن
تَكرارُها.
ويرجِّح الباحثون، أن تلك الموجات تُمثِّل ظاهرة رنين تنتُج عن
الإثارة بضوضاء البيئة الكهرومغناطيسية. وترتبط هذه الظاهرة بتكوُّن
تراكيبَ بوليمريةٍ نانويةٍ بحجمٍ معيَّن. كما لاحظوا أن راشح الخلايا
الحقيقية النواة غير المصابة التي استُخدمَت كشاهدٍ لا تُنتِج هذه
الظاهرة. جاء ذلك في البحث الذي نشَره مونتانيه وجماعته
Montagnier et al.,
(2009a). ونظرًا لأهميته وغرابة النتائج المُستحصَلة
منه سنُتابِعه بشيءٍ من التفصيل.
(١) رواشحُ مزارعِ المايكوبلازما
استخدَم الباحثون المايكوبلازما M. pirum والتي يُمكِن
أن تتكاثَر على سطوح الخلايا اللمفية البشرية
T وتلتصق عليها بقوةٍ بواسطةِ
البروتين Adhesin الذي سبق أن
شخَّص وحدَّد تتابُع الجين المسئول عن تشفيره، كما أنها من
المايكوبلازما القليلة التي يُمكِن زراعتُها خارج الجسم الحي على
وسطٍ زرعيٍّ غني هو SP4.
شكل ٩-٢: كشفُ الإشارات الكهرومغناطيسية من عالق
المايكوبلازما Mycoplasma pirum: يسار:
ضوضاء الخلفية (من عالقٍ غير مخفَّف أو تخافيفَ واطئةٍ
سلبية). يمين: إشاراتٌ إيجابيةٌ (من التخفيف العالي
D-7 يساوي
10−7).
(a) التسجيل (٢ ثانية من ٦
ثواني تسجيل) بعد معاملة WaveLab
(Steinberg)؛
(b) تحليلٌ تفصيليٌّ
للإشارة (المقياس بالميلي ثانية)؛
(c) تحليل تحويلات
Matlab 3D Fourier؛
التردُّدات تُرى بالألوان المختلفة.
(d) تحويل
Sigview Fourier، لاحظ
الهارموني الجديد في مدى ١٠٠٠ إلى ٣٠٠٠ هيرتز. عن:
Montagnier et al., (2009a).
تم الحصول على سائل المزرعة المصابة بالمايكوبلازما بتركيزٍ
معيَّن، ثم مُرِّر الراشح من خلال مرشِّحاتٍ تُعيق مرور
المايكوبلازما (١٠٠ن م) وكذلك (٢٠ن م) من أجل الحصول على راشحٍ
خالٍ من المايكوبلازما. وللتأكُّد من ذلك تم زراعةُ عيِّناتٍ من
الراشح على وسط SP4 وحضانته لبضعةِ
أسابيعَ حيث كانت النتيجةُ سالبة. كما تَمَّ متابعةُ وجودِ أية
آثار ﻟ DNA المايكوبلازما باستخدام
جهاز PCR
وPCR المُعشعش
(Nested PCR) وباستخدامِ بوادئ
(Primers) لجين
Adhesin أو جين
16S الرايبوسومي وكانت النتائج
سلبية دائمًا. هذا يعني أن الراشح خالٍ تمامًا من المايكوبلازما
ومن DNA المايكوبلازما، أو من أي
مصدرٍ آخر. لكن عند حضانة الرواشحِ المارَّة من المرشح ١٠٠ن م لمدة
أسبوعَين والراشح من المرشح ٢٠ن م لمدة ٣ أسابيع على الخلايا
اللمفية البشرية نوع T، ظهَرَت
خلايا المايكوبلازما في الوسط من جديدٍ بكل خواصِّها
الأصلية.
تم اختبارُ الرواشحِ بعد عملية الترشيحِ لتكوينِ موجاتٍ
كهرومغناطيسيةٍ منخفضة التردُّد، باستخدامِ الجهازِ الموضَّح في
الشكل ٩-١ والذي ابتكره
Benveniste ويتحسَّس الإشارات التي
تصدُر عن الجُزيئات ذات النشاط البيولوجي.
تم إعداد التخفيفات العشرية (١٥–٢٠ تخفيفًا)، وبعد وضع جُزءٍ من
التخفيف في الأنبوب البلاستيكي المخصَّص لذلك، يُعرَّض النموذج
للرجِّ بقوة في جهازٍ Vortex لمدة
١٥ ثانية. وُجِد أن عملية الرجِّ مهمة جدًّا لغرض تكوين الإشارات.
تم تسجيل الإشارات ومعالجتها ببرامجَ مختلفةٍ وتحويلات
Fourier التي تظهَر على شاشة
الحاسوب. في كل تجربةٍ يتم تسجيل الضوضاء الداخلية المتولِّدة عن
أجزاء الجهاز المختلفة. أظهر تحليلُ
Fourier أن الضوضاء تتألَّف
بالأساس من تردُّداتٍ منخفضة جدًّا، تنتُج عن التيار الكهربائي
الحقيقي المحيط والبالغ ٥٠ / ٦٠ هيرتز. بطارية الكومبيوتر ١٢
فولتًا ربما تخفض الضوضاء لكنها لا تُلغيها. هذه الضوضاء وُجِد
أنها ضرورية لحثِّ تكوينِ إشاراتِ الرنينِ الصادرة من التراكيب
النانوية المحددة.
لُوحِظ زيادةٌ في السَّعَة الكلية للإشارات في بعضِ التخافيفِ
على الضوضاء العامة (شكل ٩-٢2a) وفي التردُّدات (شكل ٩-٢2b). هذه
التغيرات تختفي لو تم وضعُ الأنبوب قيد الاختبار داخل صندوقٍ
مغلَّف بالنحاس والموميتال، حيث يمنع تأثير الموجات
الكهرومغناطيسية الواطئة التردُّد. تحليل
Fourier لإشارات المايكوبلازما
يُظهِر إزاحةً نحو التردُّدات العالية القريبة من ١٠٠٠ هيرتز
ومضاعفاته. هذه الهيئة كانت متماثلة في جميع التخفيفات مُظهِرةً
زيادةً في السعة (شكل ٩-٢2c, 2d).
عالق المايكوبلازما الأصلي غير المُرشِّح لم يُصدِر إشاراتٍ
كهرومغناطيسيةً بكل تخافيفه، وهذا حصل مع كل الأحياء الدقيقة
الأخرى التي تمَّت دراستها. كما أن التخفيفَين الأوَّلَين للراشح
كانا سالبَين أيضًا. الإشارات الإيجابية حصلَت في التخافيف
١٠−٥ إلى
١٠−٨ أو
١٠−١٢ (شكل ٩-٣).
(١-١) مع E.
coli والأنواع الأخرى من
البكتيريا
بإجراء التجارب أعلاه مع البكتيريا E. coli استُحصلَت
النتائجُ نفسُها كما في حالة المايكوبلازما، عدا أن الراشح
المارَّ من المُرشِّح ٢٠ن م أعطى نتيجةً سلبية، ما يُشير إلى
أن التراكيب النانوية المصاحبة للإشارات لم تمُرَّ من هذا
المُرشِّح؛ أي إن هذه التراكيب هي أصغرُ من ١٠٠ن م وأكبرُ من
٢٠ن م.
شكل ٩-٣: تسجيلٌ نموذجيٌّ للإشارات من التخافيف
المائية لمزرعة المايكوبلازما
M.
Pirum (برمجيات
Matlab): لاحِظ
الإشارات الإيجابية في التخافيف من
D-7 إلى
D-12. عن:
Montagnier et al. (2009a).
شكل ٩-٤: الاتصالات الإشارية بين راشح (١٠٠ن م)
مزرعة البكتيريا (المانحة
١٠−٣) مع أيٍّ من التخافيف
العالية كلٌّ على انفراد (يسار) كانت كلُّها صامتة، ثم
بعد تخفيف الراشح ١٠−٩ إلى
التخافيف الموضَّحة (يمين) صارت تُصدِر إشارات. عن:
Montagnier et al., (2009a).
عند إضافة ٠٫١ مل من التخافيف الواطئة
(١٠−٣ مثلًا) السلبية الإشارة إلى
٠٫٩ مل من التخافيف العالية الموجبة الإشارة
(١٠−٨ مثلًا) جعلَت الأخيرة تفقد
الإشارة. ويُفسِّر الباحثون ذلك باختلاف الإشارات وتَشوُّهها.
كما يُفسِّر الباحثون عدم ظهور الإشارة في التخافيف الكبيرة
جدًّا (أكبر من ١٠−١٢) إلى تحوُّل
التراكيب النانوية الكثيرة فيها إلى جيل (غروي) يُبطِل
الرنين.
ووجد الباحثون أن التراكيب المُصدِرة للإشارة يمكن أن تنتقل
من أنبوب إلى آخر بواسطة الموجات. تم ذلك من خلال تجاربَ
مُتكرِّرة باستخدام البكتيريا E. coli؛ فعند وضع
أنبوبٍ يحتوي على عالق البكتيريا بتخفيف
١٠−٣ (صامت، لا يُصدِر إشارات) جنب
أنبوبٍ من راشح المزرعة بتخفيفٍ عالٍ
١٠−٩ مُصدِر للإشارات لمدة ٢٤ ساعة
في صندوقٍ عازلٍ للموجات الكهرومعناطيسية كما سبق وصفه، وهذا
يسمح للموجات الكهرومغناطيسية الصادرة من التراكيب النانوية في
الأنبوبَين بالانتقال بينهما، الأنبوب المُصدِر بقي صامتًا
والأنبوب المُستلِم أصبح صامتًا أيضًا. لكن بعد إجراء تخفيفات
(١٠−١٠،
١٠−١١،
١٠−١٢) من الأنبوب المُستلِم صارت
هذه التخفيفات مُصدِرة للإشارة (شكل ٩-٤).
هذه النتائج حسب الباحثين تُشير إلى أن صمت الأنبوب
المُستلِم يحصل نتيجة تكوين مزيدٍ من التراكيب النانوية
الجديدة حيث لا تتمكَّن من إصدار الإشارة. وتأكَّد التأثير
الموجي من خلال عدم حصول هذه التأثيرات عند وضع حاجز مومنتال
يمنع عبور الموجات الكهرومغناطيسية بين الأنبوبتَين المانحة
والمُستلِمة خلال فترة التماسِّ (لمدة ٢٤ ساعة).
لقد تم ملاحظة إصدار إشاراتٍ كهرومغناطيسيةٍ مماثلة مع
أنواعٍ أخرى من البكتيريا مثل: Streptococcus
B، Staphylococcus
aureus، Pseudomonas
aeroginosa، Proteus
mirabilis، Bacillus
subtilis،
Salmonella
وClostridium perfringens،
وكلها في نفس المدَيَات من التخافيف التي أُجريَت مع
E.
coli وفقط بعد الترشيح بمُرشِّح
١٠٠ن م وليس ٢٠ن م.
كما تجدُر الإشارة إلى أن تأثير النقل بين أنبوبَين؛ أحدهما
صامت والآخر مُرسِل للإشارة، لُوحِظ فقط في حالة أن الأنبوبَين
يحتويان على تخفيفاتٍ لنوع البكتيريا نفسه. فالأنبوب الحاوي
على تخفيفِ البكتيريا P. aeroginosa مثلًا يؤثِّر في
الأنبوب الآخر المحتوي على تخفيف P. aeroginosa ولا
يؤثِّر على الأنابيب المحتوية على تخفيفاتٍ من الأنواع
E.
coli أو غيرها والعكس صحيح؛ أي إن
التأثيرات خصوصية للنوع. لم يكن للأشخاصِ القائمين بالتجربة
ولا مكانِ إجراء التجربة، تأثيرٌ على النتائج.
(١-٢) تحديد طبيعة التراكيب النانوية
ولتحديد طبيعة التراكيب النانوية في المحلول، تمَّت معاملة
الرواشح بالإنزيم RnaseA
المحلِّل ﻟﻠ RNA والإنزيم
Dnase I المحلِّل ﻟﻠ
DNA والإنزيم المحلِّل لجدران
الخلايا Lysozyme والإنزيم
المحلِّل للبروتينات Protinase
K ولم تؤدِّ هذه المعاملات إلى تثبيط إصدار
الإشارات الكهرومغناطيسية في التخفيفات العالية، ولا إلى تنشيط
التخافيف الصامتة. لكن التسخين في
٧٠مº لمدة ٣٠ دقيقة يثبِّط
الفاعلية بشكلٍ لا عكسي، كذلك التجميد في
−٢٠مº أو
−٦٠مº، بينما لم يكن ثمَّة تأثيرٌ
عند المعاملة ﺑ DMSO (10%)
وFormamide (10%). المعاملة
بأيونات الليثيوم المعروف بتأثيره على الأواصر الهيدروجينية
بين جُزيئات الماء، خفَّضَت شدة الإشارات بينما استمر مدى
التخفيفات الموجبة دون تغيير.
(١-٣) التعامل مع اﻟ DNA
في تجاربَ أوَّلية، لاحظ الباحثون أن معاملة عالق البكتيريا
E.
coli بمحلول
formaldehyde 1% لم يُعطِّل
قدرتها على تحفيز إصدار الإشارات الكهرومغناطيسية. علمًا أن
هذا المركَّب يقتل خلايا البكتيريا لكنه لا يهاجم اﻟ
DNA. هذا حفَّز الباحثين على
الاعتقاد بأن مُصدِر الإشارات يمكن أن يكون اﻟ
DNA.
تم استخلاص اﻟ DNA من
البكتيريا، وتبين أن ترشيحها بواسطة المُرشِّح ١٠٠ن م وليس٢٠ن
م والتخفيفات المناسبة كما ذُكر سابقًا، تعطي إشاراتٍ
كهرومغناطيسية. الترشيحُ هنا تبيَّن أنه ضروري، علمًا أن
المرشِّح ١٠٠ن م يُمرِّر اﻟ
DNA. كما أن معاملة مستخلَصات
اﻟ DNA بالإنزيم
Dnase المحلِّل ﻟﻠ
DNA يُبطِل النشاط الإشاري.
يعتقد الباحثون أن المُرشِّح ١٠٠ن م في حالة اﻟ
DNA يفكِّك شبكة التراكيب
النانوية المنتظمة بهيئةٍ جيليةٍ في حالة التراكيز العالية،
بينما يتم نشرها في التخافيف الأخرى المُظهِرة للإشارة.
ظهور الإشارة في التخفيف العالي
١٠−١٣ والذي لا يحتوي على جُزيئات
DNA بوزنٍ جُزيئيٍّ أكبر من
١٠٥ يُرجِّح عدم صدور الإشارات من
اﻟ DNA مباشرة، وإنما من
التراكيب النانوية التي تتكوَّن تلقائيًّا بتحفيزٍ من اﻟ
DNA. معاملة محلول اﻟ
DNA بالإنزيم
EcoRV المُقيِّد ﻟ
DNA البكتيريا
E.
coli والقاطع لها في عدَّة مواقعَ
لم يكبح صدور الإشارات الكهرومغناطيسية. هذا يوحي حسب الباحثين
إلى أن النشاط الإشاري مرتبطٌ بتتابعاتٍ قصيرةٍ أو
نادرة.
يبدو أن هذا النشاط الإشاري تشترك فيه البكتيريا الممرضة
بينما يُفتقَد في البكتيريا غير الممرضة؛ مثل سلالة غير ممرضة
من E.
coli والبكتيريا غير الممرضة
Lactobacillus. وحيث إن البكتيريا
الممرضة تشترك في خاصية الالتصاق بالخلايا الطلائية بواسطة
البروتين Adhesin، تم كلونة
الجين الموجود بقطعتَين كلٌّ منهما في أحد بلازميدَين. تم
تضخيم البلازميديَن بطُرق التحويل الوراثي
وPCR ومن ثَم عزلهما على
الأكاروز. اتضح أن محلول أيٍّ منهما يتمكَّن من تحفيز النشاط
الإشاري الكهرومغناطيسي.
(٢) رواشح الفايروسات
وفي السياق ذاته ولكن هذه المرة مع فايروس الإيدز، بيَّن
Montagnier et al., (2009b) أن تخافيف المحاليل
المحتوية على DNA فايروس الإيدز
تُصدِر إشاراتٍ كهرومغناطيسيةً بتردُّداتٍ واطئة. مثل تلك الإشارات
تَمَّ تحسُّسها داخل الجسم الحي فقط في المرضى الذين سبق أن تمَّت
معالجتهم بدواء مضاد
للفايروسات القهقرية (Antiretroviral therapy) حيث لا يحتوي دمهم على أية نُسَخ
من اﻟ RNA الفايروسي. ويُفسِّر
الباحثون ذلك بأن تلك المعالجة دفعَت الفايروس نحو نمطٍ جديدٍ
للتضاعُف يُستخدَم فيه اﻟ DNA
(الذي يتكوَّن مرحليًّا خلال الإصابة، والذي سيُنتِج نسخ
RNA فايروسي منها) وبذلك يُكوَّن
مخزونٌ لا يتأثَّر بمثبِّطات الفايروسات القهقرية. مع هذا
الفايروس، وعلى خلاف ما يحصُل مع البكتيريا، فإن التراكيب النانوية
المُصدِرة للإشارات الكهرومغناطيسية تعبُر من خلال المرشِّح ٢٠ن م.
كما أن التخافيف الموجبة للإشارة في حالة الفايروس تكون أوطأ؛ حيث
تبدأ من ١٠−٣ إلى
١٠−٩. وتشير طبيعة الإشارات إلى أنها
أيضًا ظاهرةُ رنين لبوليمرات الماء.
وفي تجربة أخرى، تم اختبار قدرة قطعةٍ من
DNA فايروس الإيدز، والتي تم
تضخيمها باستخدام جهاز PCR
وحُضِّرَت تخفيفاتٌ منها وتم تحسُّس إصدارها للإشارات
الكهرومغناطيسية تحت تأثير الخلفية الكهرومغناطيسية للمحيط. بعد
ذلك وُضِع أنبوبٌ يحتوي على أحد التخافيف المُصدِرة للإشارة (
١٠−٦ مثلًا) في حاويةٍ معزولةٍ
بميوميتال سمك ١ملم، وهو عازلٌ يمتص الموجات الكهرومغناطيسية ذات
التردُّد الواطئ جدًّا. وبجوارها تم وَضْع أنبوبٍ آخر يحتوي على
ماءٍ نقي وهو مُرشَّح بواسطة مُرشِّحاتٍ ذات مَسَام ٤٥٠ن م و٢٠ن م
وبتخافيف ١٠−٢
إلى.١٠−١٥ يُحيط بالأنابيب ملفٌّ
نُحاسيٌّ يستلم تيارًا كهربائيًّا واطئ الشدة من مُولِّدٍ خارجيٍّ
بتردُّد ٧ هيرتز. تَمَّ تشغيل الجهاز المُولِّد للمجال المغناطيسي
لمدة ١٨ ساعةً في درجة حرارة الغرفة، كما في الشكل ٩-٥. تَمَّ تسجيلُ الإشارات الكهرومغناطيسية
الصادرة من الأنابيب. وتبيَّن صدور مثل هذه الإشارات من الأنابيب
المحتوية على الماء تتناسب مع تلك التي تُصدِرها التراكيز المحتوية
على اﻟ DNA الأصلي. هذا يُبيِّن أن
الموجات الكهرومغناطيسية بتردُّد ٧ هيرتز أحدثَت اهتزازاتٍ في
الماء النقي لتراكيبَ نانويةٍ موجودةٍ أصلًا في اﻟ
DNA. غير أن معاملات المقارنة
التالية أبطلَت إصدار الإشارات الكهرومغناطيسية في الأنابيب
المحتوية على الماء:
وقت تعريض الأنابيب لأقل من ١٦–١٨ ساعة.
عدم وجود الملف.
وقف تشغيل المولد الكهربائي (لا يوجد مجال
مغناطيسي).
التردُّد المحفِّز لأقل من ٧ هيتز.
عدم وجود اﻟ DNA في
الأنبوب رقم ١.
(٢-١) إعادة تكوين اﻟ DNA
لم يكتفِ الباحثون بهذه النتائج، بل حاولوا معرفةَ ما إذا
كانت هذه التراكيب النانوية المستحثَّة في الماء يمكن أن تُعيد
تكوين اﻟ DNA. تم إضافة جميع
المكوِّنات المطلوبة لتكوين
اﻟ DNA (القواعد النووية
والبوادئ وإنزيم
DNApolymerase) إلى الأنبوب
المحتوي على الماء المُصدِر للإشارة، وباستخدام
PCR (٣٥ دورة). بعدها تم
الحصول على حزم اﻟ DNA
باستخدام الترحيل الكهربائي على جيل الأكاروز، وكانت بنفس حجم
الحزمة الأصلية لقطعة اﻟ DNA.
ثم بيَّن كشفُ تتابُع القواعد النووية المتولِّدة مطابقةً
بنسبة ٩٨٪ لتتابُع قطعة اﻟ DNA
الأصلية. تَمَّ التحقُّق من تكرارية نتائج التجربة من خلال
إعادتها لاثنتَي عشرةَ مرة. كما تَمَّ إعادة التجربة باستخدام
DNA البكتيريا
Borrelia
burgdorferi المسبِّبة لمرض لايم.
هذه التجربة تُبيِّن أن التراكيب النانوية للماء ورنينها
الكهرومغناطيسي، يمكن أن يحفظ معلومات اﻟ
DNA ويُعزِّز نتائج التجارِب
السابقة (Montagnier et al., 2011).
وفي الاتجاه نفسه ولكن بوسائلَ مختلفة، لاحَظ
Qing Tanga et al., (2018) أن نقل معلومات اﻟ
DNA تَمَّ من مَصدرٍ ممرضٍ
ومَصدرَين غيرِ ممرضَين.
حسب Kim (2013) فإن لكل مادة
موجةً مصاحبة. جزء الموجة من المادة يحتوي على المعلومات،
ويعمل كما تعمل المادة. وقد أطلق de
Broglie وBohm
على الخواص الموجية التي تتفاعل مع البيئة الموجة المرشدة،
بينما أطلَق عليها Tiller موجة
المعلومات كونها تخفِّض الإنتروبي.
شكل ٩-٥: إرسال المعلومات الوراثية في اﻟ
DNA إلى الماء بواسطة
الموجات الكهرومغناطيسية. عن:
Montagnier et al., (2011).
في ورقةٍ بحثيةٍ يُعالِج Montagnier
et al.,
(2015) الجوانب النظرية لنقل الماء لمعلومات
اﻟ DNA بواسطة الموجات
الكهرومغناطيسية. ويرى الباحثون استنادًا إلى نظرية المجال
الكمومي، فإن ترتيب المكوِّنات الأساسية للمنظومة يتحقَّق
نتيجة كسر التناضُر التلقائي والتي تمثِّل التماسُك
المُتحقِّق. وهكذا فالنظام ينتُج عن تناسُقٍّ عامٍّ متماسكٍ
طويل المدى؛ وعليه فإن خواصَّ منظومة
الماء-DNA تؤشِّر لحركياتِ
تماسُكٍ كموميٍّ جُزيئي. ويُظهِر التحليلُ النظري
(Montagnier et al., 2011) أن الماء يُسلُك
كوسطٍ فعَّالٍ من خلال المجالات الكهرومغناطيسية ذات التردُّد
المنخفض جدًّا. تآثُرات الأواصر الهيدروجينية وثنائيات القطب
(dipole–dipole) المستقرة
القصيرة المدى بين جُزيئات الماء تحصُل نتيجة التآثُر الجُزيئي
مع المجال الكهرومغناطيسي المعتمد على الزمن وعلى منطقةٍ
واسعةٍ تُسمَّى حقل
التماسُك (Coherence domain). وفوق عتبةِ كثافةٍ وتحت درجةِ حرارةٍ
حرجة، تتآثَر الجُزيئات مع المجال الكهرومغناطيسي منتقلةً إلى
نظامٍ حركيٍّ يتصف بحالةٍ طاقيَّةٍ صغرى، حيث تكون تذبذُبات
الطَّور للجُزيئات متناسقة. مثل تلك الحالة الطاقيَّة الصغرى،
تفرض ترتيبًا للمنظومة حيث تكون جميع الجُزيئات المحصورة ضمن
حقل التماسُك، تتذبذب بانسجامٍ مع المجال الكهرومغناطيسي
المحصور في حقل التماسُك. إن الحجم الخطي لمجال التماسُك
يتحدَّد بطول الموجة للمجال الكهرومغناطيسي المحصور (ويكون عادة
بمرتبة ١٠٠ن م). إن القوة الخارجية المتناهية الصغر القادحة
لهذه الآلية، تجعل مُكوِّنات المنظومة تتفاعل بناءً على
حركياتها الداخلية ضمن شروط الكثافة ودرجة الحرارة المشار
إليهما.
حسب Giudice et al., (2011)، فإن حقول
التماسُك للماء تتمكَّن من خزن كمياتٍ كبيرة من الطاقة والتي
تُجمع من البيئة وتُحوَّل إلى طاقةٍ متماسكة؛ فهي تتمكَّن من
تحويل n من الكمَّات ذات
تردُّد ν إلى كمٍّ واحدٍ
بتردُّد n ν؛ ذلك لأن مستويات
الإثارة المتماسكة لحقول التماسُك طويلةٌ جدًّا. وبذلك، فإن
العديد من الإثارات التي تُحدِثها الضوضاء الخارجية، يمكن أن
تتراكم في حقول التماسُك محدثةً إثاراتٍ متماسكةً أعلى فأعلى.
يمكن أن تبدأ بضوضاءَ منخفضة التردُّد جدًّا، لتصل فيما بعدُ
إلى طاقةِ إثارةٍ عاليةٍ قادرة على الرنين مع إلكترونات
الجُزيئات وتنشيطها كيميائيًّا. هذا ما تَمَّ ملاحظتُه في
التجارب أعلاه؛ حيث إن الضوضاء الخارجية الواطئة التردُّد كانت
أساسيةً في نقل المعلومات من المحاليل المخفِّفة ﻟﻠ
DNA بشكلِ مجالاتٍ
كهرومغناطيسية.
شكل ٩-٦: مجالات الموجة كوسيط في الفيزياء تحت
الذرية والفيزياء البيولوجية.
(A) في نظرية المجال
الكمومي، تآثُرات الإلكترون-الإلكترون تتوسَّطها
الفوتونات المنتقِّلة بين رأس الزاوية ١ ورأس الزاوية
٢. (B) بالمقارنة،
الترابط البعيد المدى بين اﻟ
DNA والإنزيمات
تتوسَّطها موجات ثنائية القطب (Dipole waves) في الماء البيني. هذا
التمثيل تخطيطيٌّ غير مرسومٍ بمقياس ولا يُمثِّل
الترتيباتِ الفعلية لجُزيئات الماء. عن:
Montagnier et al., (2017).
وعن دَورِ الماء في عملية تضخيم الإنزيم
Taq ﻟﻠ
DNA في
PCR يرى
Montagnier et al., (2017) أن المجال الموجي
الذي يتوسَّط اﻟ DNA-الإنزيم،
يُفترَض أن يكون محكومًا بواسطة مجالِ موجةٍ ثنائيِّ القطب
المنتقل خلال الماء البيني الذي تنغمر فيه اﻟ
DNA والإنزيمات، كما في الشكل
٩-٦. وكان Capolupo
et al.,
(2016) قد أشاروا إلى أن مثل تلك التوافُقات
تنشأ من التآثُرات الكهربائية الثنائية القطب بين تراكيب
الحلقات العطرية في اﻟ DNA
والإنزيم التي تتوسَّطها المجالات الكهرومغناطيسية المحفِّزة
للتنقُّل بين حالتَين لجُزيئات الماء. وإن حالة الاستقطاب
لثنائيات القطب في الماء لا تتلاشى إلا إذا غابت
اﻟ DNA أو الإنزيم أو
كلاهما.
بيَّنَت نتائجُ عملياتِ تضخيم اﻟ
DNA باﻟ
PCR وتآثُرات
DNA-الإنزبم عمومًا، أن تكييف
توزع الشحنات وتفاعُلات الارتباط والتردُّدات والسَّعة
والطَّور تُشكِّل أنماط المجالات، التي تكوِّن الصورة
الكهرومغناطيسية ﻟﻠ DNA
بطريقة؛ حيث إن ما «يراه» الإنزيم على مستوى البيولوجيا
الجُزيئية كما هي الصورة الكهرومغناطيسية ﻟﻠ
DNA في الماء المحيط. إن اﻟ
DNA والإنزيم «يريان» الصورة
الكهرومغناطيسية بعضهما لبعض بواسطة تبادُل كمَّاتِ موجات
ثنائية القطب المشعَّة والمحفِّزة بوجودهما في الماء البيني،
الذي يعمل في الواقع كجسرٍ بين الاثنَين لحين أن يقتربا أكثر
وأكثر، ويرتبطا بإزاحة الماء.