الكوميديا في مصر قبل ظهور الكسار
في عام ١٩٠٦ بدأ اسم عزيز عيد يتردد في إعلانات الصحف المصرية، باعتباره ممثلًا بفرقة
إسكندر فرح؛ حيث بدأ نجمه في الظهور، خصوصًا دوره في مسرحية «الملك المتلاهي».١ ويشاء القدر أن تأتي في هذا العام فرقتان فرنسيتان وتمثلان مسرحيات
فودفيلية على مسرحَي النوفتيه وحديقة الأزبكية. وقد تعرضت هذه المسرحيات — خصوصًا
مسرحية «ليلة الزفاف» — إلى هجوم شرس من قبل الجريدة الأسبوعية؛ لما فيها من رذيلة
وخروج عن الآداب العامة.٢ وربما شاهد عزيز عيد هذه العروض وتأثر بها لثقافته الفرنسية، فقام
بتمصيرها، وكوَّن أول فرقة كوميدية مصرية في تاريخ المسرح المصري بمساعدة سليمان
الحداد، وبدأ عروضه بمسرحية فودفيلية٣ بعنوان «مباغتات الطلاق» في يونية ١٩٠٧ بمسرح دار التمثيل العربي.٤
ثم توالت العروض الفودفيلية من قبل هذه الفرقة حتى عام ١٩٠٨، عندما أحجم الجمهور
عن
مشاهدتها، فاضطر عزيز عيد إلى الانتقال بعروضه إلى
أكثر من مسرح، مثل تياترو عباس بشارع قنطرة الدكة، ومسرح الحمراء وصالة الأعياد
بالإسكندرية. ومن هذه العروض: «ضربة مقرعة»، و«كوميديا»، و«الابن الخارق للطبيعة»،
و«الماسون»، و«الملك يلهو»، و«الزفاف عند الأفرنجي» أو «ليلة الزفاف». ومع هذا التنقل،
لم يُقبل الجمهور المصري على العروض الفودفيلية، فحاول عزيز إنقاذ فرقته الكوميدية
الأولى، بعرض بعض المسرحيات المألوفة عند الجماهير، مثل مسرحية «الكابورال العجوز» أو
«الإرث المغتصب» ومسرحية «في سبيل الاستقلال».٥ ورغم ذلك امتنع الجمهور عن حضورها، فتوقفت أولى الفرق الكوميدية في مصر عن
العمل، لينضم عزيز عيد إلى الفرق الأخرى، أمثال فرقة سلامة حجازي، وفرقة أولاد عكاشة٦ وفرقة جورج أبيض،٧ ليعود ممثلًا كما كان قبل أن يصبح صاحب أول فرقة كوميدية في تاريخ المسرح
المصري.
وإذا كان عام ١٩٠٧ شهد ظهور أول فرقة كوميدية مصرية في تاريخ المسرح المصري، فإن
هذا
العام شهد أيضًا ظهور أول ممثلَين مصريَّين احترفا تمثيل الفصول المضحكة — بعد أن كان
حكرًا على الشوام — وهما أحمد فهيم الفار،٨ ومحمد ناجي.٩ وكان الفار في بدايته يعرض فصوله المضحكة ضمن برنامج الفرق المسرحية
الكبرى. ومع إقبال الجمهور على فصوله، أصبحت له حفلات خاصة يعرض فيها فصوله المضحكة
بصورة مستقلة. وتطورت هذه الفصول فيما بعد لتصبح مسرحيات كوميدية مرتجلة ذات ثلاثة
فصول، عرض الفار بعضها بمسرح شارع عبد العزيز، وبكازينو المنظر الجميل بالإسكندرية،
ومنها: «دخول الفلاح العسكرية»، و«العجائب والغرائب»، و«الشيخ المتصابي».١٠ أما محمد ناجي فكان يقدم فصوله المضحكة في نهاية عروض مسرحيات الفرق
والجمعيات التمثيلية، أمثال فرقة سلامة حجازي، وفرقة أولاد عكاشة، وشركة التمثيل
الكبرى، وجمعية التمثيل العصري، ومجتمع الاتحاد المصري.١١
ولعل عام ١٩٠٧ لم يكتفِ بما سبق من عروض وفصول كوميدية، لتظهر فيه أيضًا فرقة الأخوين
سليم وأمين عطا الله، تلك الفرقة التي ابتكرت أسلوبًا كوميديًّا جديدًا، وهو تحويل فصول
المسرحيات الكلاسيكية المشهورة إلى فصول مضحكة هزلية. وذلك عندما أعادت صياغة وتمثيل
أحد فصول مسرحية شهداء الغرام أو روميو وجوليت ليصبح فصلًا مضحكًا باسم «هاهاها».١٢ وفي عام ١٩٠٩ كوَّن الأخوان عطا الله جوق التمثيل العصري الجديد، الذي تخصص
في تمثيل المسرحيات الكوميدية بمسارح الإسكندرية والقاهرة والمنصورة وطنطا، ومن
المسرحيات التي مثلها الجوق على فترات متفاوتة حتى عام ١٩١٣: «ضحايا باريس» أو «الرجل
الجهنمي»، و«أبي مزاحمي»، و«عواطف الزوج»، و«الشقاء في الحب»، و«العاشق الأعمى» أو
«بائعة الزهور»، و«عواقب الميسر»، و«دموع البائسة».١٣
وفي هذه الفترة ظهرت — في تواضع شديد — بعض الفرق الكوميدية، التي لم يقوَ ساعدها
بعد، مثل فرقة حسن كامل التي قدمت مسرحيتي «معرض الزواج»، و«المستشفى» بنادي موظفي
الحكومة المصرية.١٤ وجوق التمثيل الأدبي والكوميديا العربي، لصاحبه محمد كمال المصري — الذي
عُرف فيما بعد باسم شرفنطح — وكانت عروضه قاصرة على الأقاليم.١٥
وفي عام ١٩١٣ كوَّن عزيز عيد فرقة كوميدية، مثَّل من خلالها في المنيا مسرحية «ليلة
الزفاف»، وأشار في إعلاناته بعدم حضور السيدات والتلاميذ، فزاد الإقبال الجماهيري،
تبعًا لقاعدة الممنوع مرغوب. وبعد تمثيل المسرحية نشر أحد أعيان المنيا في الصحف كلمة
تحت عنوان حافظوا على الآداب، جاء فيها: «لاحظ جميع مَن حضر التمثيل من الفضلاء، عدم
لياقة تمثيل هذه الرواية في بلادنا، لما احتوت عليه من ضروب الخلاعة والأمور المخجلة
المعيبة. وليس من حُسن الذوق أن يشاهد الناس في اجتماعاتهم العمومية، خلاعةَ المرأة
ونومها في سريرها بملابسها الشفافة، وخلعَ الرجلِ لملابسه ليهم بها وتقبيلها مرارًا.
نقول هذا؛ لأن التمثيل إنما وُجد لتهذيب الأخلاق وتقويمها. وعليه نطلب من جوق عزيز
أفندي عيد عدم تمثيل هذه الرواية مرة أخرى حفظًا للآداب العمومية.»١٦ وبعد هذا الهجوم، لم تستمر الفرقة طويلًا، فتوقفت عن عملها، بعد عروض
متفرقة لم تستغرق سوى شهرين فقط.١٧
١
يُنظر: جريدة «مصر» ٢٩ / ١ / ١٩٠٦، ٧ / ٥ / ١٩٠٦، جريدة «المقطم»
٥ / ٥ / ١٩٠٦.
٢
يُنظر: «الجريدة الأسبوعية» ٢٦ / ١٠ / ١٩٠٦، ٢ / ١١ / ١٩٠٦،
٩ / ١١ / ١٩٠٦.
٣
الفودفيل Vaudeville كلمة مركبة من فودي
فير؛ أي وادي فير. وفير هذه قرية في شمال فرنسا، كان أهلها يتغنون فيما يتغنون
بمقطوعات من الشعر قصيرة، تشتمل على تهكم وسخرية بالناس. وقد انتشر هذا الصنف
من الشعر فى فرنسا، حتى تسرب إلى المسارح واختلط بالكوميدية. وفي أواخر القرن
التاسع عشر وأوائل العشرين، أصبح الفودفيل جنسًا دراميًّا يصور موضوعات معينة،
مثل: المغامرة ومواقف الخيانة الزوجية والحب غير الشرعي … إلخ. وللمزيد، يُنظر:
د. إبراهيم حمادة «معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية»، دار المعارف، ١٩٨٥،
ص٢٤٣.
٤
يُنظر: جريدة «المقطم» ١٩ / ٧ / ١٩٠٧، جريدة «المؤيد» ٢٠ / ٧ / ١٩٠٧.
٥
يُنظر: جريدة «المؤيد» ٤ / ٩ / ١٩٠٧، ٧ / ٩ / ١٩٠٧، ١٠ / ٩ / ١٩٠٧،
١٥ / ٩ / ١٩٠٧، ٢١ / ٩ / ١٩٠٧، جريدة «المقطم» ٩ / ٩ / ١٩٠٧، ١٢ / ٩ / ١٩٠٧،
١٤ / ٩ / ١٩٠٧، ١٩ / ٩ / ١٩٠٧، ٧ / ١٠ / ١٩٠٧، ١٦ / ١٠ / ١٩٠٧، ١٨ / ١٠ / ١٩٠٧،
٢٦ / ١٠ / ١٩٠٧، ١١ / ١ / ١٩٠٨، ٣٠ / ٤ / ١٩٠٨، جريدة «مصر» ٣٠ / ٩ / ١٩٠٧،
٢١ / ١٠ / ١٩٠٧، ١ / ١١ / ١٩٠٧، جريدة «الشرق» ٧ / ٢ / ١٩٠٨، ١٨ / ٢ / ١٩٠٨،
٢٢ / ٢ / ١٩٠٨.
٦
عبد الله وزكي وعبد الحميد وعبد الباقى عكاشة، أربعة أخوة أحبوا التمثيل
فانضموا إلى فرقة الشيخ سلامة حجازي عام ١٩٠٥. وعندما أُصيب الشيخ بالفالج عام
١٩٠٩، تخلوا عنه وكوَّنوا فرقة خاصة بهم، لاقت بعض النجاح حتى عام ١٩١١؛ حيث
انضموا مرة أخرى إلى فرقة الشيخ سلامة، بعد أن تحسنت صحته بعض الشيء. ولكن هذا
الانضمام لم يستمر طويلًا، فانفصلوا عنه وأعادوا تكوين فرقتهم مرة أخرى. ولكن
الحظ العاثر وقف أمامهم بالمرصاد، فانضموا إلى فرقة جورج أبيض عام ١٩١٣، وأيضًا
لم يستمر هذا الانضمام إلا فترة قصيرة جدًّا، فعاد الأخوان إلى تكوين فرقتهم
مرة أخرى! بعد أن اتخذوا مسرح دار التمثيل العربي مقرًّا لهم. أما الانطلاقة
الفنية الكبرى لفرقة عكاشة، فجاءت عندما ساندها بالمال مجموعة من رجال الاقتصاد
والسياسة في ذلك الوقت، ومنهم: عبد الخالق مدكور باشا، وطلعت حرب بك، وفؤاد
سلطان، ويوسف قطاوى باشا، حيث خصصوا للفرقة مقرًّا ثابتًا هو مسرح حديقة
الأزبكية، الذي افتتحته الفرقة يوم ٣٠ / ١٢ / ١٩٢٠. وظلت الفرقة تمثل عليه طوال
ثلاثة مواسم متتالية دون توقف. وظل النجاح الباهر ملازمًا للفرقة حتى عام ١٩٢٦،
عندما دبَّ الشقاق بين الأخوين زكي وعبد الله عكاشة؛ حيث خرج الأخير من الفرقة،
وكوَّن مع زوجته فكتوريا موسى فرقة باسمها. وبدأت نهاية فرقة عكاشة تُكتب بيد
أبنائها، عندما لجئوا إلى القضاء لفض النزاع بينهم، وتحول مسرح حديقة الأزبكية
إلى دار للسينما، وإلى بوفيه لقضاء وقت الفراغ، وتقديم المشروبات والمرطبات
للزبائن.
٧
يُنظر: جريدة «المؤيد» ٢١ / ٥ / ١٩١٠، ٤ / ٦ / ١٩١١، جريدة «المقطم»
٢ / ٣ / ١٩١٢، جريدة «الأخبار» ١٥ / ٥ / ١٩١٢.
٨
وهو ممثل هزلي يختلف عن الممثل الجاد أحمد فهيم، رغم تشابه الاسمين. فالفار
هو المعني في دراستنا هذه. أما الممثل أحمد فهيم فقد ظهر في التمثيل في أواخر
القرن التاسع عشر — وتحديدًا عام ١٨٩٧ — ضمن ممثلي فرقة إسكندر فرح. وظل يتنقل
بين الفرق سنوات طويلة، حيث عمل في فرقة الشيخ سلامة حجازي وفرقة جورج أبيض،
وفرقة عكاشة وفرقة عزيز عيد، وفرقة منيرة المهدية. وفي عام ١٩٢٢ أُصيب بالمرض
ومات.
٩
ومن المحتمل أن يكون وجودهما الفني أسبق من ذلك بكثير، ولكننا نقصد بظهورهما
هذا؛ أي ظهور اسم كل منهما في الصحف المصرية، خصوصًا جريدة «المقطم» التي ذكرت
اسم أحمد فهيم الفار في عددها المؤرخ ٦ / ٨ / ١٩٠٧، وذكرت اسم محمد ناجي في
عددها المؤرخ ١٣ / ٨ / ١٩٠٧.
١٠
يُنظر: جريدة «المؤيد» ٨ / ٨ / ١٩٠٧، ١٤ / ١٠ / ١٩٠٨، ١٦ / ٧ / ١٩١٠، جريدة
«مصر» ٧ / ٨ / ١٩٠٨، ٣ / ١٢ / ١٩٠٨، ١٨ / ١٢ / ١٩٠٨. ومن الجدير بالذكر أن
مستشرقَين اهتما مؤخرًا بمسرحيات أحمد الفار، فنشرا كتابًا عنه باللغة
الألمانية، يحمل نصوصًا مسرحية باللغتين العربية والألمانية للفار. وللمزيد
يُنظر: مانفريد فويديش ويعقوب م. لنداو «المسرح الشعبي العربي في القاهرة سنة
١٩٠٩: أحمد الفار ومسرحياته الشعبية»، سلسلة النشرات الإسلامية، عدد ٣٨، دار
النشر: فرانتس شتاينر شتوتكارت، بيروت ١٩٩٣.
١١
يُنظر: جريدة «المقطم» ١٣ / ٨ / ١٩٠٧، ١٢ / ١ / ١٩١٢، جريدة «المؤيد»
١٤ / ١٠ / ١٩٠٨، ١٦ / ٧ / ١٩١٠، ١٦ / ٣ / ١٩١١، جريدة «مصر» ١٥ / ٣ / ١٩١٠،
١٠ / ٨ / ١٩١١، ٧ / ٣ / ١٩١٢، ٩ / ٩ / ١٩١٢، ٢٦ / ٩ / ١٩١٢، ١٢ / ١٠ / ١٩١٢،
جريدة «الوطن» ٢٦ / ١ / ١٩١٢، جريدة «الأفكار» ١٨ / ١٠ / ١٩١٤.
١٢
يُنظر: جريدة «مصر» ٦ / ٤ / ١٩٠٧، جريدة «المقطم» ٢٤ / ٤ / ١٩٠٧.
١٣
يُنظر: جريدة «المقطم» ٨ / ٥ / ١٩٠٩، جريدة «الأخبار» ٣٠ / ٧ / ١٩٠٩،
٢٣ / ٥ / ١٩١١، جريدة «المؤيد» ٧ / ٨ / ١٩٠٩،
٢٦ / ١ / ١٩١١، ٢٨ / ١ / ١٩١١، ١١ / ٥ / ١٩١٣، جريدة «الوطن» ٢٣ / ١ / ١٩١٢،
١٠ / ٥ / ١٩١٣، جريدة «مصر» ٢٦ / ٩ / ١٩١٣.
١٤
يُنظر: جريدة «المؤيد» ١٦ / ٧ / ١٩١٠، ٣ / ٨ / ١٩١٣، جريدة «الأخبار»
٣٠ / ١٢ / ١٩١١.
١٥
يُنظر: جريدة «الوطن» ١٢ / ١١ / ١٩١٢، جريدة «مصر» ١٥ / ١١ / ١٩١٢.
١٦
أبو الليل راشد بالمنيا، جريدة «الوطن» ٥ / ٧ / ١٩١٣.
١٧
يُنظر: جريدة «مصر» ٢٧ / ٨ / ١٩١٣، ١٣ / ٩ / ١٩١٣.