بين كشكش بك والبربري عثمان
أدى رضوخ عزيز عيد أمام الرأي العام، وتوقفه عن تقديم الفودفيل الخليع، إلى تحمس بعض
الفرق الغنائية لتقديم المسرحيات الكوميدية. كذلك قام بعض ممثلي الفصول المضحكة وممثلي
التراجيديات بتكوين فرق كوميدية. وهذا النشاط المكثف أفرز عناصر كوميدية استطاعت أن
تغرس أقدامها في تاريخ المسرح الكوميدي، خصوصًا نجيب الريحاني في شخصية كشكش بك، وعلي
الكسار في شخصية البربري عثمان عبد الباسط. وقبل الحديث عن هاتين الشخصيتين، نلقي الضوء
على مظاهر التمثيل الكوميدي في مصر في تلك الفترة، التي بدأت من أكتوبر ١٩١٦ حتى يناير
١٩١٩.
ففي هذه الفترة تبلورت الكوميديا المصرية في شكلين: الأول المسرحيات الكوميدية،
والآخر الفصول المضحكة. وأول فرقة خرجت إلينا بمسرحيات كوميدية، كانت فرقة الشيخ أحمد
الشامي في ديسمبر ١٩١٦ — تلك الفرقة التي اعتادت على تمثيل المسرحيات الكلاسيكية
التاريخية الغنائية، منذ تكوينها عام ١٩٠٨
١ — فقد مثَّلت هذه الفرقة مجموعة مسرحيات كوميدية بكازينو دي باري
CASINO DE PARIS وبمسرح الشانزليزيه بالفجالة،
ومنها على سبيل المثال: «سعادته عليه زار واللي عليه عفريت يحضر»، و«شملول بك عاوز يجوز».
٢
كذلك وجدنا فوزي الجزايرلي الذي كان يلقي الفصول المضحكة سابقًا، أصبح صاحب فرقة
كوميدية تعرض مسرحياتها في كازينو دي باري، وتياترو الأبيه دي روز، ومنها: «البخيل»،
و«اللي يعيش ياما يشوف» لعباس علام، وكتب أزجالها الشيخ محمد يونس القاضي،
٣ و«حتا بتا كاتا»، و«ليلة الحظ» لأمين صدقي. ولكن هذه الفرقة لم تستمر سوى
أشهر معدودة، حيث انتقل فوزي الجزايرلي للعمل ضمن ممثلي فرقة جامعة الفنون الجميلة،
التي عرضت مسرحية «الشريط الأحمر» في ديسمبر ١٩١٧.
٤
وعمر وصفي — الذي عرفناه ممثلًا في عدة فرق منذ عام ١٩٠٥، منها سلامة حجازي وجورج
أبيض وعكاشة، وكان يجيد أدواره التراجيدية والتاريخية، مع إلقاء نادر للفصول المضحكة
…
أمام انتشار الكوميديا في هذه الفترة — ألَّف فرقة مسرحية كوميدية، كانت تعرض أعمالها
على مسرح منيرفا بشارع بولاق، ومنها مسرحية «الشيخ وبنات الكهربا» لفرح أنطون، ومسرحية
«شوف كيفك» لمحمد فهمي، ومسرحية «العدد في الليمون». ولكن هذه الفرقة لم تستمر طويلًا
بسبب هجوم الصحافة على موضوعاتها الفودفيلية الخليعة، فتركها صاحبها وانضم إلى ممثلي
فرقة عبد الرحمن رشدي.
٥
ولعل محاولة عمر وصفي لإحياء الفودفيل مرة أخرى، شجعت عزيز عيد ليعيد الكَرَّة مرة
أخرى، فكوَّن فرقة كوميدية في يناير ١٩١٧، وافتتحها بمسرحية ليلة الدخلة، التي عُرضت
في
تياترو الأبيه دي روز بطولة روز اليوسف. ثم توالت فودفيلات فرقته على هذا التياترو،
ومنها: «عندك حاجة تبلغ عنها»، و«يا ستي ما تمشيش كده عريانة»، و«بسلامته مادخلش دنيا»
تعريب أمين صدقي، و«أم أربعة وأربعين» تعريب عبد الحليم دلاور، و«دخول الحمام مش زي
خروجه»، و«عقبال البكاري» تأليف إبراهيم رمزي.
٦
ولكن ما لبث عزيز عيد أن حلَّ فرقته الكوميدية، وانضم إلى فرقة جورج أبيض.
٧ وفي صيف ١٩١٨، نجده يؤلف فرقة كوميدية أخرى ويمثل بها فودفيلاته السابقة
على مسرح كافيه ريش بالإسكندرية.
٨ وبعد انتهاء موسم الصيف قام بحلِّ فرقته وانضم إلى فرقة منيرة المهدية.
وبعد أيام كوَّن فرقة جديدة وعرض من خلالها مسرحية «عبد الستار والست نفوسة» التي عُرفت
فيما بعد باسم «عبد الستار أفندي» من تأليف محمد تيمور.
٩
هذا هو حال الفرق المسرحية الكوميدية التي ظهرت في هذه الفترة، التي ما لبثت أن قُبرت
في مهدها الواحدة تلو الأخرى. أما حال الفصول المضحكة فكان أفضل — بعض الشيء — في تلك
الفترة، حيث أطلَّ علينا نجاح محمد ناجي في إلقائه لفصوله المضحكة، التي استمرت وانتشرت
في معظم إعلانات هذه الفترة، لدرجة أن أكبر الفرق المسرحية كانت تستعين بفصوله في
ختامها، باعتبارها مظهرًا كوميديًّا محبوبًا ومقبولًا بين الجماهير. ومن هذه الفرق:
فرقة الشيخ سلامة حجازي، وفرقة أولاد عكاشة، وفرقة منيرة المهدية. ومن أهم الفصول
المضحكة التي قدمها ناجي في هذه الفترة: «بستة ريال»، و«تعاليلي يا بطة»، و«العمدة العبيط».
١٠
وهذا النجاح من قبل ناجي، جعل نظراءه يتراجعون بصورة واضحة، حيث وجدنا — في هذه
الفترة — إشارة واحدة لأحمد فهيم الفار تفيد أنه ألقى فصلًا مضحكًا ضمن برنامج تياترو
الأبيه دي روز، كان عنوانه ما تريده المرأة. وأيضًا إشارة واحدة لأمين عطا الله عندما
ألقى فصل محكمة الجنح بعد عرض مسرحي لمنيرة المهدية. وكذلك إشارة واحدة للحاج سيد قشطة
تقول بأنه مثَّل فصلًا مضحكًا بعد عرض مسرحي لفرقة الشيخ سلامة حجازي.
١١ وإذا كان فوزي الجزايرلي فشل في استمرار فرقته الكوميدية في هذه الفترة —
كما مرَّ بنا — فقد عُوض عن ذلك بظهور اسم ابنه فؤاد الجزايرلي بوصفه ممثلًا هزليًّا
يقدم الفصول المضحكة، بعد عروض فرقة منيرة المهدية.
١٢
وعلى الرغم من كثرة الفرق الكوميدية التي ظهرت في هذه الفترة، إلا أنها لم تستمر
طويلًا. ورغم هذا التعيم، إلا أن شخصيتي البربري عثمان عبد الباسط لعلي الكسار، وكشكش
بك لنجيب الريحاني، تمكنتا من ترسيخ قدميهما في ساحة الكوميديا المصرية في هذه الفترة،
بصورة كبيرة. وأول وثيقة بين إيدينا
١٣ عن شخصية البربري عثمان، مؤرخة في ٢٣ / ١٠ / ١٩١٦، وتفيد بأن علي الكسار
مضحك الجمهور سيمثل في هذا اليوم دور البربري عثمان، في مسرحية «زقزوق وظريفة» ذات فصل
واحد، ضمن برنامج جوق الأوبريت الشرقي لصاحبه مصطفى أمين بكازينو دي باري.
١٤
كما نعلم أيضًا من هذه الوثيقة، أن الكسار يمثل هذه المسرحية مع صاحب الجوق وبجوار
ممثلي الجوق من الأجانب أمثال: روزيت بلانش، وبيبي، وجول، وبول دارسيه، وسولانج لاندري.
وموضوع المسرحية يمثل عادات المصريين في زفاف البنات، بالإضافة إلى الأغاني والألحان
الشعبية المصاحبة لهذه العادات. وبسبب نجاح هذه المسرحية تمَّ تكرار تمثيلها أكثر من
مرة.
١٥
وشكل إعلان المسرحية ربما يدل على أنها ليست أول مسرحية يقوم الكسار ببطولتها، كما
يدل أيضًا على أن الكسار قام بدور البربري كثيرًا، وأنه على قدم المساواة مع صاحب الجوق
نفسه، بدليل أن حجم الخط ونوعه واحد في الاسمين، وهذا أمر معروف في أسلوب الإعلانات
المسرحية في هذا الوقت. بعد هذه المسرحية قام الجوق بتمثيل مجموعة من المسرحيات
الكوميدية، خلت إعلاناتها من اسم علي الكسار، مثل: «طظ يا عاشور»، و«بطلوا ده واسمعوا
ده»، و«بعد ما شاب ودوه الكُتاب»، و«البحر زاد عوف الله».
١٦
وفي منتصف فبراير ١٩١٧، عادت شخصية البربري المصري، وعاد معها علي الكسار ليمثل
مسرحية «راحت السكرة وجت الفكرة» ذات فصل واحد أيضًا. وبعد أسبوع واحد مثَّل مسرحية
«اللي في الدست تطوله المغرفة»، لتكون أول مسرحية يقوم الكسار بتأليفها وتمثيلها،
١٧ واشترك في تمثيلها أيضًا كل من: مصطفى أمين، وجلبي فودة، وصالحة قاصين،
بالإضافة إلى ممثلات الجوق وممثليه من الأجانب. بعد ذلك اتجه الجوق إلى أسلوب
الاستعراض، فقدم استعراض المناظر، وهو عمل فني استعراضي مكون من فصلين ومجموعة كبيرة
من
المناظر العربية والأفرنجية — وهذه المناظر كانت تتغير بين فترة وأخرى — وقام بأداء هذا
الاستعراض أربعون ممثلًا وممثلة، حيث غنَّى مصطفى أمين، وقدم القطع المضحكة علي الكسار
ومثَّل فيه جلبي فودة، ولينا إيديال.
١٨
ويعود الجوق لتمثيل مسرحياته الكوميدية، فيعرض
مسرحيتي «الفاتورة من عند كرامر»، و«البربري في باريس». وهاتان المسرحيتان خلت
إعلاناتهما من اسم علي الكسار!
١٩ ولعل الكسار في هذا الوقت كان يستعد لنشاط غير مسبوق في هذه المرحلة، حيث
قام ببطولة مسرحيات الجوق — الجديدة أو المعادة — طوال سبعة أشهر دون توقف، من أبريل
إلى نوفمبر ١٩١٧. ومن المسرحيات الجديدة التي قام ببطولتها الكسار، تبعًا لتسلسل العرض
تاريخيًّا: «الضرورة لها أحكام» تأليف مصطفى أمين، و«وَلَّعْ وَلَّعْ هُفْ طلع النهار»
تأليف جبرت، و«اليد الخفية» تأليف علي الكسار وتلحين مصطفى أمين، و«الصيف فى سانستفنو»،
و«البربري في باريس» تأليف علي الكسار، و«ألو ألو»، و«سيبو يرن» أو «الملك النجرو»
تأليف ج. راني، و«اللي وقع يِتصلَّح» تأليف يونس القاضي، و«البربري في مونت كارلو»
تأليف التونسي، و«البربري الفيلسوف»، و«خلصونا» تأليف مسيو إِلِي، و«الدكتور المزيف»
تأليف علي الكسار. وهذه المسرحيات قام ببطولتها الكسار بجوار مصطفى أمين، وجلبي فودة
مُقلد المرأة، ولينا إيديال، وصالحة قاصين، وفؤاد صبري، وسيد إسماعيل وغيرهم.
٢٠
نتج عن نجاح الكسار في هذه العروض الكوميدية، أن أصبح شريكًا لمصطفى أمين في إدارة
الجوق الشرقي بكازينو دي باري، ابتداءً من منتصف ديسمبر ١٩١٧. وأول عرض تمَّ بعد هذه
الشركة، كان مسرحية «حسن أبو علي سرق المعزة» تأليف يونس القاضي، ومن مضمون إعلانها
٢١ يُفهم أنها مُثلت من قبل، ولم تكن أول عرض. ثم قام الجوق يوم ٢٤ ديسمبر
١٩١٧ بتمثيل مسرحية «خُدْلِي بالك بَسْ» تأليف مصطفى أمين وعلي الكسار.
٢٢
ومن يناير إلى أغسطس ١٩١٨، ظلت إعلانات كازينو دي باري تتوالى بأسماء المسرحيات
الجديدة والمعادة، دون أي ذكر لأي ممثل — كما هو متبع — وكانت تقول — في الإعلان — إن
المسرحية سيكون تمثيلها «بالاشتراك بين الأجواق الثلاثة: العربي والإنجليزي والفرنسي».
أو تقول: «يشترك في تمثيلها الأجواق الثلاثة.» وعلى الرغم من ذلك، كانت الإعلانات تذكر
اسم المؤلف والملحن في أغلب الأحيان. ومن المسرحيات الجديدة التي مُثلت في هذه الفترة،
بهذا الأسلوب الإعلاني: «بانت لبتها»، و«البربري في مونت كارلو»، و«البربري في اليابان»
أو «البوليس الوهمي»، و«البربري في مؤتمر أستوكهلم»، و«دي في دي» تأليف مسيو ماري
جوليه، و«ليلة الحظ» و«مافيش كده» لأمين صدقي، و«ده بختك» تأليف علي الكسار وتلحين محمد
محمد بيومي، و«من ده على ده» تأليف مسيو شارل فورج تلحين محمد محمد بيومي.
٢٣
وعدم ذكر اسم الكسار — أو اسم أي ممثل آخر — في
إعلانات هذه المسرحيات، يعني أمرين: الأول أن نجاحًا كبيرًا أصابه الكسار وشريكه مصطفى
أمين، جعل الكازينو يعلن فقط عن اسم المسرحية؛ حيث إن الجمهور يعلم علم اليقين أن
الكسار وشريكه يمثلان في هذا الكازينو، وهما في غير حاجة للإعلان عن اسمهما، لشهرتهما
الكبيرة. والاحتمال الآخر أن الكسار لم يعد يعمل في هذا الكازينو، ومن هنا جاءت
الإعلانات خالية من اسمه ومن جميع الأسماء، خشية ذكر البعض وإخفاء البعض الآخر، فيكون
التأثير سلبًا على إيرادات الكازينو. وهذا الاحتمال ربما يكون الأقرب إلى الصحة؛ لأن
الكازينو بعد ذلك توقف عن تمثيل المسرحيات لمدة شهرين، لنجد الكسار يمثل في تياترو
الحمراء بالإسكندرية، ويعلن في الصحافة بأنه البربري الحقيقي، وأنه انفصل عن كازينو دي
باري، وأنه يمثل مجموعة من المسرحيات، منها: «اسم الله عليه» لأمين صدقي،
٢٤ و«البربري في باريس»، و«دي في دي».
٢٥
ومن الملاحظ أن قول الكسار في إعلانه بأنه البربري الحقيقي، ما يفيد بأن هناك
بربريًّا آخر غير حقيقي يقوم بتقليده. وهذا البربري كان يقوم بأدواره في كازينو
دي باري، وما زال يقوم بها، بعد انفصال الكسار عنه. فقد وجدنا إعلانات كثيرة — بعد
انفصال الكسار — تفيد بأن جوق مصطفى أمين يمثل مسرحيات البربري بكازينو دي باري، مثل
مسرحية «البربري المتفرنج».
٢٦
أما نجيب الريحاني، فقد تركناه سابقًا ممثلًا ناجحًا في تمثيل شخصيته كشكش بك، لنجده
ناجحًا أيضًا في بعض أوقات من هذه الفترة؛ حيث بدأ تمثيله بمسرح الرنسانس
THEATRO LA RENAISSANCE — سينما باتيه سابقًا —
في منتصف ديسمبر ١٩١٦، عندما مثَّل مسرحية «ابقى قابلني» لأمين صدقي، وكان يمثل فيها
شخصيته المعهودة كشكش بك. ثم نجده ينتقل إلى مسرح الأبيه دي روز ليعيد مسرحياته القديمة
بجانب أخرى جديدة مثل: «كُلْ بعضك» تأليف عزيز عيد. وهنا يرفع أنطوني روزاتي صاحب مسرح
الأبيه دي روز قضية على الريحاني؛ لأنه خالف نصوص العقد، عندما مثَّل في مسرح آخر — أي
مسرح الرنسانس — وعرض عليه مسرحيات كانت قاصرة على الأبيه دي روز فقط.
٢٧
وهذا التقصير من قبل الريحاني، يُعتبر مخالفة قانونية، لكنه في الوقت نفسه يحمل دلالة
كبيرة على شهرته، وعلى توافد جمهور المسارح عليه، لدرجة أنه خالف القانون من أجل عرض
مسرحياته على أكثر من مسرح. ولا نعلم — من الصحف وقتها — إلى أي نتيجة انتهت إليها هذه
القضية.
٢٨ إلا أنه من الواضح أنها انتهت بسلام، أدى إلى عرض الريحاني لمسرحياته على
هذين المسرحين في هذه الفترة. ومن المسرحيات التي عُرضت على مسرح الأبيه دي روز: «أم
شولح وكشكش بك»، «كَيَّلْ لَهُ». والمسرحيات التي عُرضت على مسرح الرنسانس: «كشكش بك
في
باريز»، و«أيوة والله لأ آه»، و«أحم أحم»، و«الحدق يفهم»، و«أحلام كشكش بك»، «كده
وكده»، و«وصايا كشكش بك».
٢٩
وهذه العروض لاقت نجاحًا ملحوظًا — في هذه الفترة — لم يعكر صفوه سوى اتهام — نشرته
الصحافة — بأن الريحاني ادعى أنه مؤلف مسرحية «أحم أحم»، وأباح لنفسه تمثيلها، رغم أن
صاحبها الحقيقي حيٌّ يُرزق، ويمثلها منذ ربع قرن في المدارس والنوادي والكنائس. كما أن
ناقد جريدة «المنبر» — حمدان — انتقد لغة مسرحيات الريحاني، فلم يتقبل الريحاني هذه
الأمور فتوقف فترة قصيرة،
٣٠ استعد فيها لافتتاح مسرحيته الجديدة «أم أحمد» لأمين صدقي في مسرحه الجديد
الإجيبسيانة. ولكن هذه المسرحية التي ألَّفها الريحاني، قُوبلت بهجوم قاسٍ نشرته جريدة
«الأفكار»، وأبانت فيه أن المسرحية ليس فيها سوى النكات المبتذلة والتنديد بالمصريين.
٣١ ورغم هذا الهجوم إلا أن الريحاني صحح أوضاعه في المسرحية التالية «كله في
الهواء» تأليف مسيو جبير والريحاني، التي نجحت بصورة ملحوظة، وأتبعها بمجموعة من
المسرحيات، منها: «حماتك تحبك»، و«أم بكير»، و«حَلَّقْ حُوُش»، و«حَمَار وحَلاوة» لأمين
صدقي، و«على كِيفك» لأمين صدقي والريحاني. و١٩١٨–١٩٢٠، و«كُله من ده» لبديع خيري،
و«ولَو» للريحاني وبديع خيري.
٣٢
وخير ختام لهذه الفترة، هو رأي الجمهور ورأي الصحافة التي تابعت ظهور المسرحيات
الكوميدية بصورة غير مسبوقة، وظهور شخصيات فنية لم يألفها الجمهور من قبل، خصوصًا
شخصيتي كشكش بك والبربري عثمان. وأول رأي نجده، كان رأي شحاتة عطا الله عبيد، الذي كتب
عن طبقات الممثلين، فذكر الريحاني بأقوال متضاربة، حيث عده ممثلًا هزليًّا مُتوجًا
استطاع أن يُوجد لنفسه شخصية مصرية — يقصد شخصية كشكش بك — حاول البعض تقليده فلم
ينجحوا. كما أنه أنتج لونًا كوميديًّا غير مألوف في مصر — ويقصد الفرانكوآراب؛ أي
الفودفيل الجامع بين العربية والفرنسية — و«أما ما يمثله فمعرض مناظر مصرية تكون غالبًا
أخلاقية انتقادية لا تقدم صالحة تنفع البلاد.»
٣٣
ويتطور الأمر في الكتابات الصحافية، ليصل إلى الهجوم، حيث نجد كاتبًا يتحدث عن
المسرحيات الهزلية، مُعتبرًا أن من يكتب الهزليات يُعد حقيرًا، وأن مسارح الكوميديا
تشبه بيوت الدعارة التي يتسلل إليها الناس ليلًا. وما تهافت الجمهور عليها إلا نوع من
اضطراب الأخلاق وفساد الأذواق. فالجمهور المشاهد لهذه المسرحيات، لا يرى إلا المواقف
المعيبة، والتهتك والخلاعة، والأجسام نصف العارية، ولا يسمع إلا الألفاظ المخجلة،
والجمل المسترذلة، والمعاني المريبة، والدروس المستمدة من المواخير. ويأتي الكاتب
بأمثلة على هجومه من مسرحية «كله من ده للريحاني». ويُعتبر هذا الهجوم قاسيًا؛ لأنه جاء
من أحد كُتاب المسرح وهو حامد محمد الصعيدي.
٣٤
ولكن الرد العملي والمنطقي على هذا الهجوم جاء سريعًا من قبل النحاس، الذي وضح أن
الريحاني قام بوضع الحكمة في ثوب فكاهي لتكون سهلة التناول وقريبة من النفس. وضرب على
ذلك أمثلة من مسرحيات الريحاني، مثل «كله من ده» التي عرض فيها الريحاني شكوى
الحَمَّارِين؛ لأن الناس استبدلوا ركوب الحمير بركوب العربات والترام. وفي مسرحية
«١٩١٨–١٩٢٠» كشف عن احتكار التجار مما أدى إلى ثرائهم الفاحش فأرادوا التزوج من
الأفرنجيات، وأن الطالب لا يهتم بعلمه بقدر اهتمامه بهندامه والتحدث بكلمات فرنسية
دليلًا على تمدنه.
٣٥ وأطرف ما قيل في الهجوم على المسرحيات الكوميدية في هذا الوقت، أن مسرحي
الريحاني والكسار «كانا أشد تأثيرًا على طلبة المدارس من المعلمين. فلم ينجح من طلاب
القسم الثانوي غير ١٨٪ في امتحان هذا العام.»
٣٦
ومن وجهة نظري أن هجوم الصحافة على الفرق الكوميدية — في هذه الفترة — لم يكن هجومًا
على ما تقدمه من مسرحيات، بقدر ما كان هجومًا من أجل إيقاف تقدمها ونجاحها الذي أثَّر
سلبًا على بقية الفرق التراجيدية والغنائية في هذا الوقت. وكفى بنا أن نعلم أن الفرق
غير الكوميدية — مثل سلامة حجازي، وأولاد عكاشة، ومنيرة المهدية، وجورج أبيض — لم تستطع
الوقوف بثبات أمام موجة الكوميديا التي انتشرت ونجحت بفضل شخصيتي كشكش بك والبربري
عثمان. فهذه الفرق — غير الكوميدية — كانت تهرب بعروضها بعيدًا عن العاصمة، في فترات
تألق الفرق الكوميدية، لتعرض أعمالها على جمهور الإسكندرية وبقية الأقاليم. أو تعرض
أعمالها في العاصمة في كازينو الكورسال بجانب الألعاب الأوروبية وفقرات الرقص والغناء
والألعاب السحرية. أو تقيم عروضها في الحفلات المدرسية أو لصالح الجمعيات الخيرية. أو
أنها تقول في إعلاناتها إن مسرحياتها ستعرض تحت رعاية إحدى الجهات الحكومية أو برعاية
بعض الشخصيات السياسية. أو إنها تذكر بأن العرض سيحضره السلطان. وفي بعض الحالات كانت
تعلن صراحة عن تأجيل عروضها، أو تذكر بأن مدير الفرقة أصابة المرض. حتى وصل الأمر ببعض
هذه الفرق، أنها رضخت للأمر الواقع فبدأت تعرض بعض المسرحيات الكوميدية، وتعلن أنها من
النوع الكوميدي الراقي.
٣٧