قبل ظهور طوفان المسرح
تشمل هذه الفترة عامين، من مارس ١٩٢١ إلى مارس ١٩٢٣ — والطوفان المقصود هو ظهور فرقة
رمسيس ليوسف وهبي في مارس ١٩٢٣، التي أثَّرت سلبًا على أغلب الفرق المسرحية، سواء كانت
كوميدية أو غير كوميدية — وهذه الفترة بدأها جوق صدقي والكسار بإعادة عرض مسرحياته
السابقة، مثل «فلفل»، و«كان زمان»، وقد أضاف تعديلًا على الأخيرة، يتناسب مع احتفال
الشعب المصري بعودة الزعيم سعد زغلول، بعد فشل المفاوضات.
١
وفي يوم ٢٥ / ٤ / ١٩٢١ عرض الجوق مسرحيته الجديدة «بشائر السعد» تأليف أمين صدقي
وتلحين إبراهيم فوزي، على مسرح الماجستيك. ومع حلول العيد مثَّل الجوق في كل ليلة من
لياليه حفلتين.
٢ وفي يوم ٢٥ / ٦ / ١٩٢١، مثَّل الجوق مسرحيته الجديدة «ست الكل» من تأليف
أمين صدقي وبطولة عمر وصفي. وفي الصيف تنوعت وتوزعت عروض الفرقة بين الماجستيك وبين
مسارح الإسكندرية وبعض الأقاليم مثل الزقازيق
ودمنهور والمنصورة
٣ استعدادًا لافتتاح الموسم الجديد الذي بدأ بعرض مسرحية «شهر العسل» يوم
١٠ / ١١ / ١٩٢١ من تأليف أمين صدقي وبطولة الكسار.
٤
ثم استمر الجوق في إعادة تقديم مسرحياته السابقة، ومنها: «القضية نمرة ١٤»، و«كان
زمان»، و«اللي فيهم».
٥ حتى أخرج مسرحيته الجديدة «أم ٤٤» لأمين صدقي يوم ١٦ / ٢ / ١٩٢٢، مبتكرًا
أسلوبًا إعلانيًّا جديدًا، وهو ضرورة دخول الجمهور حاملين كوبنات ماتوسيان، إذا أرادوا
مشاهدة المسرحية. وهذا الكوبون عليه صورة كل من أمين صدقي وعلي الكسار، وصادر من شركة
دخان وسجاير ماتوسيان. وبعد إعادة تمثيل بعض المسرحيات، عرض الجوق بالماجستيك مجموعة
من
المسرحيات الجديدة، قام ببطولتها علي الكسار ومحمد بهجت وكانت من تأليف أمين صدقي،
ومنها: «شيء غريب» يوم ٢٣ / ٣ / ١٩٢٢، و«ولا كلمة» يوم ٢٢ / ٥ / ١٩٢٢، و«ألف ليلة»
لأمين صدقي يوم ١٠ / ٦ / ١٩٢٢، و«التلغراف» يوم ١٥ / ٧ / ١٩٢٢. وحتى هذا التاريخ أُبطل
العمل بنظام كوبونات ماتوسيان.
٦
بعد ذلك بدأ الموسم الصيفي، فانتقل الجوق إلى مسرح الهمبرا بالإسكندرية، ثم انتقل
إلى
أقاليم الوجه البحري وعرض مجموعة من مسرحياته، منها: «شهر العسل»، و«شيء غريب»،
و«التلغراف»، و«القضية نمرة ١٤»، و«لسه»، و«أحلاهم»، و«كان زمان»، و«اللي فيهم».
٧ وبدأ الموسم الجديدة بمسرحيات جديدة، منها مسرحية «أهو كده» لأمين صدقي
التي عُرضت يوم ١٢ / ١٠ / ١٩٢٢، من تمثيل بشارة واكيم بعد انضمامه للجوق. ومسرحية
«البربري حول الأرض» التي عُرضت يوم ٢٣ / ١١ / ١٩٢٢ لأمين صدقي وبطولة الكسار، ومسرحية
«زبائن جهنم» التي عُرضت يوم ٢٥ / ١ / ١٩٢٣ من تأليف أمين صدقي وتمثيل محمد بهجت وبشارة
واكيم.
٨
ومما سبق يتضح أن جوق صدقي والكسار قدم في هذه الفترة، أكثر من إحدى عشرة مسرحية
جديدة، بالإضافة إلى مئات الحفلات التي أعاد فيها عرض هذه المسرحيات، والمسرحيات التي
سبقتها. أما الريحاني في هذه الفترة، فقدم عددًا من المسرحيات الجديدة، أقلَّ عددًا من
منافسه، كما قدم عددًا محدودًا من حفلات هذه المسرحيات، والمسرحيات التي سبقتها.
فقد بدأ الريحاني هذه الفترة بافتتاح جديد لمسرحه الإجبسيانة بعد تجديده وتحسينه
—
حتى لا يقل مستواه عن مستوى المسرح المنافس — فقدم مسرحيته الجديدة «دقة المعلم» يوم
٢٤ / ٣ / ١٩٢١، من تأليف الريحاني وبديع خيري وحسين شفيق المصري. ثم توالت مسرحياته
الجديدة بعد ذلك، ومنها: «الخير على قدوم الواردين»، و«حادث غريب» و«ريا وسكينة»،
و«أفوتك ليه» و«آنست ولو». بعد ذلك سافر الريحاني في رحلة فنية إلى سورية، وقدَّم بها
بعض العروض. وعندما عاد قدَّم في موسمه الجديد مسرحيتين جديدتين، هما «لا يا سيدي»،
و«الحلاق الفيلسوف».
٩ وبين عروض المسرحيات الجديدة، قدَّم الريحاني — في فترات متقطعة ومتباعدة —
إعادة عرض لمسرحياته السابقة، منها: «أنت وبختك»، و«رن»، و«حمار وحلاوة»، و«إش».
١٠
وعلى الرغم من نشاط فرقتي صدقي والكسار والريحاني الملحوظ في هذه الفترة، إلا أن
هناك
فرقًا كوميدية أخرى كانت تعمل، ولكنها كانت ذات تأثير ضعيف أمام قوة ونشاط شخصيتي
البربري وكشكش بك. ومن أهم هذه الفرق، فرقة عزيز عيد الكوميدية، التي كانت تعمل على
فترات متقطعة ومتباعدة. وكان عزيز عيد يعرض من خلالها مسرحياته الفودفيلية القديمة،
مثل: «خلي بالك من إميلي»، و«يا ستي ما تمشيش كده عريانة»، و«بسلامته ما دخلش دنيا»،
و«القرية الحمراء»، و«ضربة مقرعة»، بالإضافة إلى مسرحيات: «استقلال المرأة»، و«عبد
الستار أفندي». وفي نهاية الأمر قرَّر عزيز عيد ترك التمثيل والسفر إلى إيطاليا للعمل
في مجال السينما.
١١
أما فرقة محمد بهجت الكوميدية — وقبل انضمام صاحبها إلى جوق صدقي والكسار — فكانت
تعرض أعمالها على كازينو دي باري، ومنها مسرحيات: «ليلة الحنة»، و«نقاوة عيني»، و«غاوي
تمثيل»، و«مبروك عليك»، و«السعد وعد»، وأغلبها من تأليف عبد الحميد كامل.
١٢ كذلك وجدنا أمين عطا الله يطلق على فرقته جوق كشكش، ويمثل بها في سورية
مسرحية «الأميرلاي كشكش بين الخنادق». وعندما عاد مثَّل بمسرح البسفور مسرحيتي
«نيويورك»، و«المنحوس».
١٣ كما لاحظنا أن حسن فايق كوَّن فرقة ومثَّل بها في المنصورة مسرحية «أريد الحياة».
١٤ وأخيرًا لفت نظرنا أن فرقة فوزي الجزايرلي تمثل مسرحيات جوق صدقي والكسار،
وتنسبها إليها بأقوالها وألحانها، خصوصًا مسرحية «مرحب» التي مثلتها الفرقة باسم «مظلوم».
١٥
وقد لاحظنا في هذه الفترة — وكذلك في بعض الفترات السابقة — أنه كلما تزداد الفرق
الكوميدية صعودًا ونجاحًا، تزداد الهجمات الصحافية عليها، من أجل وقف هذا النجاح، خوفًا
على مصير الفرق غير الكوميدية. ومن هذا المنطلق صدرت جريدة «البشير» في مايو ١٩٢١. ومنذ
صدور أول عدد لها — وعلى مدار أربعة أشهر
١٦ — راحت تتبنى هجومًا كبيرًا على الفرق الكوميدية التي تمثل في العاصمة، وهي
فرقة الريحاني بمسرح الإجبسيانة، وفرقة محمد بهجت بكازينو دي باري، وجوق صدقي والكسار
بالماجستيك.
وبدأت الجريدة حملتها بكلمة قالت فيها تحت عنوان «إعلان الحرب على التمثيل الخليع»:
«تُعلن جريدة «البشير» الحرب على التمثيل الخليع مستعملة كل الوسائل الفعالة في مقاومته
وتطهير البلاد من أوبئته وأدرانه. وهي تدعو إلى ذلك جيوش الأدباء وفصائل الكُتَّاب
والناقدين ورجال الصحافة والدين للإجهاز على هذا الصنف والقضاء عليه. وهي فوق هذا ترجو
كل متطوع لمثل هذه الخدمة الأدبية أن يتكرم بآرائه وبعنوانه ليسهل علينا إيقافه على
نتائج الحرب والله ولي التوفيق.»
١٧
وبسبب هذا الإعلان، جاءت عناوين المقالات المنشورة، مستوحاة من إعلانات مقالات الحرب
العالمية الأولى، ومنها على سبيل المثال: إعلان الحرب، وطليعة الجيش، والهجوم الأول،
وسقوط الحصن، وأخبار الميادين، وانتصار باهر، وتقرير عن حالة الميادين، والحصار العام
…
إلخ. ومن أبرز كُتاب هذه الحملة لبيبة أحمد رئيسة جمعية نهضة السيدات، وخليل أسعد رئيس
جمعية أنصار الفضيلة، وبعض الكُتاب برتب عسكرية وهمية، مثل: المخلص أركان حرب، وسيد
حسين القائد العام … إلخ. وبدأت الجريدة حملتها بذم عزيز عيد مبتدع هذا اللون في مصر،
ثم بأمين صدقي معرب روايات عزيز الأولى، ثم وجهت صفحاتها نحو الريحاني فوصفته بأبشع
الصفات، ووجهت له سبًّا علنيًّا، وانتقدت أسلوب الرد بأسماء وموضوعات المسرحيات بينه
وبين جوق صدقي والكسار.
١٨
فقد لاحظت الجريدة أن مسرحية «كله من ده» تعتبر طعنًا في علي الكسار، ومسرحية «٢٤
قيراط» طعنًا في أمين صدقي، ومسرحية «اسم الله عليه» طعنًا في الريحاني. كما عابت
الجريدة على الريحاني استخدامه في التمثيل الغانيات والراقصات من ذوي التهتك والخلاعة.
أما محمد بهجت فقد هاجمته الجريدة هجومًا أخف وطأة دون أن تحدد عيوب تمثيله بدقة. أما
علي الكسار فقد مسته مسًّا خفيفًا، عندما كان شريكًا لمصطفى أمين في الجوق الشرقي
بكازينو دي باري، دون أن تمسَّ دوره أو تمثيله باعتباره شريكًا حاليًّا لأمين صدقي.
لذلك قالت الجريدة: «ظهر علي الكسار في دور البربري ومصطفى أمين مطربًا. واسمحوا لي أن
أوفر قلمي في الكلام أو التقريع لهذين وزمرتهم. ويكفي أن أشير إلى أنهم كانوا يمثلون
روايات «حسن أبو علي سرق المعزة»، و«بانت لبتها»، و«البربري في باريس»، وغيرها. بل نترك
الحكم للقراء. وأنا على ثقة من أنهم إن لم يكونوا أشد منا سخطًا ونقمة عليهم جميعًا من
أولهم إلى آخرهم …»
١٩
أنتجت هذه الحملة بعض النتائج على محمد بهجت وفرقته، حيث قلَّ رواده فقلَّ المال
في
يديه، وانسحب بعض ممثليه من الفرقة، مما أدى به إلى الانضمام إلى جوق صدقي والكسار
باعتباره ممثلًا. أما نتائج الحملة على الريحاني، فتمثلت أيضًا في قلة الإيراد، مما أدى
إلى نقص مرتبات الممثلين، مما أدى إلى انفصال البعض منهم. فقامت الفرقة بالتنقل بين
الأقاليم، وأخيرًا السفر إلى سورية. والملاحظ أن نتائج هذه الحملة لم تمسَّ علي الكسار
وفرقته، ولم تذكر الجريدة في نتائجها، أنها نجحت ولو في عرقلة نشاط جوق صدقي والكسار،
رغم ابتهاجها بنجاحها في حلِّ فرقة محمد بهجت وإجبار فرقة الريحاني على الابتعاد عن
العاصمة، سواء في الأقاليم أو في سورية.
٢٠
وعلى الرغم من هذا الهجوم وهذه النتائج الوقتية، إلا أن الواقع التاريخي يقول إن
فرقة
الريحاني بعد هذه الهجمة استعادت نشاطها الفني، وقدمت مسرحيات جديدة، كما مرَّ بنا.
ومهما يكن من أمر هذه الهجمة ونتائجها، إلا أنها عكست أمرين مهمين. الأول أن الفرق
الكوميدية في مصر انتشرت بصورة ملحوظة. والأمر الآخر — وهو نتيجة طبيعية للأمر الأول
—
يدل على أن الفرق غير الكوميدية كانت في هذا الوقت تمر بأزمة حقيقية، جعلت الجمهور
يتوافد على غيرها من الفرق الكوميدية أو الأجنبية. فعلى سبيل المثال لاحظنا — في هذه
الفترة — انتشار الفرق الأجنبية بصورة ملحوظة، وعرض أعمالها على مسارح كانت مخصصة للفرق
المصرية فيما مضى. ومثال على ذلك جوق ريموند ليون الفرنسي الذي كان يمثل على مسرح
برنتانيا عام ١٩٢١، وفرقة الأوبريت الإيطالية التي كانت تعرض أعمالها على مسرح الكورسال
عام ١٩٢١ أيضًا، هذا بالإضافة إلى تخصيص الأوبرا في عامي ١٩٢١ و١٩٢٢ للفرق الأجنبية.
٢١
أما جورج أبيض فقد سافر في رحلة فنية إلى أميركا وتونس والجزائر والمغرب، بدأت في
أبريل ١٩٢١ واستمرت عامًا ونصف العام.
٢٢ كذلك نجد سيد درويش يؤلف فرقته الغنائية، التي ما لبثت أن توقفت بعد موسمها الأول.
٢٣ أما منيرة المهدية، فقد شغلتها القضايا ومشاكل المحاكم التي كانت بينها
وبين زوجها محمود جبر، فابتعدت عن فرقتها فترات طويلة.
٢٤ وأخيرًا نجد فرقة عكاشة، وهي الفرقة الوحيدة التي لم تهتم بتوافد الجمهور
عليها أو على غيرها، بسبب اعتمادها الكامل على المالي الكبير طلعت حرب، ولكن هذا لم
يمنعها من ابتكار بعض الأساليب لجذب الجمهور إليها، مثل إعدادها لبوفيه خارج مسرحها
لتقديم المرطبات والمشروبات للجمهور، ووضع المراوح الكهربائية لتلطيف الجو للمشاهدين.
٢٥
هذا هو حال الفرق غير الكوميدية قبل مارس ١٩٢٣، ذلك الحال الذي أجبر الجمهور على
الإقبال على الفرق الكوميدية مضطرًّا في أغلب الأحيان، وراضيًا في أحيان قليلة، عندما
يريد التسرية عن نفسه بمشاهدة مسرحيات البربري عثمان أو مسرحيات كشكس بك. مع الأخذ في
الاعتبار تحفظات المثقفين والنقاد والصحافيين على الأعمال الكوميدية المعروضة، كما ظهر
ذلك في هجمة جريدة «البشير». كل هذا كان تمهيدًا من القدر لظهور طوفان مسرحي، تمثل في
ظهور فرقة رمسيس ليوسف وهبي، تلك الفرقة التي علا نجمها في عنان السماء منذ ظهورها،
والتي كانت حائطًا صلبًا، تحطمت أمامه أغلب الفرق الكوميدية وغير الكوميدية، ولم تصمد
أمامه إلا الفرق ذات الأساس المتين.