ظهور الطوفان المسرحي
كان افتتاح مسرح رمسيس في مارس ١٩٢٣ حدثًا عظيمًا بكل المقاييس. فأغلب الصحف ذكرته
ووصفته بأبلغ الكلمات والأوصاف، عندما عرض يوسف وهبي باكورة أعماله مسرحية «المجنون».
ثم أتبعها باثنتين وعشرين مسرحية في عام واحد، هي: «الشياطين السود»، و«الأنانية»،
و«غادة الكاميليا»، و«المرحوم»، و«لوكاندة الأنس»، و«بلانشت»، و«عبد الستار»، و«استقلال
المرأة»، و«النائب هالير»، و«صرخة الألم»، و«طاحونة سفاريا»، و«الحلاق الفيلسوف»،
و«ناتاشا»، و«الشعلة»، و«الذهب»، و«الموت المدني»، و«جوزيت»، و«الأب ليبونار»، و«انتقام
المهراجا»، و«سيرانو دي برجراك»، و«الدم»، و«المرأة المقنعة».
١
أي إن يوسف وهبي كان يعرض مسرحية جديدة كل أسبوعين، وفي الأعياد كان يعرض مسرحيتين
في
اليوم الواحد. وهذا النشاط غير المسبوق، ارتوى منه جمهور المسرح الذي كان متعطشًا لهذا
النوع من المسرحيات الاجتماعية الجادة. مما كان له الأثر السيئ على الفرق المسرحية غير
الكوميدية. كما كان تهافت الجمهور على مسرح رمسيس ذا أثر سلبي أيضًا على أغلب الفرق
الكوميدية التي فقدت أغلب جمهورها. هذا بالإضافة إلى أن يوسف وهبي ضم إلى فرقته رموزًا
كوميدية كانت أصحاب فرق من قبل، أمثال: عزيز عيد، ومحمد بهجت، وحسن فايق، وعمر وصفي.
٢
وكفى بنا للتدليل على أثر مسرح رمسيس على الفرق المسرحية غير الكوميدية في مصر، ما
قاله الناقد عدلي جرجس في مجلة «التمثيل»، بعد عام واحد من نشاط رمسيس، حيث قال: «كانت
تشتغل فيما مضى فرقة الأستاذ جورج أبيض، وكانت تعمل بجوارها فرقة الأستاذ عبد الرحمن
رشدي وفرقة آل عكاشة. فكنا نرى من الجميع تحمسًا نفسانيًّا غريبًا، وإرادة صادقة في
التنافس الفني، والتفوق على بعضهم بعضًا … أما الآن فقد احتكر الحركة المسرحية في البلد
مسرح واحد هو مسرح رمسيس … وهكذا انحصر التمثيل الجدي في مسرح واحد لا سيما بعد انضمام
الأستاذ أبيض إلى فرقة يوسف بك وهبي. فامتنعت بالمرة حركة التنافس الفني، التي منها
وحدها يخرج الفن الصحيح.»
٣
وطالما نحن بصدد الحديث عن علي الكسار أثناء وجود بقية الفرق الكوميدية الأخرى،
سنحاول في الصفحات التالية تتبع موقف الفرق الكوميدية أمام طوفان فرقة رمسيس، وسنحدد
هذا التتبع بفترة زمنية تبدأ مع ظهور فرقة رمسيس، وتنتهي في أواخر عام ١٩٢٥، لنرى إلى
أي مدى صمدت هذه الفرق.
وتجدر الإشارة في بداية حديثنا، إلى أن معظم الفترات الزمنية السابقة، التي تحدثنا
عنها، وجدنا كمًّا لا بأس به من الفرق الكوميدية الصغيرة التي كانت تتنافس فيما بينها.
ولكن في هذه الفترة لاحظنا اختفاء أغلب هذه الفرق، ولم يبقَ منها غير فرقة واحدة هي
فرقة فوزي الجزايرلي، مع ظهور فرقتين جديدتين من فرق مسارح روض الفرج،
٤ هما فرقة فوزي منيب وفرقة يوسف عز الدين.
٥ أما فرقة الجزايرلي فمنذ ظهور يوسف وهبي، وهي خارج العاصمة تعرض أعمالها
الكوميدية في الأقاليم. وفي صيف ١٩٢٥ جاءت إلى العاصمة وبدأت تعرض مسرحياتها بكازينو
البوسفور، وكان فوزي الجزايرلي يقلد شخصية كشكش بك في أغلب هذه المسرحيات.
٦
أما يوسف عز الدين، الذي عمل ممثلًا من قبل في أكثر من فرقة، فقد شكلَّ فرقة كوميدية
وبدأ يعمل بها على مسارح روض الفرج. وقد تخصص يوسف في هذه الفترة بتمثيل مسرحيات جوق
صدقي والكسار، بعد تغيير بعض مواقفها. مما أدى إلى قيام أمين صدقي وعلي الكسار برفع
قضية، حُكم فيها بغرامة مالية كبيرة تكبدها يوسف عز الدين.
٧ ولم يكن فوزي منيب أحسن حالًا من زميله؛ حيث كانت فرقته تمثل أيضًا بمسارح
روض الفرج وتحديدًا مسرح مونت كارلو. وكانت متخصصة أيضًا في تمثيل مسرحيات البربري. فقد
كان فوزي منيب يطلق على نفسه — في هذه الفترة — بربري مصر العصري، وعندما كان يمثل في
الإسكندرية كان يطلق على نفسه بربري الإسكندرية الوحيد، وقد مرَّ بنا سابقًا، أنه مثَّل
في سورية وأطلق على نفسه بربري مصر الوحيد، وهو لقب علي الكسار.
٨
هذه هي الفرق الكوميدية الصغيرة التي استطاعت أن تشق لها دربًا ضيقًا في شارع
الكوميديا في تلك الفترة. والملاحظ أن هذه الفرق جميعًا كانت تعرض أعمالها معتمدة على
مسرحيات وشخصيات الفرقتين الكوميديتين الكبيرتين الموجودتين في هذه الفترة، وهما فرقة
الريحاني وجوق صدقي والكسار. ولكن إلى أى مدى صمدت كل فرقة، من هاتين الفرقتين
الكبيرتين، أمام طوفان يوسف وهبي، وأعماله المسرحية التي جذبت أغلب الجمهور
المصري؟!
وإذا بدأنا بنجيب الريحاني سنجده — قبل ظهور يوسف وهبي — متغيبًا أكثر من عام عن
النشاط المسرحي في مصر، حيث كان في سورية.
٩ وبعد ظهور يوسف وهبي بشهر تقريبًا، جاء الريحاني وبدأ موسمه بعرض مسرحية
«الليالي الملاح»،
١٠ ثم أردفها بمسرحية «الشاطر حسن»، ثم مثَّل مسرحيته القديمة «الحلاق
الفيلسوف» باسم جديد هو «أيام العز». وبسبب قلة الجمهور، سافر الريحاني إلى المنيا
١١ وعرض على تياترو بلاس بعض مسرحياته، لينتهي هذا الموسم.
١٢
وافتتح الريحاني موسمه التالي في ديسمبر ١٩٢٣ بمسرحية «البرنسيس»، وقدم في فبراير
١٩٢٤ مسرحية «الفلوس»، وقدم في أبريل «مجلس الأنس»، وفي يونية «لو كنت ملكًا» و«كشكش
في
الجيش». وهذه المسرحيات في أغلبها لم تنجح جماهيريًّا، بدليل الأزمة المالية التي تعرض
لها الريحاني، فلم يستطع تجديد عقد إيجار مسرح الإجبسيانة من صاحبه مصطفى حفني، الذي
قام بتأجيره لجورج أبيض. هذا بالإضافة إلى قيام الريحاني بتخفيض أجور الممثلين جميعًا،
وإقالة ثلاثة من الملحنين وبعض الملحنات. وفي يولية ١٩٢٤ تم الإعلان عن حلِّ فرقة الريحاني،
١٣ وسافر الريحاني بعدها إلى أميركا الجنوبية،
١٤ حيث لم تستطع فرقته الصمود طويلًا أمام طوفان مسرح رمسيس الذي جذب إليه
أغلب الجماهير.
لم يبقَ في الميدان غير جوق أمين صدقي وعلي الكسار. وهذا الجوق بعد ظهور يوسف وهبي،
مثَّل مسرحيته الجديدة البربري في الجيش لأمين صدقي يوم ٢٨ / ٣ / ١٩٢٣ بالماجستيك بطولة
الكسار. ولكنها لم تلقَ الإقبال الجماهيري في حينها، فسافر الجوق إلى الإسكندرية —
بعيدًا عن تألق يوسف وهبي — ومثَّل بمسرح الكونكورديا بعضًا من مسرحياته السابقة، مثل:
«التلغراف»، و«شيء غريب».
١٥ وعاد الجوق إلى العاصمة، وحاول مرارًا أن يُخرج مسرحية جديدة من المسرحيات
التي أعلن عنها كثيرًا — مثل «مملكة العجائب»، و«توت عنخ آمون»، و«الهلال»،
و«الانتخابات»، و«إمبراطور زفتى» — ولكنه لم يستطع ذلك لعدة أشهر، فعاد إلى تمثيل
مسرحياته السابقة من أجل الاستمرار، ومنها: «اللي فيهم»، و«شهر العسل»، و«كان زمان»،
و«البربري حول الأرض»، و«زبائن جهنم»، و«أهو كده».
١٦
وفي ١٠ / ٧ / ١٩٢٣ استطاع الجوق أخيرًا تمثيل مسرحيته الجديدة «الهلال» تأليف عبد
الحميد كامل
١٧ وبطولة علي الكسار، التي لم يستمر عرضها طويلًا، حيث سافر الجوق في رحلته
السنوية، وعاد ليمثل مسرحياته السابقة. وكأنه يستعد للمواجهة بترتيب أوراقه من جديد؛
حيث نجح في إخراج مسرحيات جديدة متوالية، منها: «الانتخابات» تأليف أمين صدقي يوم ٢٧ / ٩ / ١٩٢٣،
١٨ و«هو أنت» تأليف أحمد كامل يوم ٢٤ / ١٠ / ١٩٢٣، و«الأفراح» يوم
٢٢ / ١١ / ١٩٢٣، و«سيرانو دي برجراك»، تعريب أمين صدقي وتمثيل بشارة واكيم يوم
١٥ / ١ / ١٩٢٤، و«إمبراطور زفتى» تأليف أمين صدقي يوم ١٤ / ٢ / ١٩٢٤، و«غرائب الدنيا»
تأليف أمين صدقي يوم ٦ / ٣ / ١٩٢٤.
١٩
وربما قبل تمثيل المسرحية الأخيرة — «غرائب الدنيا» — شاعت أخبار سفر الريحاني بفرقته
إلى أميركا،
٢٠ فانتهز الجوق ذلك ليسخر في المسرحية من الريحاني؛ حيث إن كلمات لحن نهاية
الفصل الأول تقول:
أدحنا أهو حانسافر، على بلاد أمريكا
لجل ما تكشف كل حاجة، وأمور البولوتيكا
ونقول للغشاش الخاين، أكسو بره يا ويكا
ياما أبطال اتغربت، واتلطمت ياما
كانوا في الغربة صابرين، وزي الياتاما
وأهو بردو انتصرو من تاني، وجولنا بالسلامة
كل مركب لازم تمشي، مهما الموج عاكسها
مادامت دفتها في إيد، اللي يعرف يسايسها
تطلع تنزل تمشي دوغري، البركة في ريِّسها
بعد ذلك استعدت الفرقة لتمثيل مسرحية «مدام فهمي»، ولكن الرقابة منعت تمثيلها؛ لأنها
تمس أمورًا خاصة بشقيقة علي بك فهمي كامل شقيق الزعيم الوطني مصطفى كامل. وبعد أخذ ورد
مع الرقابة، تمَّ التصريح بتمثيلها بعد قيام الرقابة بحذف أجزاء كبيرة منها. ولا نعلم
حتى الآن هل مثَّلت الفرقة هذه المسرحية أم لا؟ ولكن أكبر الظن أن الفرقة تجاهلتها بسبب
ما تمَّ فيها من حذف،
٢١ واستعاضت عنها بمسرحيات جديدة، منها: «سوء تفاهم» تأليف أمين صدقي، التي
عُرضت يوم ١٣ / ٦ / ١٩٢٤، و«أحسن شيء» بطولة الكسار يوم ٣ / ٧ / ١٩٢٤، و«أديني عقلك»
تأليف أحمد كامل وتلحين زكريا أحمد وإبراهيم فوزي يوم ٤ / ٨ / ١٩٢٤.
٢٢
وفي هذه الفترة — خصوصًا بعد سفر الريحاني إلى أميركا — أصبح جوق صدقي والكسار الفرقة
الكوميدية الكبرى الوحيدة التي تعمل في العاصمة، واستطاعت أن تلبي احتياجات أذواق
الجماهير المصرية المتشوقة للكوميديا الهادفة، بجانب تشوقها للمعاني الإنسانية
والاجتماعية التي تنهلها من مسرحيات يوسف وهبي. لذلك وجدنا جوق صدقي والكسار يكثف من
نشاطه الفني؛ حيث كان يعرض في الليل مسرحياته على مسرح الماجستيك، ويعرضها مرة أخرى في
النهار على مسرح مونت كارلو بروض الفرج. أي إن هذا الجوق كان يقدم أعماله الكوميدية
للطبقة الراقية من جمهور شارع عماد الدين، وفي الوقت نفسه كان يقدمها للطبقة الشعبية
من جمهور البسطاء من الفلاحين والمزارعين والتجار، الذين يتجمعون في ميناء روض الفرج.
ومن المسرحيات التي قُدمت بهذا الأسلوب: «هو أنت»، و«أديني عقلك»، و«التلغراف»،
٢٣ و«الأفراح»، و«شهر العسل»، و«اللي فيهم».
٢٤
وهكذا نجح الجوق في إثبات وجوده باعتباره أقوى وأنجح الفرق الكوميدية، التي استطاعت
أن تصمد حتى النهاية، وتقدم موسمًا من أفضل مواسمها، بخلاف غيرها من الفرق الكوميدية
وغير الكوميدية التي استسلمت أمام طوفان ظهور فرقة يوسف وهبي. والغريب أن هذه الفرقة
لم
تتوقف لتلتقط أنفاسها بعد هذا الموسم الشاق، فنجدها تقوم برحلة فنية إلى أبو قير، بعدها
تعود إلى الماجستيك لتفتتح موسمها التالي مباشرة بمسرحية جديدة هي «الأمير عبد الباسط»
تأليف أمين صدقي وبطولة الكسار يوم ٢ / ١٠ / ١٩٢٤. ومن عشق أعضاء الفرقة لعملهم، بدءوا
العرض بلحن تقول كلماته:
٢٥
هاتو الشنط بقى يا جماعة، عشان ما نلحق وابور الضهر
دي كلتها تلتين ساعة، يدوب توصلنا للقطر
قوام كده كده عدو الشهرين، من غير ما نشعر ولا نحس
ياريتنا جايين مش رايحيين، ونعيد كمان ليالي الأنس
صحيح مافيش زي هوا أبو قير، يفرفش ويرد اﻟروح
نسيم عليل مالوش نظير، ينعنش القلب المجروح
ياما شبعنا جري ونط، في الصبحية والعصرية
وياما خدنا الموج للشط، واحنا بنلعب جوه الميه
محلى القمر لما يزﻫزه، واحنا بنرقص ونغني
وكل واحد يتنزه، مع حبايبه متهني
م الفجر تلقانا نزقزق، زي العصافير فوق الأغصان
وكم مرة كنا نطﺑق، ليل بنهار ولا فيش زهقان
دا يقول لك اشطنجل طازة، وده فرسكا وده كابوريا
وده جلاتي وكازوزة، وده برتسا وبساريا
وده يلعبلك مونكي، جارر وراه معزة وكلبين
وده يرقصلك دونكي، ودي تنادي نبين زين
حاجة تسلي وتنعنش، وتروق الخاطر والبال
يعدي يومك متحسش، وتقول ياريته كمان لو طال
لكن الغريب مهما تسوح، عمره ماينساش بلاده
دي قد إيه حاجة تفرح، لما يشوف أهله وأولاده
يا مصر أدحنا راجعين لك، بعد الغياب عنك شهرين
مين يقدر يبعد عنك، حبك علينا فرض ودين
ومن الجدير بالذكر أن توقيت تمثيل هذه المسرحية
— «الأمير عبد الباسط» — كان متزامنًا مع صراع سياسي بين حكومة سعد زغلول باشا وبين
الاستعمار الإنجليزي في مصر، حول السودان. فقد كان الاحتلال يسعى في هذا الوقت إلى فصل
السودان عن مصر، ولكن سعد باشا وقف ضد هذا المخطط بكل قوة، وأصبحت القضية مثارة في كل
أنحاء مصر.
٢٦ ومن هنا قامت الفرقة بدورها الوطني بصورة فنية، عندما أدارت موضوع المسرحية
حول زواج عثمان السوداني من عزيزة المصرية، وجعلت ختام المسرحية لحنًا تقول
كلماته:
أهم الاتنين دول رمز أملنا، اللي إحنا بنسعى في تحقيقه
بكره مسيرنا نكيد عزالنا، مهما يجوروا علينا ويسيئوا
بلاش تقولوا سوداني ومصري، خلوا النيل ديمًا يجمعنا
ودا مبدأ لازم يسري، وبه نرجَّع مجد بلادنا
مدام كلنا من دم واحد، مدخلش اللون في الجنسية
وأدي إحنا كلنا بنجاﻫد، في سبيلك يا حرية
واستمرت الفرقة بعد ذلك بنجاح ملحوظ، فقدمت مسرحية «ألف ليلة» باسم آخر «هو إيدك
على
جيبك» تأليف أمين صدقي وبطولة الكسار يوم ٦ / ١١ / ١٩٢٤.
٢٧ ثم توالت المسرحيات الجديدة بالماجستيك، وقام ببطولتها علي الكسار، ومنها
«دولة الحظ» تأليف أمين صدقي وتلحين زكريا أحمد يوم ٨ / ١٢ / ١٩٢٤، و«الغول» تأليف بديع
خيري
٢٨ يوم ٢٢ / ١ / ١٩٢٥، التي غنت بين فصولها المطربة أم كلثوم لتكون أول مرة
تغني فيها لصالح فرقة مسرحية.
٢٩ كذلك قدمت الفرقة مسرحية «ناظر الزراعة» تأليف أمين صدقي يوم ١٢ / ٣ / ١٩٢٥.
٣٠
وكانت مسرحية ناظر الزراعة نقلة نوعية في تاريخ
الجوق؛ حيث نجحت نجاحًا كبيرًا، جعل أحد المشاهدين لها يكتب كلمة، نشرتها الصحافة في
حينها، قال فيها: «كنت أظنها رواية من تلك الروايات الفكاهية الصرفة التي تُمثل لإضحاك
الناس وتسكن شجونهم، وتزيل همومهم، كنت أظنها رواية للتسلية فى ذاتها، وللتفكهة الخالية
من كل معنى جدي، وغرض وطني، فلما حضرتها أمس في ماجستيك أكبرت شأنها، وأثنيت ثناءً
جمًّا على مؤلفها وممثليها. إذ وجدت فيها إشارات دقيقة إلى أجلِّ الأغراض القومية،
وأسمى الآمال الوطنية، ووجدت فيها الشكايات المُرَّة من فساد الأخلاق، ومصائب الطلاق،
وكدت ألمس من مشاهدها آثار الشقوة الكبرى التي تتردى فيها كرائم الأسر. فخير تقريظ
لناظر الزراعة حض الجمهور على مشاهدتها، وحثهم على استخلاص العبر من وقائعها، فحبذا
الجد الواعظ في القالب الفكاهي، وحبذا رُقي التمثيل إلى التذكير الدائم بالغرض القومي.»
٣١
ونجاح هذه المسرحية دفع الكسار إلى الأمام، دون الرجوع للخلف؛ حيث شعر بأن مسرحياته
فيما بعد يجب أن تلتزم دائمًا بالحماسة والوطنية وإظهار عيوب المجتمع، وصهر كل ذلك في
بوتقة الكوميديا الهادفة التي تسعد الجمهور من ناحية، وأن تعطيه العظة والعبرة من جهة
أخرى.
٣٢ ولتطبيق ذلك عمليًّا قام الكسار بتأليف مسرحية «العبد الكذاب» بالاشتراك
مع زكي إبراهيم، وتمَّ عرضها بالماجستيك يوم ٧ / ٥ / ١٩٢٥، وهي مسرحية كوميدية وطنية
حماسية ملأى بالدروس النافعة.
٣٣ ثم اختتم الجوق موسمه هذا بمسرحية جديدة ناجحة من تأليف حامد السيد هي
«عثمان حيخش دنيا»، التي عُرضت بالماجستيك يوم ١١ / ٧ / ١٩٢٥.
٣٤
وفي الموسم الصيفي لهذا العام، سافرت الفرقة إلى رأس البر والسويس وبورسعيد والمنصورة
وطنطا والإسكندرية، وعرضت مجموعة كبيرة من مسرحياتها، منها: «ناظر الزراعة»، و«البربري
في الجيش»، و«دولة الحظ»، و«إمبراطور زفتي»، و«إيدك على جيبك»، و«الأفراح»،
و«التلغراف»، و«عثمان حيخش دنيا»، و«شهر العسل»، و«الغول».
وبعد الانتهاء من هذه الرحلة، اتفق الشريكان أمين صدقي وعلي الكسار على فض الشركة
بينهما، ليبدأ الكسار مرحلة من أهم مراحل حياته الفنية؛ حيث سيتولى تكوين فرقة خاصة به
تحمل اسمه،
٣٥ سنتحدث عنها في الجزء الثاني.
وقبل اختتام الحديث عن الكسار في هذا الجزء، يجب الإشارة إلى أن الهجمات الصحافية
التي كانت تُوجه إلى الفودفيل وإلى التمثيل الهزلي الخليع والشائن — كما كان يُسمى في
ذلك الوقت — توقفت تمامًا عندما ثبَّت جوق صدقي والكسار أركان الفن الكوميدي الصحيح في
هذه الفترة. وهذا وإن دلَّ فإنما يدل على أن هذه الهجمات كانت موجهة إلى الفرق
الكوميدية الأخرى، الكبرى منها والصغرى، ولم تكن موجهة إلى جوق صدقي والكسار.