دستور لوضْع المُصطلَحات العلمية والأسماء الاصطلاحية قائم على البحوث السابقة
هذا أول عملٍ من نَوعه في اللغة العربية، بل هو أول عملٍ لغويٍّ عِلمي وضعتُ فيه مُصطلَحات جديدة على قواعد جديدة، على أنِّي لم أشأ أن أُخْرِجه للناس منذ أن أكملتُ موادَّه، وآثرتُ أن أُكبَّ على درْس نواحِيه وأؤلِّفَ بين أجزائه، وأراجِع قواعده مرة بعد مرة وحينًا بعد حين، حتى أيقنتُ أن الأسلوب الذي اتَّبَعتُه في تأليفه، وأن القواعد التي انتحَيْتُها في وضع مُصطلَحاته هي غايةُ ما يَصِل إليه جُهدي، ونهاية ما يبلُغُ إليه وُسعي، وأن ذلك مما يُوسِّع آفاقَ لُغتنا العربية المجيدة، ويجعلها أكثر قدرةً على مُعالَجة علم الحيوان خاصَّة وعلم المواليد عامَّة بلغةٍ علمية قِوامها مصطلحات محدودة المعنى، وأسماء اصطلاحية تامَّة الدلالة على المُسمَّيات، وها هي ذي القواعد التي خلصتُ بها من بُحوثي القصيَّة في هذا الموضوع، وهي كفيلة بأن تنقِل إلى لُغتنا كلَّ المصطلحات والأسماء التي خُيِّل إلى البعض أنَّ صَوْغَها في لغة العرب من المُستحيلات.
-
القاعدة الأولى: «استِعمال الاسم العربي الذي
استعمله العرب بعد التحقُّق من مَدْلوله» كالآتي:
- (١) الوبار Hyracoidea:
فالاسم العِلمي مَأخوذ من لفظٍ يُوناني: ὕϱαξ ومعناه، الفأر الزَّبابي Shrew-mouse ويُقابله في اللاتينية: Sorex بنفس المعنى، ويُستعمَل للدلالة على قُبَيِّلة: Sub-order من الثديِيَّات تشمل فصيلة واحدة هي «الوَبْرِيَّات»: Hyracide، وهذه القُبَيِّلة يُعرَف أفرادها في العربية باسم «الوَبْر»، ففي القاموس «الوَبْر: دُوَيبة كالسِّنَّور، وهي بهاء (ج) وبُورٌ وبارٌ وبَارَةٌ.» والوَبْريَّات صِيغة النَّسب من الوبْر مجموعةً جمعَ مُؤنثٍ سالِمًا على القاعدة التي أشرتُ بها، وجرى عليها مجمع فؤاد الأول للغة العربية؛ لتكون هذه الصِّيغة دالَّةً على الفصائل، وعلى بعض ما يعلوها من الطبقات عند الحاجة.
- (٢) السِّنَّوريَّات Felidae:
من اللواحِم: Carnivora والاسم العلمي مأخوذ من Felis فى اللاتينية ومعناه «سِنَّور».
ففي مثل هذه الحالات ينبغي لنا أن لا نَخرُج قَيد أنملة عمَّا وَصَلَنا من العرب، ومن الأسف أنَّ هذه الحالات قليلة إذا قِسناها على ما هو مطلوب منَّا وضع أسماءٍ له من الحيوان والنبات.
- (١) الوبار Hyracoidea:
-
القاعدة الثانية: الأسماء التي استعمَلَها العرب وذُكِرَت في المُعجَمات والمظانِّ اللغوية
من غير أن يُشار إلى مَدلولها إشارةً صريحة، تُطلَق على حيواناتٍ ممَّا
كانت تدلُّ عليه؛ فأسماء السِّباع تُطلَق على السِّباع، وأسماء الطيور
تُطْلَق على الطيور وأسماء الحشَرات تُطْلَق على الحشرات؛ وكذلك الأسماء
المُترادِفة؛ فإنه يُمكن إطلاقها على أجناس الفصيلة الواحدة، أو على فصائل
قبيلة بعينِها.
فقد يرِد في المظانِّ اللغوية العربية كثيرٌ من أسماء الحيوان والنبات، بعضُها مُميَّز تمييزًا لا يُحقِّق ذاتيةَ المُسمَّى، فيُقال مثلًا: الطَّيْفُور طُوَيْئرٌ (كثير الوَثْب)، والمُكَّاءُ طائِرُ (له صَفير)، وقد ترِد أسماءٌ لا يُمكن أن تُمِيِّز المُسمَّى بها أيَّ تَمييز، كأن يُقال: هو طائِرٌ أو نَبات أو دُويْبة، فلا أرى مانِعًا من أن نأخُذ هذه الأسماء ونُطلِقها على حيواناتٍ أو نباتات، يُلاحَظ أن تكون من قُطَّان المناطِق التي عرَفَها العرب، أو عن قُطَّان غيرها من المَناطِق عند الحاجة.
-
القاعدة الثالثة: «يُنظَر في الاسم الأعجميِّ ويُبحَث عن أصله وتركيبه»: «فإذا كان
يُونانيًّا أو لاتِينيًّا أو من اللُّغتَين معًا — أي رُكِّب منهما —
يُبحَث عن معاني الألفاظ التي يتألَّف منها للاستِعانة بذلك على وضْع اسمٍ
عربيٍّ يُقابِله.»
«وإذا كان الاسم أهلِيًّا — أي مَنقولًا عن أهل البلاد التي يَعيش فيها الحيوان أو النَّبات — ولا يكون له مَعنًى مُستفادٌ في الألفاظ الحديثة، عُرِّبَ مَصُوغًا على واحدٍ من الأوزان التي سُمِعَت عن العرب، أو على غَير وزنٍ بحَسْب الظروف.» ويَجرى هذا المَجرى جميع الأسماء المأخوذة من الأساطير القديمة كأسماء الآلِهة أو الأبطال أو غير ذلك، كالآتي:
- (١) مِثال من الأسماء المُركَّبة من لفظَين يُونانِيَّين:
Nycticebidæ: ويتركَّب من لفظَين يُونانِيَّين: أولهما: νύξ (νυχτ-) أي «ليل» وثانِيهما: χῆβος ومعناه «سَعْدان»، والمعنى المُستفادُ من الاسم «سَعدان اللَّيْل» ويُلحَق باللَّفظَين الكاسِعة idæ وهي في اللاتينية تدلُّ على الأسرة، وفي عِلم المواليد الحديث للدلالة على الفَصيلة، ومن مُجمَل هذا نُدرِك أنَّ المُسمَّى حيوانٌ أخَصُّ صِفاته أنه يَطوف أثناء الليل؛ فنستطيع أن نأخُذ الاسم من كلِمةٍ عربية هي «السُّرَى» وهو سَير عامَّة الليل: سَرَى يَسرِي سُرًى ومَسرًى (ق: ٣٤١: ٤) فنقول: السَّرَّاء للفرد أو الجِنس و«السَّرَّاوِيَّات» للدلالة على فصيلة من «الرئيسات» Primates.
- (٢) أمثال من الأسماء المركبة من لفظين لاتينيَّين:
Tardigarda: ويتركَّب من لفظين لاتينيَّين: الأول: tardus ومعناه «بطيء» والثاني: gradi ومعناه: «يمشي أو يذهب» ومنه: gradus «أي الماشي ببطء»، ومن المعنى المُستفاد من الاسم نأخُذ الاسم العربي من الفعل «ونى» فنقول «الوانيات».
- (٣) مثال من الأسماء المركَّبة من لفظين: أحدهما يوناني والآخر
لاتيني:
Myslemur: ويتركَّب من لفظين: أولهما يوناني: μῦς أي «فأر» والثاني لاتيني: lemur ومعناه «شَبَحٌ أو خَيالٌ» وأصله عند الرومان اسم عيد كانوا يُقيمونه طردًا للأرواح الخبيثة التي كان يُعتَقَد أنها تُنزِل بالأحياء شرًّا في أثناء الليل، وكذلك لفظ: Bradylemur فإنه يتركَّب من لفظَين: أولهما يوناني: βϱαδύς «أي بطيء» والثاني لاتيني lemur ومعناه «شَبَحٌ أو خَيالٌ»، ومثل هذه الأسماء يُمكن بقليلٍ من التسمُّح أن نضع لها اسمًا عربيًا.
- (٤) مثال من الأسماء العلمية المأخوذة من ألفاظ أهلية:
Chinchillidæ وفي مُعجَم شنتشوري ص٩٦٢ ج أول: Chinchilla; Sp., Pg., of South American Origin.
فهذه نُعرِّبها فنقول: الشِّنْشلِّيَّات، وللفرد أو الجنس: الشِّنْشِلُّ.
وكذلك الاسم الاصطلاحي potoroinae فقد جاء في معجم سنتشوري ص١٠٤٦ ج٨.Potoroo; n. (Native Australian); one of the small rat-kangaroos of the genus potorus, the generic name being latinization of the native name.فهذا أيضًا نُعَرِّبه ونقول: البَوْطُورِيَّات أو البَوْطُورِيَّة وللفرد أو الجنس، البَوْطُورُ.
- (٥) مثال من الأسماء المنقولة عن الأساطير:
الأَبُونِيَّات Abeona:Etym., LL. The goddess of departing; Rom. myth. the goddess who presided over the departure, as of travallers (used in ichth., and entom.,).
- (١) مِثال من الأسماء المُركَّبة من لفظَين يُونانِيَّين:
-
القاعدة الرابعة: قد نلجأ إلى تعريب الاسم الاصطلاحي وإن دلَّ على صفةٍ ظاهرة في المُسمَّى
دلالة واضحة، إذا كان اللفظ الأول من الاسم الأعجمي وهو الصفة الرئيسية في
المُسمَّى قد دخل في كثيرٍ من المُصطلحات العلمية، بحيث يتعذَّر العثور على
أصول عربية تُؤخَذ منها أسماء لكلِّ المُسمَّيات التي دخل ذلك اللفظ في
تركيبها، كالآتي:
Solenodontidæ: والاسم يتركَّب من لفظين يونانيين: أولهما σωλὴν ومعناه نُخْرُوب أو أنبوب، والثاني ὀδούς (ὀδοντ-) ومعناه «سن»، والمُستفاد منه «ذوات الأَسْنَان الأَنْبُوبِيَّة»، وهذا الاسم على أنه واضح الدلالة، فإن اللفظ الأول الذي يتركَّب منه يدخُل في كثيرٍ من الأسماء الدالَّة على أشياء أخرى بنفس معناه، فيتعذَّر علينا أن نجِد من المُفردات العربية مُرادفات لمعانيه تُعينُنا على وضع أسماء عربية تُقابِل الأسماء التي دخل هذا اللفظ في تركيبها، وإليك المِثال عن مُعجَم سنتشوري ص٥٧٥٦، ج٥:
- Solen: فإنه يدلُّ على أسماك، أو على جنس من الرَّخْوِيَّات ذوات الصِّمامَتَين.
- Solenarium: يدلُّ على أجزاء في تشريح بعض الحشرات.
- Solenella: يدلُّ على جِنسٍ خاص.
- Solenellinæ: يدلُّ على فُصَيِّلَةٍ خاصَّة يتبعها الجِنس السابق.
- Solenidæ: فَصيلَة من الرِّخْويَّات ذوات الصِّمامَتَين.
- Solenite: يدلُّ على رِخْوِيَّات مُسْتَحَاثة (بائدة).
- Solenochonchæ: يدلُّ على قَبيلة أو شَعْب من الرِّخْويَّات.
- Solenogastres: يدلُّ على عَشيرةٍ تشمل جِنسَين من الرِّخْويَّات عند بعض الموالِيدِيِّين.
- Solenoglyph: يُستعمَل للدلالة على صفةٍ خاصَّة في أسنان بعض الحيوانات.
- Solenoglypha أو Solenoglyphia: يدلُّ على طبقةٍ من الحَيَّات.
- Solenomya: يدلُّ على جنسٍ خاصٍّ من الرِّخْويَّات.
- Solenomyidæ: يدلُّ على فصيلةٍ خاصَّة من الرِّخْويَّات.
- Solenostomi: يدلُّ على قُبَيِّلَةٍ من الأسماك.
- Solenostomidæ: يدلُّ على فَصيلةٍ من الأسماك.
- Solenostomus: يدلُّ على جنسٍ من الأسماك.
هذا غير بعض المُشتقَّات التي يُحتاج إليها في الإشارة إلى مَدلول هذه المُصطلَحات، وفي مثل هذه الحالات نلجأ إلى التعريب مرَّةً وإلى أخذ الاسم من لفظٍ عربي مرةً أخرى، وإذا أردْنا مثلًا للتَّعريب فإنَّا نقول: السُّلَنْدُونِيَّات والسُّلَنْدُونِيَّة والسُّلَنْدُون وسُلَنْدوني للنَّسَب.
مُقابل: Solenodontidæ Solenodontinæ Solenodon.أو ننحِت من اللفظين «سِن» و«أُنْبوب» اسمًا، س١ ن٢ + أ ن ب٣ و٤ ب٥ = سُنْبُوب وِزان فُعلول، ونقول: السُّنْبُوبِيَّات والسُّنْبُوبِيَّة والسُّنْبُوب وسُنْبُوبِي، ولكن المَثَل هنا مَضروب لما يُعَرَّب لا لما يُنْحَت، وإن كان النحتُ قد يُجازُ في مثل هذه الحالة بِتوسُّع. -
القاعدة الخامسة: إذا تعذَّر أخذُ اسم عربي من معنى الاسم العلمي، كأن يكون الاسم العِلمي
مُركبًا من لفظَين أو من ثلاثة قُصِد بكلٍّ منها الدلالة على صِفةٍ من صفات
الحيوان أو النبات من غير أن تدُلَّ في جُملتها على معنًى موحَّد — أي
يؤدِّيه لفظ واحد — كان لنا أن نتَّبِع في مثل هذه الحالات أحد
طريقين:
«فإما أن نلحَظ في المُسمَّى صفةً من صفاته الخَفِيَّة ونرجِع إلى الأصل اللُّغوي الذي يدلُّ عليها، ونَصُوغ منه اسمًا على وزنٍ عربيٍّ قياسي أو سَماعي، وإما أن ننحِت من مجموع الحروف التي تتركَّب منها ترجمة الألفاظ الأعجمية التي صِيغ منها الاسم الأعجميُّ اسمًا جديدًا على وزنٍ سُمِعَ عن العرب» كالآتي:
- (١) أسماء تتركَّب من لفظَين أعجمِيَّين أو أكثر من غير أن تدلَّ
في جُملتها على معنًى مُوحَّد: مثل
Ctenodactylidæ، فهذا
الاسم مركَّب من لفظَين يُونانِيَّين: أولهما: χτείς (χτεν-) أيْ «مشط
أو مِكَدٌّ (اسم آلةٍ من كَدَّ الشَّعْر: مَشَطه)»؛ والثاني:
δάχτνλoς أيْ «إصْبَع» والمُستفاد منه
«حيوان تُشبه أصابِعه أسنان المِشط أو المِكد»، فالدلالة هنا
ليست مُوحَّدة، بمعنى أنه لا تُوجَد كلمة واحدة تدلُّ على هذه
الصِّفة في العربية؛ فهنا يَتعيَّن علينا أن نلحَظ هذه الصفة
ونَصوغ من «مَشَط» أو من الفعل «كَدَّ» اسمًا موزونًا على وزنٍ
عربي، فنقول مثلًا: الكَيْدُوديَّات أو الكدِّيديَّات أو
الكَدُودِيات أو الإكْدِيدِيَّات أو الكُدادِيَّات إلى غير
ذلك، أو نأخذ من مَشَطَ فنقول مثلًا: المِشَّوْطيَّات أو
المُشاطِيَّات أو الأُمْشُوطيَّات أو الإمْشِيطيَّات أو
المِشِّيطيَّات أو المَيْشُوطِيَّات أو اليَمْشُوطِيَّات إلى
ما لا نهاية، وبذلك نجِد أوزانًا لا نِهايةَ لها نصُوغ منها
أسماءً لكل ما يبدأ تركيبه بالمادة اليونانية من الأسماء
الاصطلاحية.
وبهذا يُفسَح أمامنا السبيل: فمَهْما صادَفْنا من الأسماء التي يدخل هذا الأصل في تركيبها، أمكنَنا أن نضَع مُقابلًا لها في العربية بالِغةً ما بلَغَت من الكثرة؛ ذلك بأن الأوزان السَّماعية يَعدُوها الحصر بله الأوزان القياسية.
- (٢) أسماء عربية منحوتة لأسماء علمية أعجمية تتركَّب من ألفاظٍ
لا تتوحَّد دلالتها مثل:
Hypsiprymnodontinæ: اسم
يتركَّب من ألفاظٍ يونانية ثلاثة: الأول ὕψι أي «عال» والثاني:
πϱύμνα
«كَوْثَل»، والثالث: ὀδούς
(ὀδοντ-) أي «سن»؛ والمعنى المُستفاد منه:
«ذوات الأسنان العالية المُؤخَّر»؛ فهذا لا يؤلِّف معنًى
يؤدِّيه لفظ يُحدِّده، ولا يمكن أخذ الاسم من أحد هذه
المُفردات، وهنا يجِب أن ننحِت اسمًا يدلُّ على هذا الحيوان،
فنأخُذ «العين» من الأول و«الواو» من الثاني و«السين والنون»
من الثالث، ونقول: «العَوسَنِيَّات»، والعَوْسَنِيَّة
والعَوْسَن للفَرْد أو الجِنس والنِّسبَة عَوْسَنِيٌّ.
بهذا نتخلَّص من مَشقَّةٍ عظيمة وعَنَتٍ كبير، بل نجتاز صِعابًا جمَّةً وعقَبات كأْداوات، كما نَخلُص بمُصطلحات حلوة مُركَّبة من حروفٍ عربية لا تَنافُر بينها، وموزونة على وزنٍ عربي مُستَساغ.
- (١) أسماء تتركَّب من لفظَين أعجمِيَّين أو أكثر من غير أن تدلَّ
في جُملتها على معنًى مُوحَّد: مثل
Ctenodactylidæ، فهذا
الاسم مركَّب من لفظَين يُونانِيَّين: أولهما: χτείς (χτεν-) أيْ «مشط
أو مِكَدٌّ (اسم آلةٍ من كَدَّ الشَّعْر: مَشَطه)»؛ والثاني:
δάχτνλoς أيْ «إصْبَع» والمُستفاد منه
«حيوان تُشبه أصابِعه أسنان المِشط أو المِكد»، فالدلالة هنا
ليست مُوحَّدة، بمعنى أنه لا تُوجَد كلمة واحدة تدلُّ على هذه
الصِّفة في العربية؛ فهنا يَتعيَّن علينا أن نلحَظ هذه الصفة
ونَصوغ من «مَشَط» أو من الفعل «كَدَّ» اسمًا موزونًا على وزنٍ
عربي، فنقول مثلًا: الكَيْدُوديَّات أو الكدِّيديَّات أو
الكَدُودِيات أو الإكْدِيدِيَّات أو الكُدادِيَّات إلى غير
ذلك، أو نأخذ من مَشَطَ فنقول مثلًا: المِشَّوْطيَّات أو
المُشاطِيَّات أو الأُمْشُوطيَّات أو الإمْشِيطيَّات أو
المِشِّيطيَّات أو المَيْشُوطِيَّات أو اليَمْشُوطِيَّات إلى
ما لا نهاية، وبذلك نجِد أوزانًا لا نِهايةَ لها نصُوغ منها
أسماءً لكل ما يبدأ تركيبه بالمادة اليونانية من الأسماء
الاصطلاحية.
-
القاعدة السادسة: إذا كان الاسم الأعجمي مُركَّبًا بحيث يدلُّ على معنًى مُوحَّد يؤدِّيه
لفظ عربي، وجَب في هذه الحالة استِعمال «اللفظ العربي» كالآتي:
- (١) أسماء تتركَّب بحيث يُستفاد منها معنًى مُوحَّد يؤدِّيه لفظ
عربي: مثل:
Ganodonta: الاسم يتركَّب من لفظَين يُونانيَّين: أولهما γάνος أي «بريق أو لمَعان»؛ والثاني ὀδούς (ὀδοντ-) أي «سن» وهي صفة في الأسنان معروفة، ولها كلمة تدلُّ عليها في العربية، فهي لذلك ذات معنًى مُوحَّد، فالشنَب ماء ورِقَّة في الأسنان، سُئل رُؤبة عن الشَّنَب فأخذ حبَّة رُمَّان وأَوْمَى إلى بَصيصها، ففي مثل هذا يَتعيَّن علينا أخذُ الاسم من اللفظ العربي فنقول: «الشَّنيبات» من الشَّنيب وهو كالشَّانِب (المُخصَّص: ١٤٨: ١).
- (٢) Tillodontia: الاسم يتركَّب من لفظَين يونانيَّين: الأول τίλλειν أي «يُمزِّق أو يقْطَع» والثاني ὀδούς (ὀδοντ-) أي «سِنٌّ»، والمقصود به حَيوانات تُمزِّق اللَّحم بِسنَّين قاطِعتَين لها، كلٌّ منها تُشبِه الأزميل، فهنا يَتعيَّن أن نأخُذ اسمها من لفظٍ عربي، فالمُصطلَح تامُّ الدلالة على المُراد، وهو فوق ذلك مُوحَّد المعنى، فنقول: «النَّهَّاسِيَّات» من نَهَسَ اللَّحم كمَنَع وسَمِع: أخَذَه بِمُقدَّم أسنانِه ونَتَفَه (انظر القاموس).
- (٣) Anomodontia: الاسم من لفظَين يونانِيَّين: الأول ἄνομος أي «غير مُنْتَسِق»، والثاني ὀδούς (ὀδοντ-) أي «سن»، والمعنى المُستفاد منه حيوانات لا تَنْتَسِق أسنانها، فهذا المعنى تامُّ الدلالة مُوحَّد المعنى، أي إنَّ له لفظًا يؤدِّيه في العربية فيقال: شَغِيَت السِّنُّ شَغوةً وشَغًا، وشَغَتْ شُغُوًّا، ورجل أَشْغَى وامرأة شَغْوَاء وشَغْيَاء: والشَّغَا أنْ تَختَلِف نَبتَةُ السِّنِّ ولا تَنْتَسِق، يَطُول بعضها ويَقصُر بعضها (مُخصَّص: ١٥٠: ١) فهنا يَتعيَّن أخذ الاسم من هذا المعنى فنقول: «الشَّغَويَّات».
- (١) أسماء تتركَّب بحيث يُستفاد منها معنًى مُوحَّد يؤدِّيه لفظ
عربي: مثل:
-
القاعدة السابعة: إذا استُعمِل اسم أعجمي للدلالة على أكثر من مُسمًّى سواء أكانت
المُسمَّيات قريبة الآصِرَةِ أم بَعيدَتَها، وُضِعَ له مُقابل عربي واحد
يُخصَّص بشرح المقصود منه، ويُشار إن أمكنَ إلى من استَعْمَلَه من
العُلماء، كالحاصل في المُعجَمات الأوربية كالآتي:
الجِوَّوْفِيَّات Abdominales For Fishes (a) Linnæus (b) Cuvier (c) J. Muller For Insects (d) والجِوَّوْفِيَّات: من الجَوْف وِزان فِعَّول، أخْذًا من معنى abdomen في العربية. -
القاعدة الثامنة: الأسماء الاصطلاحية المُركَّبة التي لا تُفيد معنًى خاصًّا، ولا تدلُّ
على صفةٍ مُعيَّنة من صِفات المُسمَّى يتعيَّن تعريبها، كالآتي:
Allotheria; Gr.ἄλλος = other +
ϑηϱίoν = a wild beast.
فالاسم يتركَّب من لفظَين يونانِيَّين: الأول معناه «آخَر»، والثاني معناه «وَحْش»، والمعنى المُستفاد منه «البهائم أو الوحوش الأخرى»، ولا معنى له على إطلاق القول، أو هو يؤدِّي معنى «ما ليس كذلك»؛ فهذا نُعَرِّبه ونقول: «اللَّوذَرِيَّات» ومفردُها «لَوْذَرٌ»، والنسبة «لَوْذَرِيٌّ».
-
القاعدة التاسعة: «يَجوز أخذ الأسماء من الاسم المُستعمَل في غير لغة العِلم — على إحدى
القواعد السابقة — ليُقابل المصطلح عليه في اللسان العلمي» كالآتي:
البَابُوسِيَّة: Galaginæ، للفُصَيِّلةَ والبَابُوس: Galago للجنس: والمصطلح: Galago: أصله من كلمةٍ إفْرِيقِيَّة ترجِيحًا، وهي المُستعمَلة في لُغة العلم، إنما يَستعمِل المَوالِيديُّون في الكلام الجاري عبارة: Bush Babys للدلالة على المقصود من هذا الاصطلاح، وتأويلها «أطفال البوص»، أو «أطفال حَرَجَات البُوص»؛ فسمَّيتُها «البابُوسِيَّة» نِسبةً إلى البَابُوس، وهو في اللغة وَلَدُ الناقة والصبيُّ الرضيع أو الولَد عامة في الرُّوميَّة (ق: ١٩٩: ٢) (انظر كتاب: A Review of the Primates «ص٤٥ ج أول»، وجمع Baby بصيغة: Babys قاعدة أمريكية، والصحيح: Babies، ومُؤلِّف الكتاب السابق أمريكي).
وقد يعترِض بعض المُشتغِلين بهذه البحوث بأن بعض الألفاظ المنحوتة مثل «العَوْسَنِيَّات»، وبعض الألفاظ المأخوذة من مادَّةٍ عربيةٍ أصيلة «كالسَّرَّاوِيَّات» لا تدلُّ على جميع الأجزاء التي رُكِّب منها الاسم الأعجمي. والواقع أنَّ الذي يدرُس عِلم الحيوان أو علم النبات، والذي يبحث في علوم المواليد بصورةٍ عامَّة لا يلتفتُ إلى أصل الاسم الاصطِلاحي الذي يَستعمِله، ولا إلى تركيبه اللُّغوي ولا إلى اشتقاقه، وإنما هو ينظُر فيه باعتباره اسمًا اصطلاحيًّا يُخصِّصه الاستعمال، وقارئ هذه العلوم في اللغات الأوروبية لا امتِياز له في هذه الناحية على من يَقرؤها باللغة العربية.
والذي أراه أن اتِّباع هذه القواعد يفتح أمامنا طريق الوضع، ويُذلِّل لنا سبيل نقْل أسماء الحيوان والنبات إلى العربية في أقرَب وقتٍ مُمكن إذا تضافرَت الجهود على ذلك، وبَحثي هذا أول مثلٍ يُضْرَب للناطقين بالضَّاد على أنَّ اللغة العربية أوسَعُ اللغات جميعًا وأرحبُها صدْرًا وأوفَرُها مواردَ وأصولًا.
(١) التركيب المَزجي
ولقد أمعنتُ النظر في قاعدة التركيب المزجي، فألفيتُ أنَّ استعمالها قد نَستخلِص به من المُصطلحات العلمية قدْرًا صالحًا يُعِينُنا على التأليف في مُختلِف العلوم وبخاصَّة في الأمراض والتشريح، وقد جرَّبتُ ذلك في عددٍ عديد من المُصطلحات فسَلُسَ واستقام، وإليك المَثَل على ذلك:
ذلك أصل من أصول الوضع التي ينبغي أن يُجرَى عليها في صَوغ المُصطلحات.
(٢) الحروف اللاتينية
وكنتُ أودُّ أن لا تَحمِلني هذه البحوث على المُضيِّ في الكلام في تبديل الحروف العربية بالحروف اللاتينية، وهي مسألة طارَتْ من حولها نار الجدَل واشتعَلت لَظاها ثُمَّ أصبحَت الآن رمادًا تَذْروه الرياح.
ولكن ذلك لا يَجعلني أعدِل عن إثبات رأيي الذي أبَنْتُ عنه إبَّان تلك الصَّيحة العجيبة، وأَزِيد إليه أنها صَيحة ليس لها من دافعٍ اللهم إلَّا الجهل بأصول هذه اللُّغة الكبيرة، وأعني بأصولها فلسفتَها وأسرارَها التي يَجُوز أن يكون أكثره قد انطوى منذ أخذَتْ هذه اللغة في مُزايلة أخواتها السامِيَّات منذ قرونٍ ضاعت ذِكرياتها، وغَشَّى الزمن على حقائقها بِغِشاوة قد تغلُظ في ناحيةٍ فتَعْمى علينا، وقد تَرِقُّ في ناحيةٍ أخرى فتُرينا بَصيصًا من نور.
على الجُملة أقول: إن استبدال الحروف العربية بالأعجمية فيه ضَياع لفلسفة هذه اللغة وضَياع لتقاليدها وطمْسٌ لآدابها وجميع أسرارها.
ومُجمَل الأمر أن اللغة العربية لغة كاملة انحدَرَت إلينا تامَّة الأجزاء مُوحَّدة القَسمات، ومن أصول اكتِمالها أنها تمتاز على جميع اللغات الأعجمية بأن فيها حروف مَدٍّ وحروف حركة، فحروف المَدِّ هي: الألف والواو والياء، وهي التي تُتَّخَذ في الأعجمِيَّات للمَدِّ وللحركة معًا، فيكثُر الشذوذ في نُطق مُفرداتها، وحروف الحركة هي: الفتحة والضمَّة والكسرة والسُّكون، شاء اكتمال اللغة وجعلها أخْصَرَ ما يكون في الرسم، وألَّا يختلِط على القارئ أحد حروف المَدِّ وحروف الحركة، وأن حروف المَدِّ قد تُحرِّكها حروف الحركات، أن تخرُج حروف الحرَكات عن بِنيَة الكلمة ذاتِها لتُرسَم مُلازمةً لها؛ فتتغيَّر المعاني بتِغيُّرها وتحدُث تلك الأصوات التي لولا المُحافظة عليها لتَغيَّرَ جرْس اللغة وبادَت صَوتِيَّتُها فبادَتْ معها مَعانٍ وإشاراتٌ ودقائق هي في الواقع صُلبُ اللغة وفقارها.
هذا مُجمَل الرأي في ذلك، ولقد مَاتَتْ هذه الصَّيحة، ولا شكَّ في أنها اجتهاد لم يُوفَّق فيه مُؤيِّدوه، فلَنَا أن نَحْمَد هزيمتهم ويَحمَدون هُم انتصارنا.