عامل تنظيف النوافذ التائب
جائزةٌ قيمتُها ألف جنيه
في يومٍ ما من أيام الاثنَي عشَر شهرًا الأخيرة، سُرِقت عصًا غليظةٌ أجنبيةُ الصُّنع ذات تصميمٍ مميز تُستخدَم في المشي، أو أخِذت من مكانها في مكتب السيد ستيفن إيلمور عضوِ البرلمان في فاونتن كورت في تمبل، الذي كان يُؤجِّره باسم السيد أندرسون، ومن المرجَّح أن تكون هذه العصا قد استُخدِمت في قتل جون ماربري أو ميتلاند في زقاق ميدل تمبل ليلةَ الثاني والعشرين من يونيو الماضي، وقد أصبحَت هذه العصا الآن في حوزة الشرطة.
نُعلن أن مالك صحيفة «ووتشمان» سيُقدِّم الجائزة المذكورة أعلاه (ألف جنيه إسترليني) فورًا ونقدًا لأي شخص — ذكرًا كان أو أنثى — يُثبِت أنه مَن سرق العصا المذكورة أو أخذها من المكتب المذكور، ويُدلِي بمعلوماتٍ مفصَّلة عما فعل بالعصا. ويتعهَّد مالكُ صحيفة «ووتشمان» بإحاطة أي معلومات تُقدَّم حول العصا المذكورة بأقصى درجات السرية والكتمان، وأن يمتنعَ عن استخدامِ المعلومات بأي طريقةٍ تُلحِق الضررَ بمَن يُدلي بها. على مَن يعرف هذه المعلومات زيارةُ مكتب صحيفة «ووتشمان»، والسؤالُ عن السيد فرانك سبارجو في أي وقتٍ بين الحادية عشرة والواحدة ظهرًا، أو بين السابعة والحادية عشرة مساءً.
جاء بريتون إلى غرفة سبارجو في ظهر اليوم الذي صدر فيه الإعلان وسأله: «وهل تتوقَّع حقًّا أن تحصل على بعض المعلومات عن طريق هذا الإعلان؟ أتعتقد ذلك حقًّا؟»
رد سبارجو في ثقة: «وقبل أن ينتهيَ اليوم؛ فجائزةُ الألف جنيه لها سِحرٌ قد يَفُوق خيالك يا بريتون. سأعرف تاريخَ هذه العصا قبل منتصف الليل.»
قال بريتون: «وكيف تضمن ألَّا يخدعَك أحدُهم؟ فقد يقول أيُّ شخصٍ إنه مَن سرق العصا.»
رد سبارجو: «أيُّ شخص يأتي إليَّ بقصةٍ عن العصا سيكون عليه إثباتُ كيفيةِ حصوله عليها وما فعل بها. ليس لديَّ أدنى شك في أن هذه العصا سُرِقت أو أخِذت من مسكن إيلمور في فاونتن كورت، وأنها وصلَت بعد حينٍ إلى يد …»
«هذا هو السؤال، إلى يدِ مَن؟»
«هذا ما أحاول أن أعرفه بطريقة أو بأخرى. لديَّ بالفعل تصورٌ لإجابة هذا السؤال. بيدَ أنه بمقدوري أن أنتظرَ معلوماتٍ قاطعة. أعرف شيئًا واحدًا: وهو أني عندما أتوصَّل إلى هذه المعلومات — وسأفعل — سنكون قد قطعنا شوطًا كبيرًا نحوَ إثبات براءة إيلمور.»
لم يُعلِّق بريتون على ذلك. وظل ينظر إلى سبارجو في تفكير.
وقال فجأةً: «سبارجو! هل تعتقد أنك ستتمكَّن من استصدارِ أمرِ فتح القبر الذي في بلدة ماركت ميلكاستر؟»
رد سبارجو: «كنتُ أتحدَّث مع المحامين على الهاتف لتوِّي. إنهم واثِقون تمامًا من إمكانية ذلك. بل قد يَصدر الأمرُ بعد ظهيرة اليوم. وفي هذه الحالة سيُفتَح القبر في وقتٍ مبكر من صباح الغد.»
سأل بريتون: «هل ستذهب لحضور فتح القبر؟»
رد سبارجو: «بالتأكيد. ويُمكِنك أن تأتيَ معي، إن أردت. يُستحسَن أن تظلَّ على اتصالٍ بنا طوال اليوم تحسُّبًا لأي مستجدَّات. ويجدر بك الحضور؛ فالأمر يَعْنيك.»
قال بريتون: «أريد الحضور، سأحضر فعلًا. وإذا تبيَّن أن ذلك القبر خالٍ، فسأُخبرك بشيءٍ ما.»
رمقه سبارجو بعينٍ فاحصة.
وقال: «فستُخبرني بشيءٍ ما؟ شيء ما؟ ماذا يكون؟»
رد بريتون: «لا تنشغل بذلك، لننتظر حتى نرى ما إذا كان في القبر جثمانٌ أم رصاص ونشارة خشب. إذا لم يكن به جثمان ﻓ…»
وفي هذه اللحظة دخل أحدُ السُّعاة واقترب من سبارجو. وارتسم على وجهه حماسٌ واضح، خلافًا للتعبير الجادِّ الرسمي المعتاد.
وقال الساعي: «هناك رجل يسأل عنك في الأسفل يا سيد سبارجو. إنه ينتظرك منذ مدة سيدي، يبدو متحرِّجًا من الصعود. ولم يقُل ما يريد، ورفض مَلْءَ نموذجِ الزيارة سيدي. قال إن كل ما يريد هو أن يتحدَّث معك قليلًا.»
قال سبارجو حازِمًا: «ادعه للصعود على الفور!» والتفتَ إلى بريتون بعد انصراف الساعي، وقال ضاحكًا: «أرأيت؟ لا بد أنه جاء يتحدَّث عن العصا … سترى بنفسك.»
قال بريتون: «تتصرَّف بثقةٍ شديدة يا سبارجو. تسير في خط مستقيم دائمًا.»
قال سبارجو: «بل أحاول ذلك. انتظر لنسمع ما لدى هذا الرجل؛ لا شكَّ أنه سيكون مثيرًا.»
لم يَغِب عن ذهن الساعي وهو يصطحب الزائر أنه يقود إلى غرفة سبارجو رجلًا قد يخرج بعد قليلٍ حاملًا في جيبه ألفَ جنيه من أموال صحيفة «ووتشمان». مضى به إلى الغرفة وفتح الباب وقدَّمه لشاغِلَيها. كان فتًى خجولًا متحفظًا، بدا جليًّا للجميع توتُّرُه الشديد الذي ثَقُلَت وطأتُه عليه. توقَّف عند عتبة الباب وتأمَّلَ الغرفةَ ذات الأثاث الوثير، والشابَّين المهندمَين اللذين توسَّطاها، متهيبًا من أبهة المشهد.
قام سبارجو وأشار إلى كرسيٍّ وثير بجانب مكتبه وقال: «تفضَّل بالدخول! اجلس. جئتَ في شأن الجائزة بالطبع.»
جلس الرجل في الكرسي وأجال نظرَه بينهما في حذرٍ وارتياب. ثم تنحنح بصعوبة.
وقال: «كل شيء سيُحاط بالسرية التامة بالطبع. اسمي إدوارد موليسون يا سيدي.»
سأل سبارجو: «وأين تسكن؟ وما عملُك؟»
رد إدوارد موليسون: «يُمكِنك القول إني أسكن في روتون هاوس، وايت تشابل. فعلى الأقلِّ هذا هو المكان الذي أكون فيه عندما يتيسَّر لي ذلك. وأعمل في تنظيف النوافذ، أو على الأقل كان هذا عملي عندما … عندما …»
أكملَ سبارجو جملة الرجل: «… عندما رأيتَ العصا التي نشرنا إعلانًا بشأنها. حسنًا يا موليسون. ماذا تعرف عن العصا؟»
التفت موليسون إلى الباب، ثم إلى النوافذ، وأخيرًا إلى بريتون.
وسأل: «ألن أتورَّطَ في أيِّ متاعبَ بسبب هذه العصا؟ إذا كان هذا الخطر قائمًا، فلن أقول شيئًا، ولو كان المقابل ألفَ جنيه! لم أتورَّط في أي متاعبَ من أي نوعٍ من قبلُ يا سيدي، بالرغم من فقري.»
ردَّ سبارجو: «ليس هناك أيُّ خطر على الإطلاق يا موليسون. كل ما عليك فعله هو قولُ الحقيقة وإثبات صِدْقها. هل كنتَ أنتَ مَن أخذ العصا الغريبة الشكل من مسكن السيد إيلمور في فاونتن كورت؟»
بدا على موليسون الارتياحُ لهذا السؤال. فابتسم ابتسامةً خفيفة.
وقال: «أنا مَن أخذها بالتأكيد يا سيدي. لم أقصد سرقتَها، ليس هذا من طبعي! ويُمكِنك القول إني لم آخُذْها في الحقيقة، ولكنها وصلتْ إليَّ في نهاية المطاف.»
قال سبارجو: «وصلتْ إليك؟ هذا مثيرٌ للاهتمام. وكيف حدث ذلك؟»
ابتسم موليسون مجددًا وحكَّ ذقنَه.
أجاب موليسون: «ما جرى هو الآتي. في ذلك الحين كانت تسعة أشهر قد انقضت منذ بداية عملي لدى شركة يونيفرسال دايلايت لتنظيف النوافذ، وكنت أُنظِّف الكثيرَ من النوافذ في أنحاء تمبل، ومنها نوافذُ السيد إيلمور، لكني كنتُ أعرفه باسم السيد أندرسون. وبينما كنتُ هناك في وقتٍ مبكر من صباح أحدِ الأيام قالت لي عاملة التنظيف: «هلا أخذتَ أبسطةَ المدفأة هذه ونفضتَ عنها الأتربة! إنها اثنان أو ثلاثة.» ولأني خَدُوم بطبعي قلت: «حسنًا.» وأخذتُها. وقالت لي: «خذ هذه لتضربَ بها الأبسطة.» وسحبتُ تلك العصا القديمةَ من مجموعةِ أشياءَ كانت في وعاءٍ في ركن الرَّدْهة، وهكذا أخذتُ العصا سيدي.»
قال سبارجو: «فهمت. شرْحُك واضح. وبعد أن ضربتَ بها الأبسطة، ماذا حدث؟»
ابتسم موليسون الابتسامة الخافتة مجددًا.
وقال: «حسنًا يا سيدي، نظرتُ إلى العصا وأدركتُ أنها فريدة من نوعها. وخاطَبتُ نفسي قائلًا إن السيد أندرسون هذا لديه مجموعةٌ من العِصِيِّ وعكاكيزِ المشي، ولن يُلاحِظ فقدانَ هذه العصا القديمة. فتركتُ العصا في أحد الأركان بعد أن فرغتُ من نفض الأتربة عن الأبسطة، وعندما هممتُ بالانصراف ولملمتُ أشيائي أخذتُها معي.»
قال سبارجو: «أخذتَها معك؟ لتحتفظ بها باعتبارِها من المقتنَيات الغريبة، صحيح؟»
تحوَّلَت ابتسامةُ موليسون الخافتة إلى نظرةِ لؤم. بدا أن توتُّرَه قد خبا وأوحى صوتُه والأخبار التي حملها بالثقة.
وقال: «كلا! الأمرُ يا سيدي أني كنتُ أعرف رجلًا عجوزًا في تمبل — لا أعلم إن كان لا يزال هناك أم لا؛ إذ لم أذهب إلى هناك منذ ذلك الحين — وكان هذا الرجل يجمع التحفَ القديمة. وكنتُ قد بِعتُه أشياءَ قديمة غريبة عدة مرات. وبالطبع كان الرجل في بالي عندما أخذتُ العصا، أفهمتَ؟»
قال سبارجو: «فهمتُ، وأخذتَ العصا إليه؟»
رد موليسون: «أخذتُها إليه على الفور. وقصَصتُ عليه أن عمي سايمون اشتراها من بلد أجنبي، وليس لي عمٌّ اسمه سايمون في الحقيقة. وأقنعته أنها تحفةٌ نادرة، وربما كانت كذلك حقًّا، مَن يدري؟»
قال سبارجو: «أنت محق. وأثارت العصا إعجابَ العجوز، صحيح؟»
أجاب موليسون وهو يغمز: «لقد اشتراها على الفور.»
سأل سبارجو: «اشتراها على الفور إذن. وكم دفع لك ثمنًا لها؟ أتمنى أن يكون مبلغًا كبيرًا.»
رد موليسون: «دفع جُنيهَين، بعدما تظاهَرتُ بالتردُّد في التفريط فيها بأقلَّ من ذلك.»
قال سبارجو: «حسنًا جدًّا. وهل يُمكِنك إخباري باسم العجوز وعنوانه يا موليسون؟»
رد موليسون: «نعم سيدي، لقد كان مكتوبًا على بابه، وهو الباب الخامس أو السادس في زقاق ميدل تمبل. اسمه السيد نيكولاس كاردلستون، في الطابق الأول.»
قام سبارجو من كرسيِّه دونَ أن ينظر إلى بريتون.
وقال: «تعالَ معي يا موليسون. سنُجرِي الترتيبات لتحصل على جائزتك. أستأذنك للانصراف يا بريتون.»
انتظر بريتون وحده نصفَ ساعة. ثم عاد سبارجو.
وقال: «هكذا انتهينا من إحدى المهام يا بريتون. وها قد حان وقتُ المهمة التالية. لقد أصدرتْ وزارة الداخلية أمرَ فتحِ القبر الذي في ماركت ميلكاستر. سأذهب إلى هناك على الفور، وأظنك ستُرافِقني. لكن تذكَّرْ: إذا كان القبر خاليًا …»
قاطَعَه بريتون: «إذا كان القبر خاليًا، فسأُخبرك بأشياءَ كثيرة.»