من النقل إلى العقل: الجزء الأول (علوم القرآن): من المحمول إلى الحامل
«وعلومُ القرآنِ تجعل القرآنَ موضوعًا للعلم، وتُخضِع الوحيَ إلى منطقٍ للنزول ومعرفةِ حوامله اللغوية؛ لأن اللغة كانت العلمَ الأول من القدماء، مثل العلوم الإنسانية عند المحدثين. وهي مملوءةٌ بالخلافيات مثل علم الفقه، بالرغم ممَّا يُوحي به موضوعُها، وهو القرآن، من اتفاق المسلمين والإجماع عليه.»
يتناول «حسن حنفي» الوحيَ لا من حيث هو محمولٌ إلينا، وإنما باعتباره حاملًا؛ إذ إنه لا يُمكِن للمحمول أن يكون دونما حامل. وأول هذه الحوامل هي الحوامل الموضوعية التي ترتبط بطبيعة الوحي باعتباره ظاهرةً تاريخية؛ أيْ أن الوحي يرتبط ارتباطًا زمانيًّا واجتماعيًّا (أسباب النزول) ومكانيًّا (مكة والمدينة) بالبيئة التي نزل فيها. والحامل الثاني موضوعيٌّ ذاتي، فالوحي روايةً يخبرنا بأمرٍ ما، وقراءةً أصبح له علمٌ خاص به بعدما تَداخَلَت لهجةُ قريش مع لهجاتِ غيرها من القبائل، وتدوينًا يحوِّل القرآنَ من نصٍّ شفاهي إلى نصٍّ مكتوب. ثم تأتي اللغةُ حاملًا ذاتيًّا للوحي، وتلعب دورًا محوريًّا في فَهمه وإيصاله للمُخاطَب، سواء باستخدام اللفظ، أو الأسلوبِ البلاغي، أو التفسيرِ الذي ضمَّ المعنى واللفظَ والبلاغةَ في الذهن ليُحوِّل الوحيَ من المنظوم إلى المفهوم.
في هذه السلسلة يُحاوِل «حسن حنفي» إعمالَ العقل فيما تركه لنا الأوَّلون من تراثٍ أصبحنا نَتوارَثه نقلًا وكأنه علمٌ مقدَّس لا يجوز تأويله أو دراسته، وذلك عن طريق عَقْلنة العلوم الخمسة في السلسلة (القرآن، الحديث، التفسير، السيرة، الفقه)، التي خصَّص «حنفي» لكلِّ موضوعٍ فيها كتابًا على حِدَة.