عندما يتدخل الدين في السياسة
أكتب هذه الكلمات من لوس أنجلوس؛ المدينة التي تستضيف أكبر عدد من المهاجرين ذوي الأصول الإيرانية في العالم. كنا في أواخر شهر يونيو من عام ٢٠٠٩. في هذه الدولة النائية — والقريبة في ذات الوقت من أذهاننا — تنطلق مظاهرات ضخمة احتجاجًا على الانتخابات الرئاسية محل الخلاف، التي «فاز» بها الرئيس أحمدي نجاد. وعلى تويتر وفيسبوك والهواتف المحمولة وكاميرات الفيديو أو نشرات الأخبار على شاشات التليفزيون نعرف جميعنا، بل نرى بأعيننا، الأحداث التي تجري في شوارع طهران وتبريز وأصفهان، والتي لم تتضح نتائجها بعدُ، لكن الواضح للجميع أن ثمة صراعًا جديدًا بين القوة الغاشمة للشرطة والميليشيات من ناحية، والقوى الأدبية والمعنوية المحتشدة التي حرَّكها الإحساس بالظلم من ناحية أخرى. إنها «السلطة» تتحدث بلغتها الخاصة إلى «الحقيقة».
وبصفتي رجلًا اهتم طوال حياته بألغاز المعرفة الإنسانية؛ فقد حاولت دائمًا أن أسأل نفسي عما «أرى» عندما «أنظر» إلى شيء ما. ماذا أفهم، وكيف أستوعب أو أفسر ما يمر أمام عينيَّ؟ وبالمثل، باعتباري شخصًا له اهتمام طويل أيضًا بالدين والسياسة، فإنني أطالب نفسي بالمزيد لأصل إلى ما «أرى» عندما «أنظر» إلى تلك الصور القادمة من إيران البعيدة. كيف «أفهم» الأحداث الجارية في إيران في يونيو ٢٠٠٩ التي أشاهدها بعينيَّ؟ هل «أرى» السياسة فقط؟ وإن كان هذا ما أراه، فما معنى أن «أرى» شيئًا «سياسيًّا» عندما «أنظر» إلى المظاهرات أو صناديق الاقتراع المُغلقة بالأقفال، أو اللافتات بالإنجليزية التي تقول: «أريد صوتي»، أو السياسيين الذين يعلنون الفوز بالانتخابات، والآخرين الذين يعترفون بالهزيمة، أو عندما أسمع المتظاهرين يهتفون: «الموت للديكتاتور»؟ ألا يمكنني أن «أرى» «السياسة» دون سواها في صور ملالي الشيعة المعمَّمين وحاملي لقب «آية الله» المبجلين والنساء «المحجبات»، وأسمع الحديث عن «الشهداء» و«الفداء»، أو أميز نداءات «الله أكبر!» في أذان العشاء التي تتردد من على الأسطح في جميع أرجاء المدينة؟ هل يمكن لكل ذلك الذي «أنظر» إليه أن «يُرى» أو يُفهَم بالشكل الأمثل من زاوية واحدة فقط هي «السياسة»؟ من الواضح أن الإجابة لا.
بمرور الأيام، تسعى السلطة الدينية الحاكمة إلى فرض إرادتها، لكنها وسط سعيها ذاك تصنع صورتها الدينية الموازية؛ الشهداء المستضعفون العظماء رغم ذلك من بين من سقطوا؛ فمقابل كل متظاهر يُقتل، ثمة شهيد يولد، ومقابل كل متظاهر تشعر «السلطة» أنها أزاحته خارج الصراع، يُنعى شهيد آخر، ويولد رمز «روحي» جديد. وفي مواجهة قوة ميليشيا الباسيج الغاشمة التي تستخدم الهراوات لتفريق حشود العُزَّل، تعلو الهتافات المناوئة للكذب والاحتيال والهيمنة متلفظة بالعبارة ذات السلطة المطلقة: «الله أكبر!»
إن كانت سياسة طهران هذه في يونيو ٢٠٠٩ تدخل تحت بند «السياسة» وحدها، فهي إذن نوع استثنائي جدًّا من السياسة، لا يضاهيها الكثير في العالم الغربي المعاصر. ربما تشبهها قليلًا مظاهرات فترة الثمانينيات من القرن العشرين التي اندلعت في أحواض بناء السفن في مدينة جدانسك؟ فهناك هتف المضربون المنتمون لحركة التضامن بشعارات مناوئة للنظام السياسي، رافعين إما صور البابا يوحنا بولس الثاني، وإما صور عذراء تشيستوخوفا المباركة في وجه قوات الأمن الحكومية. وكذلك تمر بأذهاننا مشاهد من المظاهرات المطالبة بالحقوق المدنية للسُّود في أمريكا في ستينيات القرن العشرين يتزعمها رجال الدين منشدين ترانيم يقتصر ترديدها عادة على الكنائس.
يطرح هذا النوع من «السياسة» الذي «اعتُبر» بنفس القدر «ذا صبغة دينية» عددًا من التساؤلات، فهل ثمة شيئان مختلفان تمامًا اسمهما الدين والسياسة؟ ألا يزال التمييز بين الاثنين ممكنًا أكثر من الفرق بين «الدين» و«المعتقدات الشاذة» مثلًا؟ أليس من المحتمل أن يكون تمييزنا بين «الدين» و«السياسة» مجرد وسيلة للتلاعب بأحدهما، كالحال مع جهود التفريق بين «الدين» و«المعتقدات الشاذة»؟ يُقال إن «السياسة» لا مكان لها في دور العبادة «الدينية»، و«الدين» كذلك يدخل ضمن الشئون الخاصة والشخصية، ولا ينتمي للساحة العامة التي نمارس فيها «السياسة»، إلا أننا نصطدم بعد ذلك بالأخبار الواردة من إيران، فيستحضر «رجال السياسة» السلطة المقدسة الممنوحة لهم بصفتهم رجال دين، ويحتج المتظاهرون الذين يهتفون «الله أكبر» على نتيجة انتخابات رئيس الجمهورية، فهل أحد العملين «ديني» والآخر «سياسي»؟ وإن كان هذا هو الحال، فأيهما ديني وأيهما سياسي؟ هل من الممكن ألا تنطبق أوجه الاختلاف بين الدين والسياسة على إيران؟ ألا يصلح استدعاء صورة حركة التضامن أو د. مارتن لوثر كينج بالنسبة إلينا؟ أم أن العكس صحيح؟
وإذا قررنا — علاوة على ذلك — أن نصنف الأحداث إما «سياسية» وإما «دينية»، فما الذي نقر به فيما يخص رؤيتنا الأشمل للعالم إن فعلنا؟ في أغلب الأحيان، نتصور على ما يبدو أن الدين والسياسة شيئان متمايزان من الناحية الموضوعية مثل «أداتين»؛ كالمطرقة والسندان؛ لذا قال البعض إن كان كلٌّ من الدين والسياسة حاضرًا في أحداث طهران أو جدانسك أو مدينة سِلما، على سبيل المثال، فإن الدين كان «يُستغل» لأغراض سياسية؛ حيث «تستغله» القوى السياسية «لضرب» خصومها، فيشكو مدوِّن يكتب في موقع مخصص لمراقبة ثاديوس ماكوتر؛ عضو الكونجرس عن ميشيجان بذلك الأسلوب، قائلًا: «إن السياسة عمل كريه، بينما الدين عمل جميل؛ لذا عندما يحاول سياسيٌّ بمنتهى الوقاحة أن يستخدم الدين لينفذ أهدافه السياسية ينبغي على المواطنين أن يشعروا بالحنق» (بلوجر ٢٠٠٨). وبالغ القس بات روبرتسون في قوله: إن الإسلام «يُستخدم» هذه الأيام بشكل كامل لأغراض «سياسية»، لدرجة أن جوهره «الديني» أصبح سياسيًّا تمامًا. يقول روبرتسون: «علينا أن نعترف أن الإسلام ليس دينًا. إنما هو حركة سياسية عالمية تهدف إلى الهيمنة على العالم.» (روبرتسون ٢٠٠٧) فقد أخرجت «مطرقة» السياسة في الإسلام «سندان» الدين من الصورة تمامًا.
في المقابل، شكا آخرون من أن الدين «استخدم» السياسة؛ أي أن شيئًا أخرويًّا في جوهره تحوَّل إلى شيء يتعارض مع طبيعته، أي جرى تسييسه. لقد كانت التهمة الشائعة الموجهة لليمين المسيحي الأمريكي أنه حاول الإمساك بمطرقة السلطة «السياسية» لينفذ أغراضه الدينية الخاصة التي من بينها السيطرة على هيئات التدريس المحلية، ومنع تدريس نظرية التطور الداروينية في المدارس الحكومية، وحصد الأغلبية في مجلس النواب، ومِن ثمَّ تجريم عمليات الإجهاض، وزواج المثليين وغير ذلك. وفي وقت ليس ببعيد، أثار انتخاب جون كينيدي بصفته أول رئيس يتبع المذهب الكاثوليكي الروماني مخاوف من أن يكون ذلك مؤامرة تعلن بدء عصر السيطرة البابوية على الأمة، وأحيانًا تكون الشكوك المتعلقة بالنوايا السياسية للفاتيكان بنفس قوة تلك الشكوك التي تحوم حول اليمين المسيحي في الولايات المتحدة. ويذكرنا بهذه المخاوف تعليق على مدونة من قارئ اسمه روبرت سِنجر ردًّا على مقالة ميتشيل ماديجان سومرفيل بعنوان «وُلدت من جديد في بروكلين» في صحيفة نيويورك تايمز؛ إذ يصف سنجر الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في لهجة قاسية بأنها «كنيسة سياسية … يحكمها أساقفة وكرادلة وباباوات سياسيون» (رسالة من روبرت سنجر ٢٠٠٩). إنها مطرقة الدين وسندان السياسة.
إذن عندما «ننظر» إلى احتجاجات طهران فما الذي «نراه»؟ هل «نرى» مثل هذا الاستغلال أو الاستخدام السياسي «للدين» من قِبل أيٍّ من الطرفين؟ هل «نرى» سياسة النظام «القبيحة» في جوهرها عندما «ننظر» إلى القوات شبه العسكرية التي تواجه الحشود التي تعتنق دين التظاهر السلمي «الجميل» بالأساس؟ أم «نرى» دين الملالي المسيس «القبيح» وقد انكشف فلم يعد دينًا جديرًا بالتصديق على الإطلاق، بل مجرد قناع لسياسة الهيمنة التي يلعبها النظام؟ وأيضًا هل «نرى» — ربما — دين المظاهرات «جميلًا» على وجه التحديد؛ لأنه — بعكس السياسة — شيء حميم وراءه إيمان عميق، وليس مجرد غطاء «لسياسة» العلمانية الغربية من ورائه؟ أم هل «نرى» الدين في شوارع طهران «جميلًا» على نحو خاص؛ لأنه — على غرار مسيرات د. مارتن لوثر كينج وغاندي — ربط الحياة على نحو شجاع بخلاص شعوب العالم؟ إن الأسئلة لا تقتصر على طهران، فبالنظر إلى نوع مشابه من الحركة الجماهيرية: ما الذي «رأيناه» عندما «نظرنا» إلى أحداث ساحة تيانانمن في يونيو عام ١٩٨٩؟ هل كانت تلك الأحداث هي الأخرى مجرد عمل «سياسي» من قِبل المتظاهرين؟ هل كانت الأحداث «سياسية» مجردة من «الدين»، فتختلف بالتبعية عن «السياسة» الشاذة التي تُمارَس في جدانسك وطهران وسلما؟ وعندما وقف «رجل الدبابة» ذلك الرمز المنفرد أمام دبابة متحركة وأجبرها على التوقف باستخدام السلطة المتجسدة فيه باعتباره إنسانًا، هل كنَّا «نرى» ما «رأيناه» في جدانسك أو طهران أو الجنوب الأمريكي؟ سيقول البعض إن إعلان رجل الدبابة بشكل عملي لقداسة إنسانيته الفردية يُعد «عملًا دينيًّا» بقدر ما كان رفع صورة العذراء المباركة أو صيحة «الله أكبر».
إلا أن هذه التساؤلات لا يمكن الإجابة عنها مباشرة، والسبب في عدم إمكانية الإجابة لا يتعلق بالحقائق التي تنبع منها تلك التساؤلات؛ إذ إننا لن نقترب من الإجابات في حال معرفتنا المزيد عن رجل الدبابة، أو مارتن لوثر، أو غاندي، أو المتظاهرين في طهران. فالسبب في عدم إمكانية الإجابة عن هذه التساؤلات هو أن مفاهيمنا عن الدين والسياسة (والسلطة) متعارضة منهجيًّا أو غير واضحة، ويتقيد استخدامنا لهذه المصطلحات بفرضيات غير مدروسة، فلكي نبدأ بالبحث في التساؤلات التي تظهر أمامنا عن الدين والسياسة، علينا أولًا أن نُجري عملية بلورة أساسية لنظرتنا إلى الدين والسلطة والسياسة. علينا أن نشكك في افتراضاتنا المتعلقة بالطريقة التي نتحدث بها عن «السلطة»، على سبيل المثال، باعتبارها مجالًا موحدًا. علينا أن نختبر الأفكار التقليدية الشائعة التي تحيط بمفهوم «الدين»، باعتباره شيئًا جيدًا (أو سيئًّا) في جوهره، وباعتباره يقينًا داخليًّا ومنغلقًا ومستقلًّا، ويمكن اختزاله في الإيمان ببعض المعتقدات. علينا أن نتحدى الافتراض المسبق القائل بأن السياسة مستقلة، وأنها أعلى من جميع أبعاد الحياة الأخرى؛ كالفضيلة أو الاقتصاد أو الدين. وعلينا كذلك أن نتساءل لماذا يجب أن نتفق مع الرؤية الشائعة القائلة بأن «كل شيء مرتبط بالسياسة»؟ وذلك هو الهدف من هذا الكتاب.
ومن ثم فإن هذا الكتاب لا يتناول دقائق أمور «الدين» في هذا المكان والزمان أو ذاك، فالأمر لا يقتصر على عدم استعدادي لتأليف كتاب حول الدين والسياسة في الدول التي «تبدأ أسماؤها بحرف الألف» على سبيل المثال — وهي أيرلندا وإسرائيل وإندونيسيا وإيران والعراق وإنجوشيتيا وغيرها — فحسب، بل إن مثل هذه الكتب قد أُلفت بوفرة؛ «فقد مررت بهذا الموقف وفعلت ذلك.» إذن كيف تكون طبيعة نوع آخر من الكتب عن السياسة والدين؟ لكي يكون الكتاب مؤثرًا، فسيكون عليه أن يتناول الدين والسياسة «بصفة عامة»، لكن كيف له في عموميته تلك أن يتجنب التعميمات الكاسحة البلهاء التي تنبع من نظرتها الدونية للعالم وكأنها من الرب؟ سيكون من التهور الصريح محاولة تأليف كتاب يدَّعي احتواءه للدين والسياسة على مستوًى عالمي، قبل التفكير النقدي على الأقل في كيفية استخدامنا لكلمتي «الدين» و«السياسة» ودراسة الافتراضات التي تكمن فيما وراء ظاهر حديثنا اليومي عن الدين والسياسة؛ لذا فإن ما أطرحه في هذا الكتاب هو التفكير النقدي فيما يتعلق بالمسميات الأساسية التالية: الدين والسلطة والسياسة.
كذلك سأحاول أن أذهب لما هو أبعد من ذلك. لقد كان المشاركون في كل الأحداث المذكورة في طهران وسلما وجدانسك وساحة تيانانمن — بطرق مختلفة — يمارسون «السياسة»، وربما تتوافر أسباب تحتم التمييز بين كل تلك «الطرق». فمن ناحية، هناك القوة التي لا يمكن مقاومتها للسلطة القسرية المطلقة، ومن ناحية أخرى، هناك مقاومة الروح العنيدة عقلًا (وقلبًا) التي لا تتزحزح، لكن هل يختلف هذان العاملان بدرجة كافية تستحق اختلاف المسمى، أم إنها مجرد ألفاظ مختلفة لكلمة «السلطة» في نفس السياق؟ ربما هما «شيئان» مختلفان، أم أنهما ضربان من «الشيء» ذاته؟ هل من السخف القول بأن السياسة، من ناحية، تكتسي بحلتها المخيفة المميزة: القوة المطلقة والقسرية القاهرة؟ ألا نقر من الناحية الأخرى في ضوء الالتزام والرؤية الأخلاقية «بأسلحة الروح»، والتحريم الديني، والإصرار العنيد على الشرعية، والرغبة في الاعتراف بالسلطة الشرعية المستحقة، والإيمان بتقديس أشياء معينة وحفظها؟ إن هذا الكتاب ينطلق من إدراك الفروق في بنية هذه العوامل في عالمنا؛ فمن دون وضع تعريفات وتحديد فروق راسخة ومُحكمة ومجردة بين الدين والسياسة، سأسعى لفهم ما نقصده بالتفريق بين كلٍّ منهما، أو بالخلوص في المقابل إلى أنهما وجهان لعملة واحدة. ما الذي «يضيفه» ذلك إلى الطريقة التي «نرى» بها الأحداث في طهران في يونيو ٢٠٠٩ لنَصِفها بأنها أحداث «دينية» كما هي «سياسية»؟ ما الذي نحاول أن نبرزه عندما نقول: إننا «نرى» شيئًا «دينيًّا» وسط ما هو «سياسي»؟
وعليه، سأحاول أن أناقش الأسئلة التي طرحتُها من خلال الغوص في بحر المفاهيم الأساسية للدين والسلطة والسياسة؛ لنتمكن من شق أصداف المعاني الكامنة فيها واستخراج دُررها، لكن هدف الكتاب بعد الوصول إليها هو التنقيب فيها من أجل الوصول إلى فهم أفضل للدين والسياسة. إن تلك العملية الشاملة لغربلة مسمياتنا هي ما أسميه «الاستقصاء»؛ لذا في الفصل المقبل «سأستقصي» مفهوم «الدين» بالوجه الدارج في اللغة الشائعة، وحسبما رأته الأوساط الأكاديمية مؤخرًا، على حدٍّ سواء. وفي الفصل الثالث، سنُجري استقصاء مفهوم «السلطة» كما نُجري استقصاء مفهوم «السياسة» في الفصل الرابع. وبمجرد استقصاء تلك المفاهيم، لن أترك الأمر يقف عند هذا الحد، فالمفاهيم هي أشياء تستخدم للتعامل مع العالم من حولنا، وليست مسائل مجردة للتأمل النقدي وحسب. ربما يصلح التلاعب بالألفاظ في الهزل، لكنه لا ينفع في الجد. إن من بين أسباب تأليفي هذا الكتاب هو أنني أشعر بوجود قضايا عديدة تقع علينا مسئولية التعامل معها بصفتنا مفكرين مُنحوا ذلك الامتياز. وبينما هو ضروري أن ننظر في مسمياتنا — وأن «نستقصي» الدين والسلطة والسياسة — فإنني أريد أن يكون تفكيرنا مستندًا إليها كذلك. فعن طريق النظر من خلال المفاهيم النقدية إلى عالمنا، وبإضافة أفكارنا إلى بوتقة كل من خطاب الجامعات وخطاب المجتمع بصفة أعم، نضطلع — نحن المفكرين — بدورنا المسئول في الحوار المجتمعي؛ لذا سأحاول في الفصل الأخير أن أبيِّن كيف يمكن للتفكُّر بشأن مفاهيم الدين والسلطة والسياسة المبينة في الفصول الثاني والثالث والرابع على الترتيب أن يثري التفكير المستند إلى تلك المفاهيم في الفصل الخامس بالتطبيق على مسألة الانتحاريين في الشرق الأوسط.