سيكولوجية المرأة
(١) تطلُّع المرأة إلى الكمال
ليس من اليسير أن يقف الباحث موقفًا موضوعيًّا بحتًا في دراسته لسيكولوجية المرأة أو الرجل، كما لو كان يقوم بدراسة في علم الكيمياء أو الطبيعة؛ فبوصفه إنسانًا يُصدِر حكمًا على بني جنسه فإنه يميل من حيث لا يشعر إلى شيء من التحيز؛ فالباحث سواء تكلَّم عن جنسه أو الجنس الآخر مُتأثِّر بتجاربه السابقة، وبالصورة التي قد يكون قد اكتسبها منذ طفولته عن أبيه وأمه، وبالنموذج الذي تبلورت ملامحه وسماته خلال الخبرات التي عاناها في سن المراهقة، عندما كان يتلمَّس في الجنس الآخر ما يُرضي نهمه العاطفي، ويُشبع حاجته إلى العطف والحب الناشئ.
الواقع أن هناك سوء تفاهُم مُزمِن بين الجنسَين يرجع عهده إلى فجر التاريخ. وممَّا دعم سوء التفاهم هذا أن المُفكرين والمُشرعين، وخاصة المُؤرخين، كانوا من الرجال، وعندما تحدَّثوا عن المرأة كثيرًا ما وصفوها بالضعف والمكر والاحتيال، وغيرهما من الصفات التي يتَّخذها الضعيف للتغلب على القوي.
وحتى في الحياة اليومية نرى أن بعض الأساليب التي يستخدمها الآباء في تربية أطفالهم تخلق في نفوس الناشئين سوء التفاهم بين الجنسَين، وتجعل كل جنس يقف من الآخر موقف الاحتقار والازدراء، أو موقف التحفظ والحذر.
ومن واجبنا جميعًا أن نُزيل سوء التفاهم هذا، أو على الأقل أن نُحاول مُخلِصين التخفيف من حدَّته. وأول خطوة يجب أن نخطوها هي البحث عن منشأ هذا الخلاف في الرأي بين الجنسَين عندما يحكم كلٌّ منهما على الآخر. ويبدو لي أن السبب الرئيسي يرجع إلى محاولةِ كلٍّ منهما المُفاضلة بينهما؛ أيهما أفضل وأرقى وأكمل من الآخر؛ الرجل أم المرأة؟ أيهما هو المثل الأعلى أو النموذج الذي يجب على الجنس الآخر أن يُحاكيه أو أن يُحققه في نفسه؟ إن هذه الأسئلة لا معنًى لها مُطلَقًا، وإن دلَّت على شيء فإنها تدل على سذاجة في التفكير، ولا يمكن أن تصدُر إلا عن شخصٍ يقف موقف الأطفال الذين لم يتمَّ بعدُ نُضْجهم الانفعالي؛ إذ إن المُفاضلة أو المُقارنة لا يمكن أن تقوم إلا بين شيئَين أو أمرَين خاضعين لنوعٍ واحد من القياس، وهل ينطبق ذلك على الرجل والمرأة؟ هل الاختلاف في الجنس اختلافٌ عرَضي كمي يُعبَّر عنه بالزيادة أو بالنقصان، أم هو اختلافٌ جوهري كالاختلاف الموجود بين نوع ونوع آخر؟
يوجد فريق يذهب إلى أن الفرق بين الجنسَين فرقٌ جوهري فطري يرجع إلى اختلافٍ أساسي في بناء الجرثومة التي ستكون إما ذكرًا أو أنثى، في حين أن فريقًا آخر يؤكِّد أن الفرق بين الذكر والأنثى هو فرق في الدرجة، وأن هناك سلسلة من الدرجات المتوسطة تصل بين الأنوثة والرجولة، وأن التطور يبدأ من صورة الأنثى ويتَّجه نحوَ شكلٍ أرقى هو كمال الرجولة؛ فإن المرأة في نظر أولئك القوم ليست إلا رجلًا ناقصًا لم يكتمل نموُّه.
فالنمو الأمثل الذي يجب أن تُحققه المرأة هو اكتمال أنوثتها؛ وذلك باستخدام الوسائل المُلائمة لطبيعتها كمرأة. وكذلك فيما يختصُّ بالرجل.
وممَّا هو جدير بالذِّكر، بصددِ سعيِ كلٍّ من الجنسَين لتحقيق هدفه، أن المرأة تستهدف مثلًا أعلى يفُوق في صرامة مَطالبه وفي سموِّه المُطلَق المثلَ الأعلى الذي يستهدفه الرجل؛ فإن المرأة تتطلَّع أكثر من رفيقها إلى المُطلَق وإلى استكمال النقص؛ ولهذا السبب كان طريق الأنوثة أشد وُعورة من طريق الرجولة. وإزاء هذه الصعوبات التي تعترض تحقيق رسالتها كاملة كثيرًا ما تلجأ المرأة إلى التضحيات الضِّخام، وإلى إنكار ذاتها إلى حد البطولة الصامتة المُستترة وراء قناع من الرضا المُصطنَع.
إن هذا الجانب الهام بل الجوهري في نفسية المرأة، ليس من نسيج الخيال أو من وحي الشعر، بل هو حقيقةٌ واقعية أسفرت عنها الدراسات التحليلية منذ نصف قرن، فجاءت مؤيِّدة لشهادة التاريخ ولوحي الشعراء.
يقول فرويد مُنشِئ التحليل النفسي في بحثٍ نشره عام ١٩٣١ عن الوظيفة الجنسية عند المرأة: إن تحقيق التوازن لدى المرأة أشقُّ بكثير من تحقيقه لدى الرجل، وإن أمامها ثلاثة طُرُق أحدها هو الطريق السوي المؤدِّي إلى الأنوثة الواضحة المُستقرة، غير أنه أشق الطُّرق مَسلكًا، وأما الطريقان الثاني والثالث ففيهما شذوذ واعوجاج؛ فإما تشويه الخلق بتغلب عناصر الرجولة على الأنوثة، أو كف النشاط الجنسي وكبته وفصله عن الوظيفة التناسلية.
ولنتساءل الآن عن منشأ هذا التطلع الفائق إلى الكمال المُطلَق الذي يطبع المرأة بطابَعه الخاص، قد يقول بعضهم إن المرأة لم تقف هذا الموقف إلا كردِّ فعل للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي فرضها عليها الرجل صاحب السلطة التشريعية وغيرها من السلطات، والتي جعلتها تعتقد وتشعر أنها كائنٌ ضعيفٌ ناقصٌ محكوم عليه أن يظل على الدوام قاصرًا. والآن وقد نهضت المرأة من سُباتها، وأخذت تُطالب بحقوقها المهضومة، وبالمُساواة التامَّة بينها وبين الرجل، نجدها راضية بأن تُخفِّف من وطأة هذا المثل الأعلى، مُشيرة إلى أن تسلك طريقًا أقل وُعورة من الطريق الذي رسمه لها الرجل.
إن هذا الدفاع لا يُصيب لُبَّ المشكلة؛ فهو ضرب من التفكير الجدلي السطحي الذي قد يُستخدَم بنجاح في الدعاية السياسية الرخيصة، ولكنه عديم القيمة من الوجهة العلمية؛ فإن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تعيش فيها المرأة ليست هي العلة لشعور المرأة بالنقص، بل هي معلولة لعلةٍ أصلية يجب البحث عنها في طبيعة المرأة نفسها، وفي تركيبها الجسمي، وفي وظائفها البيولوجية، وفي رسالتها من حيث هي متَّجِهة لنظامٍ طبيعي يشملها ويفُوقها، ومن حيث هي مُساهمة في النظام الاجتماعي الذي تعيش فيه.
فإذا أردنا أن نفهم تطلُّع المرأة إلى المُطلَق والكمال على حقيقته، يجب علينا أن نفهم طبيعتها الجسمية، وأن ندرس العوامل التي تُعين نموها من الوجهة التشريحية والفسيولوجية والبيولوجية، ثم بعد ذلك، وفي ضوء الحقائق التي تُقدِّمها لنا هذه الدراسة، ننتقل إلى دراسة العوامل التي تُعين نموها النفسي والاجتماعي. فلا يوجد أحد اليوم يستطيع أن يُنكِر الصلة الوثيقة التي تربط شروط النمو النفسي بشروط النمو الجسمي، ويتوقَّف استقرار النمو النفسي وثباته على مدى استقرار الوظائف الفسيولوجية وثباتها، ومن الحقائق التي لا تخفى على أحدٍ أن التوازن الفسيولوجي في المرأة أشد تعقدًا وأدق تركيبًا وأكثر تعرضًا للتغير والاختلال من التوازن الفسيولوجي في الرجل؛ فلا غرابة إذن في أن يكون التوازن السيكولوجي لدى المرأة أعسَرُ تحقيقًا من التوازن السيكولوجي لدى الرجل، ما دُمنا نُسلِّم بالارتباط الوثيق بين النفسي والجسمي وتبادُل الأثر بينهما.
(٢) طبيعة المرأة من الوجهة التشريحية
سنُقسِّم حديثنا عن طبيعة المرأة من الوجهة الجسمية، في مُقابل طبيعة الرجل، إلى ثلاث نواحٍ؛ أولًا: الناحية التشريحية؛ أي شكل الجسم من الخارج، ثم تركيب الأعضاء والأجهزة. ثانيًا: الناحية الفسيولوجية؛ أي دراسة الوظائف العضوية الخاصة بالمرأة. ثالثًا: الناحية البيولوجية؛ أي وظيفة المرأة بصدد الحياة؛ أي وظيفتها كأمٍّ. وسنُشير في أثناء معالجة كل ناحية من هذه النواحي الثلاث إلى أثرِ كلٍّ من العوامل التشريحية والفسيولوجية في نفسية المرأة وسلوكها.
نتناول أولًا الناحية التشريحية السطحية الخاصة بشكل الجسم كما يبدو في نظر الأطفال؛ فمن المعلوم أن الأطفال يقُومون بمقارنة بعضهم ببعض، وممَّا يلفت نظرَهم الاختلافُ الموجود بين تركيب جسم الصبي الصغير وجسم البنت الصغيرة. وقد لاحظ علماء النفس أن البنت الصغيرة تُبدي اهتمامًا أكبر من الصبي في ملاحظة هذا الفرق، ويبدو هذا الفرق في نظر البنت على أنه نقص، وهي تُدرِك هذا الفرق بأنه نقص نظرًا لصِغر سنها وعدم اكتمال قُواها العقلية، وعجزها عن أن تفهم حكمة هذا الاختلاف في التركيب الجسمي. وممَّا يُضاعف أثر الشعور بالنقص لدى البنت الصغيرة موقفُ الكبار الذين يُقلِّلون من شأن البنت ويرفعون من شأن الصبي. مِثل هذا الموقف يُشجِّع الصبيان المُشاكسين على التفاخر بما حبَتهم به الطبيعة من دلائل الذكورة والقوة. وحول هذا الشعور بالنقص الذي تُعانيه البنت الصغيرة، تُثار عواطف أخرى من حسد وعداوة وحقد نحو الجنس الآخر الذي يبدو في نظر البنت أسعد حظًّا منها.
أعترف أنه ليس من السهل قَبول مثل هذه الحقائق والتسليم بوقوعها، بل سيصل البعض إلى وصف هذا الكلام بأنه مجرد أوهام صادرة عن مُخيِّلةٍ مريضة مُنحرِفة. وإذا سلَّم جمهور المُعترِضين والمُعترِضات بأن الطفل حقًّا يُدرِك أوجُه الاختلاف أكثر من إدراكه وجه التشابه، وبأن البيئة فعلًا — وخاصةً في شرقنا العربي — ترفع من قيمة الصبي وتحطُّ من قيمة البنت؛ فإنهم مع ذلك يرفضون التسليم ببقاء هذه الانطباعات الأولية في نفس المرأة. الواقع أننا نُسلِّم أيضًا بزوال هذه الانطباعات والتأثيرات من شعور المرأة، غير أن الملاحظة الدقيقة لبعض ضروب السلوك لدى المُراهقة والمرأة البالغة، وكذلك المُشاهدات الإكلينيكية، تدل بصفةٍ قاطعة على بقاء هذه الانطباعات المُؤلِمة في اللاشعور، وعودتها من جديد أثناء الحياة الزوجية.
والآن بعد هذه النظرة إلى الشكل الخارجي ننتقل إلى التركيب التشريحي الداخلي؛ فأول ما نُلاحظه هو أن الجهاز التناسلي لدى المرأة أكثر تعقدًا وأدق تركيبًا وأشمل أثرًا من الجهاز التناسلي لدى الرجل.
فالمرأة بحكم تركيبها التشريحي، وبحكم وظيفة الحمل، مركَّزةٌ أكثرَ من الرجل حول نفسها، وحياتها الجنسية مُرتبِطة بعددٍ أكبر من الوظائف، أهمها وظيفة تكوين الجنين ووظيفة الرضاعة. ويترتب على ذلك بعض الآثار النفسية الهامَّة؛ فقد تتنازعها أحيانًا قوَّتان مُتضادَّتان: الاندفاع الجنسي من جهة، والخوف من الحمل من جهةٍ أخرى. وقد تتغلَّب القوة الثانية على الأولى؛ ممَّا يؤدِّي إلى بعض المتاعب النفسية، وإلى ألوان من القلق والانحراف.
ويؤدِّي تركيز المرأة حول نفسها إلى نوع من حب الذات، أطلق عليه علماء النفس لفظ النرجسية. وهذا المعنى مُستمَد من أسطورةٍ يونانيةٍ قديمة؛ أسطورة الشاب الجميل نرجس الذي كان يقضي الساعات الطوال في تأمُّل وجهه في الماء والاستمتاع بجماله، فغضِب الآلهة عليه، وحوَّلوه إلى الزهرة المعروفة الآن باسمه.
فلا شك في أن المرأة أميَلُ من الرجل إلى تأمُّل نفسها في المرآة وتجميل وجهها، بل هي تُبدي اهتمامها ببنات جنسها وبأزيائهن وملابسهن ومختلف وسائل التجميل. وينتج من اهتمام المرأة الزائد بشكلها وجمالها ودرجة جاذبيتها شعورُها الحادُّ الواضح بنقائصها الجسمية؛ وبالتالي الصعوبة التي تُعانيها في إرضاء نفسها، وتحقيق مثلها الأعلى في الجمال والكمال.
وأخيرًا نُلاحظ في تركيب جسم المرأة إذا نظرنا إليه في شكله العام أنه يمتاز بوحدة البناء، وبقوة الترابط بين أجزائه، وبدرجةٍ عالية في الانسجام والرشاقة، حتى إن صورة الشكل الكلي تُخفي الأجزاء التي تُكوِّن هذا الشكل. أو بعبارةٍ أخرى، يمتاز جسم المرأة باندماج الأجزاء بعضها ببعض، كأنه أقرب إلى اللحن الموسيقي منه إلى الشكل الجامد المجسَّم.
وممَّا هو جدير بالذِّكر، أن لهذه الصفات التي نُلاحظها في المجال الجسمي ما يُناظرها في المجال النفسي؛ فكما أن أجزاء جسمها تنساب بعضها على بعض، كذلك نجد أنه من حيث التركيب العقلي لا توجد فواصل قاطعة بين عالم الفكر وعالم الحس وعالم العاطفة وعالم الحكم الأخلاقي والاجتماعي؛ فكل هذه النواحي مُندمِجةٌ بعضها ببعض، ومصبوغةٌ كلها بصبغةٍ عاطفية. وإذا كان منطق الرجل يتميَّز بنزعته العقلية الاستدلالية، فإن منطق المرأة هو في صميمه منطق العاطفة. وإذا كان ذكاء الرجل ذكاءً تحليليًّا، فإن ذكاء المرأة أميَلُ إلى التأليف والشمول؛ فهو قائم على نوعٍ من الحدسِ والإلهامِ هو ضربٌ من الفِراسة السريعة، ومن البصيرة التي تستشفُّ بواطن الأمور دون أن تُدرِك تمامًا كيفية هذا الاستبصار والاستشفاف. وعندما تُبدي المرأة حكمها على الأشخاص، فكثيرًا ما يعتمد رأيها على ضرب من المشاركة الوجدانية والتعاطف؛ أي إنها تحكم حسب ما تشعر به من جاذبيةٍ نحو موضوع الحكم أو من نفور منه. وإذا فقدت هذه القدرة على التجاوب العاطفي، فإنها تفقد في الآن نفسه قدرتها على فهم المواقف الإنسانية وتقديرها، ولا يعود إليها حسها السيكولوجي الدقيق إلا إذا نبضت فيها من جديدٍ حياتها العاطفية.
وفي ختام هذا الحديث، يجب التنبيه إلى أن هذه السمات المختلفة لا تظهر واضحةً نقية إلا في حالة الأنوثة المثالية الكاملة. وبما أن هذا المثل الأعلى للأنوثة من العسير أن يتحقَّق كاملًا، وأن النساء يشتركن في هذا المثال الأعلى بدرجاتٍ مُتفاوتة؛ فإنه يترتَّب على ذلك اشتراكهن أيضًا بدرجاتٍ مُتفاوتة في هذه السمات السيكولوجية التي ذكَرنا.
ومهما يكن من أمر هذا التفاوت، فإن الوصف الذي قدَّمناه لطبيعة المرأة من الوجهة التشريحية، وما يترتَّب عليها من سماتٍ نفسية، يظل صحيحًا في مجمله؛ ولذلك ينبغي على الوالدَين، وعلى كل من تدعوه وظيفته في المجتمع إلى العناية بتربية البنت، أن يُراعوا هذه الحقائق الأساسية، وأن يعملوا على أن تسير البنت في نشأتها طبقًا لطبيعة الأنوثة، وأن يحُولوا دون تنمية النزعات الرجولية التي قد تستسلم لها.
(٣) طبيعة المرأة من الوجهة الفسيولوجية والبيولوجية
ذهبنا في الفقرة السابقة إلى أن السمات السيكولوجية والاتجاهات العقلية مرتبطةٌ إلى حدٍّ كبير بالشروط والعوامل التشريحية من شكل وبناء وتركيب، وقد حصرنا هذه السمات والاتجاهات في النقط الآتية:
- أولًا: إحساسها بالنقص العضوي، وما يُسبِّبه هذا الإحساس من قلق وغيرة وحسد وعداوة.
- ثانيًا: تركيز المرأة حول نفسها ونزعتها إلى النرجسية، وما يترتَّب على ذلك من اهتمام بجمال جسمها وجاذبيته؛ وبالتالي اهتمامها بأساليب الدلال ووسائل الإغراء.
- ثالثًا: الدور الهام الذي تلعبه العاطفة في توحيد نشاطها العقلي واتجاهاتها النفسية، وما يمتاز به ذكاؤها من صفة الشمول والتأليف، واعتماد حكمها العقلي على الفِراسة والحدس.
كما لاحظنا أن طبيعة المرأة من الوجهة التشريحية تمتاز بالترابط الوثيق وبوحدة البناء. أما من وجهة الشروط الفسيولوجية، فإن الأمر الذي يسترعي انتباهَنا هو ضعف استقرار هذه الشروط، وتعرُّضها للتغير السريع أثناء المراحل التي تجتازها المرأة؛ مرحلة الصِّبا ثم مرحلة البلوغ واكتمال النمو ثم مرحلة الأمومة. وهذه المراحل مختلفةٌ بعضها عن بعض اختلاف المراحل التي تجتازها الفراشة في نموها منذ أن كانت دودة ثم يرقة.
والوظيفة الهامة التي تخضع لتغيراتٍ دورية كل شهر هي وظيفة تكوين البويضة. ولا يقتصر أثر تكوين البويضة وما يتبعه من عملياتٍ فسيولوجية على إحداث الشعور بالتعب، بل هناك آثارٌ أعمق ترجع إلى إفراز الهرمونات الخاصة بالأنثى دون الذكر. وقبل أن نُبيِّن أثر هذه الهرمونات في كِيان المرأة من الوجهة الفسيولوجية والوجهة النفسية، يجدر بنا أن نتحدَّث قليلًا عن طبيعة هذه الهرمونات، وعن الغُدد التي تُفرِزها.
وإذا نظرنا إلى مجموع الوظائف التي تقوم بها أجهزة الجسم المختلفة نُلاحظ أنها تمتاز بالتكامل؛ أي بالتعاون الوثيق بينها وبانسجام عملها وتآزُر آثارها. ويشتمل الجسم على أجهزةٍ خاصة لتحقيق هذا التكامل؛ الجهاز العصبي من جهة وجهاز الدورة الدموية من جهةٍ أخرى. فالجهاز العصبي يُنظِّم التنبيهات الحسية والحركية، مُحقِّقًا التآزر بين العضلات والتكيُّف مع البيئة الخارجية. أما جهاز الدورة الدموية فوظيفته الأساسية تغذية جميع خلايا الجسم، وإبقاؤها معَدَّة للقيام بعملها بدرجةٍ متَّزِنة من النشاط. ويقوم التكامل الذي يُحقِّقه جهاز الدورة الدموية على أُسسٍ كيميائية، هذا فضلًا عن الارتباط الوثيق بين الجهاز العصبي والجهاز الدوري.
وقد اكتشف العلماء منذ نصف قرن تقريبًا عاملًا هامًّا من عوامل التكامل الكيميائي، هو مادةٌ كيميائيةٌ عضوية سُمِّيت بالهرمون، تُفرِزها غددٌ معيَّنة صغيرة الحجم، تختلف في تركيبها عن الغدد الأخرى التي كانت معروفة من قبلُ، مثل الغدد اللعابية والغدد الدمعية والغدد العرقية. وقد سُمِّيت الغدة المُفرِزة للهرمون بالغدة الصمَّاء؛ أي المُغلَقة على نفسها دون أن تكون لها قنواتٌ خارجية لتوصيل الإفرازات، بل هي تُفرِز مادتها مباشرة في الدم بفضل العدد الكبير من الأوعية الدموية الدقيقة التي تتخلَّلها. وأهم هذه الغدد الصمَّاء هي الغدة النخامية في الدماغ، والغدة الدرقية في الرقبة، والغدة الأدرينالينية الموجودة فوق الكُلية، والغدد الموجودة في البنكرياس والتي تُفرِز هرمون الأنسولين، وأخيرًا الغدد التناسلية التي تُفرِز إفرازًا داخليًّا فوق إفرازها الخارجي.
وهذه المواد الكيميائية العضوية التي تُفرِزها الغدد الصمَّاء تؤدِّي دورًا هامًّا في تنظيم النمو الجسمي والعقلي، كما أن لها أثرًا كبيرًا في الحالة المزاجية والوجدانية عامة، والانفعالية بوجهٍ خاص.
وسنتحدَّث بشيءٍ من الإسهاب عن الغدة التناسلية؛ نظرًا للدور الهام الذي تؤدِّيه في حياة المرأة من الوجهتَين الجسمية والنفسية؛ فالمِبيض كما هو معلومٌ هو العضو الذي يُطلِق كل شهر البويضة بعد أن تكون قد نضجت وأصبحت صالحة للتخصيب، ولكن المِبيض يُفرِز أيضًا نوعَين من الهرمون، الواحد بعد الآخر في فتراتٍ معيَّنة، يُسمَّى الهرمون الأول الفليكولين والثاني لوتيين، ولكلٍّ منهما أثرٌ خاص يتجاوَز حدود العلميات الجسمية إلى الحالة النفسية والمزاجية، حتى إن بعضهم سمَّى الهرمون الأول بهرمون الحب والثاني بهرمون الأمومة، كأن المرأة في مدى كل شهر تمرُّ بمرحلتَين نفسيتين مختلفتين؛ مرحلة الزوجية ثم مرحلة الأمومة. وهذا يُفسِّر لنا بعض ما يُصيب المرأة من تقلب في المزاج، من الانتقال من حالة الفرح والاطمئنان والهدوء المتَّزِن إلى حالة الكآبة والقلق والتوتر؛ فهي كالآلة الموسيقية المهدَّدة ببعض الخلل، والتي تتطلَّب باستمرارٍ تنسيقَ أوتارها برفق ولين، ويقع عبء هذا التنسيق على كاهل الزوج الذي قد تصدمه أحيانًا هذه التقلبات الفجائية في مزاج زوجته؛ غير أنه إذا فهم تمامًا هذه الشروط الفسيولوجية العميقة التي تخضع لها المرأة، يصبح من السهل عليه أن يُساعد زوجته على أن تجتاز بسلامٍ هذه الأزمات الدورية.
وهذا يجعلنا ننتقل إلى التحدث عن طبيعة المرأة من الوجهة البيولوجية؛ أي من وجهة وظيفتها بصدد الحياة وبقاء الجنس؛ أي وظيفة الأمومة.
وحالة المرأة بصدد وظيفة التناسل وبقاء الجنس أكثر تعقدًا من حالة الرجل؛ فالمرأة كما قلنا تقع تحت تأثير هرمونَين مختلفين؛ هرمون الحب وهرمون الأمومة. وقد يكونان في حالة تضافُر وتعاوُن أحيانًا، وفي حالة تنافُر وتضادٍّ أحيانًا أخرى، كأن المرأة تتذبذب بين قطبَين؛ بين الحب من جهة، وبين الأمومة من جهةٍ أخرى، ووظيفتها في كلتا الجهتَين مُتعدِّدة النواحي والأدوار. وقد تكون هذه الأدوار أيضًا أحيانًا مُتضافرة مُتعاونة، وأحيانًا أخرى مُتنافرة مُتضادَّة؛ فهي تقوم بدور الزوجة نحو زوجها وبدور الأم نحو أبنائها. وسوف نُشير إلى أنواع الصراعات التي تنشأ من ازدواج دور المرأة، وكيف قد يكون أحيانًا من العسير التوفيق بينهما، وتحقيق التوازن والعدالة بين مَطالبِ كلٍّ من الزوج ومن الابن.
ثم إن هناك ازدواجًا في موقف المرأة من حيث هي زوجة تنشُد الحب؛ فعَليها في بادئ الأمر أن تلعب دورًا إيجابيًّا فعَّالًا، وميلها الطبيعي إلى التجميل واستخدام أساليب الإغراء والجذب يُساعدها على القيام بهذا الدور، ثم عليها في نهاية الأمر أن تستسلم، وأن تقبَل طيِّعةً راضيةً ما يبدو في الظاهر أنه هزيمة، في حين أنه في واقع الأمر تلبية المرأة لنداء الحياة الجاهدة في البقاء.
وهذه النقطة الأخيرة جديرة بأن تستوقفنا قليلًا؛ لأنها تكشف عن أعمق سر من أسرار طبيعة المرأة؛ فهي ترغب وتخشى في آنٍ واحد كأن هناك غريزةً مضادَّة لغريزة الجنس، ولا يتم تغلُّب غريزة الجنس إلا إذا ضحَّت المرأة بأنانيتها وحبها لذاتها. وهذه التضحية أشق على المرأة المُتمدنة منها على المرأة التي تعيش عيشةً ساذجة طبيعية؛ غير أن سعادتها الحقيقية تتوقَّف في نهاية الأمر على مدى إخلاصها وعمق تضحيتها.
ومن الواضح جدًّا أن هذا الميل إلى البذل والتضحية يظهر ويقوى عندما تصبح الفتاة قادرة على تأدية وظيفتها البيولوجية. نعم، إن البنت الصغيرة تميل في لعبها إلى مُحاكاة دور الأم؛ فهي تفرح عندما يُهدى لها عروسةٌ صغيرة تُعنى بها وتُعاملها كأنها طفلةٌ، فتَحيك لها الملابس، وتُهيئ لها فراشها، وتُراقب نومها مُخاطِبةً إياها أحيانًا بلطف وتدليل، وأحيانًا أخرى بعنف وصرامة، وغير ذلك من أساليب اللعب المستحبَّة لدى البنت؛ غير أنها لا تشعر في الواقع بما يُناسب هذه المواقف من عواطف وانفعالات؛ فالطفلة حتى السنوات الأولى من مرحلة المراهقة تكون من الوجهة العاطفية مركَّزةً حول نفسها، كأنها في حاجة إلى كل طاقتها النفسية لتدعيم شخصيتها الناشئة وإثبات ذاتها، ولا ينمو فيها الميل إلى البذل والتضحية إلا عندما تنضج وتصبح صالحة للقيام بوظيفة الأمومة.
غير أننا نعود فنُقرِّر أن رسالة المرأة ليست مقصورة على ما تبذله من تضحيات في سبيل وظيفتها البيولوجية من حمل ورضاعة ورعاية أطفالها؛ فقبل كل ذلك إن من حقها أن تحظى بحياةٍ زوجيةٍ سعيدة، وبأن تجد في حب زوجها لها وفي حبها لزوجها ما يُرضي حاجاتها الوجدانية من لذة وسرور، ورغباتها العاطفية من حب واطمئنان وتقدير. وسوف نرى عند حديثنا عن الحب والأمومة أنه من المُحال الفصل بينهما، وأن حق المرأة في الحب لا يقلُّ عن حقها في الأمومة، وأن فقدان أحدهما لا يمكن أن يُعوِّضه الآخر إلا إلى حدٍّ ما، وعلى حساب سعادتها الحقَّة وتوازنها النفسي.
(٤) سيكولوجية المرأة من الوجهة العاطفية
أشَرنا فيما سبق إلى العلاقة الوثيقة الموجودة بين التركيب الجسمي والوظائف الفسيولوجية الجنسية، وبين بعض السمات النفسية التي تكون أكثر وضوحًا في المرأة منها في الرجل، ولم نُغفِل أثر البيئة والتربية في نمو هذه السمات أو تعطيلها أو تشويهها. ويظهر أثر البيئة واضحًا عندما نتأمَّل تطوُّر المرأة من الوجهة العاطفية؛ فالعواطف من أهم دوافع السلوك، ومن العوامل الفعَّالة التي تُعين نوع العلاقة بين الأفراد وشدة هذه العلاقة. ويجب أن نذكُر أن تكوين العواطف لا يرجع إلى أثر البيئة فحسب، بل هي تقوم أولًا على ما زُوِّد به الإنسان من ميولٍ فطرية تمتزج جذورها النفسية بالجذور الفسيولوجية من إحساساتٍ مُتنوعة، ومن ضروب الاستجابات التي تؤدِّيها العضلات والغدد.
ومن أهم هذه الإحساسات الفطرية التي ستدخل في تركيب العواطف الإحساسُ باللذة والإحساس بالألم. أما الاستجابات العضلية فتكون إما بالبسط أو بالقبض، بالإقدام أو بالإحجام. ومن هذه المواد الأولية من إحساسات واستجابات وما وراءها من ميول ودوافع فطرية، ستتكوَّن العواطف متَّخِذةً أحيانًا صورةَ الانفعال، أو أحيانًا أخرى صورةَ الاتجاه الوجداني المُستقر إلى حدٍّ ما. وممَّا يُساهم في تعقيد الانفعالات ونمو العواطف وتطورها، العواملُ العقلية من إدراك وفهم وتذكُّر وتخيُّل وتفكير، والتي تنشط بتأثير المواقف الاجتماعية المختلفة التي تُحيط بالمرء منذ طفولته الأولى.
يسير التطور الوجداني في مجالَين مُتميزَين أحدهما عن الآخر في بادئ الأمر، ثم يتم المزج والتكامل بينهما كلما تقدَّم المرء نحو النضج العاطفي، وهذان المجالان هما حسب تاريخ تنشيطهما المجال الحسي أولًا، ثم المجال العاطفي الذي يقوم في بعض أسسه على المجال الأول.
نُلاحظ في المولود الحديث أن معظم نشاطه يدور حول وظيفة التغذية؛ فهو بمثابة جهاز هضمي فحسب، وسائر الوظائف الأخرى من حسية وحركية ليست إلا خدمة لهذا الجهاز. والحواس التي تكون أكثر نشاطًا من غيرها هي الذوق والشم واللمس، ويكون نشاط هذه الحواس وما يُصاحب تنبيهها من حركات مركَّزًا في بادئ الأمر في الفم، وهو مدخل الجهاز الهضمي؛ ففي أثناء الرضاعة يقوم الرضيع بحركات الامتصاص التي تُسبِّب له لذةً معيَّنة، وهو في الوقت نفسه يستمتع بما يُحسُّه من دفء عندما تضمُّه أمه إلى صدرها؛ وعلى ذلك تكون منطقة الفم المركز الأول للإحساس باللذة، كما قد تكون أحد مراكز الإحساس بالألم والتقزز عندما تُوضَع في فمه مادةٌ مُرة مثلًا.
وفي أثناء هذه السنوات الثلاث تبدأ العلاقات الاجتماعية تتكوَّن بين الطفل وبين أفراد أسرته، وأقوى هذه العلاقات هي التي تربطه بأمه، وليست هذه العلاقة بالعلاقة البسيطة؛ فالأم هي مصدر اللذة للطفل، وهي أيضًا مصدر الألم والحرمان أحيانًا، ولكن بعد أن يكتشف الطفل في جسمه المنطقة التناسلية، ويأخذ في البحث عن موضوعٍ خارجي للحب بعد أن كان حبه مركَّزًا حول جسمه، يحدث اختلافٌ هام في التطور العاطفي لدى كلٍّ من الصبي ومن البنت.
فإن طاقة الحب التي أخذت تشعر نحو الخارج تتَّجه نحو شخص من الجنس الآخر، كأن في هذا الاتجاه تمهيدًا للاختيار الطبيعي الذي سيقوم به البالغ فيما بعدُ تلبيةً لنداء الحياة الجاهدة في البقاء.
فالطفل الذكر سيحتفظ بأمه كموضوعٍ خارجي لحبه، أما البنت الصغيرة فإن تطوُّرها العاطفي أكثر تعقيدًا ووُعورة؛ فهي كرضيعةٍ متعلقةٌ بأمها، ومرتبطة بها برباطاتٍ حسية وعاطفية، فعَليها لكي تسير وفقًا لقانون تطوُّرها الطبيعي أن تُوجِّه عاطفتها نحو الأب، وأن تقبل لا شعوريًّا ما تُحدِثه من حرج وقلقٍ منافستُها لأمها نتيجةً لتحويل عاطفتها نحو أبيها، ولكن يجب أن نؤكِّد أن موقف التنافس هذا لا يتنافى مع قيام عواطف المحبة والحنان نحو الأم. قد يبدو ذلك تناقضًا، ولكن ذلك هو قانون الحياة العاطفية؛ أن تجتمع العاطفتان المتضادَّتان في شخصٍ واحد؛ إحداهما شعورية والأخرى لا شعورية. وقيام هذا التناقض العاطفي في الإنسان هو من أهم عوامل الصراع النفسي الكامن في كل شخص، والذي قد يتفجَّر عندما يختلُّ التوازن النفسي، أو يُصاب المرء بصدمةٍ عنيفة لا يقوى على تحملها.
ولكن تعلُّق البنت الصغيرة ليس سوى مرحلة من مراحل تطوُّرها العاطفي، ويقتضي التطور الطبيعي أن تتحوَّل طاقة الحب من الأب إلى الشاب الذي ستختاره الفتاة ليكون شريك حياتها وأب أبنائها. أما إذا ظلَّت مُثبتة في حبها اللاشعوري نحو أبيها، أي إذا وقف تطوُّرها العاطفي عند هذه المرحلة الطفلية، فستكون معرَّضة للشذوذ والانحراف نظرًا لعدم إدماج التيارَين الحسي والعاطفي وعدم تكاملهما؛ فهي بالغة من الوجهة الحسية، ولكنها لا تزال طفلة من الوجهة العاطفية. وكثيرًا ما يؤدي عدم النضج العاطفي إلى تعطيل الوظيفة الحسية، وما يجب أن يُصاحب تنشيطها من لذة وسرور.
إن الحقائق الخاصة بطبيعة المرأة من الوجهة العاطفية هامةٌ جدًّا يجب أن تسترعي انتباه المُربين. وإذا ذكَرنا ما تُعانيه البنت من شعور بالنقص، يتَّضح لنا أن تطوُّر المرأة النفسي أكثر صعوبة من تطوُّر الرجل؛ وعلى ذلك تكون تربية البنت أشقَّ من تربية الصبي، وتتطلَّب عناية أكبر وفهمًا أدق؛ لكي نضمن لها في المستقبل حياةً سعيدة متَّزِنة. وإننا لا نُبالغ إذا قرَّرنا أن بعض الحركات التحريرية التي تدعو إليها بعض زعيمات الأحزاب النسائية المُتطرفة، صادرةٌ عن عُقدٍ نفسية لم تجد حلها الطبيعي، فصارت تبحث عن وسائل التعويض في ميادين تفرض على المرأة أعباءً لا تتلاءم مع طبيعتها؛ فهي وسائل تعسفية للتعويض، إن أرضت المرأة في بادئ الأمر فإنها لا تلبث طويلًا حتى تُضيف ألوانًا جديدة من الشقاء إلى الشقاء الذي قد تُعانيه نتيجة لجهل المُربين، أو لما يُعانونه أنفسهم من انحرافاتٍ نفسية.
وتوضيحًا لما سبق سنُطبِّق الحقائق التي استخلصناها حتى الآن في كلامنا عن الحب ومشكلات الزواج في الفصل القادم.