الباب الثاني عشر
هكذا كان وانج لنج وزوجته وأطفاله كالأجانب في هذه المدينة الجنوبية. حقيقة كان الناس السائرون في الشوارع ذوي شعر أسود كشعر وانج لنج وكل أفراد أسرته. وحقيقة أنه إذا أصغى المرء إلى لغة أولئك الجنوبيين أمكنه فهمها، ولو بصعوبة.
بيد أن القرية الصغيرة المكونة من الأكواخ المستندة إلى الحائط، لم تصبح قط جزءًا من المدينة أو من الضواحي الممتدة بعدها. وذات مرة عندما سمع وانج لنج شابًّا يصيح في حشد من الناس، ويقول أنه يجب أن تحدث ثورة في الصين، ويجب أن تقوم الصين ضد الأجانب الممقوتين، ذعر وتسلل بعيدًا، لأنه أحس بأنه من الأجانب الذين يتحدث عنهم ذلك الشاب.
كان وانج لنج، ذات يوم، في أحد شوارع سوق الحرير يبحث عن راكب، فعلم يومئذ فقط أنه يوجد مَن هم أجانب أكثر منه في هذه المدينة. وبينما كان مارًّا في ذلك اليوم أمام باب حانوت، إذ خرج فجأة من باب ذلك الحانوت مخلوق لم يرَ شبهه من قبل. لم يعرف وانج لنج ما إذا كان هذا المخلوق ذكرًا أم أنثى. ولكنه كان فارع الطول، يرتدي ثوبًا أسود من منسوج خشن، ويضع حول عنقه جلد حيوان ميت. وعندما مر أمام الباب، ناداه ذلك الشخص ثم أخبره بلغة سقيمة أن يذهب به إلى شارع القناطر. فانطلق وانج لنج يجري بسرعة. وفي أثناء سيره نادى سائقًا آخر، كان قد عرفه أثناء عمله، وقال له: «انظر إلى هذا .. ما هذا الذي أجره في عربتي؟»
فصاح الرجل خلفه، وقال: «أجنبية .. إنها سيدة من أمريكا .. إنك غني …»
كان وانج لنج يجري بأسرع ما في مكنته خوفًا من المخلوق الغريب الجالس خلفه.
نزلت السيدة من العربة، وقالت بنفس اللغة السقيمة: «ما كان هناك داعٍ لأن تتعب نفسك بالإسراع حتى تموت»، وتركته بعد أن وضعت في كفه قطعتين من الفضة. وكان هذا ضِعف الأجر المعتاد.
عندئذٍ عرف وانج لنج أن هذه السيدة حقيقة أجنبية، وأن جميع الناس ذوي الشعور السوداء والعيون السوداء من جنس، وذوي الشعور الزاهية والعيون الزاهية من جنس آخر.
رجع وانج لنج إلى كوخه، ذات ليلة، متأخرًا، فوجد في الكرنب المطبوخ قطعة كبيرة مستديرة من لحم الخنزير. كانت هذه أول مرة يحصلون فيها على اللحم منذ أن ذبحوا ثورهم. فتفتحت عيناه، وقال لزوجته: «لا بد أنك أخذت صدقة من أجنبي اليوم!» ولكنها لم تجبه بشيء، غير أن الطفل الصغير امتلأ زهوًا وقال: «أنا الذي أخذتها. إنها قطعتي، قطعة اللحم هذه. فعندما أدار القصَّاب وجهه إلى الناحية الأخرى، خطفتُها.»
فصاح وانج لنج في غضب: «إذن فلن آكل من هذا اللحم! قد نكون شحاذين، ولكننا لسنا لصوصًا.» وأخرج قطعة اللحم من القِدر وألقى بها على الأرض.
عندئذٍ جاءت أو-لان والتقطت قطعة اللحم من على الأرض، وغسلتها ثم وضعتها ثانية في القِدر التي يغلي بداخلها الطعام، وقالت في هدوء: «اللحم لحم.»
لم يُجب وانج لنج بشيء، بل قال في نفسه: «لا بد من أن نعود إلى أرضنا.»