الباب الثاني
أصبح الصباح التالي، فبقي وانج لنج راقدًا على ظهره فوق السرير، ينظر إلى المرأة. ولما علا صوت سعال الشيخ الهَرِم عند الفجر، قال لها: «خذي قدحًا من الماء الساخن إلى والدي، لأجل رئتيه.»
فسألته: «وهل أضع فيه أوراق الشاي؟»
أمضَّ هذا السؤال وانج لنج. كان بوده أن يقول لها: «لا بد من أوراق الشاي طبعًا أم تراك تحسبيننا شحاذين؟» كان بوده أن تعتقد المرأة أنهم يشربون أوراق الشاي دائمًا. غير أنه كان يعلم أن والده سيغضب إذا قدمت له المرأة شايًا، بدلًا من الماء الصرف، في أول يوم. فأجاب بعدم اكتراث: «شاي؟ لا، لا؛ إنه يزيد من حدة السعال.»
ظل وانج لنج راقدًا في فراشه، بينما أوقدت المرأة النار في المطبخ، وسخنت الماء. وجال بفكره فجأة ما إذا كانت قد أحبته.
فُتِحَ الباب ودخلت المرأة في سكونها المعتاد، تمسك بكلتا يديها قدحًا يتصاعد منه البخار. فجلس في فراشه وتناول منها القدح. كان يطفو على سطح الماء بعض أوراق الشاي. فنظر إليها بسرعة، فخافت وقالت:
«لم أقدم شايًا إلى الرجل العجوز .. فعلتُ كما قلتَ لي .. ولكني وضعت لك.»
لاحظ وانج لنج خوفها منه، فأجابها قبل أن تنتهي من كلامها: «لقد أعجبني .. لقد أعجبني.» وشرع يرتشف الشاي في جرعات بصوت عالٍ، دلالة على السرور، وقال في قرارة نفسه: «إن زوجتي هذه لتحبني حبًّا جمًّا.»
خُيِّلَ إليه في الشهور التالية أنه لا يعمل شيئًا غير النظر إلى امرأته. والحقيقة أنه اشتغل كما كان يشتغل من قبل. بَيْد أن العمل كان نوعًا من الترف بالنسبة له لأنه متى عاد إلى بيته، فإنه يجد الطعام مُعدًّا للأكل، والتراب قد أُزِيل من فوق المائدة، وقد وُضِعَت عليها الأطباق وأعواد تناول الطعام، في نظام.
كان وانج لنج إذا ما عاد يجد أرض الحجرة الطينية مكنوسة وكومة الوقود كاملة، ذلك أن المرأة كانت تعود في الظهر ومعها من الحشائش وأوراق الأشجار ما يكفي لطهي الطعام.
أما بعد الظهر فكانت تحمل فأسًا ومقطفًا، وتسير في الطريق الرئيسي المؤدي إلى المدينة، تجمع براز البغال والحمير والخيول، وتحمله إلى الدار لأجل الحقول. كانت تقوم بهذه الأعمال دون كلمة واحدة، وبغير أن يأمرها أحد بعملها.
كانت تُصْلِح ملابس الأسرة. وتغسل الفراش وتنشره ليجف. وفي كل يوم كانت تعمل شيئًا، حتى صارت الحجرات الثلاث نظيفة جميلة المنظر، وتحسَّن سعال الرجل العجوز. فكان يجلس في الشمس، يغلبه النعاس دائمًا، دافئًا مسرورًا.
بَيْد أن هذه المرأة لم تكن تتكلم إلا الكلام المختصر الضروري للحياة. وكان وانج لنج، أحيانًا يفكر في أمرها وهو يشتغل في الحقول. كيف كانت حياتها، تلك الحياة التي لم تقاسمه إياها؟ ثم يخجل من فضوله وإعجابه بها. كانت أخيرًا، امرأة ليس غير.
لم يكن في الحجرات الثلاث، ووجبتين من الطعام ما يشغل امرأة طول اليوم. لا سيما وأنها امرأة كانت عبدة في بيت عظيم، تشتغل من الفجر حتى منتصف الليل. وذات يوم، بينما كان وانج لنج يُفَلِّح القمح النامي، حتى يؤلمه ظهره من الإعياء، كان ظلها يقع على الأرض وهناك كانت تقف حاملة فأسًا على كتفها.
كانت تقول: «لا عمل في البيت حتى يخيم الظلام.» وتعمل في الأرض عن يساره، وتستمر في العزق.
عندما غربت الشمس، عدل ظهره ببطء، ونظر إلى المرأة، فإذا وجهها مبلل بالعرق وملوث بالتراب. كان لونها أسمر بلون الأرض نفسها. وبطريقتها البسيطة المعتادة، قالت: «إنني حُبلَى.»
وقف وانج لنج ساكنًا. لقد انتفخ قلبه فخرًا، فخطف الفأس من يدها، قائلًا: «اتركي هذه الآن. لقد انتهى النهار. سنخبر الرجل العجوز بهذه البُشرى.»
سار الرجل وامرأته عائدين إلى المنزل، وقد تأخرت خلفه بست خطوات، كما كان يليق بالسيدات. وكان الشيخ الهَرِم واقفًا عند الباب جوعان يريد طعام العَشاء، لم يُطق صبرًا، فصاح يقول: «لقد بلغت من الكِبَر عتيًّا ولا يمكنني الانتظار بدون طعام إلى هذا الوقت!»
أما وانج لنج فأنبأه بما أخبرته به زوجته، فقهقه الرجل المسن ضاحكًا وصاح في زوجة ابنه وهي تدخل قائلًا: «ها .. ها .. ها .. إن الحصاد لَقريبٌ إذن!»