الباب الثاني والعشرون
كما شُفي وانج لنج من مرض القلب عندما عاد من المدينة الجنوبية، كذلك شُفي الآن من مرض الحب، بواسطة أرض حقوله الطيبة السوداء. فأمر عماله أن يذهبوا إلى هذا الموضع وذاك. وفي البدء كان يقف هو خلف الثيران، ثم عهد بذلك إلى تشنج، فسلمه خطامها، بينما أمسك هو بالفأس وطفق يعزق الأرض، إذ كان يهوى العزق، وليس لداعي الحاجة قط. فإذا ما تعب، استلقى على الأرض ونام.
عندما أقبل الليل، ذهب إلى بيته مكدود الجسم متعبًا ظافرًا، فأزاح الستار ودلج إلى البهو الداخلي حيث تتبختر لوتس في ثيابها الحريرية. فما إن رأته حتى صاحت فيه، لما على ملابسه من طين. ولما اقترب منها ارتجفت. ولكنه ضحك وقال: «الآن ترين أن سيدك ليس إلا فلاحًا، وأنكِ زوجة فلاح!»
فصاحت في حماس: «لستُ زوجة فلاح. أما أنت فكن ما تشاء!»
عندئذٍ ضحك وانج لنج وانصرف عنها في سهولة.
خُيِّل إلى وانج لنج أنه ابتعد مدة طويلة، وعرف فجأة أنه يجب أن يقوم بأعمال كثيرة.
عندما كان يرجع إلى بيته ظهرًا وفي الليل، كان يأكل جيدًا من الطعام الذي أعدته له أو-لان. من الأرز الجيد والكرنب وخثارة الفول وخبز القمح المحشو بالثوم الطيب. وعندما كانت لوتس تصيح فيه بسبب رائحة فمه، كان يضحك ولا يكترث. إذ شُفِي من مرض حبه.
هكذا احتلت هاتان المرأتان وظيفتيهما في البيت: لوتس كلعبته. أما أو-لان فكامرأة للعمل، وكأم أنجبت أولاده وتطعمه هو وأباه وأطفاله.
كان من فخر وانج لنج في القرية أن يتحدث الناس بحسد عن السيدة التي في بهوه الداخلي. فكانوا ينظرون إليه بعين الاحترام، ويعاملونه كشخص يعيش في بيت عظيم.
شُغل وانج لنج في ذلك الوقت بعدة أشياء. فقد هطلت الأمطار في موسمها، ونبت القمح ونما. وجاء الشتاء فأخذ وانج لنج غلة أرضه إلى الأسواق، إذ كان يحتفظ بحبوبه حتى ترتفع الأسعار. وصحب معه ابنه الأكبر في هذه المرة.
يحس المرء بالكبرياء عادة عندما يرى ابنه الأكبر يقرأ بصوت عالٍ ما كتب على الورق من حروف، ويكتب على الورق بالمرقاش (الفرشاة) والمداد ما يقرؤه الآخرون. وقد أحس وانج لنج بهذا الكبرياء الآن. ولكنه لا يدَّعي بأن هذا أمر غير عادي، أن يكون له ابن كهذا. فوقف مرفوع الرأس يتطلع إلى ابنه وهو يمسك بالمرقاش ويكتب.
فلما انتهى الابن من كتابة اسم أبيه على عقد بيع الحبوب، وعلى إيصال تسلُّم النقود، عاد كلاهما معًا، الأب والابن، إلى البيت. ورأى وانج لنج أنه يتحتم عليه أن يقوم بواجبه نحو ولده: أن يختار له عروسًا ويخطبها له.
أخذ وانج لنج على عاتقه أن يبحث عن فتاة لتكون زوج ابنه. ولم يكن هذا بالعمل الهين، لأنه لا يريد فتاة من عامة الشعب ولا أنثى عادية. فكان يتسمَّع الحديث في كل مكان بمشْرب الشاي، عندما يجرى ذكر الفتيات على الألسنة، أو سيرة الأثرياء بالمدينة الذين لديهم بنات للزواج.
جاء الربيع وبدأت أشجار الصفصاف تخضر قليلًا، وظهرت البراعم القرنفلية اللون في أشجار الخوخ، ولم يعثر وانج لنج على ضالته التي ينشدها لابنه.
أقبل الربيع بأيامه الطويلة الدافئة المعطرة بأريج أزهار البرقوق والكريز، وتغير ابن وانج لنج الأكبر فجأة، ولم يعد طفلًا. وصار عصبيًّا غضوبًا، لا يأكل هذا الصنف ويرفض أن يأكل من ذاك، وملَّ كتبه. وإذا غضب والده، انفجر باكيًا وترك له الحجرة. وزيادة على ذلك، بدأ يكره معلمه، ولا يذهب إلى المدرسة إلا إذا صاح فيه وانج لنج أو ضربه. وأحيانًا كان يقضي أيامًا كاملة يتسكع في طرقات المدينة.
وأخيرًا ضاق وانج لنج ذرعًا بابنه، فضربه حتى سمعته أو-لان وهرعت إليه من المطبخ، ووقفت بين ابنها وأبيه. وعندما انصرف الفتى، وقفت أو-لان أمام وانج لنج. فرأى أن لديها ما تريد الإفضاء به إليه، فقال لها: «تكلمي! ماذا تريدين أن تقولي، يا أم ولدي؟»
قالت: «لا فائدة من أن تضرب الصبي هكذا. رأيت هذا الشيء ينتاب اللوردات الصغار في أبهاء البيت العظيم. فإذا ما بدر منهم ذلك أسرع اللورد العجوز بتزويجهم.»
قال: «لا حاجة لأن يكون الأمر هكذا. فعندما كنت صبيًّا، لم أُقدِم على مثل هذا البكاء ولا هذه العصبية.»
فقالت أو-لان في تؤدة: «لم أرَ الأمر على هذا النحو إلا مع اللوردات الصغار. إنك كنت تشتغل في الأرض. أما هو فأشبه بلورد صغير، ولا يقوم بعمل ما في المنزل.»
كان هذا مفاجأة لوانج لنج. فبعد برهة من التفكير، رأى الحقيقة فيما تحدثت به. وزها في نفسه أن يكون له ابن هكذا. ولذا قال لأو-لان: «حسنًا، إذا كان كلورد صغير، فهذه مسألة أخرى. سأخطب له وأزوِّجه في سن مبكرة، ويجب عمل هذا.»
ثم نهض وذهب إلى البهو الداخلي.