الباب الخامس والعشرون
أما ابن وانج لنج الثاني فلم يشبه أخاه الأكبر كما يمكن أن يكون عليه شقيقان في بيت واحد. كان من طباعه ما ذَكَّر وانج لنج بأبيه، فقال: «سيكون هذا الولد تاجرًا ناجحًا، سأخرجه من المدرسة وأرى ما إذا كان يمكن أن يتتلمذ في سوق الغلال.»
ولذلك قال لكوكو ذات يوم: «اذهبي إلى والد خطيبة ابني الأكبر، وأخبريه بأن لديَّ شيئًا أود أن أتحدث إليه فيه.»
ذهبت كوكو ثم رجعت تقول: «سيقابلك متى شئت. فإذا ذهبت لتشرب النبيذ عنده ظهر اليوم، كان خيرًا. أو إذا رغبتَ، جاء ليقابلك هنا.»
وهكذا اغتسل وانج لنج، ولبس معطفه الحريري، وخرج يسير وسط الحقول. فذهب أولًا إلى شارع الجسور كما أخبرته كوكو، ثم وقف وطرق بيده بابًا على يمين الجسر ويبعد عنه ببابين.
فُتِح الباب في الحال، ووقفت به خادمة فسألته عمَّن يكون. فلما ذكر لها اسمه، تفرَّست فيه، وصحبته إلى بهو الرجال، ثم أمعنت النظر فيه ثانية إذ عرفت أنه والد خطيب ابنة صاحب البيت. ثم خرجت لتنادي سيدها.
أخذ وانج لنج يدقق النظر فيما حواليه، وسرَّه ما رأى. إذ كان هناك ما يدل على المعيشة الطيبة، وليس على الثراء الواسع. لم يكن يرغب في زوجة ابن غنية لئلا تكون متكبرة وغير مطيعة، وتطلب هذا اللون من الطعام وذاك، وهذه الملابس. وتغيِّر قلب ابنه من جهة والديه.
وفجأة سمع وانج لنج وقع أقدام ثقيلة، ودخل رجل عجوز ممتلئ الجسم. فوقف وانج لنج، وانحنى له. فانحنى له الرجل أيضًا. ونظر كل منهما إلى الآخر سرًّا، وكلاهما يحترم الآخر لمركزه كرجل ثري له قيمته. ثم جلسَا وشَرِبَا من النبيذ الساخن الذي صبته لهما الخادمة. وتحدثَا ببطء في هذا الأمر وذاك. وأخيرًا قال وانج لنج: «جئت لأحدِّثك في أمر. فإذا لم يحظَ منك بالرضا، تكلمنا في غيره. إذا كنت في حاجة إلى خادم في سوقك العظيمة، فهاك ابني الثاني، وهو ذكي. وإن لم تكن بحاجة إليه، فلنتكلم في شئون أخرى.»
فأجاب التاجر بأسلوب راقٍ رقيق: «إنني في حاجة إلى شاب ذكي، إذا كان يعرف القراءة والكتابة.»
فأجاب وانج لنج مزهوًّا: «إن ولديَّ كليهما عالمان ماهران.»
فقال ليو: «هذا عظيم. وليأتني متى يشاء.»
نهض وانج لنج مسرورًا، وضحك وقال: «نحن الآن صديقان. أما عندك ولد لابنتي الثانية؟»
فضحك التاجر بعظمة إذ كان بدينًا ويتغذى غذاء طيبًا، ثم قال: «لي ابن ثانٍ يبلغ من العمر عشر سنوات، ولم أخطب له بعد. كم عمر الابنة؟»
ضحك وانج لنج ثانية، وقال: «ستبلغ العاشرة في عيد ميلادها القادم، وإنها لزهرة جميلة.»
ضحك الرجلان معًا. ولم يتكلم وانج لنج بعد ذلك إذ ليس هذا الموضوع بالأمر الذي يُتحدَّث فيه وجهًا لوجه أكثر من ذلك. ولكنه انصرف مغتبطًا. ولما عاد إلى بيته نظر إلى ابنته الصغرى، وكانت طفلة جميلة. وقد ربطت أمها قدميها ربطًا شديدًا، ولذا كانت تسير في خطوات قصيرة رشيقة.
لما نظر إليها وانج لنج من كثب، رأى على خديها علامات الدموع. وكان وجهها ممتقعًا قليلًا تبدو عليه أمارات الغضب الذي لا يتفق وسنها، فجذبها نحوه قليلًا من يدها الصغيرة، وقال: «ماذا يبكيك؟»
رفعت الطفلة رأسها وقالت في خجل، وفي شبه تمتمة: «لأن أمي ربطت قدميَّ بالقماش، وكل يوم تزيد الربط شدة حتى إنني لا أستطيع النوم بالليل.»
فقال مدهوشًا: «لم أسمعك تبكين.»
فقالت ببساطة: «كلا؛ لأن أمي قالت إنه لا يجب عليَّ أن أبكي بصوت مرتفع لأنك رحيم جدًّا ورقيق القلب فلا تتحمل سماع الآلام، وأنك قد تأمر بترك قدميَّ على حالهما، وبعد ذلك لا يحبني زوجي كما أنك لا تحبها.»
خُيِّل إلى وانج لنج أن خنجرًا قد أُغمد في صدره عند سماعه هذه العبارة. لأن أو-لان أخبرت الطفلة بأنه لا يحبها، وهي أم الطفلة. فقال بسرعة: «حسنًا. وقد سمعتُ اليوم عن زوج جميل لك، وسأطلب من كوكو أن تعمل على تدبير المسألة.»
فابتسمت الطفلة وخفضت رأسها. وفي ذلك المساء، قال وانج لنج لكوكو: «اذهبي واسألي عمَّا إذا كان بالإمكان إتمام هذا الأمر.»
استيقظ وانج لنج في تلك الليلة، وفكر في أو-لان، وكيف أنها كانت خادمة وفيَّة إلى جانبه، وفكَّر فيما قالته الطفلة. فحزن، لأنه على الرغم من كل غباوة أو-لان، فقد رأت حقيقته.
لأول مرة منذ زواج وانج لنج من أو-لان، بدأ يفكر فيها، فنظر إليها في حزن غريب، فرأى أنها نحلتْ وجفَّت بشرتها واصفرَّت لم يفكر في سبب رغبتها في البقاء دائمًا بالمنزل في المدة الأخيرة وفي أنها كانت تتحرك في بطء وتمشي في بطء أكثر. وتذكَّر، وقد فكر في ذلك الأمر الآن، أنه كان يسمعها أحيانًا، تئن في الصباح عند مغادرتها الفراش، وعندما تنحني لتضع الوقود في الفرن. فنظر إليها، وإلى الانتفاخ الغريب في جسمها، فامتلأ حزنًا، وناقش نفسه قائلًا: «ليس خطئي أنني لم أحبها.» ولكي يخفف عن نفسه قال: «لم يحدث أن ضربتها، كما كنت أعطيها النقود كلما طلبتها.»
ولكنه لم ينسَ ما قالته الطفلة. وكان ينظر دائمًا إلى أو-لان عندما تحضر له الطعام، أو عندما تمشي في البيت. وذات يوم، عندما انحنت لتكنس الأرض المصنوعة من الآجُرِّ، بعد تناول الطعام، امتقع لونها من الألم الداخلي، وتوجعت بأنين خافت، فسألها في حدَّة، وقال: «ماذا بك؟»
فأدارت وجهها، وأجابته برقَّة: «لا شيء غير الألم القديم في أحشائي.»
فنظر إليها وقال للبنت الصغرى:
«خذي المكنسة واكنسي لأن أمك مريضة.» وقال لأو-لان في رقة أكثر مما كان يكلمها به لعدة سنوات: «ادخلي إلى حجرتك واستريحي في سريرك، وسآمر البنت بأن تحضر لكِ ماءً ساخنًا. لا تقومي من الفراش.»
أطاعته في بطء، وبدون أن تردَّ عليه، استلقت على سريرها وأخذت تئن أنينًا خافتًا. فجلس ينصت إلى أنينها إلى أن عجز عن احتمال سماعه. فنهض وذهب إلى المدينة ليسأل عن دكان الطبيب.
وجد الطبيب جالسًا بدون عمل وأمامه إبريق من الشاي. فلما أخبره وانج لنج بأعراض مرض زوجته، فتح درجًا وأخذ منه لفافة مغلفة بقماش أسود، وقال: «سآتي الآن.»
عندما وصلا إلى سرير أو-لان، كانت نائمة نومًا خفيفًا والعرق فوق شفتها العليا وجبينها كقطرات الندى. وما إن رآه الطبيب حتى هزَّ رأسه، وقال: «إنها حالة صعبة. إذا لم ترغب في ضمان الشفاء، كتبت لك وصفةً من أعشاب تُغلى معًا وتشرب منقوعها. ولكن إذا رغبت في ضمان تام للشفاء، فادفع خمسمائة قطعة فضية.»
سمعت أو-لان كلام الطبيب، فاستيقظت من نعاسها فجأة، وقالت في ضعف: «خمسمائة قطعة فضية.»
«كلا. إن حياتي لا تساوي كل ذلك المبلغ. يمكن أن تشتري به قطعة أرض طيبة.»
فلما سمعها وانج لنج تقول هذا، عاودته جميع أحزانه، وأجابها بخشونة: «لا أريد وفاةً في بيتي. وفي مقدري أن أدفع النقود الفضية هذه.»
فلما سمعه الطبيب العجوز يقول هذا، أبرقت عيناه جشعًا. ولكنه كان يعلم القانون إذا لم يبرَّ بوعده وماتت المرأة. وعلى ذلك قال: «كلا، فعندما نظرت إلى بياض عينيها. وجدتني مخطئًا. لا آخذ أقل من خمسة آلاف قطعة فضية لضمان الشفاء الكامل.»
عندئذٍ نظر وانج لنج إلى الطبيب في صمت. وفي تفاهم حزين. ليس لديه ذلك المبلغ من الفضة. وكان يعلم أنه حتى إذا باع أرضه فلا فائدة. لأن الأمر ببساطة كان كما قال الطبيب: «ستموت هذه السيدة.»
خرج وانج لنج مع الطبيب ونقده قطع الفضة العشر. وعندما انصرف الطبيب، دخل المطبخ المظلم الذي عاشت فيه أو-لان معظم حياتها، وأدار وجهه إلى الحائط المسود، وانخرط يبكي.