الباب الثالث
لما اقترب موعد ولادة الطفل، قال وانج لنج لزوجته: «يجب أن نأتي بمَن يساعدنا في هذا الوقت .. أية امرأة.»
بَيْد أن المرأة هزت رأسها. كانت ترفع الأطباق من فوق المائدة بعد الانتهاء من طعام العَشاء .. فذهب الرجل العجوز إلى مخدعه، وبقي الاثنان وحدهما في الليل.
فسألها في دهشة: «ألا توجد امرأة؟ كانت مع والدتي سيدة من القرية. ألا توجد أمَة عجوز في البيت العظيم تستطيع المجيء؟»
كانت هذه أول مرة يذكر فيها وانج لنج البيت التي جاءت منه فاستدارت إليه بصورة لم يسبق له أن رآها وقد ارتسمت على وجهها أمارات الغضب الكئيب.
وصاحت فيه: «لا يوجد أحد في ذلك البيت!»
أنزل وانج لنج غليونه، الذي كان قد ملأه، وحملق فيها.
فقال مدهوشًا: «لديَّ فكرة!» ولكنها لم تنبس ببنت شفة. فاستأنف حديثه، يقول: «نحن، الرجلين، لا ندري شيئًا في مثل هذه الأمور. فإذا جاءت إحدى النساء من المنزل العظيم …»
حدجته بنظرها، وبعد لحظة من النظر إليه، قالت: «عندما أعود إلى ذلك البيت، ستكون عودتي ومعي ابني بين ذراعيَّ. سألبسه معطفًا أحمر، وسروالًا أحمر مُزيَّنًا برسوم الأزهار، وأضع على رأسه قلنسوة موشاة من الأمام برسم بوذا مذهبًا، ومعطفًا جديدًا من الساتين الأسود، وسأتوجه إلى المطبخ الذي قضيت فيه حياتي. وسأذهب إلى البهو العظيم حيث تجلس السيدة العجوز، وسأريهم جميعًا نفسي وابني.»
لم يسمع وانج لنج منها مثل هذه الألفاظ كلها، من قبل. فما أغربها! كان يظن أنها لن تفكر في الطفل قط. إذ كانت دائبة على عملها في هدوء.
وأخيرًا قال: «أظنك ستحتاجين إلى شيء من النقود.»
فقالت بخوف: «هل لك أن تعطيني ثلاث قطع فضية. إنها مبلغ عظيم. ولكني حسبت كل شيء بدقة، ولن أبذِّر منها بنسًا واحدًا.»
تحسَّس وانج لنج حزامه. كان قد باع في اليوم السابق حِملًا ونصف حمل من الغاب، قطعه من البركة الموجودة بالحقل الغربي. فوضع الريالات الثلاثة على المائدة. وبعد تردد قليل أضاف ريالًا رابعًا.
وقال وهو يشعل غليونه: «يحسن أن تأخذي هذا أيضًا. قد تصنعين معطفه، بقطعة صغيرة من الحرير. وعلى أية حال، إنه الولد البكريُّ.»
لم تأخذ النقود في الحال، بل وقفت تنظر إليها، ثم قالت في شبه همس: «هذه أول مرة أمسك فيها بيدي نقودًا فضية.»
وفجأة أخذت النقود وأسرعت إلى حجرة النوم.
جلس وانج لنج يدخن، ويفكر في النقود الفضية وهي موضوعة على المائدة. ففي كل مرة قبل ذلك، كانت النقود التي تخرج من يده ليأخذها أي إنسان، أشبه بأخذ قطعة من حياته وإعطائها شخصًا آخر بإهمال. أما الآن، فكانت هذه أول مرة تخرج فيها النقود من يده دون أن يتألم لها. لأنه رأى النقود الفضية تتحول إلى ملابس فوق جسد ابنه. وأن امرأته الغريبة هذه، التي كانت تشتغل في صمت، والتي يبدو أنها لا ترى شيئًا، قد رأت أن يُكسى الطفل هكذا.
لن يكون معها أحد عندما تحين ساعة الولادة وقد أتت تلك الساعة ذات ليلة، في أولها والشمس ما كادت تغرب. كانت تشتغل إلى جانبه في حقل الحصاد. كانا يقطعان الحزم طول النهار. وبدأت تقطع ببطء متزايد، بينما مضى الظهر، وجاء بعده العصر، ثم المساء، فاستدار لينظر إليها في قلق. فوقفت ورفعت بصرها إلى فوق.
قالت: «لقد أتت ساعة المخاض. سأذهب إلى المنزل. لا تدخل الحجرة حتى أناديك.»
سارت الزوجة وسط الحقول إلى المنزل، فوقف زوجها يلاحظها. كان ظلام الخريف السريع يخيم على الكون، وسرعان ما يتبعها إلى الدار.
عندما بلغ وانج لنج البيت وجد العَشاء ساخنًا على المائدة، ووجد والده العجوز يتعشى. لقد وقفت تُعد طعامهم. فذهب إلى باب حجرتهما وناداها، متوقعًا أن ترد عليه، ولكنها لم تفعل.
رفع الشيخ العجوز بصره عن الطبق، ليقول:
«تناول الطعام، وإلا برد كل شيء، لا تشغل بالك بعد .. أمامك وقت طويل.» ثم قال ثانية، كأنما تذكَّر شيئًا من فوره: «قد أكون غدًا في مثل هذه الساعة جدًّا لطفل ذَكر!» ثم جلس هادئًا يضحك لمدة طويلة في ظلام الحجرة.
أما وانج لنج فوقف ينصت عند باب حجرتهما، وإذ تعذر عليه سماع أي شيء، وكان على وشك اقتحام الحجرة، سمع صرخة حادة، فنسي كل شيء.
نسي وانج لنج امرأته وصاح متسائلًا: «أهو رجل؟» فردَّ عليه صوتها ضعيفًا: «رجل.»
ذهب وانج لنج إلى المائدة حيث جلس. وكان الطعام قد برد منذ مدة طويلة، والرجل الهَرِم نائمًا على المقعد. بَيْد أن كل هذا حدث في سرعة. فهز كتف الشيخ العجوز.
صاح وانج لنج ظافرًا، يقول: «إنه طفل رجل! إنك جد وأنا أب!»
استيقظ الرجل المسن فجأة وبدأ يضحك كما كان يضحك قبل أن ينام.
أخذ وانج لنج طبق الأرز البارد وشرع يأكل. وبعد أن تناول منه كفايته، ذهب إلى الباب ثانية، فنادته ليدخل. كانت الشمعة الحمراء موقدة، وهي راقدة فوق السرير عليها الأغطية مرتَّبة، ويرقد إلى جانبها ابنه ملفوفًا في سروال والده القديم، كما هي العادة في تلك المنطقة.
ذهب إلى الفراش، فوقف صامتًا برهة لا يفوه بكلمة. ثم انحنى على الطفل وتفرَّس فيه. لقد كفَّ عن البكاء، ورقد مغمضًا عينيه تمامًا.
نظر وانج لنج إلى زوجته، فنظرت إليه. لقد اندفع قلبه نحوهما، فقال وهو لا يدري ما يقول أكثر من ذلك: «سأذهب غدًا إلى المدينة وأشتري رطلًا من السكر الأحمر وأخلطه بالماء الساخن كي تشربيه. ويجب أن نشتري أيضًا ملء سلة من البيض، ونصبغه باللون الأحمر، ونوزعه في القرية، حتى يعرف كل فرد أن لي ابنًا!»