الباب الحادي والثلاثون
كان وانج لنج يسمع طول حياته عن حرب هنا وهناك، ولكنه لم يَرَها. وعلى حين غرة اقتربت منه الحرب كما تظهر الزوبعة العنيفة في جو السماء.
سمع وانج لنج أول ما سمع من ابنه الثاني الذي قال لوالده: «لقد ارتفعت أسعار الحبوب فجأة؛ لأن الحرب تقترب منا يومًا بعد يوم. فيجب أن نحتفظ بما في مخازننا أطول مدة إذ سترتفع الأسعار وترتفع كلما اقتربت منا الجيوش.»
في أحد أيام أوائل الصيف، قدمت فرقة من الرجال آتية من الشمال الغربي. وذات صباح مشمس كان حفيد وانج لنج الصغير واقفًا أمام الباب، فلما أبصر صفوف الرجال الطويلة ذوي الحلل الرمادية، صاح: «انظر هؤلاء القادمين، أيها العجوز!»
خرج وانج لنج معه إلى الباب، فرأى رجالًا يملئون الشارع، ذوي وجوه غريبة متوحشة، فجذب الطفل إليه، وقال: «هيا بنا ندخل ونقفل الباب؛ فلا يجدر بنا أن نرى هؤلاء الرجال، يا قلبي الصغير.»
وفجأة، قبل أن يستدير وانج لنج، رآه شخص من بين أولئك الرجال، وصاح يناديه: «هيا ابن شقيق أبي العجوز!»
اتجه وانج لنج ببصره نحو ذلك النداء، فإذا به يرى ابن عمه، الذي ضحك بخشونة، وصاح يقول لزملائه: «يمكننا البقاء هنا، يا إخوتي؛ فهذا رجل غني ومن أقربائي!»
قبل أن يتحرك وانج لنج فزعًا، كان الرجال يتدفقون داخل أبوابه، مارين بجانبه، فجرى عائدًا بالطفل ليبحث عن ابنه الأكبر. فلما سمع هذا الابن ما أخبره به والده، تأوَّه وخرج.
ولكنه عندما أبصر ابن عمه، ورأى أن كل رجل يحمل سكينًا، قال: «مرحبًا بابن عمي. مرحبًا بعودتك ثانية إلى بيتك. سنُعِدُّ لكم طعامًا كي يأكل هؤلاء الرجال قبل أن يسيروا في طريقهم.»
فقال ابن عمه متبرمًا: «نعم، ولكن لا حاجة إلى السرعة؛ لأننا سنمكث هنا عدة أيام أو شهرًا أوسنة أو سنتين لأننا سنبقى بالمدينة حتى تستدعينا الحرب.»
تظاهر الابن الأكبر بأنه يجب أن يذهب ويُعِد ما يلزم. وأمسك بيد والده، واندفع كلاهما إلى البهو الداخلي، وأقفل الابن الأكبر الباب بالمزلاج.
جاء الابن الثاني، بعد ذلك يجري، وأخذ يطرق الباب ويلهث، قائلًا: «الجنود في كل منزل وفي كل مكان. يجب أن نعطيهم كل ما يريدون، ولنصلِّ طالبين انتقال الحرب إلى منطقة أخرى في أقرب وقت!»
فقال الابن الأكبر: «يجب أن نضع النساء سويًّا في أبعد بهو داخلي، ونحتفظ بالأبواب مقفلة بالمزاليج.»
وهكذا فعلوا. فشرع الابن الأكبر وأبوه يراقبان الباب ليلًا ونهارًا. وكان الابن الثاني يأتي كلما استطاع.
بَيْد أنه كان هناك ابن العم ذاك، وبسبب قرابته لم يستطع أحد إبعاده، فكان يروح ويجيء كيفما شاء، يحمل في يده سِكينَه لامعةً ومشهورة. وكان دائم النظر إلى هذه السيدة وتلك.
بعد أن شاهد ابن العم كل شيء، دخل ليرى أمه، فدخل معه وانج لنج ليريه مكانها. كانت راقدة على سريرها نائمة، حتى إن ابنها لم يستطع إيقاظها إلا بصعوبة. وأمعن الشاب النظر فيما حوله ليرى ما صارت إليه أمه. وعندما رقدت ثانية ونامت، خرج يتوكأ على قذافته كعصًا في يده.
لم يمقت وانج لنج وأسرته أحدًا من حشد الرجال الجالسين بدون عمل في الأبهاء الخارجية، كما كانوا يمقتون ابن عمهم هذا؛ إذ كان يدخل ويخرج حسبما أراد، ويُلقي نظراته على الإماء. فلاحظت ذلك كوكو، وقالت: «ليس أمامنا إلا أمر واحد؛ وهو أن نعطيه عبدة يتزوجها مدة بقائه هنا.»
فأخبر وانج لنج كوكو بأن تذهب إلى ابن عمه وتسأله عن أية واحدة يريد.
فعلت كوكو ما أمرها به، وعادت تقول إنه يريد الأمَة الصغيرة الزاهية اللون، التي تنام على سرير السيدة.
كان اسم هذه العبدة «نورة الكمثرى»، وهي التي اشتراها وانج لنج في سنة القحط. ولما كانت نحيفة، فقد دللوها وكلفوها بأقل أعمال عند لوتس.
عندما سمعت نورة الكمثرى هذا الأمر، بكت حتى خُيِّل إلى المرء أنها ستموت من كثرة البكاء. وجرت إلى وانج لنج، وجثت أمامه ووضعت رأسها عند قدميه، فقال للوتس: «لننظر ما إذا كان بمقدورنا أن نفعل شيئًا آخر، ونرسل أمَة أخرى إلى ابن عمي.»
أخذت كوكو فتاة ممتلئة الجسم، قد بلغت العشرين من العمر، ليتزوجها ابن العم. ومع ذلك فما زالت الفتاة الصغيرة متعلقة بقدمَي وانج لنج. فرفعها برفق، فوقفت أمامه، فرأى وجهَها صغيرًا ناعمًا بيضيَّ الشكل رقيقًا وزاهي اللون، وفمَها دقيقًا أحمر. فرفعت عينيها ونظرت إليه نظرة كاملة، ثم مرَّت من أمامه وانصرفت.